السيّد علي فضل الله: “ملتقى الأديان والثقافات” مبادرة حواريّة لتخفيف الاحتقان الطائفي
"إن الله علّمنا أن نحاور كلّ الناس، ولا توجد مقدّسات في الحوار، فقد حاور الله تعالى إبليس، فهل هناك من الناس من هو مثل إبليس؟ كما أن القرآن هو كتاب حوار مع المشركين في توحيد الله، ومع الكافرين في وجود الله وفي نبوّة النبي…"، هكذا أجاب المرجع اللبناني الشيعي الراحل السيّد محمد حسين فضل الله عندما سئل عن ازدياد الحديث عن الحوار بين الأديان في فترة التسعينيات من القرن العشرين.
بقلم هيثم مزاحم
مناسبة الكلام عن الراحل فضل الله اليوم ودعوته للحوار مع الآخر وخصوصاً مع المسيحيّين والمذاهب الإسلاميّة الأخرى، هو المبادرة التي أطلقها نجله العلامة السيّد علي فضل الله بتأسيس "ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار" بمشاركة خمسين شخصيّة من رجال دين مسلمين ومسيحيّين ومفكّرين ومثقّفين من لبنان والعالم العربي والإسلامي.
و"الملتقى" أعلن عنه فضل الله في حفل أقيم في بيروت الثلاثاء 30 تشرين الأول/أكتوبر المنصرم. وقد حضره نواب وسياسيّون وقادة حزبيّون ومثقّفون ومفكّرون وإعلاميّون، أبرزهم رئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) النائب محمد رعد ورئيس المكتب السياسي "للجماعة الإسلاميّة" عزام الأيوبي وممثل عن رئيس الجمهوريّة اللبناني الأسبق رئيس حزب الكتائب أمين الجميل ووفد من حركة أمل ووفد من الحزب التقدمي الاشتراكي.
أما من المرجعيات الدينيّة، فقد حضر الأب فادي ضو ممثلاً للبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، والأب سليمان وهبي ممثلاً لبطريرك أنطاكيا والإسكندريّة وأورشليم للروم الملكيّين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام، وممثّل للسفير البابوي، والمطران دانيال سكر ممثلاً للبطريرك زكا الأول عيواص الرئيس الأعلى للكنيسة السريانيّة الأرثوذكسيّة، إلى جانب عدد من علماء الدين السنّة والشيعة والدروز من لبنان ودول عربيّة وإسلاميّة أبرزهم الأمين العام للمجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الشيخ خلدون عريمط والشيخ سامي أبو المنى ممثلاً لشيخ عقل طائفة الموحّدين الدروز الشيخ نعيم حسن.
وقال السيّد علي فضل الله في مقابلة خاصة مع "المونيتور" إن "فكرة الحوار بين الأديان والمذاهب مطروحة في هذه المرحلة حيث تزداد الحاجة إلى الحوار وطنياً وإقليمياً ودولياً، على أن يكون محوره الإنسان والحياة وقيم الحقّ والواجب". وأوضح أن المبادرة "تنطلق من الأساس الذي وضعه السيّد محمد حسين فضل الله ومن التجربة الحواريّة التي عاشها والمصداقيّة التي كسبها، وهي أمور يؤسّس عليها في الحوار". أضاف أن "ما يميّز هذا الملتقى أنه لن يبدأ من فراغ، ﻷنه يستلهم نهج السيد فضل الله الذي آمن بالحوار وكان جاداً فيه وأنزله إلى ساحة الحياة. فكان يحاور الذين يختلف معهم حتى في أشدّ الظروف تعقيداً".
ولدى سؤاله عن أهداف هذه المبادرة، أجاب فضل الله قائلاً إن "الهدف من الملتقى هو فتح الأبواب والتوصّل إلى قواسم مشتركة والتخفيف من السلبيات. فالحوار يساهم في تبريد الاحتقان الطائفي والمذهبي"، مشيراً إلى أن الملتقى سيسعى إلى "تهيئة أجواء التعاون والعمل معاً في قضايا الحوار على الصعيدَين العربي-الإسلامي والدولي، للتقريب بين الأديان والمذاهب وإيجاد مشاريع عمل مشتركة في ما بينها وتعزيز العلاقة بين أبنائها ونبذ الفتن المذهبيّة والطائفيّة والسياسيّة".
