من اجل حفظ كرامة الانسان

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز:

{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}.

إذا سألنا ما الذي يميّز الانسان من الحيوان على مستوى التكوين الأساسي والشعوري، سنجد أن من أهم ما يميزه هذا الشعور الفطري بالكرامة الذي أودعه الله في تكوينه النفسي، وفي وسائله الدفاعية لاستمرار وجوده.

 

والكرامة تعني إحساس الإنسان بكيانه، بوجوده، بحضوره، بأهميته. فبدون هذا الإحساس سيعيش الإنسان الشعور بالإحباط والهزيمة الداخلية، الكرامة  هذا المصطلح الذي ينبئ عن خلطة ربانية تجعل الانسان لا يعبد الا الله ولا يُذل الا له، انها المحرك والوقود الذي يشعر فيه انه كإنسان يتساوى فيها مع بقية البشر..

وقصة التكريم الالهي كما تعرفون بدأت عند خلق الله الإنسان، ونفخ فيه من روحه، حيث دعا الملائكة بكل مواقعهم، وأمرهم جميعاً بالسجود تعظيماً لهذا المخلوق.. فسجد وقتها الملائكة إلا إبليس الذي رفض السجود،  فكان مصيره ما وعده الله به اللعنة إلى يوم الدين..

 

إذاً هذه الكرامة هي منحة إلهية للإنسان، أوجب عليه أن يحافظ عليها ويعززها.. أن لا يفرط بها، فكما لم يجز الله للإنسان أن يسيء إلى جسده وروحه، لم يجز له أن يسيء إلى كرامته..

   والاسلام قام على مبدأ الكرامة المحفوظة،  فعلى مستوى الانسان نفسه  ورد أن الله فوض إلى المؤمن أموره كلها، ولم يفوض إليه أن يكون ذليلاً أو أن يكون عبداً لأحد حتى في اي حاجة: لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً.. قالها سيد الكرامة الانسانية علي بن ابي طالب وإمام الاحرار الحسين عليه السلام: والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد..

 

وعلى المستوى العام والتشريع والاحكام نهى الاسلام عن كل ما ينتهك الكرامة على مختلف الصعد، ابتداء من السخرية والاستهزاء وظن السوء وصولاً إلى  التجسس والغيبة التي لا يغفرها الله تعالى حتى يغفر صاحبها.. وفي هذا دليل على حرص الله عز وجل أن يحفظ حق الانسان في كرامته ما يجعله يقف يوم الحساب مع الذين اغتابوه، أو قللوا من شأنه، أو ذلوه ليطالبهم بحقه، الحق الذي يريد..        

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ..} {..وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ..} {…اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} {وَلَا تَجَسَّسُوا.. وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ}.

 

وفي السياق نفسه ودائما على سبيل المثال لا الحصر، نلتقي بصدقة السر، التي نحن مأمورون بها وكان أئمة أهل البيت روادها (كالإمام زين العابدين) هي صحيح لها بعد تعبدي على المستوى الشخصي للباذل، ولكن السر فيها والأهم هو حفظ كرامة الفقراء، وتجنيبهم الوقوف موقف الطلب والحاجة. {الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.

 

واستكمالا لهذا التوجه، لحفظ الكرامة كان مدح الفقراء الذين يحفظون ماء وجههم وكراماتهم، فلا يمتهنون الطلب ومدّ يد الاستعطاء {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحْصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا…}

 

بالمقابل فقد أوجب الله على الأغنياء والأقوياء تأمين حاجات الفقراء والمعوزين {وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}، فقد استكمل منظومة حفظ كرامة الفقير بالتشديد على أن لا يلحق الإعطاء منة أو أذى {لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}.. وهو قال: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى}.

 

أيها الاحبة :

إن آية التكريم التي تلوناها في مطلع الخطبة هي حجة واضحة دامغة على كل الذين يملكون مواقع المسؤولية في الحياة للحفاظ على كرامة من يتولون أمورهم..

ولعل ما نعيشه في هذه الأيام، وما واجهناه يُظهر مدى الإهمال الذي يعانيه الناس في كراماتهم، عندما يشعرون بالمهانة والاذلال في ما يقدم لهم من طعام وشراب وأمن..

 

اين كرامة الانسان  حين ينام متألما وموجوعا، لا يدري كيف يؤمن قوته او ماذا سيقول للمدرسة حين تعيد ابنه إلى البيت.

