هل يمكن للانسان الذي أعلن الايمان ورفع شعاره ان ينحرف؟

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِين وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}

هل يمكن للانسان الذي أعلن الايمان ورفع شعاره ان ينحرف؟

نعم..  يأتيك الجواب من خلال هذه الآيات التي تلوناها، والتي تدور قصتها حول انموذج هو "بلعام بن باعوراء". هذا الرجل الذي تذكر السيرة انه عاصر النبي موسى(ع)، وكان من أقرب الناس إليه، وممن يعتمد عليهم في دوره الرسالي. وقد بلغ هذا الرجل من العلم ان صار من ابرز علماء بني اسرائيل ، حتى انه كان اذا دعا يستجيب الله دعاءه.  ويقال انه كان لديه العلم بالاسم الأعظم الذي اذا دُعي به الله يُستجاب الدعاء. ويُقال الكثير عن المرتبة التي وصل اليها والموقع الذي وصل اليه.

فماذا حل به حتى أورد الله قصته في القرآن الكريم لنتفكّر بها. باختصار: دعاه فرعون، وأغراه بالمال والموقع، فترك كل تاريخه، وتنكّر لإيمانه، وصار بعدها من اعداء النبي موسى، وأعداء رسالته، وممن يبررون لفرعون ظلمه وجبروته.

إنه مثلٌ في غاية الوضوح: إنحدر من قمة التديّن والإيمان الى النقيض والحضيض..

وهنا السؤال الآخر الذي يطرح نفسه: هل للايمان ان يذبل ويذوي ويفسد فجأة، وفي لحظة من اللحظات ومن دون انذار؟  والجواب هو لا. فإعلان الانحراف هو نتيجة، هو آخر المطاف, هو لحظة الانكشاف ، هو  لحظة انقطاع الحبل الذي يربط  هذا الانسان بربه.. لكن هذا الحبل لم ينقطع فجأة، انما بدأ بالانحلال والاهتراء قبل ذلك بكثير. وهنا تستحضرني حكاية حكيم مر ذات يوم باعرابي يندب حظه، لان الحبل الذي يسحب فيه الماء من البئر، ومنذ 20 سنة قد انقطع للتوّ، فقال له الحكيم: هذا الحبل لم ينقطع الآن، بل بدأ بالانقطاع منذ عشرين سنة) لهذا فان الحبل بيننا وبين الله لا ينقطع فجأة، بل نتيجة عدم خضوعه لصيانة دائمة، تبدأ خيوطه بالتفتت تدريجيا، لتصل للحظة لا رجعة فيها.

ما يؤدي الى الانحراف لدى الانسان هو(سوسة) تدخل نفسه، ولكنه يخفيها وراء مئة قناع وقناع .. فالانسان الذي يهمل نفسه فلا يزكيها اويطهرها او يعالجها،  يجعل  السوسة تكبر في داخله، وتتضخم الى ان تصبح وحشا وغولا يستوطنه: حب الدنيا، الموقع، السلطة، المال.. كلها سوسة تبحث عن فرصة لتطل برأسها.. ويكمل الانسان لعبته، يضع عينه على موقع او صلاحيات او امتيازات او ثروة او ارصدة، فتجده يزحف تدريجيا، يتبع هواه ويرتدي الأقنعه التي تظهره حريصا عفيف النفس ومستغنيا..

هذا الانسان يزداد تحكم نفسه فيه لدرجة أنه لا يرى غير مصلحته ومنفعته، وعندما تأتي الفرصة يتلبّسه الاغراء، ويتخلى عن كل شيء، يشطب تاريخه، ومبادئه بشحطة قلم، وينقلب تماما كبلعام بن باعوراء الذي انقلب من مساعد لنبي الله موسى الى مساعد لفرعون.. ونظن ان الامر حصل فجأة: فلان فجأة سرق، فجأة صار مدمنا، او اصبح عميلا او فجأة انحرف، فجأة تخلى واصبح من الحاقدين او المعادين الخ ..لا.. هذا خلاف المنطق .. خاصة اذا فهمنا أمرا هو ان  اكثر من يشتغل بمنطق الاستراتيجيا، اي التفكير على سياسة الخطوة خطوة هي النفس الامارة بالسوء..وبكل كتمان، ولا يلحظ احد عليها شيئا، الا صاحبها، الذي لا بد أنه يشهد عليها {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا ..} { بل الانسان على نفسه بصيرة ولو القى معاذيره}

