إلا من اتى الله بقلب سليم

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه: 
 
الخطبة الأولى
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}..
 

كثر الحديث في القرآن الكريم عن القلب وعما يجري عليه من أعراض وأمراض، والقرآن الكريم عندما يتحدث عن القلب فهو لا يريد بذلك العضلة الموجودة في الجسم التي تنبض وتضخ الدم إلى كل مفاصل الجسم وبتوقفها تتوقف الحياة بل يريد مركز القرار عند الإنسان والموجه له والذي منه تنطلق الأفكار والتوجهات ومنه تنشأ المشاعر والأحاسيس والعواطف.. وبناء عليه يؤمن الإنسان ويكفر ويعاند ويحب ويكره ويتراجع ويتقدم ويتوقف..

 

وقد أشار الإمام الصادق(ع) إلى ذلك بقوله: "إن منزلة القلب من الجسد بمنزلة الإمام من الناس فكما الإمام يقود الناس ويوجههم كذلك القلب يقود الجسد وكيان الإنسان"..

 

وقد أشار رسول الله(ص) إلى الأثر الذي يتركه القلب إن هو صلح أو فسد فقال: "إذا طاب قلب الإنسان طاب جسده، وإن خبث القلب خبث الجسد".

 

وفي حديث آخر قال(ص): "في الإنسان مضغة إذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد، فإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وفسد وهي القلب"..

ولأن للقلب هذا الموقع والدور نرى القرآن يحمله المسؤولية ولذلك يقول: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ}.

 

وقال سبحانه في آية أخرى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}، وهو عندما تحدث عن العذاب الذي يصل إليه الكثير من الإنس والجن يرى السبب فيما وصلوا إليه أنهم أهملوا دور القلب {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ}.. ثم يقول أنهم: {كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ}..

 

ولذلك هو دعا الإنسان إلى الاهتمام بقلبه وإلى حمايته، فهو ينبه إلى أمراض قد تصيبه فقال: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً}..

 

وتحدث عن مرض القسوة فقال: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}.. وعن مرض العمى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}..

 

وتحدث عن رين القلب وزيغانه وأقفاله والختم عليه: {بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.. والرين هو غشاء يغطي القلب ويعطل دوره، وقال: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.

وقال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}..

 

وفي المقابل تحدث عن القلب السليم والقلب النقي والطاهر والمنيب والمطمئن والذي تنزل عليه السكينة، فقال: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}..

 

وقال: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ}..

 

وقال: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ}..

 

وقد أشارت الأحاديث إلى عينين في قلب المؤمن وإلى مسامع له..

 

فقد ورد عن الإمام الصادق: "إنما شيعتنا أصحاب الأربعة الأعين: عينان في الرأس، وعينان في القلب"..

وقال(ع): "إن لك قلباً ومسامع، وأن الله إذا أراد أن يهدي عبداً فتح مسامع قلبه"..

 

في الآية القرآنية التي تلوناها في البداية حديث عن القلب السليم، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن بلوغ النجاة عند الله يتحدد بمدى سلامة هذا القلب، فقال: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}..

فالخزي والعار للذي يأتي الله وهو لا يملك القلب السليم..

 

فأي قلب هو هذا القلب والذي ينبغي أن نعرفه ونتأكد من امتلاكنا إياه كي نضمن الفلاح والسعادة..

 

لقد تعددت آراء المفسرين في تحديد طبيعة هذا القلب، حيث تتعدد الأحاديث التي وردت في تحديد كنهه..

هناك من المفسرين من يراه في القلب الذي ليس فيه شك، ولا ينطلق من هوى.. وهو حديث رسول الله(ص)، عندما سئل عن القلب السليم قال هو: "دينٌ بلا شَكٍ".. فالذي يملك قلباً سليماً هو الذي يتحرك في مواقفه بناء على قناعة قوية، فهو يدقق في مواقفه وقراراته ولا يتحرك فيها على غير هدى أو هوى.. كأولئك الذين تنبع مواقفهم من مصالحهم وأهوائهم ولذلك تراهم يميلون مع كل ريح وينعقون مع كل ناعق.

 

وهناك من المفسرين من يرى القلب السليم يتمثل في القلب الخالي من حب الدنيا، وهو مورد حديث الإمام الصادق(ع): "القلب الذي سلِم من حب الدنيا"..

 

فالقلب السليم هو الذي لا يتحرك في قراراته من موقع حب الدنيا، ومن المعروف كم هي الآثار السلبية التي ينتجها الاستغراق في الدنيا..

