من أهمِّ أهدافِ عاشوراء: الأمرُ بالمعروفِ ومواجهةُ المنكَر

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. صدق الله العظيم.

مسؤوليَّة الأمَّةِ والأفراد

لقد أشارت هذه الآية بكلِّ وضوح إلى أنَّ مسؤوليَّة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تقف عند حدود الأفراد، بل تمتدّ على مساحة الأمَّة كلها، فالأمَّة برجالها ونسائها وشبابها وفتياتها وكهولها، معنيّون بالتعاون فيما بينهم وتضافر جهودهم لتحقيق هذا الهدف، في مواجهة الواقع القائم الَّذي يوجِّه جهوده وطاقاته، ويستنفر قدراته وإمكاناته لتعزيز ظلمه وفساده وانحرافه من خلال مؤسَّسات وجمعيات ودول، ما يدعو إلى أن تكون المواجهة بحجم هذا التحدّي، وإلى هذا التعاون أشارت الآية: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.

وقد اعتبره القرآن الكريم المقياس الذي به تقاس الأمم، عندما اعتبر أن لا خير في أمّة تسكت عن الانحراف الذي يحدث في داخلها أو خارجها، ولا تقوم ولا تدعو كلّ من فيها إلى الخير والعمل بالمعروف، ولذلك يقول عزّ وجلّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}، وذلك في إشارته إلى أنَّ أمَّة رسول الله (ص) كانت خير أمَّة، عندما أمرت بالمعروف ونهت عن المنكر وبذلت لأجل ذلك التضحيات.

فيما جاء التحذير من التخلّي عن هذه الفريضة، ورد ذلك في قوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.

 وفي الحديث عن رسول الله (ص): “لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهنّ عن المنكر، أو ليعمّكم عذاب الله”.

وفي حديث آخر له (ص): “إنَّ الله عزَّ وجلّ‏َ ليبغض المؤمن الضعيف الَّذي لا دين له. فقيل: وما المؤمن الضعيف الَّذي لا دين له؟ قال: الَّذي لا ينهى عن المنكر”.

وقد ورد في وصية الإمام عليّ (ع) لولديه الحسن والحسين (ع) بعد أن ضربه قاتله الملعون ابن ملجم: “لا تَتْرُكُوا الأَمْرَ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ، فَيُوَلَّى عَلَيْكُمْ شِرَارُكُمْ، ثُمَّ تَدْعُوْنَ فَلا يُسْتَجَابُ لَكُم”.

واجبُ مواجهةِ المنكَر

أيُّها الأحبَّة: إننا نعاني في واقعنا، سواء على الصَّعيد الديني أو الأخلاقي أو الاجتماعي أو السياسي، لأنَّنا بتنا نمرّ مرور الكرام على من يفعل المنكر أو من يترك المعروف، وكأنَّنا لم نر شيئاً، لا نحرك ساكناً في مواجهته، ومن دون أن نستنكره حتى بقلوبنا، حتى وصل بنا الأمر إلى أن نرى المنكر معروفاً والمعروف منكراً.

وهذا يعود إلى أننا بتنا لا نريد أن نتعب أنفسنا به، فإمَّا غير مبالين بأن نغيِّر من حولنا وما يصدر عن الآخرين، أو أننا استسلمنا للواقع الظالم والفاسد والمنحرف، ووصل بنا إلى اليأس من أيِّ تغيير، وصارت الكلمة المتداولة عندنا “فالج ولا تعالج”، أو أننا نخشى إن وقفنا في وجه الظالم أو الفاسد، أو رفضنا انحرافاً، أو دعونا إلى الحقّ والعدل، أن يؤثِّر ذلك في وظيفتنا أو موقعنا، أو أن نخسر رضا هذا أو ذاك، أو فرصة نريد الوصول إليها، أو أن ندان بأنّنا نسير عكس التيار.