المسؤولية كبيرة على أولي الامر الذين نصبوا انفسهم لخدمة الناس.. فالجهات الرسمية التي رمت بالحمل على المؤسسات الاهلية  والجمعيات وعلى المبادرات نسيت دورها في تأمين الحد الأدنى، ودورها في حفظ المعوقين وحفظ العجزة وحفظ المصابين.. هذه الهموم التي يكبر حملها على الجمعيات والمؤسسات الخيرية  لولا احتضان المقتدرين ولولا اموال الفقراء والصدقات والخمس والزكاة.

 

عندما تستقبل المؤسسات الرسمية، والدولة ككل من مسؤولياتها، بالهروب منها تارة، وبتقاذف كرة المسؤولية بين هذا وذاك، عندها يضيع الحق. كنا منذ زمن ننتظر المطر بفارغ الصبر لكن في كل مرة تهطل الأمطار بغزارة، تظهر المصائب مع عدم التحسب وتفادي الحوادث التي  تتكرر كل موسم: دخول المطر إلى البيوت والمحلات والمستودعات والمعامل وحصار الناس والاطفال في سياراتهم  لماذا هذه اللامبالاة وهل لأن البلديات لم تتحسب لذلك، أو لأنها لم تقبض مستحقاتها من الدولة، أو لأن هناك مسؤولاً لا يهتم ولا يراقب أو لا يحاسب، أو هو مغطى من موقع سياسي، أو من موقعه الطائفي، أو هو آمن لأنه باق في موقعه سواء وافق الناس أم لم يوافقوا، ما دام ينتمي إلى هذا الفريق السياسي أو ذاك.

 

آن الأوان لمقاومة توهين كرامة الناس، ومقاومة كل ما يدوس عليها.. ومقاومة منطق اولاد ست واولاد جارية، الذي يهين الكرامة الانسانية  تماما كالمنطق الاقطاعي والمنطق النخبوي  والطبقي والمنطق العنصري  حسب العرق أو الجنس أو اللون أوالضُعف والقوة..  

واللافت والمؤسف أن يستشعر الناس كراماتهم عندما يذهبون إلى بلاد غير بلاد المسلمين، حيث يشعر الإنسان بأنه آمن في حقوقه ومتطلباته.. حين يجد هناك من يفكر به ولا يحتاج حتى أن يطالب، وإذا طالب فهو يطالب بقوة القانون، لا بقوة عضلاته أو سلاحه أو من يسنده..  لن تصلح أحوالنا وتُحفظ كراماتنا إلا إذا أصبح القانون العادل هو الضامن لكرامات الناس، والذي لا يخضع لاي اعتبار سوى الحق ولا شيء غير الحق.

 

أيها الاحبة: إن ارقاماً رسمية أعلنت مؤخرا تبين أنه في واقعنا اللبناني يرزح أكثر من ربع الشعب تحت خط الفقر، ناهيك عن من هم على تماس مع هذا الخط… هذا الواقع المأساوي يؤكد الحاجة الماسة والعاجلة إلى الخدمات العادلة الى الخطط المدروسة، وليس على أساس الهِبات والإعاشات والمساعدات أو المبادرات أو المساعي الشخصية والآنية المرتبطة بهذا الموقع أو ذاك والتي تعمل على الصدمات.. انما نطالب بإيجاد الانظمة التي تقوم على مبدأ عدم المس بكرامة الانسان..

 

فمثلا لا يكفي افتتاح مشفى هنا ومدرسة هناك – وإن كان هذا الفعل مشكورا – انما الحاجة أيضا ملحة إلى آليات  تأمين الاستشفاء، وكم سينتظر المريض دوره وكم مريضاً سنحول دون موته أمام المستشفى وكيف سيؤمن له الدواء .. ومن سيصرف عليه أثناء مرضه،فالخدمة الاجتماعية يجب ان ترافق الخدمات الطبية  ليصار للتأكد من وضع كل مريض والوصول به الى بر الصحة والأمان.

 

إن المجتمع الذي يضطر أهله إلى سد الفراغ بل الفراغات الناتجة عن تقصير الدولة، فيكدح أهله ليل نهار لتحصيل لقمة العيش والمستجد أنه حتى لقمة العيش هذه أصبح هناك شك في صحتها وسلامتها، وتهاجر طاقاته سعيا للهروب من آفة البطالة، وينقل مرضاه من مستشفى إلى مستشفى بحثا عن طبابة، ويستشهد خيرة شبابه دفاعا عن أرض غالبا ما نسيتها الدولة أو أعلنت عجزها.. لقد شغل هذا المجتمع بالعناصر الأساسية والضرورية لتحصيل كرامته فكيف نتوقع منه أن يذهب إلى أبعد من حالة المراوحة – في أفضل الأحوال – إلى أن يرتقي ويحقق طموحاته ومكملات كرامته..

