يومُ الغدير: اختيارُ عليٍّ (ع) لحفظِ الإسلامِ وقيادةِ المسلمين

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}[المائدة: 3]. صدق الله العظيم.

الرَّسولُ يبلِّغُ أمرَ الله

في الثامن عشر من شهر ذي الحجَّة الحرام، نزل جبريل على رسول الله (ص) في غدير خمّ وهو في طريق عودته وجموع المسلمين من الحجّ، والذي سمي بحجة الوداع، لكون رسول الله (ص) قد تحدَّث خلالها عن قرب دنوّ أجله، وفعلاً توفي بعد أشهر قليلة منها، حيث دعاه الله سبحانه وتعالى أن يبلِّغ ما أمره به قبل أن تتفرق جموعهم ويعود كلٌّ إلى بلده، فقال له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَالله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: 67].

كان هذا النداء واضح الدلالة على أهميته وخطورته، حيث دعا الله رسوله (ص) أن يبادر إلى إبلاغه، وأن لا يتأخَّر فيه، رغم شدَّة حرارة الشّمس، وفي تلك الصحراء القاحلة والجرداء، وإلا ستضيع كلّ الجهود التي بذلها والتضحيات التي قدَّمها هو وأصحابه سدى. وفعلاً، سارع رسول الله (ص) بالطلب من الركب الذي كان يصاحبه أن يجتمعوا إليه، وأن لا يتخلّف منهم أحد، ليسمعهم ما دعاه الله سبحانه إليه…

فقال لهم: "أيُّها النّاس، إِنِّي أُوشِكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبَ، وإني مسؤول وأنتم مسؤولون. أيُّها النّاس، إني لكم فرط، وإنّكم واردون عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلّفوني في الثّقلين". قيل: وما الثّقلان يا رسول الله؟ قال: "الأكبر كتاب الله عزّ وجلّ، والآخر الأصغر عترتي أهل بيتي، وإنَّ اللّطيف الخبير نبّأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض، فلا تقصّروا عنهما فتهلكوا". بعدها، دعا إليه عليَّاً، فأخذه بيده ورفعها، ثم قال: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟"، قالوا: بلى، قال: "ألست أولى بكلِّ مؤمن من نفسه؟قالوا: بلى، قال: "فمنْ كنت مولاه، فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحقّ معه حيثما دار. ألا فليبلّغ الشّاهد منكم الغائب". بعدها، راح المسلمون يهنّئون عليّاً، ويقولون بخ بخ لك يا عليّ، اليوم أصبحت مولى كل مسلم ومسلمة.

وعندها، نزلت الآية: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}.

فنادى رسول الله (ص) عندها: "الله أكبر، الله أكبر على إكمال الدِّين وإتمام النّعمة ورضا الرّبّ برسالتي".

المؤهَّلُ لحفظِ الإسلامِ

لقد كان هذا البلاغ واضحاً في دلالاته وأهدافه، وأنّ الله عزَّ وجلَّ أراد منه اختيار من هو مؤهَّل ليحفظ الإسلام الذي جاء رسول الله (ص) ليبلغه، ولأجله قدمت التضحيات الجسام، وأن يبقى نقياً صافياً لا تطاله يد التحريف، وأن يقود المسلمين ليواجهوا التحدّيات التي كانت لا تزال ماثلةً أمامهم؛ من المشركين أو المنافقين في الداخل، أو تحدّي الرّوم والفرس، وعلى كل الصعد، بعد غياب رسول الله (ص) عن ساحته.

وقد اختار الله سبحانه علياً (ع) لكونه يمتلك كل الخصائص الذاتية والمؤهّلات الروحية والعلمية والشجاعة التي تؤهله للقيام بهذا الاختيار.

فعليّ (ع) هو من تربى في بيت رسول الله (ص) وعلى عينه، وهو من كان له السَّبق إلى الإسلام، لم يسبقه أحد إليه سوى رسول الله (ص).

وفي ذلك، يقول ابن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة: "وما أقول في رجلٍ سبق النّاس إلى الهدى، وآمن بالله وعبده، وكلّ من في الأرض يعبد الحجر، ويجحد الخالق، لم يسبقه أحد إلى التّوحيد إلّا السّابق إلى كلّ خير، محمّد رسول الله (ص)".

وقد كان (ع) سندا ًوعضداً لرسول الله (ص) وحامياً، لذا رأيناه يبيت على فراشه يوم أراد رسول الله (ص) أن يهاجر من مكَّة إلى المدينة، بعدما قررت قريش قتله، فنام على فراشه متحملّاً مخاطر هذا المبيت، رغم أنَّه كان يعلم أنَّ هناك أربعين فارساً كانوا ينتظرون الفجر حتى يجهزوا عليه في الفراش. يومها، اكتفى عليّ (ع) بأن يقول لرسول الله (ص): أوتسلم يا رسول الله؟ قال: بلى، فقال: اذهب راشداً مهدياً، والله لا أبالي أوقعت على الموت أو وقع الموت عليّ.