أيُّها الأحبَّة: نحن معنيون بواقعنا، لأن الانحراف والفساد عندما يستشري، لن يوفِّر أحداً، وسيصل إلينا وإلى بيوتنا، وسيهدِّد واقعنا، وإنّ الحقَّ والعدل والخير والقيم عندما يتجذّر في واقعنا، فسننعم بنتائجه وبركاته.

إنَّ علينا أن لا يغيب عن بالنا، نحن الَّذين نصلي ونصوم ونحجّ، أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو واجب كما الصَّلاة والصّيام والحجّ، بل هو الباب والمفتاح لكلِّ هذه الواجبات، وبدونه، لم تكن كلّ هذه الفرائض.. هو كما أشار الحديث: “فريضة عظيمة، بها تقام الفرائض، وتأمن المذاهب، وتحلّ المكاسب، وترد المظالم، وتعمر الأرض، وينتصف من الأعداء، ويستقيم الأمر”.

تقديرُ إمكاناتِ المواجهة

وهذا لا يعني أن نلقي لأجل ذلك بأنفسنا في التهلكة، وأن نحمِّلها ما لا طاقة لها به، فهذا ما لا يدعو إليه الإسلام، بل نحن مدعوّون إلى أن نقوم بهذا الواجب ضمن الإمكانات والقدرات التي نمتلكها، والقدرات التي لدينا، وبما نستطيع القيام به، ونراعي الظروف التي نعيش فيها.

فقد ورد في الحديث: “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان”. فإذا لم تستطع أن تواجهه بيدك، فلينطق به لسانك، وإن لم تستطع بلسانك، فليخفق قلبك به انتظاراً لفرصة تسنح لك أن تتحرَّك.

وقد طمأن الحديث الوارد عن الإمام عليّ (ع) من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، أنَّ هذا لن يكون سبباً يفقدهم أرزاقهم أو مواقعهم: “اعلموا أنَّ الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر لن يقرِّبا أجلاً، ولن يقطعا رزقاً”، لأنَّ الله عزَّ وجلَّ الَّذي لأجله يدعون إلى المعروف وينهون عن المنكر، لن يدعهم وحدهم، بل سيكون لهم ناصراً ومؤيِّداً، وهذا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

التّخطيطُ ودراسةُ الأسلوب

ومن هنا، أيُّها الأحبَّة: نحن مدعوّون إلى أن نخطِّط للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أن ندرس الأسلوب الذي نوصل به المعروف وننهى به عن المنكر، ونكون حكماء في العمل له، وأن نصبر لتحقيقه كما صبر الأنبياء والرسل وكلّ الدّعاة إلى الله، أن ندعو إليه بما دعا إليه الله سبحانه وتعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}.

وفي الحديث: “إنَّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به، تارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر، عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر، رفيق فيما ينهى”.

وقد ورد في الحديث: “إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ، فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ”. وهو الأسلوب الذي اعتمده رسول الله (ص)، والذي كان السَّبب في نجاح دعوته وفي إيصالها إلى النَّاس، عندما قال: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

نعم، قد يستخدم الأسلوب القاسي والعنف لتحقيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن هذا ليس هو المبدأ، بل هو الاستثناء، فلا يؤخذ هذا الخيار إلَّا عندما يكون هو الأسلوب الوحيد ولا بديل منه، ويؤدي إلى بلوغ الهدف.

عاشوراءُ تعزِّزُ المسؤوليَّة

أيُّها الأحبَّة: إنَّ قيمة عاشوراء أنها تأتي كلَّ سنة لتذكِّرنا بهذه المسؤوليَّة لتعزّزها فينا، فالحسين (ع) لم ينطلق في ثورته، ولم يبذل التضحيات الجسام، إلا لأنه رأى المعروف صار غريباً، والمنكر يعمل به، وراح الناس يبيعون قيمهم ومبادئهم لقاء مال أو موقع، وقد عبَّر عن ذلك بقوله (ع): “إني لم أخرج أَشِراً ولا بَطراً، ولا مُفسداً ولا ظالماً، وإنّما خَرَجْتُ لطَلب الإصلاح في أمَّة جدّي رسول الله (ص) ، أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المُنكَر.. فمن قبلني بقبول الحقّ فالله أولى بالحقّ، ومن ردَّ عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحقّ، وهو خير الحاكمين”. لقد رأى من واجبه أن لا يسكت، وأن يرفع الصوت عالياً، رغم وعيه أنَّ هذا سيكلِّفه ثمناً باهظاً وتضحيات جساماً.

