منَ وصايا الرَّسولِ (ص) في ذكرى وفاتِهِ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيم}[التوبة: 128]. صدق الله العظيم.

ذكرى وفاةِ الرّسولِ (ص)

نستعيد في الثامن والعشرين من شهر صفر، ذكرى وفاة رسول الله (ص)، هذه الذكرى التي تعيدنا إلى اليوم الذي فجع فيه المسلمون بنبيِّهم (ص).

هذا النبيّ الذي عانى وتألم وأوذي كما لم يؤذَ نبيّ قبله، وصبر وقدم التضحيات الجسام، وتعب من أجل أن يوصل إليهم رسالة ربهم، وينقلهم من عبوديتهم للأصنام وجهلهم وتخلفهم، إلى رحاب التوحيد والعلم والحضارة، ليكونوا كما أرادهم الله سبحانه: {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران: 110].

لقد كانوا يرون في رسول الله (ص) الأب والموجِّه والمربي والبشير والنَّذير، ومن يفيض عليهم محبة ورأفة ورحمة وحنواً، وهو رغم علوّ منزلته وعظمة شأنه، كان فيهم كأحدهم، حتى إن القادم كان عندما يأتي إلى حيث مجلسه مع أصحابه، يقول: أيَّكم محمّد؟ لذا أحبه أصحابه حباً لا يدانيه حبّ، كما ينبغي أن يكون الحبّ له، وفدوه بأنفسهم وأموالهم وأهليهم وأولادهم، وأحبَّه الله حبّاً لم يبلغه نبيّ من أنبيائه، والذي جاء التعبير عنه عندما أعلن أنه يصلي عليه مع ملائكته، وهو دعا المؤمنين، وعلى مر الزمن، إلى ذلك، بأن يصلّوا عليه ويسلّموا تسليماً فقال: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب: 56].

ونحن اليوم، وتعبيراً عن وفائنا لرسول الله (ص) وحبّنا له، لن نكتفي بإظهار مشاعرنا تجاهه، بل أن نهتدي بهديه، وسنتوقَّف عند بعض وصاياه التي حرص عليها قبل أن يغادر حياته، ليرى موقفنا منها ومدى تعبيرنا عنها.

لا نجاةَ إلَّا بالعملِ

الوصيّة الأولى: توجَّه بها إلى كلّ من آمن به، ودعاهم فيها إلى أن لا يتَّكل من لهم قرابة به على هذه القرابة، أو من ينتمي إليه على هذا الانتماء، أو بإظهار مشاعر الودّ له، بل على العمل بالرسالة التي جاء بها ودعا إليها، وبذل جهده لأجلها، فبهذا وحده يبلغ الإنسان ما عند الله والنجاة من عقابه.

فقد قال: “أيّها الناس؛ لا يتمنَّ مُتَمنٍّ، ولا يدَّع مُدّعٍ، إنَّه ليس بين الله وبين أحد شيءٌ يُعطيه به خيراً أو يدفعُ به عنه شراً إلَّا العمل، ألا إنَّه لا يُنجي إلا عملٌ مع رحمة، ولو عَصيتُ لَهَويتْ“.

وهذا هو ما قاله بكلّ وضوح وصراحة لأرحامه وأقاربه وعشيرته: “يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اعملوا لما عند الله، لاَ أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ الله شَيْئاً. يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يا عم رسول الله، اعمل لما عند الله فإنّي لاَ أُغْنِي عَنْكَ مِنَ الله شَيْئاً. يَا صَفِيَّةُ بنت عبد المطلب يا عمة رسول الله، اعملي لما عند الله فإنّي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئاً. يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، اعملي فإنّي لاَ أُغْنِي عَنْكِ مِنَ الله شَيْئاً“.

وهذا ما عبَّر عنه عليّ (ع): “إنَّ وليَّ محمَّد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإنَّ عدوَّ محمّدٍ من عصى الله، وإن قربت قرابته“.

