الوفاء بالعقود من ركائز الدين

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى
 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.

يدعو الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المؤمنين إلى الوفاء بالعقود كتعبير عن إيمانهم به والتزامهم بتعاليمه.

فالإيمان لا يكفي أن يسكن في القلب، بل لا بد أن يتمظهر خلقاً كريماً وسلوكاً وعملاً، فالإيمان كما ورد في الحديث: "ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال".

 

ونحن مع الأسف نعيش في واقعنا حالة الانفصام في الشخصية، قلوبنا ومشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا في واد، وسلوكنا وعملنا في واد آخر، ما يفسر كل هذا التخلف في حياتنا وكل ما نعاني منه.

 

ولذلك يحرص الله دائماً أن ينبهنا إلى مخاطر هذه الحالة، فيتوجه إلينا بمثل هذا الخطاب يا أيها الذين آمنوا ثم يدعونا بعده إلى الوفاء بما التزمناه مع الآخرين حتى يعيد إنتاج التكامل في شخصيتنا بحيث يلتقي الإيمان مع العمل به في ساحة الحياة وفي العلاقة مع الآخرين.

 

والعقود هي واحدة من المفردات التي يدعونا الله إلى أن نعبر من خلال الوفاء بها عن إيماننا، والمقصود بالعقد هو توافق إرادتين وأكثر على أمر معين يفرض الحق أو الشرع والقانون على أطراف العقد احترامه لأنه لا شرعية لعقد يحل حراماً أو يحرم حلالاً أو فيه إساءة للناس ومصالحهم.

 

وقد تعددت آراء المفسرين في المقصود من العقود التي دعا الله إلى الوفاء بها من هذه الآية…

 

هناك من المفسرين من قال أن المقصود العقود، بذلك التي جرت في الجاهلية وقبل الإسلام، فهناك مواثيق وعقود كانت قد جرت في الجاهلية.. بعضها له طابع فردي، فهناك بيوع وإيجارات وهبات وبعضها له طابع اجتماعي عام، ويذكر هنا فيما يذكر حلف الفضول الذي حصل عندما توافق رجالات من قريش على أن يكونوا يداً واحدة مع المظلوم ضد ظالمه حتى يؤدي إليه حقه سواء كان من الذين يعيشون في مكة ممن لا سند لهم ولا ظهير من عشيرة أو قبيلة أو الذين يفدون إلى مكة..

 

أما المظهر الثاني للعقود الذي أشار إليه بعض المفسرين فيتمثل بالالتزامات التي تجري بين العباد وخالقهم.. فهناك التزامات ينشؤها العبد اتجاه خالقه، كما هو الالتزام بالإسلام.. فعندما يشهد العبد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فهو يلتزم من خلال ذلك بأن لا عبودية إلا لله ولا خضوع إلا لإرادته، ويلتزم بالأخذ بأقوال رسول الله(ص) وأفعاله في كل شؤون الحياة، وهذا ما عبر عنه الله سبحانه عندما قال لرسول أن يعلن {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.

 

والأمر نفسه عندما يلتزم الإنسان بالولاية لأهل البيت(ع) والانتماء إليهم، وهذا يعني الأخذ بأقوالهم وسيرتهم والأهداف التي لأجلها قدموا التضحيات والأثمان الغالية.

 

وهنا التزامات أخرى من العبد تجاه خالقه، كتلك التي نؤكدها في كل العبادات جهرا أو نية. وهناك من الالتزامات تلك العقدية التي نلتزم بها من موقع عبوديتنا لله، كأن نتخذ الشيطان عدواً كما أمرنا عندما قال: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آَدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ}… فالله يلزم المسلمين الإيمان به والإيمان برسوله (ص) وأن ينصروا رسالته، وأن لا يخلّوا بهذا الالتزام.

