الاستعدادُ للموتِ وليومِ الحسابِ قبلَ فواتِ الأوان

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ * وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}[ق: 16 – 22] . صدق الله العظيم.

هذه الآيات الكريمات هي من سورة "ق"، هذه السورة التي كان رسول الله (ص) يكرّر قراءتها أمام المسلمين، وقد ورد في سيرته أنّه كان يكتفي بها في خطبتي الجمعة، نظراً إلى أهمية مضامينها التربوية والإيمانية وللحقائق التي وردت فيها.

ونحن اليوم نلفت إلى حقائق أربع أشارت إليها هذه الآيات الواردة في هذه السورة التي تلوناها، والتي ينبغي أن لا تغيب، وأن تكون حاضرة عند كل كلمة ننطق بها أو موقف نتخذه، وعند كل تأييد أو رفض.

أقربُ منْ حبلِ الوريد

الحقيقة الأولى هي التي وردت في قوله: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.

وهي تعني لكل إنسان، أن الله سبحانه قريب منه، يعلم خفايا نفسه وما يفكِّر فيه، وما تنبض به مشاعره وأحاسيسه؛ هو صفحة مكشوفة تماماً له، وأنَّه أقرب إليه من حبل الوريد. وفي ذلك إشارة إلى مدى قرب الله من الإنسان، فالله سبحانه وتعالى أقرب إليه من هذا الشريان الحيوي الذي إن توقَّف عن العمل لحظة واحدة، لم يبق للإنسان حياة. وهذا القرب هو بالطبع ليس قرباً مكانياً، فالله لا يحدّه مكان، بل هو إشارة منه تعالى إلى أنّه حاضر في كل زاوية من زوايا حياة الإنسان ومحيط بكل وجوده.

وهذا الإحساس هو ضروري للإنسان، حتى يستحي من أن يراه الله وهو في معصيته، أو مقصِّراً في أداء واجباته ومسؤوليَّاته، أو أن يودع قلبه غيره، أو أن يفكِّر في غير ما يريد، في الوقت الذي يحقق الإحساس بقرب الله من الإنسان شعوراً بالطمأنينة والسكينة والأنس.

رقيبان لا يفارقان الإنسان

وأمَّا الحقيقة الثانية التي أشارت إليها هذه الآيات، فهي وجود الرقباء الذين أودعهم الله لدى كلّ إنسان، ليسجلوا عليه كل حركة من حركاته، وسكنة من سكناته، وكل ما يصدر عنه وما ينطق به، فقال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}، فقد أوكل الله سبحانه أمر الرقابة على كل إنسان إلى ملكين لا ينفصلان عنه ولا يفارقانه، في الليل أو في النهار.

وفي إطار الحديث عن الملكين، نشير إلى روايتين تظهران مدى كرم الله ورحمته وحبّه لعباده.

فعن النبيّ (ص) قال: "ما من أحد من المسلمين يبتلى ببلاء في جسده، إلّا أمر الله تعالى الحفظة فقال: اكتبوا لعبدي ما كان يعمل وهو صحيح ما دام مشدوداً في وثاقي"، وقال (ص): "مَنْ مرِضَ أو سافرَ، كتب الله تعالى له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً".

وعنه (ص) أنه: "بعد موت المؤمن، يقول الملكان لربهما: ربّنا قبضت روح عبدك، فإلى أين؟ قال: سمائي مملوءة بملائكتي يعبدونني، وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني، اذهبا إلى قبر عبدي فسبّحاني وكبّراني وهلّلاني، فاكتبا ذلك في حسنات عبدي".

فسبحانك سبحانك ما أعظمك وأحلمك وأكرمك!

إذاً، هناك رقابة شاملة تحيط بالإنسان من ملكين لا يغفلان عنه وإن غفل عنهما، وهما ينظران إلى كلِّ أعماله.

ثم أشار القرآن الكريم إلى ملك ثالث مكلَّف، وبشكل خاصّ، بالرقابة على الكلمات التي يطلقها الإنسان بلسانه أو يكتبها بيده، وهذا يعود إلى خطورة اللسان والكلمات الَّتي تصدر عن الإنسان وآثارها وتداعياتها، وهذا ما ورد في قوله: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}، ما يدعو الإنسان إلى التبصّر في كلّ ما ينطق به أو يكتبه، فلا يتسرَّع في النطق بأيّ كلمة، أو يكتبها أو يمليها على أحد قبل أن يتأكَّد من أنها ملتزمة الحدود والضَّوابط التي يريدها الله، فلا تدخل في الكلام المحرَّم، أو تنمّ عن تأييد الظالم، أو تتضمن إعانة على ظلم، أو خذلاناً لقضية حقّ أو عدل.