الوحدةُ بينَ المسلمين

والوصيّة الثّانية، توجَّه بها إلى أمَّته التي كان يخشى عليها أشدَّ الخشية من أن يتفرَّق شملها، وتتشظَّى وتعبث بها الأهواء والمصالح والفتن، والَّتي جاء بها في حجة الوداع، عندما قال: “أيّها النَّاس، اسمعوا قولي واعقلوه عنّي، فإنّي لا أدري، لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا… أيّها النّاس؛ إنَّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربَّكم… ألا هل بلَّغت؟ اللَّهمَّ اشهد… أيّها النّاس، إنّما المؤمنون إخوة، ولا يحلّ لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفسٍ منه.. ألا هل بلَّغت؟ اللَّهمَّ اشهد.. ألا لا ترجعنّ بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض…“.

ومع الأسف، كان خوف رسول الله (ص) في محلّه، فما إن غادر الحياة، حتى بدأت الفتن تعبث بأمّته، وتفرّق صفوفهم، وتبدّد شملهم، وتهدّد وحدتهم، ولا تزال. وباتت الخلافات التي تحدث على الصعيد المذهبي أو الحزبي أو العائلي أو العشائري، أو بين الدول التي تعلن انتماءها إلى رسول الله (ص)، تعالَج بالعنف وسفك الدماء وهتك الأعراض والحرمات، أو بالقطيعة والهجران والتباعد، في وقت ينبغي اللجوء إلى الحوار بينهم لإزالة أيّ هواجس تحدث بينهم، وإلى التواصل، استناداً إلى قاعدة الأخوّة الإيمانيّة التي دعا الله سبحانه وتعالى إليها وفرضها على المؤمنين حتى عندما يختلفون، بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ}[الحجرات: 10]، وتأكيد القواسم المشتركة وما يجمع، والوقوف معاً كالبنيان المرصوص يشدّ بعضه بعضاً، في مواجهة من يتهدَّد الإسلام والقيم التي دعا إليها.

لا خلودَ لبشر

أمَّا وصيّته الثالثة، فكانت بعدما بلغه أنّ الناس، نساءً ورجالاً، تبكيه لدنوّ أجله، حينها جاء إلى المسجد، ووقف قائلاً: “أمّا بعد، أيُّها الناس، فماذا تستنكرون من موت نبيِّكم؟! ألم ينع إليكم نفسه وينع إليكم أنفسكم؟! أم هل خُلِّد أحد ممّن بعث قبلي فيمن بعثوا فأخلَّد فيكم؟! ألا إنّي لاحق بربي، وقد تركت فيكم إماماً إن تمسَّكتم به لن تضلّوا؛ كتاب الله بين أظهركم تقرأونه صباحاً ومساءً، فيه ما تأتون وما تدَّعون، فلا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا، وكونوا إخواناً كما أمركم الله، ثمّ أُوصيكم بعترتي أهل بيتي، أن لا تفترقوا عنهم أبداً حتى تقوم السّاعة“.

كشفُ حساب

أمّا وصيَّته الرابعة، فقد كانت في اللحظات الأخيرة قبل وفاته، حيث تذكر السيرة أنَّه جاء متوكئاً على عليّ (ع) وابن عمّه الفضل بن العباس، ليبين لهم حجم التضحيات التي حملها، والأثمان التي دفعها من أجل إيصال هذا الدّين، حتى يشعرهم بالمسؤولية تجاه رسالته، ويقول: “معاشر أصحابي، أيّ نبيّ كنت لكم؟ ألم أجاهد بين أظهركم؟ ألم تكسر رباعيتي؟ ألم يعفَّر جبيني؟ ألم تسل الدِّماء على حرّ وجهي حتى كنفت لحيتي؟ ألم أكابد الشدّة والجهد مع جهَّال قومي؟ ألم أربط حجر المجاعة على بطني؟ قالوا: بلى يا رسول الله، لقد كنت لله صابراً، وعن منكر بلاء ناهياً، فجزاك الله عنَّا أفضل الجزاء… ثم قال: وأنتم جزاكم الله خيراً، ثم قال بعد ذلك: إنَّ ربي عزّ وجلّ حكم وأقسم أن لا يجوزه ظلم ظالم، فناشدتكم بالله، أيّ رجل منكم كانت له قبلي مظلمة، فليأتني أعطه إياها، ومن كان له عليَّ دَيْن فليخبرني به.. وأيّ رجل منكم كانت له قِبَل محمَّد مظلمة إلَّا قام فليقتصّ منه، فالقصاص في دار الدنيا أحبّ إليَّ من القصاص في دار الآخرة على رؤوس الأشهاد، وفضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة… ولا يقولنَّ أحد منكم إني أخاف العداوة والشّحناء من رسول الله، ألا إنَّ العداوة والشحناء ليستا من طبيعتي“.