 

وأما التفسير الثالث لمعنى الآية، فهو يرى المقصود بالعقود تلك التي تجري بين الناس، فالإنسان بطبيعته يحتاج في حاجاته ومعاملاته إلى بناء علاقات بالآخرين ما يفترض أن تنشأ التزامات فيما بينهم.. وهذه العقود قد تضيق أو تتوسع وتتطور بتطور حاجات الناس.. ولذلك نشأت عقود البيع والإجارة والشراكة والمقاولة والتأمين والزواج.

 

وهناك من العقود من لا يتعنون بعنوان العقد لكنها تحمل مضمونه فعلى سبيل المثال العقود التي تنشأ من خلال ما يسمى "الفيزا" التي تجيز للإنسان زيارة بلد آخر او الاستقرار فيه.. فهذا عقد يفرض الالتزام بالأنظمة والقوانين للبلد الذي يدخل إليه أو حصل على جنسيته، فلا حرية له في الإساءة إلى هذا البلد تحت أي عنوان كان، وما أكثر العناوين والتبريرات التي يتخذها بعض المغتربين ــ ولسنا نجمل طبعاً ــ للاستفادة من مقدرات بلاد الاغتراب وأرزاق أهلها.

 

وقد دعا الله سبحانه إلى الالتزام بمقتضيات هذه العقود بمختلف مظاهرها، وأدائها بحذافيرها وبكل دقة وإتقان ومن دون الانتقاص من حقوق الآخرين، كما يحصل غالباً عندما يستغل البعض جهل الآخرين أو ضعفهم أو غفلتهم أو قدرته على التلاعب بما تم الاتفاق عليه سواء كان بالكلمة أو بالكتابة فيغدر بهم ولا يوفي بالتزاماته معهم.

 

وقد اعتبر الله سبحانه الإخلال بالعقد إساءة إليه، عندما دعا إلى الوفاء بالعقود.. فالله بذلك أدخل نفسه كشريك في المعاملة، فلم يعد أطراف التعامل مقتصرة على من أجرى العقود بل دخل في ذلك الله بكل جبروته وقوته وعزته.. ومن هنا لا بد أن يحسب له حساب، فمن تجاوز الحدود في ذلك فهو لا يتجاوزها مع من تعاقد معهم فقط بل يتجاوزها مع الله ومن كان قادراً على أن يواجه الله أو يتحداه فليفعل.

 

ونحن أمام هذه الآراء الثلاث للمفسرين التي وإن تباينت ظاهراً فالمبنى والمقصد الأخلاقي واضح بين.

 

فهي دعوة من الله سبحانه إلى الإنسان للوفاء بالتزاماته والوفاء يعني إتمام ما تم التوافق عليه من دون أي خلل أو نقص تجاه أي شخص أو جهة التزم معها مباشرة أو ضمناً.. ولذا ورد في الحديث الوفاء توأم الصدق الوفاء توأم الأمانة.

 

وقد رفع الإسلام من مستوى هذا الخلق، خلق الوفاء بالعهود والعقود، عندما نسبه الله إليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.

 

وهذه الصفة تحلى بها النبي(ص) عندما لقب بالصادق الأمين. ولذا نجده ورغم كل المؤامرات التي ارتكبتها قريش بحقه يطلب من علياً(ع) أن يبقى في مكة ويعرض نفسه للخطر فيها كي يؤدي الأمانات التي كانت لقريش عنده لكونه كان مستودع أماناتها.. وبقي(ع) ثلاثة أيام حتى رد كل الأمانات إلى الناس وبعدها هاجر إلى المدينة آنذاك.

 

وقد اعتبرت الأحاديث الشريفة أن الالتزام بالوفاء بالعقود أو العهود هو أساس وركيزة من ركائز الدين.. فقد ورد عن رسول الله(ص): "لا دين لمن لا عهد له".  وقد ورد: "المسلمون عند شروطهم".