وعما يميّز هذه المبادرة عن المبادرات الحواريّة السابقة، قال فضل الله إن "ثمّة جهوداً سبقت هذه المبادرة والملتقى لن يكون بديلاً عن ملتقيات الحوار الأخرى ولا مكرّراً لها. وتميّزه سيكون بنزوله على الأرض في الجامعات والمنتديات الثقافيّة، وبعدم اقتصاره على النخب الفكريّة والدينيّة والسياسيّة".
يشار إلى أن ثمّة أربع لجان سيشكلّها "الملتقى" وستكون لكلّ لجنة مهامها الخاصة، وهي لجنة العلاقات الإسلاميّة–الإسلاميّة (السنّية–الشيعيّة) ولجنة العلاقات الإسلاميّة–المسيحيّة ولجنة الحريات وحقوق الإنسان واللجنة العلميّة، بالإضافة إلى هيئة استشاريّة توجّه السياسات العامة لأعمال "الملتقى".
وشدّد فضل الله على أهميّة الجانب العلمي والتربوي لمعالجة قيم الانحراف الفكري والديني، خصوصاً ازدياد التطرّف الديني والعنف الطائفي والفتن المذهبيّة والصراعات المختلفة. وأشار إلى "الرهان على اللجنة العلميّة التي ستقوم بدراسات وبحوث حول هذه المشكلات ونشر الوعي والمعرفة لتقريب المسافات على المستوى الديني والثقافي". واعتبر أن أصل المشكلة هو في "إدارة الظهر للقيم والمثل الإنسانيّة وأن الخطاب الديني المعاصر يحتاج إلى البحث عن محور التوازن في هذا العالم وهو سيادة القيم وحقوق الإنسان".
وأهميّة الجانب العلمي والتربوي استدعت أن يوكل "الملتقى" إلى اللجنة العلميّة مهام دراسة قضايا الاختلاف بين المذاهب والأديان في منهج علمي وأكاديمي بعيداً عن التعصب، وإصدار كتاب فصلي ومجلة إلكترونيّة ومنشورات متخصّصة بقيم الحوار وثقافته، والعمل على إنشاء الأكاديميّة العالميّة للحوار بين الأديان والثقافات لتأهيل كادر علمي متخصّص في البرامج المتعدّدة للحوار.
وكشف فضل الله في حديثه إلى "المونتيور" أن والده الراحل المرجع فضل الله كان قد طرح فكرة الحوار مع السلفيّين الذين أبدوا استعداداً لذلك. لكن مرضه ومن ثم وفاته حالا دون انطلاق هذا الحوار.
ولدى سؤاله إن كان الحوار سيكون دينياً لاهوتياً فقط أم سياسياً واجتماعياً، قال السيّد فضل الله إن "الحوار لن يكون دينياً فقط بل سيكون أيضاً سياسياً واجتماعياً لأنه لا يمكن الفصل بين الأمرَين اليوم، وذلك لإزالة المخاوف والهواجس الموجودة لكن من دون الدخول في التفاصيل السياسيّة التي تجعل الملتقى كجزء من المشهد السياسي".
وحول إمكانيّة نجاح "الملتقى" في حلّ المشكلات الطائفيّة والمذهبيّة والتي يعود معظمها إلى صراعات سياسيّة وتدخّل دول كبرى وإقليميّة وتتوّرط أحزاب ومجموعات سياسيّة فيها، قال فضل الله إنهم مدركون بأن الأمور أكبر من "الملتقى" وأن الحوار وحده ليس الحلّ بل إنه يساهم في تخفيف الاحتقان وأنه مع الوقت قد يساهم في حلّ المشكلات الكبيرة من خلال نشر الوعي وثقافة التسامح والتعايش.
