مكرَّماً في بلدة رأس أسطا في جبيل بحضور إسلاميّ مسيحيّ فاعل فضل الله: لحوارٍ صادقٍ وشفَّافٍ بعدَ سقوطِ كلِّ الحلولِ المطروحة

أقيم حفل تكريم حاشد لسماحة العلَّامة السيِّد علي فضل الله، بدعوة من رجل الأعمال الأستاذ ربيع حيدر أحمد في دارته في  بلدته رأس أسطا في جبيل، حضره حشد من الفاعليات الدينية والسياسية والحزبية والعسكرية والبلدية والثقافية والاختيارية، تقدَّمه المطران جورج صليبا، رئيس دير مار شربل الأباتي طنوس نعمه، سماحة المفتي مالك الشعَّار، قائمقام جبيل نتالي مرعب الخوري، إمام بلاد جبيل الشيخ جهاد اللقيس، الوزير نيكولا صحناوي، العميد شامل روكز، رئيس بلديَّة عنَّايا الدكتور بطرس عبود، رئيس بلدية مشمش سمعان الخوري، رئيس بلديَّة علمات محمد عواد، مدير مكتب النائب نعمة فرام السيِّد ميشال شاهين، مسؤول حزب الله في جبيل وكسروان الشيخ حسين شمص، مسؤول إقليم جبل لبنان في حركة أمل المهندس سعيد نصر الدين، السيد فراس الحسيني، كاتب عدل جبيل الأستاذ شربل النار، الشيخ محمد الزغبي، الدكتور الشيخ مصطفى ملص، الشيخ فراس السنكري، الدكتور عماد فغالي، العميد رياض علام، العميد أحمد شمص، مدير مدرسة المنصف الأستاذ بهاء مخايل، المهندس روبير زعرور، الحاج أحمد مشرف، البروفيسور الشيخ مخلص الجدة، الأستاذ عمر اللقيس، الدكتور خالد اللقيس، المحامي حسين همدر، المختار عماد ملحمي، الدكتور حكمت الحاج، الدكتور حكمت الغداف، المقدَّم علي خير الدين…

استهلَّ الحفل بكلمة معاون مفتي جبيل وكسروان، فضيلة الشيخ محمّد حيدر، مرحّباً في بدايتها بسماحته وبالحضور الكريم، مؤكّداً تميز هذه المنطقة بالتعايش والتلاقي والتواصل، داعياً إلى ضرورة تعزيزه ورفض كلّ الأصوات والخطابات التي تدعو إلى عكس ذلك.

ثم ألقى سماحة العلَّامة فضل الله كلمةً شكر في بدايتها الأستاذ ربيع حيدر أحمد وعائلته الكريمة على هذا التَّكريم وهذا اللّقاء الجامع العابر للطَّوائف، والذي يعبِّر عن رسالية وروحية تربَّى عليها أبناء هذه المنطقة، معبِّرا عن سعادته للّقاء بهذه الكوكبة من الفاعليات المتنوّعة في هذا البيت الكريم الَّذي كان وسيبقى عنواناً للّقاء، وجامعاً لكلِّ أطياف الوطن، والمضحِّي من أجله، وفي هذه البلدة الطيّبة رأس أسطا الّتي تعبق حباً وتواصلاً، وتشعّ خيراً لأهلها ولجيرانها، وفي هذه المنطقة العزيزة من مناطق لبنان الَّتي شكَّلت في كلِّ المراحل، وحتَّى في الأيام الصَّعبة، نموذجاً للتعايش والمحبَّة والتواصل بين كلِّ أبنائها.

وأضاف سماحته: اجتمعنا هنا ليس لتكريم الذَّات أو الشخص بحدِّ ذاته، بل لنكرِّم القيم والمبادئ التي تحقّق للإنسان معنى وجوده في هذه الحياة، وحيث لا معنى للوطن إلَّا إذا بُني على أساسها، القيم الَّتي تجعل الإنسان يعيش إنسانيَّته في إنسانيَّة الآخرين، يحمل همومهم وآلامهم، إنسان الحوار والانفتاح على الآخر بالمحبَّة والخير…

ورأى سماحته أنَّ التنوع في هذا الوطن هو جوهرة ثمينة، ومن مسؤوليَّتنا الأخلاقية والوطنية والإنسانية الحفاظ عليه، وعدم التفريط فيه وتحويله من نعمة إلى نقمة، فلا نسمح لمن لا يريد خيراً لهذا الوطن بأن يخرِّبه أو يعبث به، أو يجعله حقل تجارب لتمرير مشاريعه وخططه، داعياً إلى التوحّد على هذه القيم التي تجمعنا، معتبراً أنَّ من يتعنون بالإسلام أو المسيحية، عليه أن يكون صادقاً في انتمائه وحمله لقيم هذه الأديان.