 

فقد ورد في الحديث: "حب الدنيا أصل كل معصية وأول كل ذنب"، "حب الدنيا رأس كل خطيئة".. "حُبُّ الدُّنيا يُفسِدُ العَقلَ وَيُصِمُّ القَلبَ عَن سَماعِ الحِكمَةِ.."..

ونحن عندما نتحدث عن مفاسد حب الدنيا لا نعني الأخذ بما نحتاجه ونميل إليه من الدنيا، فالأخذ من الدنيا هو ما أمرنا الله به عندما قال: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}.. وقال: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}..

وقد ورد في الحديث: "إذا أقبلت الدنيا فأحق أهلها بها أبرارها لا فجارها".

 

ولكن ما يقصد أن لا تكون الدنيا كل هم الإنسان بحيث تكون على حساب آخرته التي هي الحياة الأساس وعلى حساب عزته وكرامته وصالحه..

 

ومن المفسرين من قال: "القلب السليم هو القلب الذي لا يسكن فيه إلا الله".. فالله فيه هو الموجه والآمر والناهي لا موجه غيره ولا شريك له فيه.. وهو مورد حديث الإمام الصادق(ع): "القلب السليم الذي يلقى ربه، وليس فيه أحد سواه"..

 

القلب السليم هو الذي يخلص لله في كل الأمور.. وهناك من المفسرين من رأى القلب السليم هو القلب الناصح لعباده ولا يصدر منه إلا الخير..

 

وهناك من يرى أن القلب السليم هو من يخلص النية لله في الأمور كلها بحيث لا غاية له ولا هدف إلا الله..

وفي حديث لرسول الله(ص) يوضح فيها معنى القلب السليم قال: "إنَّ للهِ آنية في الأرْضِ، فأحَبُّها إلى اللهِ مَا صَفَا مِنْهَا وَرَقَّ وصَلبَ، وهيَ القُلوب، فأمَّا مَا رقَّ : فَالرِّقَّة عَلَى الإخوان، وأمَّا مَا صَلبَ منها : فَقولُ الرَّجُل في الحقِّ لا يَخَافُ في الله لَوْمَةَ لائِمٍ، وأمَّا مَا صَفَا: مَا صَفَتْ مِن الذُّنوبِ"..

 

 ويمكن لكل هذه المعاني أن يحتويها مفهوم القلب، وفي العمق، فإنه حتى يكون القلب سليماً لا بد أن يسكن فيه الله وحده والذي يخلو من حب الدنيا ومن الحقد والغش والحسد والطمع والرياء..

 

وقد أشار الله سبحانه إلى أنموذج لهذا القلب عندما قال: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ * إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}..

فهذا النبي عبرت سيرته ومواقفه عن هذا القلب السليم عندما ملأ الله قلبه وكل كيانه، فكان الله وجهته، وبه واجه الأخطار حتى كاد يحرق بالنار وكان على استعداد لتحمل التضحيات حتى لو كلفه ذلك أن يذبح ابنه بيده..

وقد أشار الله إلى هذه الحقيقة: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}..

وهذا القلب هو قلب رسول الله(ص) الذي عندما تحدث الله عنه فهو تحدث عن قلبه فقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}..

وقوله: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}..

 

وهو قلوب آل البيت(ع)، فالله عندما تحدث عنهم تحدث عن قلوبهم الطاهرة: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}..

 

ولذلك كان رسول الله(ص) يدعو أصحابه إلى أن يتحسسوا دائماً سلامة قلوبهم لتكون محط نظر الله، وأن يخشوا عليها من أن تكون عرضة للأمراض الروحية، فكان يقول: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".. ولذلك عندما سئل عن أي الناس أفضل قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان.. وعندما قيل له قد عرفنا صدوق اللسان ولكن من هو مخموم القلب، من يملك القلب هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل، ولا حسد"..

 

وكثيراً ما يردد الحديث القدسي: "عبدي طهَّرت منظر الخلق سنين وما طهَّرت منظري ساعة" (أي موقع نظر لي أي نظر الله) وهو القلب..

فلنتلفت إلى قلوبنا جيداً أن تكون سليمة أكثر بكثير مما نلتفت إلى أجسادنا، لأن أي مرض يصيب أجسادنا في الدنيا، أما المرض في قلوبنا هذه هو يمس ديننا وآخرتنا..

والوسيلة إلى ذلك حددها الله لنا: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}، {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.

 

وفي الحديث: "فإن تقوى الله دواء داء قلوبكم"..

