القى خطبتي عيد الفطر بعدما أمّ حشود المصلين فضل الله: نأمل أن يبرد الاتفاق النووي الملفات الساخنة في المنطقة ويمهد لحوار إقليمي بناء

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله خطبتي عيد الفطر المبارك من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعدما أمّ حشود المصلين الذين غصت بهم ساحات المسجد الداخلية والخارجية ومما جاء في خطبته السياسية:

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد الله.. اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، الله أَكْبَر، لا إِلهَ إِلّا اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، اللهم صلّ على محمّد عبدك، وعلى الأئمَّة المعصومين من أهل بيته الطيّبين الطاهرين.. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.. اللهم اغفر لحيّنا وميتنا ذكرنا وأنثانا.. كَذبَ العَادِلون بالله، وضلّوا ضلالاً بعيداً.

أراد الله لتكبيره أن يكون شعاراً نبيلاً، وذكراً جميلاً يربي المسلمين ويساهم في بناء إنسان أفضل ومجتمع عزيز، ولكن أيّها الأحبّة، لقد حوَّل البعض هذا الشعار السّامي، وهو لفظ الله أكبر، إلى شعار لسفك دم الأبرياء والقتل والتّفجير، وصولاً إلى تفجير المساجد الَّتي يكبّر فيها الله…

 

ومع هؤلاء ومع فكرهم، لا يزال أيها الأحبّة مشهد الدّماء يسيطر على وجدان الأمّة، ولا تزال أجواء الفتنة والتّشويه والتّحريض، تخيّم على المنابر الإعلاميّة والسياسيّة والعلمائيّة.

كنا في العيد الماضي، نعدّد الحروب الّتي تعصف ببلداننا العربيّة والإسلاميّة، والاعتداءات الإرهابيّة الّتي كانت تضرب أكثر من بلد، فإذا بنا في هذا العيد نشهد ازدياداً في حدة الاعتداءات والتفجيرات الّتي تستهدف الأبرياء والمدنيين والمصلّين في مساجدهم ومواكبهم وأسواقهم، من دون أن نشهد تحركات جديّة لمواجهتها، أبعد من التصريحات الشكلية التي لا تصل إلى جذور منطق الإرهاب التكفيري ومنابره، رغم أنَّ المتتبع لحركة هذه التفجيرات، يدرك من غير لبس أن نارها، إن لم يسع إلى إيقافها، والضرب على أيدي القائمين بها، ستصل إلى الجميع عاجلاً أم آجلاً، ونسأل الله أن لا تكون كذلك.

وهذا ما نشهد وقائعه في ساحات العراق وسوريا واليمن ومصر وتونس وليبيا، واللائحة تطول. لقد باتت الفتن والحروب تأكل أخضر العالم العربيّ والإسلاميّ ويابسه ومقوّماته، وتدمّر كلّ مواقع القوة فيه، وتسمح للداخلين على خطّها من العابثين بأوطاننا، بأن يجدوا أرضاً خصبة لهم.

 

ومع هذا المشهد، لا يزال عدوّ هذه الأمة الأصيل، العدو الصهيوني، يستبيح الأرض والسماء والمياه، ويقتل، ويسجن، ويشرّد، من دون أي جهود مقابلة تردعه، وتحالفات تقام لمواجهته، بل ولا يزال هذا العدو بحصاره غزة، يسجن أهلها الذين يعّيدون هذه السنة وصور الدمار من العام المنقضي لا تزال تحاصرهم.. وهو يملك الحرية في كلّ ذلك.

ولكن أيها الأحبة، ونحن في يوم العيد، نحب أن نضيء على الإيجابيات التي تظلّل هذا المشهد القاتم؛ هذه الإيجابيات التي نأمل أن تتحوّل إلى واقع صلب نرتكز عليه في مواجهة التّحدّيات المماثلة.

       ففي العراق، شهدنا كيف استطاع العراقيون أن يستوعبوا الصَّدمة التي أراد الإرهاب من خلالها أن يزلزل المجتمع بإرهابه وإجرامه، فاستنفر الشعب قواه، وتحمل المسؤولية لإيقاف هذا الإرهاب والخطر الذي يتهدّد الجميع.

ورغم كلّ الضَّجيج الإعلاميّ، رأينا بداية عهد جديد من التلاحم بين السنة والشيعة في هذه المواجهة، وبخاصة من أبناء العشائر، الَّذين ذاقوا المرّ على أيدي الإرهاب، ونأمل أن يشكّل هذا التلاحم أساساً لبناء عراق المستقبل. وهذا التلاحم هو ما شهدناه أيضاً في الكويت الذي وقف شعبه سوياً سنة وشيعة، رغم الجراح والآلام بوجه هذا الإرهاب.

 

       وفي لبنان، رغم كلّ الأجواء السياسيّة الملبّدة، واستمرار الفراغ في المواقع الأساسيَّة في الدّولة، والذي نخشى أن يصيب الحكومة.. لم يسجّل، وبحمد الله، وبعكس العام الماضي، أيّ تفجيرات إرهابية استهدفت المدنيّين والأبرياء، وهذا كلّه تحقّق بفضل من الله أولاً، وبوعي القوى الأمنيّة وسهرها وتضحيات المقاومة والجيش اللبناني مع استمرار جلسات الحوار التي نأمل أن تُعطي دفعاً اضافيا وبعيدا عن الشكليات لما في ذلك مصلحة للجميع دون استثناء .

وأخيراً، وقع الاتفاق النّوويّ بين الدّول الغربيّة والجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، الَّتي استطاعت الجمهوريَّة الإسلامية من خلاله تتويج مسيرة طويلة من الصَّبر والتخطيط والتضحيات، بدأت منذ انطلاقة الثَّورة الإسلاميَّة، لتستطيع أن تفرض حقّها، ومن موقع قوة، كندٍّ للقوى الغربيّة، وهذا ما قد يؤسّس إن تم بنجاح لمرحلة جديدة تدرك فيها الشّعوب في هذه البقعة من العالم، أنّ القوّة والعزة، لا الاستكانة والاسترهان، طريق إلى تحقيق الآمال والحقوق.

 

نسأل الله أن تشكّل هذه النقاط المضيئة في هذا المشهد القاتم، والتي نأمل أن تتَّسع لتشمل كلّ أوطاننا الجريحة، ملامح لبزوغ فجر مشرق، ومفتاحاً لغد أفضل وأعياد أجمل، تكون أمتنا وشعوبنا بحال أحسن مما هي عليه، لاسيما بعد الاتفاق الذي  نأمل أن ينعكس إيجاباً على مستوى تبريد الملفات الساخنة بحيث يرى الجميع بأن لا خيار لهم إلا بالحوار والوحدة بين الدول العربية والإسلامية، أو بين المذاهب والطوائف، أو المواقع السياسية.

 

في يوم العيد، نستذكر أمواتنا والعلماء والشهداء في لبنان، وشهداء الحرية والكرامة والمساجد في كل عالمنا العربي والإسلاميّ، والمقاومين المرابطين… نسأل الله الرحمة وعلوّ الدرجة لشهدائنا، والشفاء للجرحى، وأن يربط على قلوب أهلنا الصّابرين والصَّبر والثبات وللمجاهدين بالعزيمة والنصر والإرادة.. إنه سميع مجيب الدعاء.

 

المكتب الاعلامي لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله

 التّاريخ:1شوال 1436هـ  الموافق: 17 تموز 2015م

Leave A Reply