 

ولم يفرق الإسلام في ذلك بين الالتزامات التي تجري بين المسلمين وبين غيرهم.. فالعقود والعهود هي التزامات لا بد أن توفى كاملاً حتى لو كانت مع كافر أو مشرك أو فاجر.

 

انظروا إلى هذا الحديث: "ثلاث لم يجعل الله عز وجل لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد  للبر والفاجر، وبرُّ الوالدين، بَرَّيْن كانا أو فاجريْن".

 

ولذلك نجد القرآن الكريم يستثني من الحرب التي شنها على المشركين ــ كما جاء في سورة البراءة ــ أولئك الذين جرت عقود معهم ولم يخلوا بها، فقال: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ…}

 

أيها الأحبة:

هذا هو الإسلام في أخلاقه في الالتزام بالعهود والعقود والوفاء بها، حتى مع أعداء الله ورسوله.. ومع الأسف هذه الصورة ليست هي صورة الكثير من المسلمين للأسف فيما بينهم ومع غير المسلمين.. ويكفي أن ننزل إلى ساحة التعامل بين الناس حتى نجد عدم الدقة في الأداء وعدم الاتفاق وعدم الالتزام بالمواعيد والإخلال بالشروط.

 

إن الحياة لا تبنى ولا تسمو ولا تتطور ولن تعرف أماناً واستقراراً إلا عندما يوفي الناس بالتزاماتهم، فيشعر البائع أن عليه أن لا يغش من اشترى منه وأن يكون أميناً في معاملاته، فيؤدي كل التزاماته تجاه التاجر والعكس مطلوب.. وأن يفي الموظف بعمله في دائرته والمعلم تجاه طلابه والطبيب مع مرضاه والمقاول مع من يعمل لهم والمسؤول مع المسؤولين عنهم والحاكم مع المحكومين. إن صلاح الحياة يتطلب أن نعيد للكلمة معناها وأن يشعر كل إنسان يرتبط بالتزام أن التزامه هو مع الله وسوف يواجه المسؤولية عنه بين يديه {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً}.

 

ولنحرص على أن نعيش في قلوبنا أن الشاهد الأول في كل عقد ليس فقط أولئك الشهود من الناس، ليكون الشاهد هو من بيده رزقنا وحياتنا وصحتنا ومستقبلنا وحياتنا وموتنا ومن سنقف بين يديه يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها…

 

وقد وعد الله وهو من سيفي بوعده بأن يكون نصيراً للمظلومين وحافظاً لحقوقهم {فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نتقي الله في كلماتنا، وأن نعيد الاعتبار والقيمة إليها بعدما فقدت مضمونها، ولم تعد تعني لدى البعض شيئاً، ولم يعد يلتزم بها، فيعد الناس، ويغدق عليهم بالأماني والأحلام، ولا يقدم لهم شيئاً عند الاستحقاق، ويلتزم بالكلام مع الآخرين عندما يكون هناك مواثيق وعهود فقط، ويرجع عن كلامه، ولا سيّما عندما يكون قوياً ويكون الآخر ضعيفاً، أو عندما لا يتوفّر ما يثبت أقواله من مستند أو وثيقة أو تسجيل…

 

لقد جعل الله للكلمة قيمة عندما جعلها تحلّل وتحرِّم، وبها يُثاب الإنسان ويُعاقب، عندما قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.. وعن رسول الله (ص): "إنّ الرجل ليتكلّم بالكلمة من رضوان اللَّه تعالى ما كان يظنّ أن تبلغ ما بلغت، يكتب اللَّه له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلّم بالكلمة من سخط اللَّه ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب اللَّه له بها سخطه إلى يوم يلقاه".

 

 وقد قال علي(ع): "بالكلام ابيضّت وجوه، وبالكلام اسودّت وجوه".. ونحن عندما نلتزم بالكلمة التي نطلقها، سوف تصفو الحياة من حولنا، وسنخفف الكثير من التوترات، وبذلك نواجه التحديات..