لقد أراد رسول الله من خلال وصيَّته، أوّلاً، أن يقدِّم أنموذجاً لكلّ من يتبوّأون مواقع، بأن يقدِّم كل منهم حساباته إلى الناس، وأن يكونوا مستعدين لتقبل نقدهم، وأن لا يروا النقد عندما يوجَّه إليهم إساءة وانتقاصاً، بل يروه هدية لهم ومنحة تساعدهم على تجاوز أخطائهم وسدّ نقائصهم.

وثانياً: أن يبيّن الصّورة التي ينبغي أن يقدم بها الناس على ربهم، بأن يقدموا عليه وهم على ثقةٍ بأن لا أحد له حقّ عليهم، وإذا كان في ذمَّتهم شيء من ذلك، أن يسارعوا إلى التَّوبة، ويعيدوا الحقوق والمظالم إلى أصحابها، من دون استخفافٍ أو استصغار، حتى لا يقفوا موقف ذلّ وهوان في يوم يتعلَّق المظلومون بظالميهم، حيث القصاص هناك شديد، وحيث يوم المظلوم على الظالم أشدّ من يوم الظالم على المظلوم.

وقد ورد في الحديث: “إنَّه ليأتي العبد يوم القيامة وقد سرَّته حسناته، فيجئ الرجل فيقول: يا ربّ ظلمني هذا، فيؤخذ من حسناته فيجعل في حسنات الذي سأله، فما يزال كذلك حتى ما يبقى له حسنة، فإذا جاء من يسأله، نظر إلى سيّئاته، فجعلت مع سيّئات الرجل، فلا يزال يستوفى منه حتى يدخل النار“.

تجديدُ العهدِ بالولاء

في ذكرى وفاة رسول الله (ص)، لنتوجّه بكلّ قلوبنا وعقولنا إلى مقام رسول الله (ص)، لنقول له ما قاله أمير المؤمنين (ع): “بأَبِي أَنْتَ وأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ، لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْإِنْبَاءِ وأَخْبَارِ السَّماءِ، ولولا أننا نهينا عن الجزع وأمرنا بالصّبر، لأنفدنا عليك ماء الشّؤون، ولكان الدّاء مماطلاً والكمد محالفاً“. لنجدّد له عهد الولاء للدّين الذي جاء به.

ولندع الله عند ذلك من كلّ قلوبنا: “اللَّهمَّ فارفعه بما كدح فيك إلى الدّرجة العليا من جنّتك، حتى لا يساوَى في منزلة، ولا يكافَأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرَّب، ولا نبيّ مرسل، وعرّفه في أهله الطّاهرين، وأمّته المؤمنين، من حسن الشَّفاعة، أجلّ ما وعدته يا ربّ العالمين“.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة رسول الله (ص)، حيث ورد أنَّ إعرابياً جاء إلى رسول الله (ص)، فأخذ بغرز راحلته، وهو يريد بعض غزواته، فقال: يا رسول الله: علّمني عملاً أدخل به الجنّة! فقال: “ما أحببت أن يأتيه النَّاس إليك فأته إليهم، وما كرهت أن يأتيه إليك فلا تأته إليهم، خلِّ سبيل الراحلة”.