وقد ورد عن رسول الله (ص): "إنَّ الرَّجل ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإنَّ الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه".

وقد ورد في الحديث عن عليّ (ع): "رُبَّ قَوْلٍ أَنْفَذُ مِنْ صَوْلٍ".

وفي الحديث، أنه يؤتى للإنسان يوم القيام بقارورة فيها دم، فيقال له هذا نصيبك من دم فلان جراء كلمة قلتها… لذلك، يجب أن نعتني بكلماتنا، فلا نقول كلمة إلا بعد أن نفحص معناها وأثرها، ولا نكتب إلا عن علم وبعدل.

المصيرُ المحتومُ

وأمَّا الحقيقة الثالثة التي أشارت إليها هذه الآيات، فهي قوله سبحانه: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ}.

فقد أرادت أن تلفت الإنسان إلى الحقيقة التي لا ينبغي أن تغيب عنه، وهي الموت، وهو الكأس التي لا بدّ من أن يتذوّقها كل إنسان، ولن يفلت منه أبداً مهما وقى نفسه منه وأمن سبل الحماية، كما يقول الله سبحانه: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}[آل عمران: 185]، {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}[النساء: 78]، {قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ}[الجمعة: 8].

وقد عبَّر الإمام عليّ (ع) عن هذه اللحظة العصيبة على الإنسان بقوله: "اجتمعت عليهم سكرةُ الموت وحسرةُ الفَوْت… وإنَّه لبين أهله ينظر بِبصره، ويسمع بأذنه، على صحة عقله وبقاءِ لُبِّه، فيمَ أفنى عمره، وفيم أذهب دهره، ويتذكَّرُ أموالاً جمعها أغمض في مطالبها، وأخذها من مُصرَّحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته تبَعاتُ جمعها، وأشرف على فراقها، تبقى لمن وراءه ينعمون فيها، ويتمتّعون بها".

وهذا لا يدعو إلى أن يموت الإنسان قبل أن يموت، بل أن يستعدّ له، حتى لا يأتي ولم يعدّ الإنسان العدّة له ولما بعده، وذلك: "بأداء الفرائض، واجتناب المحارم، والاشتمال على المكارم، كما قال أمير المؤمنين عليّ (ع)".

يومُ الحساب

وأمَّا الحقيقة الرّابعة، فهي لحظة الوقوف بين يدي الله للحساب، حين {يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ}[المطففين: 6]، والذي أشار إليه الله سبحانه بقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}.

يومها، تزول الغشاوة التي كان تغطّي عيني الإنسان، ويأتي معه سائق يسوقه إلى حيث الحساب، ومعه ملك قد علم كلَّ ما جرى منه ليشهد عليه إن أنكر سيّئات فعلها، أو تركه لواجبات أسندت إليه، {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ}[الزلزلة: 7 – 8].

قبلَ فواتِ الأوان

فلنحضِّر أنفسنا جيِّداً لذلك الموقف، بأن نستعدَّ له حتى قبل أن يأتي النِّداء للغافلين، بأن ندعو الله: "وَاجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً، لا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْب اجْتَرَحْنَاهُ، وَلاَ مَعْصِيَة اقْتَرَفْنَاهَا، وَلاَ تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأشْهَادِ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ".

ولا نكن من أولئك الذين يقولون عندما يلوح الموت لهم: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}عندها سيقال له: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون: 99 – 100].

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفِّقنا لتكون كل هذه الحقائق حاضرة ماثلة أمامنا، لتكون حياتنا أصفى وأطهر وأكثر حضوراً في ميادين العلم والعمل والموقف الحقّ، إنّه قريب مجيب الدعاء.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي، ونحن نستعيد الذكرى الأليمة لوفاة الإمام الحسن المجتبى (ع)، التي مرَّت علينا في السابع من شهر صفر، بأن نتّبع الأسلوب الذي تعامل به مع ذلك الرّجل الشامي، ممن رباهم معاوية على العداء لعليّ (ع) ولأهل البيت (ع).