وفي ذلك نزلت الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة: 207].

وعلى صعيد العلم، كان باب مدينة علم رسول الله، والَّذي جاء في قول رسول الله (ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها، فمن أراد أن يدخل المدينة، فلا يدخلها إلا من بابها". وإلى علمه، أشار الخليل بن أحمد الفراهيدي، إمام علم العروض في الشِّعر، حين سئل: لم فضَّلت عليّاً على غيره؟ قال: "احتياج الكلّ إليه، واستغناؤه عن الكلّ، دليل على أنّه إمام الكلّ".

وقوله: "ماذا أقول في رجل أخفى أعداؤه فضائلَه حَسَداً، وأخفاها محبّوه خوفاً، وظهر مِن بَينِ ذَيْنِ وَذَيْنِ مِن فضائله ما مَلأ الخافقين".

وهو من تصدر كلّ الحروب التي خاضها في حياة رسول الله (ص)، شهدت له بذلك بدر وأحد والأحزاب وخيبر وفتح مكّة وحنين… ومن قال عنه رسول الله (ص) عندما برز في معركة الخندق لعمرو بن ودّ العامري: "برز الإيمان كلِّه إلى الشّرك كلّه"، "إن ضربة علي يوم الخندق تعادل أعمال الثقلين". وفي معركة خيبر، قال (ص) بعدما عجز غيره عن فتح بابه: "لأُعطينَّ الرَّاية غداً رجلاً يُحبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحبُّه اللهُ ورسولُه، يفتح الله على يديه، كرّاراً غير فرّار"، وأعطاها يومها لعليّ (ع).

الأمينُ على الإسلام

ولكن ورغم كلِّ ذلك، لم تسر الأمور كما أراد رسول الله (ص)، عندما أسندت الخلافة إلى غير عليّ.

لكنّ عليّاً الأمين على الإسلام والمسلمين، والواعي لدقّة الظروف، لم يحرّك ساكناً في ذلك، رغم أنه كان قادراً على مواجهة ما لحق به من ظلم، لأنه كان واعياً بالخطر الذي يحدق بالإسلام والمسلمين ممن كانوا ينتظرون الفرصة لينقضوا عليه، وحينها قالها كلمته: "لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جورٌ إلا عليّ خاصّة".

وجاءت الأيام لتثبت موقع عليّ في حفظ مصالح المسلمين، عندما تسلَّم سدَّة الخلافة بعدما أبعد عنها، لم يجامل أحداً على حسابهم، وواجه لأجل ذلك الناكثين والقاسطين والمارقين، والذي عبر عنه عندما قال: "ما ترك الحقّ لي من صاحب".

مصلحةُ الإسلامِ أوّل

ولذلك، أيُّها الأحبَّة، فإنَّنا عندما نحيي يوم عيد الغدير، فإنّنا لا نحييه لاستثارة الغرائز والعصبيات المذهبية وتعميقها، بل على العكس، فإننا نريده أن يكون مناسبة للتشديد على أن المصلحة الإسلامية العامَّة هي فوق كل اعتبار، ولتأكيد القواسم المشتركة، ولتعزيز لغة الحوار الموضوعي البعيد من الانفعال والتوتر بين المذاهب الإسلاميّة، حول ما جرى في يوم الغدير الذي يتوافق المسلمون جميعاً على حصوله.

هذا في الدّائرة الإسلاميّة العامّة، أمّا إحياء هذه المناسبة للملتزمين بنهج أهل البيت (ع)، فيكون بأن نحمد الله على ما أنعم به علينا، وأن نتمسّك بقوّة بخطّ أهل البيت (ع)، والذي لا ينبغي أن يقف حدود الانتماء والعاطفة، بل بأن نتمثلهم بسلوكهم ومواقفهم، ونأخذ بهدي كلماتهم التي تنبع من كلام رسول الله (ص)، وبما عملوا له وما دعونا إليه، والتي جاء تعبيرها في حديث الإمام الباقر (ع) مع أحد أصحابه حين قال له: "فوالله ما شيعتنا إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون، يا جابر، إلا بالتواضع والتخشع والأمانة وكثرة ذكر الله والصّوم والصّلاة والبر بالوالدين والتعاهد للجيران من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام وصدق الحديث وتلاوة القرآن وكفّ الألسن عن الناس إلَّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء".

وفي حديث الإمام الصَّادق (ع): "لا تذهبنَّ بكم المَذاهبُ، فواللهِ لا تُنال ولايتنا إلّا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومُواساة الإخوان في الله… وليس مِن شيعتنا من يَظلمُ الناسَ"..