إنَّنا أحوج ما نكون إلى هذه الوصيَّة التي إن التزمنا بها سنكون أكثر عدلاً وإنسانيّة، وهي السبيل لوصولنا إلى رضا الله وبلوغ جنَّته، ونصبح بها أكثر قدرة على مواجهة التحديات.

تداعياتُ الأزمة

والبداية من الواقع المعيشي والاقتصادي، حيث تستمرّ معاناة اللبنانيين على هذا الصعيد بفعل الارتفاع المستمر في أسعار السِّلع والموادّ الغذائية والدواء، ولا سيَّما أدوية الأمراض المستعصية والاستشفاء، وكلفة النقل وتأمين الكهرباء والاتصالات، والحاجات الأساسية والضرورية كافّةً، والتي أدَّت إلى عجز كثير من اللبنانيين عن تأمين مقاعد دراسة لأولادهم، لارتفاع أقساط المدارس والجامعات الخاصَّة، وعدم قدرتهم على تأمين مستلزمات التعليم وكلفة النقل، فيما الغموض لا يزال يلفّ مصير فتح المدارس الرسمية والجامعة اللبنانيَّة ما يعرّض الطلاب لضياع العام الدراسي عليهم.

ولم تقف تداعيات ذلك عند عدم القدرة على تأمين هذه الاحتياجات أو النقص منها، بل إلى أن يخاطر بعض منهم بأنفسهم وبأولادهم وعائلاتهم، ويركبوا مراكب يعرفون مسبقاً أنها قد تهدِّد حياتهم وتؤدِّي إلى غرقهم للهروب من جحيم هذا البلد، ما ولَّد مآسي شهدناها سابقاً وتكررت بالأمس.

يأتي كلّ ذلك في وقت يستمرّ من يتولّون إدارة الدولة بإدارة الظهر لكلّ ما يجري، ويتعاملون معه وكأنّ البلد بخير، فلا يدعوهم كلّ ذلك إلى إعلان حال طوارئ اقتصادية واجتماعية، واستنفار جهودهم من أجل إيقاف هذه المأساة بكلّ تداعياتها الكارثية، بل نرى إمعاناً في زيادة الأعباء عليهم ومدّ اليد إلى جيوبهم الفارغة، لتأمين تمويل نفقات الدولة، كما ظهر وسيظهر في الموازنة المطروحة حالياً.

حكومةُ ملءِ الفراغ!

وإذا كان من أجواء إيجابيَّة بدأت تلوح في الأفق لتأليف حكومة، فرغم أهميَّة هذه الخطوة، لكنها مع الأسف، لم تأت بدافع الحاجة الملحَّة إلى حكومة إنقاذ تخرج البلد من الواقع المزري والمأساوي، وتكون بمقوّماتها حكومة قادرة على النهوض بأعباء هذه المرحلة الصعبة، بل الهدف منها هو ملء الفراغ الذي بات، مع الأسف، مسلَّماً به لدى القوى السياسية على صعيد رئاسة الجمهورية، لمنع الجدل والتجاذب السياسي والدستوري الَّذي قد يحدث إن بقيت حكومة تصريف الأعمال إلى وقت الفراغ.

إننا أمام هذا الواقع، نعيد دعوة كلّ من هم في مواقع المسؤوليَّة إلى الرأفة بالناس وتحسّس آلامهم ومعاناتهم والقيام بدورهم، لإخراج البلد من معاناته بـتأليف حكومة نريدها حكومة كفوءة قادرة على إيقاف الانهيار والقيام بالإصلاحات المطلوبة الَّتي بات يتوقف عليها تقديم العون للبنان، والتي، مع الأسف، لم تحصل حتى الآن.