 

أمريكا

والبداية من أميركا، حيث يتسلّم الرئيس الأميركي اليوم مهامه الرئاسية، وسط مخاوف تلفّ العالم من أن ينفّذ ما وعد به في خطاباته النارية خلال حملته الانتخابية تجاه المسلمين والمهاجرين إلى أميركا، أو تجاه أوروبا والصين والسعودية، أو في دعمه للكيان الصهيوني، وقراره القاضي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، أو إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ما سيساهم في إشعال فتن جديدة، ويفاقم توترات راهنة، ويقرّب العالم من نمط غير مألوف من الحروب.

 

ونحن في ذلك، لا نتحدّث بمنطق المتحمّسين الَّذين يستهينون بقدرات أميركا، أو الذين يقولون عنها إنها نمرٌ من ورق، بل بمنطق الواقعيين الذين يرون أنّ أميركا تمتلك القدرات والإمكانات الهائلة على المستوى الاقتصادي والمالي والعسكري في العالم، ويُحسب لها حساب، وأن هذا الرئيس قد يُقدم على ما وعد به، ويتصرف بطريقة مختلفة لم نعهدها لدى الآخرين..

 

لكننا في الوقت نفسه، لا نتحدَّث بمنطق المستهينين، لأننا ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار أن كل هذا الوعد والوعيد قد يكون من باب التهويل، وإعادة الاعتبار إلى موقع أمريكا ودورها ونفوذها، الّذي تراجع في ظل موازين القوى الراهنة، إذ لم تعد هي اللاعب الوحيد في هذا العالم، فهناك قوى أخرى صاعدة، وإن لم تملك إمكانات هزيمتها، فهي تملك القدرة على إرباك مشاريعها وخططها.

 

لقد أثبت الواقع السابق أننا لا ينبغي النظر إلى أميركا، وإلى أية قوة أخرى، على أنها قضاء لازم، فقد حرّكت في السابق كل قدراتها العسكرية وإمكاناتها في أكثر من بلد، ولكنها لم تستطع أن تواجه إرادات الشعوب أو الدول عندما أخذت خيارات المواجهة..

 

الأمة العربية والإسلامية

وفي الوقت نفسه، نقول لكلّ الدول العربية والإسلامية التي لا تزال تراهن على دور أميركا في حل المشاكل التي تعانيها، إنّ أميركا لا تنطلق في هذا العالم إلا من خلال مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني. ولذلك، يجب أن يبقى رهانهم على بناء قوتهم على مختلف المستويات، وخصوصاً القوة الّتي يوفرها سعيهم إلى التصالح مع شعوبهم، وحرصهم على وحدتهم، وتعاونهم فيما بينهم..

 

ومن هنا، نرى أهميّة الدعوة الّتي انطلقت من الرئيس الإيراني في مدّ يده إلى المملكة العربيّة السعوديّة، للتعاون من أجل حلّ كلّ التّوترات الحاصلة، وإزالة كلّ أسباب الاختلاف..

 

إنّنا نريد لهذه الدَّعوة أن تلقى القبول لدى الآخرين، ونأمل أن تُستثمر كلّ الفرص لإعادة بناء الجسور العربية والإسلامية، حتى يقف هذا الاستنزاف الدامي الّذي تعانيه المنطقة في سوريا أو في العراق أو اليمن أو ليبيا أو البحرين.

 

فلسطين

وعلى الصّعيد الفلسطينيّ، انعقد مؤتمر باريس لتحريك عمليّة التّسوية في الشرق الأوسط، بحضور أكثر من سبعين دولة ومنظمة دولية، والذي بنى عليه العرب والفلسطينيون آمالاً سرعان ما تبخرت مع الإعلان عن قراراته. ورغم رفض الكيان الصهيوني له، فقد سمح هذا المؤتمر لمصطلح الدولة اليهودية بالمرور، وأبرق للكيان الصهيوني رسالة مفادها أننا لن نعترف بدولة فلسطينية من طرف واحد، ولن نقبل بفرض أيّ حلّ على الحكومة الصهيونية. كما أنه استنكر عنف الفلسطينيين، فيما لم يذكر عنف الصهاينة المستمر على الفلسطينيين..