وهو في ذلك لم يكتف بجهده، بل عمل (ع) على استنهاض الأمَّة، وحثّها على أن تمارس دورها في تحقيق هذه الفريضة، وتحذيرها من التهاون بها، عندما قال: “يا أيُّها الناس، إن رسول الله (ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً، مستحلَّا لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنَّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيِّر ما عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشَّيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطَّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرَّموا حلاله، وأنا أحقّ من غيرَّ”. وعندما راح ينادي بهم: “ألا تَرَوْنَ أنَّ الحَقَّ لا يُعْمَلُ بِه، وَأنَّ الباطِلَ لا يُتناهى عَنهَ، لِيَرْغَبْ المُؤْمِنُ في لِقاءِ اللهِ مُحِقّاً، فَإنِّي لا أرَى الْمَوتَ إلَّا سَعادَةً، والحَياةَ مَعَ الظَّالِمينَ إلا بَرَماً”.

عمل على ذلك بالكلمة الطيّبة والحوار والإقناع، لكنَّه عندما رأى أنَّ إصلاح هذا الأمر، وإخراج الأمَّة من لا مبالاتها، أو من خوفها على مصالحها أو على حياتها، بات يحتاج إلى أن يبذل دمه ودماء أصحابه، لم يبخل بذلك، فرفض أن يساوم على حساب الحقّ والعدل، وقال: “لا أعطيكم بيدي إعطاء الذَّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد”.

كيفَ نُخلِصُ للحسين (ع)؟!

لذلك أيُّها الأحبَّة: إنَّ إخلاصنا لعاشوراء، وتجديدنا للعهد مع الحسين (ع)، لن يقف عند حدود حضور المجالس، وذرف الدّموع، ولطم الصّدور، وإقامة المآدب، والنّداء باسمه واسم زينب وكلّ الصّفوة الطيّبة، إنما أن نكون في الموقع الَّذي كان فيه الحسين (ع)، بأن تكون لدينا العزيمة والإرادة والهمَّة والتصميم التي تجعلنا نعمل للحقّ والعدل والخير، وأن نرفض بأن يحرَّم حلال الله ويحلَّل حرامه، وأن يعصَى الله ويطاع الشَّيطان، وأن لا نسكت على ظلم أو فساد أو انحراف، وأن لا نخاف في الله لومة لائم، ومهما بلغت التضحيات والأثمان.

القرار بيدنا، نسأل الله أن يعيننا لنكون لسان حقّ ودعاة عدل، وصوتاً صارخاً في مواجهة كلِّ من يريد العبث بدين الله، والمسّ بمصالح الناس ومقدّراتهم ومستقبلهم، بذلك نستحقّ أن نكون من أصحاب الحسين وأتباعه وشيعته والموالين لهم، وتعبيراً عن قول الله عزَّ وجلَّ: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بما ورد عن الحسين (ع) وهو في قلب معركة كربلاء، حيث ورد في سيرته أنَّه حين حضر وقت صلاة الظّهر، وفي وقت كانت المعركة على أشدّها، جاء أبو ثمامة الصيداوي، وهو أحد أصحاب الحسين (ع) إلى الحسين، وقال له: “يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء! إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله، وأنا أحبّ أن ألقى ربي وقد صلَّيت هذه الصَّلاة التي دنا وقتها. فرفع الحسين (ع) رأسه إلى السَّماء، ثم قال: “ذكرت الصَّلاة، جعلك الله من المصلّين الذّاكرين، نعم، هذا أوَّل وقتها.