ولدى محاججته بأن تجربة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة والتي بدأت في أربعينيات القرن العشرين قد فشلت مع تصاعد العداء بين السنّة والشيعة وتحوّله إلى صراع سياسي وعسكري وليس فقط خلافات في العقيدة والفقه، أوضح فضل الله أن مشكلة التجارب السابقة في التقريب بين المذاهب تعود إلى أنها كانت على مستوى رسمي وصنّفت إما بأنها مع إيران أو مع السعوديّة، مشيراً إلى معاناة المرجع فضل الله من المتعصّبين في داخل المذهب الشيعي بسبب دعوته إلى التقارب مع السنّة والوحدة الإسلاميّة.
وحول تفاؤله بنجاح مبادرة "الملتقى"، قال السيد فضل الله "نراهن على الجديّة الموجودة في الساحة ونستهدي بتجربة المرجع فضل الله وندرك العقبات القائمة ولا نقول إننا سننجح. لكن هذا الإطار يسمح لنا بحركة أفضل بسبب الاحترام الذي يلقاه المرجع فضل الله لدى الجميع، مسيحيّين ومسلمين ولبنانيّين وعرباً".
إلى ذلك، مصادر في اللجنة التأسيسيّة لـ"الملتقى" كشفت لـ"المونيتور" عن دعم كبير من المراجع الروحيّة المسيحيّة للمبادرة، لأنها تتفهّم همومهم وهواجسهم وتساعد في مواجهة التطرّف والإرهاب الذي يعانيهما المسيحيّون والمسلمون على حدّ سواء لكنهما يسبّبان هجرة المسيحيّين من الشرق. أضافت المصادر عينها أن تواصلاً جرى ما بين اللجنة التحضيريّة وقيادتَي حزب الله وحركة أمل اللتَين دعمتا المبادرة، مشيرة إلى أن الحوارات لن تقتصر على حوارات إسلاميّة–مسيحيّة وإسلاميّة–إسلاميّة بل ستشمل أيضاً حوارات دينيّة-علمانيّة.
من جهته، أبدى البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي ترحيباً ودعماً كبيرَين لـ"الملتقى" من أجل العمل على تعزيز الحوار والبحث في كيفيّة مواجهة التطرّف، لأن القلق لا يقتصر على مستقبل المسيحيّين في الشرق بل يشمل الجميع. ورأى في كلمة ألقاها نيابة عنه الأب فادي ضو في خلال الحفل، أن "أهميّة هذه المبادرة هي في قدرتها على تشكيل قيمة مضافة في حياتنا العامة وعيشنا المشترك، وإلا بقي الملتقى كحال المبادرات الأخرى في الحوار القائمة على النظريات والمجاملات من دون تأثير على الحياة الوطنيّة اليوميّة". وتمنّى من "الملتقى" حثّ المعنيّين بإدارة الشأن العام كي يكونوا جزءاً من هذا الحراك والحوار لأجل تنمية الإنسان والمجتمع.
كلام الراعي أصاب قلب الحقيقة، فالحوارات الإسلاميّة–المسيحيّة والسنّية–الشيعيّة بدأت منذ أكثر من سبعين عاماً في لبنان والعالم العربي والإسلامي لكنها لم تستطع منع ازدياد التعصّب الديني وانتشار التطرّف الأصولي، بسبب بقاء هذه الحوارات في إطار نخبوي بين رجال الدين والمفكّرين ولم تنعكس التفاهمات بينهم على أتباعهم من الناس العاديّين. بل ربما كانت ثمّة ازدواجيّة في الخطاب، خطاب تسامحي حواري في المؤتمرات والندوات والإعلام وخطاب طائفي وعمل تعبوي تحريضي في داخل كلّ طائفة بين رعاياها وأحزابها ومساجدها وكنائسها.
وكانت اللجنة التحضيريّة لـ"الملتقى" برئاسة الشيخ حسين شحادة قد زارت كلاً من الكاردينال الراعي والبطريرك لحام ورئيس الكنيسة الأشوريّة في لبنان الأب يترون كولانيا ورئيس الكنيسة القبطيّة في لبنان الأب رويس الأورشليمي والسفير البابوي غابريال كاتشيا، إلى جانب مرجعيات روحيّة إسلاميّة وسياسيّة وحزبيّة، وتمّت دعوتهم للمشاركة في "الملتقى".
المصدر : موقع Al monitor