….من اجل هذا فان العمل مع النفس  ينبغي ان يكون وقائيا ومستمرا ، هو عمل  يومي وفي كل ساعة : يسلط الانسان كاميرا من ضميره لمراقبة نوازعه واهوائه ثم يعرض كل ذلك على قلبه: "استفت قلبك ولو افتاك المفتون" ان العمل مع النفس عالصدمات والازمات لا ينفع بلحظتها، مثلا من يُغرر بهم اليوم بفتاوى ويشتغل على عصبياتهم من اجل السيطرة وتنفيس الاحقاد.. هؤلاء من الصعب جدا اقناعهم الآن بأن ما يقومون به هو طاعة للشيطان، الذي زرع في داخلهم التعصب والحقد فتربى وتربى حتى كبر وصار وحشا قاتلا يقتل نفسه ويقتل الآخرين. هؤلاء من الصعب عندهم التراجع فقد اصبحوا في مكان بعيد بعيد  بالرغم من انهم يرتدون لباس الحرص على الدين..

لهذا فإن الوقاية مطلوبة، كذلك الفحص الدائم للنفس مطلوب، وهذا ما تترجمه الاستقامة.

{..الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}: القول والاشهار وبعدها الاستقامة .. ومشكلتنا ونتيجة التربية والافكار السائدة وما درجنا عليه، هو اننا عادة ما نكتفي بالاشهار: ربنا الله، نمارس الطقوس ونتخذ الشكل، والشكل خطير يا اخوان: المظهر الخارجي.. التواجد في هذا المكان او ذاك..  الانتماء الى فلان او الجماعة الفلانية، كلها شكل…  نحن عادة نتسرع بأن نحكم على الآخرين من الشكل، والمفارقة أننا نتسرع ايضا عندما نحكم على حالنا ونقيمها ايضا من خلال الشكل: انا ملتزم, انا ملتحٍ، انا محجبة، انا زرت، انا حجيت ،هذا كله شكل خارجي هذه صورة.. اما الاصل والمضمون والجوهر فمرهون بالاستقامة في الحياة، الاستقامة التي تعني استحضار الله في تفاصيل كل عمله نؤدّيه: "لا تنظروا الى كثرة صلاة المرء لربما اصبحت عادة اعتادها بل انظروا الى صدق الحديث وأداء الامانة"

والاستقامة تعني اعتدال السير في الخط المستقيم، الذي رسمه الله للحياة، خط العدل والانصاف والنزاهة، هو الثبات عليه وعدم التنازل عنه لأي اعتبار..

ومن هنا نفهم ايها الأحبة لماذا طلب الله عز وجل منا ان ندعوه في كل صلاة، اهدنا الصراط المستقيم، مع اننا من المفروض انه اهتدينا، ولهذا نحن نقف في الصلاة بين يدي الله ونلبي امره.. فالله يريدنا وعند كل صلاة وقراءة الفاتحة ان ندقق جيداً في مسارنا وفي اي طريق نسلك، والى اين نتجه. حتى لا نكون من المغضوب عليهم ولا نكون من الضالين.

ان الطريق ايها الاحبة محفوفة بالمخاطر وهناك من هو جاهز ليسحبك خلال سيرك الى هذه الجهة او تلك , ومن هنا  قد نجد في الواقع متدينا يعرف قيم الإيمان وقد يدرسها ولكنه يفتن او يكذب او يخون أو يرتشى، وحتى قد يقتل ويستبيح الدماء، ودائماً كما نقول يذبحها على القبلة وغالباً ما يعطها غطاءً دينياً.