فوقف الحسين (ع) مع أصحابه وأهل بيته يصلّون، فيما وقف سعيد بن عبد الله الحنفي أمامه يقيه من النّبال التي كانت توجَّه إليه (ع) وهو في صلاته، وبقي على هذه الحال حتى أثخن بالجراح من النّبال الَّتي وصلت إليه، وما إن انتهى الحسين (ع) وأصحابه من الصَّلاة، حتى سقط هذا الصحابي الجليل على الأرض، وقبل أن تفيض روحه الطَّاهرة، توجَّه إلى الحسين (ع) قائلاً: أوفيت يا بن رسول الله؟ قال: “نعم، أنت أمامي في الجنة”.

أيُّها الأحبَّة، هذا هو الحسين، وها هم أصحابه، كانوا واعين لأهميَّة الوقوف بين يدي الله للصَّلاة، لذا لم يشغلهم عنها شاغل، وحرصوا على أن لا يؤخّروها، وأن تكون صلاتهم في أوَّل وقتها، ولأجلها تبذل الدماء.

إنَّ إخلاصنا لهذه الصفوة الطيّبة لن يكتمل إلا بالالتزام بما حرصوا عليه، بالحفاظ على الصلاة وعدم التهاون بها، وأن نحرص على أن نؤدّيها في أوّل وقتها، ومتى فعلنا ذلك، فستتعزَّز علاقتنا بالله، وسنكون أكثر قدرة على مواجهة التحدّيات.

ملفٌّ معطَّل

والبداية من الاستحقاق الرئاسي الَّذي يبدو أنَّه سيبقى في حال مراوحة إلى أجلٍ نخشى أن لا يكون قريباً، بعدما أصبح واضحاً أن لا رغبة حتى الآن لأيٍّ من القوى السياسيَّة بتغيير مواقفها من الخيار الَّذي أخذته على صعيد هذا الاستحقاق، رغم وعي كلٍّ منهم أن لا أحد قادر على حسم خياره، فيما الخارج الَّذي يراهن عليه أنَّه هو الملاذ للحلّ، لا يبدو أنه على عجلة من أمره، لاعتبارات لدى هذا الخارج، وكلٌّ له اعتباره.

وإذا كان من حراكٍ كالَّذي حصل بزيارة الموفد الفرنسي، فرغم أنَّه فتح كوَّةً للحلِّ من خلال دعوته إلى حوار يرعاه بعد عودته من إجازته الصيفيَّة، فلا يبدو، وفي ظلِّ ما صدر من مواقف وما سيصدر، أنَّ الطَّريق إليه ممهَّدة، وإن حصل، فلن يكون باباً للحلّ في ظلِّ عدم استعداد أيّ من الأطراف للتنازل عن خياراتهم الَّتي يرونها مصيريَّة تتصل بوجودهم أو حضورهم. ونحن في الوقت الّذي نرحِّب بأيّ حوار يدعى إليه اللّبنانيون وندعو إليه، لكننا نخشى أن يكون هذا الحوار هو من باب تمرير الوقت الضائع، انتظاراً لإنضاج حلول على صعيد المنطقة أو العالم لا بدَّ أن تسبق أي حلّ في هذا البلد.

لذلك، نعيد ما كنا ندعو إليه القوى السياسيَّة المعنيَّة بهذا الاستحقاق، أن تتحمل مسؤوليتها بالقيام بالدور المطلوب منها، بإخراج هذا الاستحقاق من حالة المراوحة، وأن تقوم بواجبها بإخراج من أودعوهم مواقعهم، ولا يزالون يقفون معهم رغم معاناة النّاس المستمرّة، والتي تزداد يوماً بعد يوم، إن على الصَّعيد المعيشي والحياتي، أو التفلت الأمني الِّذي يهدِّد أمنهم واستقرارهم وحياتهم، أو التَّداعيات التي أدَّى إليها بالوصول إلى الشغور في حاكميَّة المصرف المركزي، وما قد يتسبَّب به من آثار قد تكون كارثيَّة على الانتظام المالي أو على صعيد الاستقرار النقدي، بعدما أصبح واضحاً أن لا إمكانيَّة لتعيين حاكم في ظلِّ الظروف الراهنة، والعقبات الَّتي تقف أمام تسلّم نواب الحاكم لمهامهم. وهنا نأمل أن يسارَع لإزالتها، منعاً لأيّ تداعيات يتسبَّب بها الشّغور في هذا الموقع.