في الوقت الذي نعيد التأكيد على ما قلناه سابقاً، من ضرورة تهيئة كلّ الظروف التي تضمن انتخاب رئيس للجمهورية يكون بمستوى هذه المرحلة، ويحمل تطلعات وآمال كلّ اللبنانيين التواقين إلى بناء دولة خالية من الفساد، وقادرة على النهوض بمقدّراتها الكفيلة بحلّ أزماتها لو أُحسن استثمارها، بدل التَّسليم للفراغ الذي بات حديث الساعة ومحطّ انتظار تدخلات الخارج لتحقيقه.

أزمةُ المودعين.. والمصارف

ونعود إلى الملفات المطروحة، حيث لا تزال قضية المودعين في الواجهة بعد كلّ ما جرى في الأسبوع الماضي على صعيد المصارف، والخوف من عودته لعدم قيام المصارف بأيّ مبادرة حل توقف غضب المودعين، والاكتفاء بإقفال أبوابها حتى لا تكون عرضةً للمودعين المطالبين بأموالهم أو بحلّ أمنيّ يمنع المودعين من السَّعي لتحصيلها.

إنَّنا نصرّ على الحفاظ على القطاع المصرفي لأهميَّته، وإبقاء أبوابه مفتوحة لكونه ضمانة لاقتصاد هذا البلد، ولتيسير شؤون المواطنين الذين لا يمكنهم الاستغناء عنه.

ولكن من شروط تحقيق ذلك هو العمل الجادّ لمعالجة أزمة المودعين من قبل المصارف، ومن ورائهم الدولة المعنية بالمصارف وبمواطنيها، ولا سيما إذا كانت سبباً في حصول هذه الأزمة وإيصال المصارف إلى ما وصلت إليه.

الحاجةُ إلى الفيولِ الإيرانيّ

أما على صعيد الكهرباء، حيث تستمرّ العتمة تلفّ المناطق اللبنانية كافّةً، لعدم توفر الفيول لتشغيل معاملها، فإنَّنا نأمل أن تفضي المداولات التي جرت مع الجمهورية الإسلامية التي أبدت استعدادها الكامل لتأمين الفيول، إلى نتائج عمليَّة تضمن وصولها بأسرع وقت ممكن، لحاجة اللبنانيين الماسَّة إليها في هذه المرحلة، وإن لم تكن حلاً جذرياً، وأن لا تقف أيّ عوائق تقنية أو غير تقنية حائلاً أمامها، ونأمل أن يكون ذلك دافعاً لدول أخرى حريصة على هذا البلد لتقديم مساهماتها، بما يسرّع من تجاوز لبنان لأزمته على هذا الصعيد.

الحذر في ملفِّ التّرسيم

أمَّا على صعيد ترسيم الحدود البحرية، فإنَّنا نأمل أن تتحقَّق الأجواء الإيجابية التي تمّ الحديث عنها عبر التصريحات ووسائل الإعلام، ولكن التجارب الكثيرة مع العدوّ علَّمتنا أن لا نستغرق مع هذا العدوّ في التفاؤل. ونبقى على حذر إلى وقت انجلاء الصّورة الحقيقيّة، حيث نخشى أن يكون وراء إشاعة التفاؤل هذه هو كسب المزيد من الوقت ريثما تنتهي انتخاباته ويتَّضح المسار الانتخابي في لبنان ليبني على الشيء مقتضاه.

مسؤوليَّةُ تحقيقِ العدالة

أما على صعيد اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، فإننا نريد لهذا المنبر العالمي أن لا يكون منبراً لمن يريدون إذكاء الصراعات ونزيف الدماء والحروب والفقر والمجاعة في هذا العالم، بل لإخمادها، والذي لن يكون إلا بالعمل لتحقيق العدالة المفقودة في هذا العالم، والحدّ من هيمنة الدول الكبرى على الدول الصغرى وإثارة الفتن داخلها، ليكون لها الحقّ بتقرير مصيرها ،وحقّ شعوبها في الحياة الكريمة والاستفادة من ثرواتها.