أيّها الأحبّة، إن التزامنا بهذا المنطق هو وحده يجعلنا نستحقّ أن نكون من الملتزمين برسول الله (ص)، ومن أتباع عليّ (ع)، ومن شيعة أهل البيت (ع)، وأن نقول: الحمد لله الذي أكرمنا بهذا اليوم، وجعلنا من المؤمنين بعهده وميثاقه الّذي واثقنا به من ولاية أمره، والقوّامين بقسطه.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الهادي (ع) أحد أصحابه؛ هذا الإمام (ع) الذي نستعيد ذكرى ولادته في الخامس عشر من شهر ذي الحجّة، حين قال له: "اذكر مصرعك بين يدي أهلك، ولا طبيب يمنعك، ولا حبيب ينفعك"، حيث يدعو الإمام (ع) أن نتذكَّر اللحظة التي نغادر فيها الحياة، حيث لا يستطيع أهلنا ولا أحباؤنا ولا الطبيب الذي يعالجنا أن يمنعوا عنا الموت، ويقفون عاجزين عن نجدتنا رغم شدّة حرصهم على حياتنا.

نتذكر تلك اللحظة، حتى نستعد لها للقيام بما ينفعنا ويقينا مما سنواجهه حين نقف وحدنا في قبرنا، وبعد ذلك بين يدي ربّنا، والاستعداد لذلك، كي نكون مزوَّدين بالإيمان المقرون بالعمل الصَّالح والأثر الطيب الذي نتركه في حياة الآخرين.

إننا أحوج ما نكون إلى الأخذ بهذه الوصية، حتى نكون بذلك أكثر التزاماً بهذا الإمام (ع) وولاءً له، وأكثر وعياً بالحياة التي لن نأخذ منها حين نغادرها لا مالاً ولا جاهاً ولا أولاداً، بل عملاً وسيرة طيبة. وبذلك نكون أكثر مسؤوليّة وقدرةً على مواجهة التحديات.

تداعياتُ الانهيار

والبداية من الانهيار الذي أصاب هذا البلد، والذي لم تقف تداعياته عند حدود ما يعانيه اللبنانيون للحصول على الحد الأدنى من احتياجاتهم، بل وصل إلى حد عدم قدرة الدولة على تأمين الاحتياجات اللازمة لتسيير مرافقها، والتدني في رواتب الإداريين والموظفين والعاملين فيها، والتي لم تعد تؤمِّن لهم أبسط مقوّمات حياتهم، ولا تكفي لانتقالهم إلى مراكز عملهم، ما أدَّى إلى الإضراب العام والشامل، والذي دخل اليوم أسبوعه الرابع، وبات يتوسع ليعم َّكل مرافق الدولة، ونخشى أن يصل إلى الجيش والقوى الأمنية.

كل ذلك يحصل من دون أن تبدو في الأفق أيّ معالجة تذكر على هذا الصعيد، في وقت تدعو الحاجة إلى معالجة سريعة، نظراً إلى الانعكاسات السلبية للإضرابات على صورة الدولة، وعلى مصالح المواطنين وحاجاتهم الماسة إلى هذه المرافق لتسيير شؤونهم.

وهنا ننبِّه إلى أن لا تكون المعالجات موضعيّة، كالتي حدثت مع القضاة، رغم أهمية الحاجة إلى هذا المرفق، والتي قد تصل إلى مرافق أخرى، ما يضر بوحدة الدولة ووحدة مؤسَّساتها.

تعقيداتٌ أمامَ التَّأليف

ومع الأسف، تأتي هذه اللامبالاة في ظلّ كلّ الترهل الذي يشهده الواقع السياسي والحكومي، حيث يستمر التعقيد على صعيد تأليف الحكومة، والذي تترجمه البيانات المتبادلة والحادَّة، والاتهام بالتعطيل والجمود في الاتصالات التي تجري لإزالة العقبات التي تحول دون هذا التأليف.

ومن هنا، فإنَّنا نقف مع كلّ الحريصين على هذا البلد، لندعو إلى بذل كل الجهود، وتجاوز كل الحسابات الخاصة والمصالح الفئوية التي تؤمن الإسراع في تأليف حكومة كاملة الصلاحية، قادرة على مواكبة هذه المرحلة الصعبة، والتي نخشى إن استمرَّت، أن تؤدّي إلى الانفجار الاجتماعي الذي لا تُعرف تداعياته…

المواجهةُ مع العدوّ

في هذا الوقت، يعود ملفّ ترسيم الحدود إلى الواجهة، بعد اللامبالاة التي أظهرها العدوّ إزاء حقوق اللبنانيين في الحصول على ثرواتهم النفطية والغازية، والتي تمثِّل عصب الحياة لهم، وعدم أخذه في الاعتبار ما تعنيه الرسالة التي حملتها المسيرات التي كان يراد منها تحذير العدوّ من الاستمرار في سعيه لاستخراج الغاز، ما جعل المقاومة الحريصة على ثروات الوطن، كما على أرضه، تصعِّد في موقفها تجاه العدو، ولتقول له مجدَّداً أن لا يستمر في اللامبالاة، وإنّه لا يحق له الاستفادة من الغاز فيما اللبنانيون الذين يعانون الجوع يُمنعون من ذلك.