 

 وفي الختام لا بد من أن نؤكد أن كل هذا التشخيص للمشكلة مع عمق ألمها وشدة معاناتها لا ينبغي لها ولا في اي حال من الاحوال أن تتحول الى مبررات للاستكانة والقبول بالامر الواقع.. لأن مسألة حفظ الكرامة وعدم السماح بهدرها واجب انساني وديني، وهو من ضرورات ومستلزمات العيش في هذه الحياة، الكرامة سلاح وذخر وطاقة، تعيد التوازن للانسان وإلا فبعد موت الكرامة لا حياة كريمة:

«مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ، ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ»

والحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا الاستهداء بالإمام زين العابدين(ع)؛ هذا الإمام الَّذي مرَّت علينا ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر محرم. ونحن في هذه الذكرى، سنتوقَّف عند ثلاثة مواقف له؛ الأوَّل هو موقفه بعد معركة كربلاء، حين هدَّده ابن زياد بالقتل، فردَّ عليه قائلاً: "أبالقتل تهدّدني يا ابن الطلقاء، أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة؟!".

والموقف الثاني، يوم جاء إليه مروان بن الحكم، طالباً منه أن يودع عنده عائلته الكبيرة، ليتسنّى له الهرب من المدينة، بعدما ثار أهلها على بني أمية. ومروان بن الحكم هو من قاد الحروب على جده عليّ(ع)، وهو من أشار إليه والي المدينة، بأن يأخذ البيعة من أبيه الحسين(ع)، وأن يضرب عنقه إذا رفض. ولكنّ الإمام زين العابدين لم يتعامل معه بردّ فعل على مواقفه وحقده، بل برساليته، فقبل عرضه، وأبقى عائلته عنده، ولفترة طويلة. وقد ورد عن إحدى بنات ابن الحكم، أنَّها قالت: "لم نجد من الحفظ والرعاية والعاطفة في بيت أبينا، كما وجدناه عند عليِّ بن الحسين(ع)".

والموقف الثالث، حين راح يدعو لجيش بني أمية في حربه مع الروم، رغم أنّ هذا الجيش كان له دور في قتل أبيه الحسين(ع) وقتل من معه. وقد سمي هذا الدعاء بدعاء الثغور، وهو موجود في الصحيفة السجادية: "أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مَؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعْنِهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ".

 

هذا هو الإمام زين العابدين، فعلى الرغم من كلّ ما حدث في كربلاء أمام ناظريه، بقيت بوصلته واضحة، وتميّز دوماً بأخلاقياته، فلم يتحرّك في أي موقف من نزعة حقد أو رد فعل، بل من موقع رساليته، وما تمليه عليه. بهذه الروح، ملك الإمام(ع) قلوب الناس، وعمَّق رسالته في النفوس، وبالتزامنا بهذا النهج، نواجه التحديات.

 

فلسطين

والبداية من فلسطين، الَّتي أكَّدت مجدّداً هويَّة إنسانها، فرغم القهر والضَّغط والحرمان الَّذي يمارس على الفلسطينيين، أصرّوا على أن يثأروا لكرامتهم وإنسانيتهم وحريتهم ومقدّساتهم، وعندما استعملوا العنف، استعملوه مرغمين، فهو ليس متأصّلاً لديهم بالفطرة، كما يقول البعض، والعدو الصهيوني هو أول من استخدم هذا العنف، وقد استعمله الفلسطينيون بدورهم، لأنَّ عدوهم لا يعي إلا هذه اللغة.

ونحن إذ نحيّي مقاومة هذا الشَّعب وصبره، ندعو إلى الوقوف معه، وتقدير تطلّعاته، بدلاً من الإدانات التي صدرت عن البعض، الذين حصروا نظرتهم في الأسلوب أو المكان الذي جرت فيه العملية التي حصلت أخيراً، وتغافلوا عن الأسباب التي دفعت شباباً لديهم كلّ طموحات الشّباب وأحلامه، إلى بذل أرواحهم ومهجهم، رغم أنهم يعرفون ردود فعل العدو، الَّذي سيقتل أهلهم ويهدم بيوتهم. هم ليسوا مهووسين بالقتل، وليسوا يائسين، ولكنَّهم عاشوا معاناة الاحتلال، وإذلاله للإنسان، وتدنيسه المقدّسات، وشاهدوا أمام أعينهم جرائمه، ولم يرضوا بأن تدنّس كرامتهم وهم صامتون، فانتفضوا على كلّ الّذين يعملون للعنف، ويدعون إليه، أو يؤمّنون له التغطية.