حسابُ الحاكمِ!

ونبقى على هذا الصَّعيد، لنشير إلى المسؤوليَّة التي تقع على حاكم المصرف المركزي، بأن يقدم حسابه إلى اللّبنانيّين قبل أن يغادر موقعه، وأن يجيب عن الأسباب التي أدَّت إلى وصول البلد إلى ما وصل إليه، إن على صعيد ماليَّة الدولة والمصارف، لكونه المؤتمن عليها، أو الرقابة على المصارف والضامن لها تجاه من أودعوا أموالهم عندهم.

إنَّنا نخشى أن يغادر الحاكم ونغرق في الحديث عمّن يتولى موقعه في غيابه، وتضيع الحقائق بفعل التغطية التي يمتلكها، وفي دولة ينعدم فيها الحساب، فلا يعرف معها اللّبنانيون أين ذهبت أموالهم أو أموال الدولة الَّتي كان الحاكم للمصرف المركزي وفريقه ضامناً لها.

تفجيرٌ لضربِ الاستقرار

ونتوقَّف عند الجريمة التي حصلت في منطقة السيِّدة زينب (ع)، والتي أدت إلى سقوط عدد كبر من الشهداء والجرحى.

إنَّنا إذ ندين هذا التفجير الَّذي تقف وراءه جهات تسعى لضرب استقرار هذا البلد والمسّ بوحدته وإثارة الغرائز الطائفيّة والمذهبيّة، ندعو إلى الوعي والحذر، كما ندعو إلى مزيد من الوحدة، والعمل الجادّ لمواجهة هذا المخطَّط الإجرامي وأهدافه وكشف مرتكبيه لمنعه من تحقيق أهدافه.

يومُ عاشوراء

وأخيراً، نتوقَّف عند العاشر من محرَّم الذي يأتي إلينا ليذكِّرنا بما حصل في هذا اليوم الأليم من استباحة دم ابن بنت رسول الله وأهل بيته وأصحابه وسبي نسائه، لا لذنب لهم بل لأنهم أرادوا إيقاظ الأمَّة من سباتها وبعث الحياة فيها، لتؤدِّي دورها في إصلاح واقعها، وإزالة الفساد الذي راح يعبث فيها ويهدِّدها، والانحراف الذي راح يدبّ في مفاصلها.

إننا معنيّون بأن نشارك كلّ هذه الصفوة الطيّبة آلامهم ومعاناتهم، وأن نرفع راية الإصلاح التي رفعوها في مواجهة كلِّ أنواع الفساد، وأن نتحرَّك بها في المجالس وفي المشاركة بمسيرات العزاء، والَّتي نريدها أن تكون بشعاراتها وممارساتها ومظاهرها تعبيراً حضارياً نقدِّم فيها الصّورة المشرقة لتلك الصفوة الطيّبة والأهداف التي عملوا لها، فلا نسمح بأيّ مظهر يشوِّه هذه الصّورة ويسيء إلى الحاملين للوائها.

في الوقت الّذي نريدها مناسبة وحدويّة جامعة لكلِّ المسلمين ولكلِّ دعاة الإصلاح والحقّ والعدل والحريَّة، وأن يقوم الجميع في إحيائها في أبهى صورة من صور الوحدة الإسلاميَّة، وكتعبير عن محبَّة الجميع للحسين (ع).

***