إننا ندعو الدولة اللبنانية المعنية بالمفاوضات إلى الاستفادة من هذا الموقف إلى أبعد الحدود في عملية التفاوض لتحصيل الحقوق، وإلى التحرك على الصعيد الدولي لتأكيد حق اللبنانيين بثروتهم ومدى حاجتهم إليها، منعاً لاستمرار المناورات التفاوضية والمماطلة الإسرائيلية التي تهدف إلى تمرير الوقت الكافي لفرض أمر واقع يكرِّس فيه العدو سيطرته، ويحقِّق ما يعلن عنه بأنه سيقوم باستخراج الغاز في أيلول دون أيّ اعتراف بالحقوق اللبنانية، والتي يرى نفسه غير معني بها.

إننا أمام ما يجري، ندعو اللبنانيين إلى أن يوحِّدوا جهودهم في هذه المرحلة، وأن لا ينقلوا الخلافات إلى داخلهم، وأن يقفوا صفاً واحداً في مواجهة الاحتلال الجديد لثروتهم، بدلاً من المواقف التي يستفيد منها العدوّ.

أهدافُ زيارةِ بايدن

ونبقى على صعيد ما يجري في المنطقة في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي إليها، والتي أصبح من الواضح أن الهدف منها هو دعم الكيان الصهيوني، وتعزيز حضوره في المنطقة، ليكون له الموقع المميَّز فيها في المرحلة القادمة والأقوى فيها، بحيث يصبح مكوِّناً أساسياً من المنظومة السياسية والأمنية والاقتصادية للمنطقة، والمستفيد من خيراتها وإمكاناتها من خلال توسيع التطبيع معها، متناسين في ذلك الأهداف التوسعية لهذا الكيان وحقوق الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة، وآخرها ما جرى للصحافية شيرين أبو عاقلة الأميركية الجنسية.

ونحن على هذا الصعيد، ندعو الدول العربية والخليجية الذي جاء الرئيس الأميركي لاسترضائها والحصول على نفطها بالكلمات والوعود المعسولة التي أثبت الماضي القريب والبعيد عدم جدواها، بأن تأخذ هذه المرة في الاعتبار مصالحها، وتؤكِّد استقلاليتها، وتفرض خياراتها من موقع قوَّتها وحاجة العالم إليها، فلا تكون صدى لخيارات الآخرين، أو تبقى كما يراد بقرة حلوباً عندما تدعو إليها الحاجة، أو ساحة لحروب تستنزف مواردها وقدراتها.

ذكرى حربِ تمّوز

من ناحية أخرى، تطلّ علينا في هذه الأيام ذكرى حرب تموز الَّذي أثبت فيها لبنان مجدَّداً، وبعد انتصار العام 2000، قدرته على مواجهة العدوّ وردّ عدوانه، ومنعه من تحقيق الأهداف التي أرادها من خلال هذه الحرب، بفضل تلاحم مقاومته وجيشه وصمود شعبه.

وهنا نستذكر في هذا اليوم إصرار السيّد (رض) على إقامة صلاة الجمعة في هذا المسجد، رغم خطورة الوضع في هذا المكان، ليؤكِّد أهمية هذه الصلاة، مثبتاً إرادة الصمود في هذه المعركة، واحتضانه للمقاومين، وعدم تركهم في الأوقات الصعبة.

إننا إذ نستعيد هذه الذكرى، لا لتبقى في الماضي لنتذكَّر الانتصارات ونقف عندها، بل لنأخذ منها الإرادة والعزيمة لمواجهة التحديات التي نشأت بعد هذا الإنجاز، بأن نعزِّز مكامن القوَّة التي أدت إليه، واستنفار كل عناصر النهوض لوقف ما حدث من انهيار اقتصادي وانقسام سياسي أدَّيا إلى إضعاف الوطن، ولنواجه بالعزيمة نفسها والإرادة والوحدة التحدي الجديد الذي يمارسه العدوّ الصهيوني من خلال عدوانه على الثروة الغازية.

مباركٌ للطلّابِ.. ولكن

وأخيراً، نبارك للطلاب الذين نجحوا في امتحانات الشهادة الرسمية، وفي الوقت نفسه، نحذِّر من التعبير عن الفرح بنجاحهم بإطلاق الرصاص، نظراً إلى كونه ليس أسلوباً للتعبير، ولتداعياته الخطيرة والقاتلة، كما شهدنا سابقاً، وقد نشهد ذلك لاحقاً.