ان الامر ليس بالسهل أبدا، ومعاناة  من اختار الاستقامة ،ولو على قطع رقبته شديدة ، لهذا تكمل الآية كتطمين ومكافأة من رب العالمين: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا}

ايها الاحبة

الاستقامة هي القيمة التي دعا الله اليها من استخلفهم في الارض ولم يستثن . حتى الأنبياء والرسل ، لذا قال الله لرسوله في سورة هود: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} وهنا نشير الى ان رسول الله عندما نزلت هذه الآية قال: «شمروا.. شمروا»، وما رؤي بعد ذلك ضاحكاً، وكثيراً ما كان يقول: لقد شيبتني سورة هود ..

 وامر الاستقامة هو ما توجه به الله عز وجل لنبيّيه موسى وهارون، إذ قال لهما: {… قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} وبهذا التوجه أجاب رسول الله(ص) احد اصحابه عندما قال له: «يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا اسأل عنه احداً غيرك» (أي اكتفي به) قال له: «قل آمنت بالله… ثم استقم».

أيها الأحبة

تعالوا لنؤكد الاستقامة في حياتنا …

– الاستقامة لعقولنا فلا تقبل الافكار الملتوية والمتخلفة والخرافية

– الاستقامة لقلوبنا فلا تنبض الا بالمحبة

– الاستقامة لألسنتنا فلا تنطق الا بالحسنى

– الاستقامة لجوارحنا لتعمر الارض ولا تفسدها

-الاستقامة لنياتنا فتصفو ولا تُسرّ غير ما تُعلن

-ان تستقيم رغباتنا  فلا تطلب الا  ما احله الله

-ان يستقيم ديننا  فلا نتبع السبل فَتَفَرَّقُ بنا.

ايها الأحبة .. لقد قدم القرآن الكريم نموذج بلعم بن باعوراء ذلك المنقلب من ضفة الايمان الى ضفة الكفر، وفي مقابله وفي المرحلة نفسها قدم انموجاً رائداً لتلك المرأة المؤمنة زوجة فرعون ،  التي قالت الله ربي ثم استقامت وكلفتها الاستقامة ان تستغني عن  لذات الدنيا وشهواتها وزخارفها ، وتحمّلت نتيجة ذلك التعذيب وحتى الصلب، واكتفت بأن توجهت الى ربها قائلة: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}

«العمل العمل ثم النهاية النهاية والاستقامة الاستقامة» بها ناشد امير المؤمنين أصحابه..  فالبداية عند كل من أعلن ايمانه معروفة، والنهاية التي يرجوها معروفة، والمهم الخط الواصل بينهما اي الطريق الذي نسلكه  ويبقى السؤال.. كيف نسلكه؟

اللهم ثبتنا على دينك ما أحييتنا ولا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، فإنها خير الزاد. ومن التقوى، الأخذ بهذه العبرة، حيث يُذكر أنَّ رجلاً اسمه بهلول، كان الناس يعتبرونه من المجانين، ولكنه كان أعقل العقلاء، رأى هارون الرشيد ذات يوم في الطريق، فناداه بأعلى صوته، ومن دون أي لقب: يا هارون. فسأل الرشيد: من هذا؟ فقيل له: بهلول. فقال له: "ألا تعرف من أنا؟". قال: بلى، أعرفك، أنت الَّذي لو ظُلم أحدٌ في المشرق وأنت في المغرب، سألك الله عنه يوم القيامة.

اهتزَّ هارون الرشيد لكلام بهلول وبكى، ثم قال له: ألك حاجة؟ فأجابه: نعم، أن تغفـر لي ذنوبـي، وتدخلني الجنـة. فقال هارون الرشيد: هذا ليـس بيـدي، ولكن نأمر لك برزق يأتي إليك إلى أن تموت. فقال له بهلول ساخراً: أنا وأنت عبـدان لله، فهل يمكن لله سبحانه أن يذكرك أنت وينساني أنا؟ ثم تركه وانصرف.

أيها الأحبة، لا يمكننا، ولو للحظة واحدة، أن نتصور أنَّ الله قد ينسانا، فهو لم يتركنا في دائرة النسيان عندما كنا في بطون أمهاتنا، وعندما خرجنا إلى الحياة، وهو معنا أينما كنا، وبذكره نشعر بالاطمئنان والأمان والأمل، ونواجه كلّ الصعوبات.