 

إنَّ من يتحمَّل مسؤوليَّة ما يجري في القدس وفلسطين، هو العدو الصهيوني وكلّ الذين يشرعنون الاحتلال، ويمدونه بكل وسائل البقاء وإمكاناته، ويؤمنون له التغطية السياسيّة، ويبررون جرائمه، غير آبهين بكل الشرائع والقوانين الدولية والإنسانية. والذي يريد لنزيف الدّم أن يتوقّف، وللسَّلام أن يتحقّق في فلسطين، فعليه أن يعمل ليعود الحقّ إلى أصحابه، وليعود الفلسطينيون إلى أرضهم، ولا يهدّد وجودهم، ولا يساء إلى كراماتهم.

 

إنَّنا نقول لكلّ العالم: لا يمكن أن تطلبوا من شعب يعاني ويتألّم كلّ يوم، أن يراعي المعايير الّتي تطلبونها. وهنا، ووسط الحديث الجاري عن اعتبار الحرب القائمة حرباً دينيَّة، نودّ التأكيد أنَّ ما يجري في القدس وفي فلسطين، ليس حرباً بين الإسلام واليهوديَّة، وعلى الأقل، هذا ما يفكّر فيه المسلمون، فالَّذين يواجهون العدو لا يواجهونه لدينه، بل لاحتلاله للأرض، وسعيه لإخراج شعب فلسطين من أرضه. وقد يكون الدافع للتحرّك هو الدين، لأنَّ الدّين هو من يدعو الإنسان إلى أن لا يقبل باحتلال وإذلال، وألا يرضى بالسكوت والصمت على سلب الحقوق وتدنيس المقدّسات.

 

لبنان

ونصل إلى لبنان، الَّذي لا يزال يعيش معاناةً على المستوى الاقتصاديّ والمعيشيّ والاجتماعيّ والأمنيّ، وما يزيد من أزماته، هو ما تكشفه التقارير الطبية والمخبرية من فساد يطاول طعام المواطن وماءه وصحته، حتى بات اللبناني يشعر بالخوف عندما يأكل ويشرب ويتحرك. إننا نعيد تأكيد موقفنا الداعم لحملة مواجهة الفساد، والتي نريدها حملة متواصلة ضمن خطّة تعالج الأسباب لا النتائج، وأن تصل إلى الرؤوس العالية والمؤسَّسات الكبيرة، لا إلى المؤسَّسات الصَّغيرة فقط.

وأمام هذا الواقع، نعيد دعوة اللبنانيين إلى رصّ صفوفهم، والخروج من كلّ اصطفافاتهم المذهبيّة والطائفيّة والسياسيّة، إلى الاصطفاف حول هذا البلد، لإخراجه من معاناته، ونحن نسمع تصريحات لبعض المسؤولين، يتحدثون فيها عن أشهر صعبة ستواجه اللبنانيين، في ضوء تطورات الأحداث في سوريا والعراق، أو تداعيات المحكمة الدولية وما يجري فيها، والتي قد تتفاقم في الأيام القادمة، وندعو في هذا المجال إلى التَّجاوب مع كلّ المبادرات الَّتي تعمل من أجل بدء حوار بين الفرقاء السياسيين، ولا سيما الفاعلين منهم، ونرى أنَّ هذا هو السَّبيل لمعالجة الكثير من الملفات، إن صفت النيات، وصدقت النفوس.

 

إنَّ إنسان هذا البلد معني بما يجري، ومعني بأن يكون مساعداً ومعاوناً، وأن يكون رقيباً ومحاسباً، فلا يكتفي بأخذ العلم بما يجري، وبأن يضرب كفاً بكفّ تحسّراً، أو يلقي بانتقاداته في الإعلام وصفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بل عليه أن يفعّل دوره بكلّ الوسائل.. وبذلك، لن يغرق مجدداً في الطرقات، ولن تستمر معاناته في الغذاء والصحَّة والدواء والماء والكهرباء، ولن يتلاعب أحد بمصيره.

 

وأخيراً، وعودةً إلى الاستقلال، نستذكر كلّ الّذين بذلوا دماءهم وقدَّموا التضحيات من أجل استقلال هذا البلد، وندعو إلى حفظ هذه الجهود والدماء بمزيد من الوحدة، وإلى الخروج من كلّ الاصطفافات المذهبية والطائفية والسياسية التي تخفي خلفها اصطفافات إقليمية ودولية، ومعالجة ما يهدّد كلّ أمن البلد واستقراره. وقد أحسن المسؤولون عندما لم يحتفلوا بالعيد، في ظلّ دولة غير مكتملة الأسس، كي لا يصبح هذا الأمر واقعاً، فالبلد لا يقوم إلا بكل مقوّماته.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله    

التاريخ :  28 محرم 1435هـ  الموافق : 21 تشرين الثاني 2014م

 

Leave A Reply