وأكَّد سماحته أنَّ القيم لا يمكن أن تقسَّم، فليس هناك صدق إسلامي غير الصِّدق المسيحي، أو فساد مقبول وآخر غير مقبول، فهذه القيم لا يمكن لنا أن نجزّئها، أو نقبلها أو نرفضها حسب مصالحنا الشخصيّة والفئويّة.

ولفت سماحته إلى أنّ الوطن يمرّ بمرحلة صعبة ومعقَّدة، ومن واجبنا أن نحفظه، ونحن لسنا عاجزين عن ذلك، ولكن يتوقَّف ذلك على تغيير هذه العقليَّة التي تتحكَّم بواقعنا وتفكيرنا، وأن نخرج من أنانيَّاتنا وأطماعنا ونعمل لحساب هذا الوطن، وليس لحساب هذه الطائفة أو هذا المذهب أو ذاك الموقع السياسي.

أضاف: حرام أن نضيع هذا الوطن في مهبّ رياح الآخرين، حتى بتنا ننتظر هذا الموفد أو ذاك ليساعدنا على حلِّ مشاكلنا. قلتها سابقاً وأكرّرها اليوم أمامكم: الدول ليست جمعيات خيرية، ولا تعمل بالمجّان، لها مصالحها وحساباتها.

وأردف: إنَّ اجتماعنا اليوم هو تعبير حقيقي عن تجلّيات هذا الوعي الوطني والوحدوي، ودورنا اليوم، وكلٌّ من موقعه، المساهمة في إبقاء هذا الوعي حاراً، تمدّه شعلة العقل والضمير المتوقّدة بطاقةٍ لا تتوقَّف، تحرِّرنا من هذه الكهوف الفئوية والطائفية المظلمة، وتعيدنا إلى إيماننا بالله، إلى أدياننا السماويَّة، إلى أحضان الوطن الجامع الذي تجتمع طوائفه وإنسانه تحت راية دولة المواطنة والعدالة، حيث يطمئنّ كلّ مكوّن على مستقبله ومصيره .

 وتابع سماحته: نقولها اليوم في ظلِّ المعاناة التي يعيشها هذا الوطن وإنسانه: تعالوا إلى الحوار الجادّ والبعيد من منطق الغلبة والفرض والإكراه أو الاستعانة بالخارج، الحوار الَّذي لن يكون بديلاً من مؤسَّسات الدولة. فلذلك علينا أن لا نفوِّت أيّ فرصة، أو نهدر الوقت بانتظار الخارج، حتى لا يضيع الوطن. وعلى هذا الأساس، فإننا نستطيع إنجاز الاستحقاق الرئاسي وغيره من الاستحقاقات القادمة.

وأكَّد أنَّ الحوار الشفَّاف والتواصل الصادق والتفاعل المشترك بين اللّبنانيّين، يعدّل من القناعات ويبدِّد من الهواجس، ما يجعلنا نتيقَّن من أن لا مستقبل لنا كأفراد وكطوائف إلَّا بحفظ مستقبل الوطن، وبالعيش المشترك بيننا، والذي نريده أن يتَّسع على طريق بناء عالم أكثر إنسانيَّة، لا عن طريق الانغلاق والتفكير في المزيد من التفتيت لهذا الوطن الصَّغير، بما يشوِّه جماله ويهدِّد أركانه، كتلك الدعوات إلى الفدرلة والتقسيم، وغير ذلك من العناوين التي أثبتت فشلها وعدم واقعيَّتها.

وختم سماحته كلامه بالدَّعوة إلى أن لا نكون الأكثريَّة الصَّامتة عن كلِّ هذا الواقع المؤلم وهذا الفساد، بل نتحوَّل إلى الأكثرية الناطقة والأكثر فعاليَّة، وأن يكون صوتنا مرتفعاً في وجه هذه الحالة، وإلّا لن نستطيع أن نغيِّر واقعنا للأحسن، وسنبقى نرى طاقاتنا الشبابيَّة تهاجر وتترك هذا الوطن بحثاً عن مكان يقدِّرها ويؤمِّن لها سبل الحياة الكريمة.

وفي الختام، تمَّ تكريم سماحته من قبل عائلة آل حيدر أحمد، بتقديم درعٍ على جهوده الحواريَّة والإنسانيَّة والاجتماعيَّة.

***