لا تزال هذه المنطقة بكلّ ما تمثّل، ومن خلالها لبنان، عرضة للاستهداف ممن عمت عيونهم عن رؤية ما جنته أيديهم في كل التفجيرات السابقة، من الدمار، والعبث بحياة الناس الأبرياء، وهم في الطرقات، أو مواقع عملهم، أو في بيوتهم، وصمَّت آذانهم عن سماع أنين الجرحى وعويل الثكالى، وتبلَّدت مشاعرهم عن التفاعل مع مآسي الأطفال والشيوخ والنساء الذين استهدفتهم التفجيرات، فأرادوا أن يكرّروا هذه المشاهد بكلّ آلامها وأحزانها، لولا العناية الإلهية التي حفظت هذه المنطقة ولبنان.

وهنا، لا بدَّ من أن نثني على الإنجاز الّذي قام به الجيش اللّبناني، والَّذي أكّد الحضور الفاعل لهذه المؤسسة الوطنية في مواجهة كلّ العابثين بأمن الوطن في الداخل والخارج. ونحن إذ نشدّ على يد الجيش، ندعو المواطنين جميعاً إلى مساعدته على أداء دوره، وأن يكون كل منهم خفيراً في السّاحة الَّتي يتواجد فيها، كي لا يجد مفجّرو الفتنة حرية الحركة في أية منطقة لبنانيّة، وننبّه الجميع إلى أنَّ الإرهاب يستهدف الجميع، ولن يحصر عمله في منطقة دون أخرى.

وفي الوقت نفسه، ندعو كلّ القيادات السياسيَّة التي ثمّنت دور الجيش، إلى أن لا تكتفي ببيانات التأييد، بل أن تتحمَّل المسؤولية تجاه البلد، لإخراجه من دائرة التشنّج السياسي، وتعزيز مناخات الوحدة فيه، وذلك من خلال الخطاب السياسي المتوازن والواعي، وإطلاق عمل المؤسسات على جميع المستويات، بدءاً من الحكومة التي نتمنى أن يتحوّل ما نسمعه عنها من أخبار سارة إلى واقع، وصولاً إلى مختلف المؤسسات التشريعية والحكومية وما إلى ذلك.

لقد آن الأوان ليخرج هذا البلد من حال المراوحة التي يعيش فيها، والتي نرى أنها لا تعبّر عن مناخ دولي أو إقليمي، بقدر ما تعبر عن مصالح يراها البعض أساسية لوجوده، أو لطائفته، أو موقعه السياسي، أو طموحاته. إن هذه المرحلة تحتاج إلى الرجال الكبار الذين يخرجون من حساباتهم الخاصة إلى حساب الوطن، وإذا كان البعض يرى أنها تحتاج إلى مراجعة سياسية للخروج من هذا النفق الأمني الذي نعاني منه، فإننا ندعو إلى إجراء هذه المراجعة المطلوبة دائماً، على أن تكون من الجميع، وهدفها حماية هذا البلد من كل ما يهدد أمنه.

وهنا، نعيد التشديد على كل الذين يتحدثون عن أمن لبنان وحمايته، أن ينظروا إلى الصورة الكاملة، وكل ما يُخطّط لهذه لمنطقة، وما يُرسم لها من مشاريع تستهدفها لحساب الدول الكبرى.

ونحن في هذا اليوم، نستعيد مناسبة حزينة؛ مناسبة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، هذه المناسبة التي تركت تداعياتها على كل المرحلة السابقة. وعلى الرغم من أن اللبنانيين اختلفوا في تقييم مرحلة حكمه، فإنهم اتفقوا جميعاً على العناوين التي مثّلت الثوابت الأساسية لتوجهاته، والتي حرص عليها في كل مرحلته السياسية، وهي العمل لتعميق وحدة المسلمين، والوحدة الوطنية، والنهوض بالواقع الاقتصادي والعمراني، وإبقاء لبنان قوياً أمام التحديات التي تواجهه، وانفتاحه على محيطه العربي والإسلامي، وفتح جسور التواصل مع العالم.