وفي ذلك دعاؤنا: "أللَّهم فرغ قلبي لمحبتك واشغله بذكرك وأنعشه بخوفك وبالوجل منك، وقوة بالرغبة إليك وأمله إلى طاعتك‏، وأجر به في أحب السبل إليك"..

 

اللهم إني أسألك شكر نعم نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلباً سليما يا أرحم الراحمين..

 
الخطبة الثانية
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالاعتبار من هذه القصة، حيث يذكر أن إبليس التقى بالنبي نوح (ع) بعد الطوفان، فقال له: "لك عندي يد سأعلمك خصالاً"، فقال له نوح (ع): "حاشا الله أن يكون لك عندي يد"، فقال له: "دعوتك على قومك حتى أهلكهم الله جميعاً بالطوفان، وهذا جعلني أرتاح.. ولك الخصال: إياك والكبر، وإياك والحرص، وإياك والحسد.. فإن الكبر هو الذي حملني على أن تركت السجود لآدم، فأكفرني وجعلني شيطاناً رجيماً.. وإياك والحرص، فإن آدم أبيح له الجنة بكل ما فيها من نعم، ونهي عن شجرة واحدة، فحمله الحرص على أن يأكل منها.. فأخرج من الجنة بسببه.. وإياك والحسد، فإن ابن آدم قابيل قتل أخاه هابيل بسبب حسده. كما تحدث الله سبحانه: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}.. وبعدها فطوعت له نفسه قتل أخيه..".
 

ثم قال له نوح: "متى تكون أقدر على ابن آدم؟"، قال: "عند الغضب".

 

هذه تجارب إبليس، فلنتقِ الله أن نقع في واحدة منها، بأن نبذل جهودنا لئلا نقع في الكبر مهما بلغنا من مال وموقع وجمال، ولا في الحرص، فنقنع بما قسم الله لنا، وأن لا نحسد أحداً على ما أنعم به الله عليه، وإن غضبنا أن نبرد غضبنا، فلا يودي بنا الغضب، كما أودى الغضب بالكثيرين من حولنا، عندما تركوا له العنان.

 

وبذلك، نكون أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الذي لا يزال يرزح تحت وطأة الأزمة المستجدة بين المسؤولين حيال مرسوم إعطاء سنة أقدمية لضباط دورة العام 1994، والذي جرى توقيعه من دون أخذ توقيع وزير المالية بعين الاعتبار. هذه الأزمة، وإن وعد الجميع بأنها لن تترك أثراً في المسار العام للبلد وفي بقية الملفات، بحيث تبقى ضمن إطارها المحدود، فإنَّ الخشية لدى اللبنانيين تبقى من أن تنعكس على أكثر من صعيد يحمل عناوين انتخابية وسياسية واقتصادية واجتماعية.

 

ونحن هنا لا نريد أن نحمّل أحداً مسؤولية ما جرى أو ما يجري في البلد.. ولكن من الطبيعي، وفي هذا البلد، أن معالجة المشاكل فيه لا يمكن أن تحصل في ظل التنافر بين القيادات السياسية، فكيف إذا كانت بين قيادات الصف الأول!؟

إننا نحتاج إلى التأكيد مجدداً على حاجة هذا البلد إلى هذا التوافق، نظراً إلى كثرة الملفات العالقة فيه، والتي تهدّده بالصميم.. ولأنَّ أيّ خلاف سرعان ما يأخذ بعداً طائفياً ومذهبياً وتأويلات تخرج أية أزمة عن حدودها.

 

من هنا، فإنّنا نعيد الدّعوة إلى إخراج هذا الملف من التجاذب الإعلامي إلى داخل المؤسَّسات الَّتي يتمثّل فيها الجميع، سواء لتحديد ما هو غامض في بعض بنود الدستور بدقة، أو لجهة تحديد الصلاحيات، أو لإيجاد صيغة توافق يتلاقى عليها الجميع. وهنا ننوه بأيّ تحرك يسعى في هذا الاتجاه، ونحن نعتقد أننا قادرون على ذلك.

 

في هذا الوقت، تعود إلى الواجهة مسألة الانتخابات، حيث أخذ البعض يثير الكلام القائل إنها محسوبة، وستكون لمصلحة فريق معين، وسيستفيد منها هذا المحور الإقليمي أو ذاك، وستكون على حساب الآخرين، أو يتحدث عن صعوبة أن تحصل على وقع الأزمات المتصاعدة، أو على إيقاع فرض شروط غير واقعية في هذا الوقت المتبقي والقليل.