يقول هذا الرّجل: "وصلت إلى المدينة، على ساكنها أفضل الصَّلاة والسلام، فرأيت رجلاً راكباً على بغلة، لم أرَ أحسن وجهاً ولا سمتاً ولا ثوباً منه، فمال إليه قلبي، فسألت عنه، فقيل لي: هذا الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ع)، فامتلأ قلبي له بغضاً، وحسدت عليّاً أن يكون له ابن مثله، فصرت إليه وقلت له: أأنت ابن عليّ بن أبي طالب؟ قال لي: نعم. فرحت أشتم أباه وأشتمه، فلما انقضيت من كلامي، قال لي: أحسبك غريباً؟ قلت: أجل، قال: فإن احتجت إلى منزل أنزلناك، أو إلى مال آتيناك، أو إلى حاجة عاونّاك، ودعاني إلى بيته وأكرمني بضيافته، فخرجت من عنده، وما على الأرض أحبّ إليّ منه، وما فكّرت فيما صنع وصنعت، إلا شكرته وخزيت نفسي".

فلنتعلَّم من الإمام (ع) أسلوبه، ولنقتدِ به، رغم صعوبة ذلك علينا، فهو يحتاج منّا إلى صبر، فالواحد منا يحبّ أن ينفّس عن غيظه، وأن يردّ الإساءة بمثلها أو أكثر! ولكنّنا بالأسلوب الذي اتبعه الإمام الحسن (ع)، نعالج الكثير من التوترات التي تعصف بساحاتنا بفعل الخلافات، وما أكثرها! الخلافات الدينية والمذهبية، والصراع السياسي والحزبي والعائلي، وصراع المصالح، والتّنافس على المواقع، والسجال بين الأفكار والعقائد، واختلاف الآراء…

إننا بهذا الأسلوب، نحوِّل الأعداء إلى أصدقاء، والمبغضين إلى محبّين، ونثبّت سلامنا الدّاخلي، بدلاً من أسلوب ردّ الفعل الذي يزيد العداء عداءً، ويثبّت الأحقاد، ويزيد من التوترات. وبذلك، نصبح أكثر تماسكاً وقوّةً وقدرةً على مواجهة التحديات…

الأزمةُ تخنقُ اللّبنانيّين

والبداية من الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب الذي لا يزال يعصف بالبلد، ويتهدد اللبنانيين في لقمة عيشهم وقدرتهم على تأمين الدواء والاستشفاء والنقل وتأمين الكهرباء والماء، وأقساط المدارس لأولادهم ومستلزمات الدراسة، ووصل إلى حدّ فقدان الأمن، حتى بات الإنسان خائفاً من أن يتعرَّض للسرقة، وحتى للقتل في وضح النَّهار، والتي رأينا بعض مشاهدها في الأيام الأخيرة، بفعل الارتفاع المتزايد في سعر صرف الدولار، ورفع الدّعم من قبل المصرف المركزي عن العديد من السِّلع الأساسية والضرورية، وآخرها إقرار رفع الدعم الكامل عن البنزين، وجشع التجّار الكبار، وعدم سدّ منافذ التهريب، ما أدى إلى تعطيل مرافق الدولة ومؤسَّساتها، والذي تشهد له الإضرابات التي طاولت أغلب مرافق الدولة ومؤسَّساتها، وبلغت حتى أعضاء السِّلك الدبلوماسي في الخارج، ووصلت أخيراً إلى واحد من أهمّ المرافق التي يعتمد عليها اللبنانيون في شؤون حياتهم كافّة، وهو قطاع الاتصالات، أو جعل اللبنانيين باحثين عمن يساعدهم لاستمرار حياتهم وتأمين حاجاتهم، يتوسلون في ذلك من يقدِّم إليهم العون من الداخل أو من هم في الخارج، أو باحثين عن مكان يلجأون إليه في بلاد الله الواسعة.

الاستهتارُ الرَّسميّ

ومع الأسف، يجري ذلك فيما لا يزال من يديرون الواقع السياسي وشؤون الناس غارقين في سجالاتهم ومهاتراتهم وتبادل الاتهامات في ما بينهم، كلٌّ يضع اللوم على الآخر في المآل الذي وصل إليه البلد، أو في عدم قيامه بمسؤوليَّته، وكلٌّ يريد أن ينفض يديه من الانهيار الَّذي وصلنا إليه، وكأنهم لم يكونوا في مواقع المسؤوليّة… بدلاً من أن تتضافر جهودهم وتتوحَّد إمكاناتهم من أجل إصلاح ما أفسدوا أو تعويض ما قصَّروا.