إننا نريد لهذه العناوين أن تكون الثوابت التي تُبنى عليها علاقات اللبنانيين مع بعضهم البعض، ولا سيما المسلمون منهم، حيث تكمن الخطورة في العمل الحثيث للعبث بوحدة الساحة الإسلامية. وفي الوقت نفسه، نريد للعدالة أن تأخذ مجراها، بعيداً عن كل الحسابات السياسية التي نخشى دائماً أن تدخل على خطها، في عالم لا تحكمه العدالة، بل المصالح.

ونحن إذ نقف في هذه الأيام في ذكرى القادة الشهداء للمقاومة الإسلامية، لنستعيد جهادهم، وتضحياتهم، وعملهم الدؤوب من أجل حماية هذا الوطن وكل أوطاننا وبلداننا، من الكيان الصهيوني الذي يبقى هو المشكلة الأساس للبنان والعرب والمسلمين، نريد لهذه المناسبة أن تعزز لدى اللبنانيين أهمية هذه المقاومة ودورها، إلى جانب الجيش اللبناني، في مواجهة العدو الصهيوني، والذي نخشى أن يكون هناك من  من لم يعِ بعد خطره وأطماعه، أو نسيه. ولذلك، يستمر في توجيه سهامه إلى هذه المقاومة، التي كانت ولا تزال عنصراً أساسياً من عناصر حماية لبنان واستقلاله وعزته.

إنَّ الوفاء لهؤلاء الشهداء، ولكل شهداء المقاومة، يكون بأن تبقى البوصلة باتجاه هذا العدو، الذي يدنّس في هذه الأيام المسجد الأقصى، ويسعى إلى تقسيمه زمانياً ومكانياً، ويعمل على تهويد فلسطين، ويستبيح سماء لبنان وبره.

وعلى المستوى السوري، فإننا نأمل أن يساهم جنيف 2 في دورته الثانية، في فتح ثغرة في جدار الأزمة التي تعصف بسوريا لإضعافها وإضعاف موقعها لحساب الكيان الصهيوني، وإن كنا نرى أن باب الحلول لم يفتح من قِبَل دوائر القرار، ليبقى هذا البلد مشرّعاً على كل الرياح العاتية ولعبة المصالح الدولية والإقليمية، ولتستمر معاناة الشعب السوري وآلامه. ورغم كل ما نشهده، فلا زلنا نعوّل على قرار شجاع من قِبَل السوريين، يقلبون به الطاولة على كل الذين يريدون لسوريا أن تُستنزَف، ولا يبقى لها موقع للقوة في المنطقة والعالم.

وفي هذا المجال، فإننا نقدّر الخطوة الإنسانية التي جرت في حمص، ونريدها أن تكون مقدمة لخطوات أكبر تشمل مناطق أخرى. وهنا، نذكّر بالحصار الذي تتعرض له مناطق مثل الفوعة ونبل والزهراء وغيرها.

وأخيراً، إننا نلتقي في هذه الأيام بالذكرى الخامسة والثلاثين للثورة الإسلامية في إيران؛ هذه الثورة التي قدَّمت أنموذجاً في قدرة المستضعفين على الخروج من ضعفهم، رغم ضغوط كل المستكبرين، والتي تتطور باستمرار في ميادين البناء والعلم.

وهنا، لا بدّ أن نقدّر عالياً سياسة الانفتاح الجديدة للجمهورية الإسلامية، التي تبديها مع كل الدول الإسلامية والعربية ومحيطها، ونرى أن سياسة اليد الممدودة التي أعلنت عنها مع كل الدول الإسلامية، ولا سيما السعودية، لا بد أن تُقابل بالمثل، لأن ذلك هو السبيل لإخراج العالم العربي والإسلامي من الفتن والصراعات، ولبناء موقع قوة له في هذا العالم الذي لا يعترف إلا بالأقوياء.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 14ربيع الآخر 1435هـ الموافق : 14  شباط 2014م

 

 

Leave A Reply