 

وعلى الرّغم من ذلك، فقد صعّد العدو من عمليات هدمه لمنازل الفلسطينيين في القدس وفي قرية أم الحيران في النقب، بحجّة عدم وجود تراخيص، كما تواصلت وتيرة الاستيطان إلى جانب عمليات الاعتقال للشباب الفلسطيني واغتيال النشطاء واعتقالهم، ما أسقط المزيد من الآمال التي بناها البعض على المواقف الدولية حيال الفلسطينيين.

 

إنّنا ندرك أنّ القضيّة الفلسطينيّة هي الّتي تدفع الثمن، في ظلّ التمزق العربي والإسلاميّ، ووسط حالة الانفتاح السرّي أو العلني على العدوّ. وبالتالي, لا مجال للتعويل إلا على مقاومة الشعب الفلسطيني في الداخل، الذي أثبت أنّه قادر على تغيير المعادلات بصموده وصبره.. وهو ما يُحمل الشّعوب العربيّة والإسلاميّة المسؤوليّات الكبيرة تجاه هذا الشّعب.

 

لبنان

ونعود إلى لبنان، الَّذي اكتمل فيه عقد عودة مؤسسات الدولة إلى العمل، بعودة التشريع إلى المجلس النيابيّ، بعد توقّف طويل ترك آثاره السلبيّة في مصالح المواطنين وفي انتظام عمل مؤسّسات الدولة.

 

وفي هذا الوقت، يستمرّ الجدل، وبالصّوت العالي، حول القانون الانتخابي الذي سيعتمد في الانتخابات القادمة، حيث يسعى كلّ فريق إلى تمرير القانون الذي يناسبه، ويؤمِّن له المحافظة على المكاسب التي حقّقها في المراحل السّابقة، ما يهدّد بانقسام قد يودي بالصّيغة التوافقيّة التي حكمت البلد طوال الفترة السّابقة، ويعيد البلد إلى حالة الانقسام السياسيّ.

 

ولكنّنا، وكما أشرنا في الأسبوع الماضي، نؤكّد أنّ إعادة الانقسام ليس من مصلحة الطبقة السياسية، وأنّ هذه الطبقة التي تتقن منطق الصّفقات وتوزيع الحصص، قادرة على إنتاج التسويات، من خلال قانون انتخابي يضمن لجميع الأطراف مصالحهم.

 

وفي موازاة ذلك، تعود أزمة النفايات بكلّ تداعياتها، بعد إقرار إقفال مطمر الكوستابرافا، وإثر ظهور السّلبيات الناشئة عن وجوده قرب المطار، وتداعياته على سلامة الطيران. وقد تبيّن أن هذا الحلّ لم يكن مدروساً بالشّكل الكافي، ونحن نرى أنَّ هذا الملفّ سيشكل امتحاناً للحكومة الجديدة ولمقدرتها على معالجته، حتى تكون المعالجة بناءً على الدراسات المعمّقة، لا على التسويات والمحاصصات.

 

ونبقى في لبنان، لندعو القوى الأمنيّة والسياسيّة والعشائريّة والعائلات إلى معالجة جذرية لمشاكل الخطف والاعتداءات التي تحصل في البقاع، والتي تسيء إلى سلامة المواطن وأمنه، وإلى صورة هذه المنطقة والعيش المشترك فيها، وخصوصاً أن من يقوم بهذه الممارسات هم قلة لا يمثلونها ولا يحملون قيمها؛ قيم العطاء والكرم والألفة والوحدة التي عهدناها.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ :  22ربيع الثاني 1438هـ الموافق :20 كانون الثاني 2017م

Leave A Reply