 

ونحن في هذا المجال، في الوقت الّذي ندعو إلى توفير أفضل الشّروط اللازمة لإجراء انتخابات نزيهة تضمن للبنانيين التعبير عن خياراتهم، ننبّه إلى خطورة الوقوع في فخ التأجيل، حرصاً على تجديد الحياة السياسية بعد كلّ الركود الذي تعانيه، فمن حقّ اللبنانيين التعبير عن خيارهم، وألا ينعكس الجو الداخلي على صورة لبنان في الخارج، فينبغي أن يبقى البلد أنموذجاً في نظامه البرلماني.

 

ونحذّر هنا من سياسة التّحريض والتّحريض المضادّ من استئثار فريق أو محور بالبلد، فلبنان سيبقى ساحة تنوع وتكامل بين كل طوائفه ومذاهبه.. وهو من الآن، وفي المستقبل، ومهما بلغت قوة الطوائف والمواقع السياسية فيه، لا يمكن أن يحكم من فئة أو فريق أو طائفة، ولن يكون بلداً لحساب هذا المحور أو ذاك، وسنبقى نصرّ على لبنان التنوّع، لكن في إطار الوحدة. ولا نعتقد أنَّ أحداً ممن عاش التجربة المرة في سعي كل فريق إلى الاستئثار بالبلد، يرغب في أن يكرّر هذه التجربة، فالمؤمن لا يلدغ من حجر مرتين..

 

ولا بدَّ في إطار الحديث عن لبنان، من أن ننوّه بالدور الذي تقوم بها القوى الأمنية، طبعاً بعد تأمين الغطاء الكافي لها من القوى السياسية، في متابعتها الحثيثة لتجار المخدرات ومروجيها، ممن ينخرون بجسم الوطن في داخله، ويسببون له الأزمات الاجتماعية والأمنية، ويهددون استقراره.. إننا نشدّ على أيادي هذه القوى لبناء لبنان، ليكون بلداً محمياً من هذه الآفة الخطيرة. وفي الوقت نفسه، لا بد من أن ننوّه بسرعة الكشف عن الجرائم التي تحدث، والتي ساهمت وتساهم في تعزيز الاستقرار الداخلي، والثقة بالأمن في هذا البلد، فشكراً للقوى الأمنية.

 

فلسطين

وإلى فلسطين، الَّتي لا يزال شعبها يثبت أنه أقوى من كلِّ المحاولات الرامية إلى تدجينه، للقبول بالأمر الواقع الَّذي يسعى الاحتلال إلى استثماره، بعد القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، حيث يستمرّ هذا الشعب بالتعبير عن رفضه لأية إملاءات، رغم الضغوط، وتوالي الاعتقالات الصّهيونيّة للنّاشطين فيه، وترويع الفلسطينيين بإقرار الكنيست قانوناً يسمح بإعدام من يتصدّى للعدوّ.

وفي هذا المجال، تأتي العمليَّة الفدائيَّة الَّتي استهدفت المستوطنين، والتي يخشى العدو أن تكون مقدمة لعمليات أخرى قد تدفع بالأمور نحو نوع جديد من المواجهة.

 

إنَّنا أمام كلّ ذلك، نشدّ على أيدي الشعب الفلسطيني في الاستمرار بالعمل لمنع تمرير المؤامرة التي لن تقف عند حدود اعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني، بل ستمتد لتصفية القضية الفلسطينية. وفي ذلك يأتي القرار الأميركي بإضعاف وكالة غوث اللاجئين (الأونروا)، الذي جاء متناغماً مع مواقف رئيس وزراء العدو، الذي اعتبر أنَّ "زوال هذه الوكالة واجب"، ونحن نرى في هذا القرار سعياً لإسقاط حقّ العودة بالتدريج، من خلال العمل الممنهج لإسقاط عنوان اللجوء وعنوان حق العودة، لتمهيد الطريق لتوطين الفلسطينيين حيث يتواجدون.

 

إنَّنا نرى أنَّ الميوعة في أغلب المواقف العربية والإسلامية تجاه حماية القدس، هي ما تشجّع الإدارة الأميركية على الاستمرار في خياراتها بحق القدس وفلسطين، وتجعل العدوّ الصهيونيّ أكثر جرأة ليواصل، وبوتيرة أعلى، مصادرة الأراضي الفلسطينية، ويستكمل زحفه الاستيطاني على ما تبقى من أرض فلسطينية، بما يبدد آمال كل المراهنين على بناء دولة فلسطينية عبر المفاوضات.

 

 

Leave A Reply