ونحن هنا نقول لكلِّ هؤلاء، أن كفى استهتاراً بمصالح الناس؛ إنَّ عليكم أن تبادروا لأداء دوركم والقيام بمسؤوليَّاتكم تجاه من أودعوكم مواقعكم، أن تتَّقوا غضب الناس الذين لم يعودوا قادرين على تحمّل المزيد من المعاناة، وقد يصل بهم اليأس إلى ما لا نريده ولا تريدونه من انفجار اجتماعي وعدم استقرار أمني.

إنَّ من المؤسف أن نجد كلَّ هذا الذي يجري لا يدعوكم إلى الإسراع في تأليف حكومة قادرة على النهوض بالوطن، واستعادة ثقة الخارج به في هذه المرحلة الصَّعبة، أو العمل بكل جدّ ومسؤوليّة من أجل التوافق على رئيس للجمهورية قادر على إدارة دفّة البلد والوصول بها إلى شاطئ الأمان لمنع الفراغ وتداعياته، في ظل عدم تأليف حكومة، بدلاً من الحديث الذي أصبح من المسلَّمات أن لا رئيس للجمهورية في الفترة القريبة، وأنَّ التعطيل في هذه المرحلة سيكون سيِّد الموقف.

إن من المؤسف أنّ هناك في هذا البلد من بات يستسهل الفراغ، سواء في موقع رئاسة الجمهورية أو الحكومة، من دون أن يأخذ في الاعتبار تداعياته، وإذا كان البعض يهوِّن منه بالتذكير بأنَّه حصل سابقاً، فإننا نقول لهؤلاء إنَّ الفراغ عندما حصل سابقاً، كان البلد لا يزال فيه بقية من رمق حياة، وهذا لم يعد موجوداً الآن.

لقبولِ المساعدةِ الإيرانيّة

ونبقى على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، لننوِّه بالمبادرة التي استمعنا إليها من المسؤولين في الجمهورية الإسلامية في إيران خلال وجودنا في مؤتمر المجمع العالمي لأهل البيت (ع)، لتقديم المساعدات المجانية للبنانيين، ولا سيما على صعيد الفيول لتأمين الكهرباء، ونأمل أن يساهم القرار الذي اتخذته الحكومة اللبنانية بإرسال وفد تقني في التعجيل في إيصال هذه المساعدات، أو أن تدفع من أعلنوا رغبتهم في مساعدة لبنان إلى مدّ أيديهم للمساعدة، أو إزالة العقبات عن المساعدات التي وعد بها اللبنانيون.

وفي الوقت نفسه، فإننا على هذا الصّعيد، ندعو وزارة الاقتصاد والبلديات إلى التشدّد في الالتزام بتسعيرة المولِّدات، وعدم ترك المواطنين تحت رحمة جشع هؤلاء الذين يستغلون حاجة الناس إليهم.

الحذرُ من مماطلةِ العدوّ

أمَّا على صعيد الترسيم، ففي الوقت الَّذي ينتظر اللبنانيون ما سيحمله المفاوض الأمريكي، فإنَّنا ندعو المفاوضين اللّبنانيين إلى الحذر من الطريقة التي تدار بها هذه المفاوضات، حيث يستمرّ العدوّ الصهيوني بالمماطلة في إعطاء لبنان حقوقه في ثروته البحرية، تارةً من خلال ربطها بالانتخابات داخل كيانه، وطوراً من خلال طلب التعويضات المالية، أو بممارسة الضغط من خلال المناورات العسكرية التي يجريها على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، وبالتالي، فإننا نعيد التأكيد على إبقاء الموقف اللبناني موحَّداً ورافضاً للتنازل عن حقوق اللبنانيين بثروتهم الوطنية، وعدم الرضوخ لمناورات العدوّ وتهديداته، مستفيدين من قوَّة لبنان وحقّه المشروع بحدوده البحرية ضمن القانون الدولي.

شعبٌ عصيٌّ على الإخضاع

وأخيراً، فإنّنا نحيِّي الشعب الفلسطيني الذي أثبت مرّة جديدة، ومن خلال العملية الجريئة التي جرت أخيراً في غور الأردن، وغيرها من العمليات ضدّ قوات الاحتلال الصهيوني، بأنَّه عصيّ على الترويض والإخضاع، وأنه يستطيع ردّ ضغوط العدوّ وعدوانه وممارساته الإرهابيّة بعمليات هي من صناعة فردية، وليست خاضعة بالضرورة لتخطيط تنظيم أو فصيل، بل تنطلق من أصالة هذا الشّعب وجذوة المقاومة المتأصّلة فيه، والرافضة للخضوع، والقادرة على إفهام العدوّ بأنها مستمرّة لصون الحقوق وحفظ كرامة هذا الشّعب ومقدَّساته.