فضل الله لوكالة تسنيم: الوحدة خلف الإمام الحسين (ع) تجعل عاشوراء إسلامية، وتوحد الأمة بوجه الظلم والغلو والانحراف

تحدث سماحة السيد علي فضل الله لمراسل وكالة تسنيم عن مبادئ ثورة الإمام الحسين عليه السلام مبينا أن الثَّورة الحسينية هي ثورة إسلاميّة بكلّ معنى الكلمة، وأن أصداءها لازالت رغم تقادم السنين تتردد كما لو أنَّها حصلت بالأمس، لافتا إلى أن جعل عاشوراء إسلامية يوحّد حولها المسلمين جميعاً، ويجعلها مناسبة خارج الزمان والمكان، و تصلح بعمومها لأن تكون شعارات حية لأية ثورة في عالمنا المعاصر والحديث.

 

وفيما يلي نص المقابلة كاملة :

ـ كيف يمكننا أن نستثمر عاشوراء الحسين لصدّ هذه الهجمات التَّفكيريَّة الَّتي يعيشها عالمنا الإسلاميّ؟
ـ إنَّ الإمام الحسين(ع) هو إمام المسلمين جميعاً، فحسب قول رسول الله(ص): "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، وهذا يدلّ على أنَّ الحسين لم يقم بثورته لدوافع شخصيَّة، وإنما خرج،  ومن موقعه كإمام معلناً أنه يتحرك  لطلب الإصلاح في أمّة جدّه رسول الله، يريد أن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر.
وإذا ما علمنا أنَّ الحسين هو ابن بنت رسول الله، فهذا يعني أنَّ الأمة الإسلامية تقدّر عالياً هذه الشّخصيّة العظيمة، وأنها تحبه لأنها تحبّ من أحبّ رسول الله، وتلتزم النهج الَّذي التزمه. ونهج الحسين هو نهج إسلاميّ حريص على الأمّة ووحدتها، وبالتالي فإنَّ تجسيد وحدة الأمّة خلف الحسين ينفعها للوقوف في وجه النزعات المغالية والتفكيرية… إنَّ من أبرز عناوين الظلم والانحراف التي تواجهه الأمة اليوم، يتجسد بالإرهاب وبالفهم الخاطئ للدين، وبالويلات التي يجرّها الإرهابيون على الأمّة كأمّة، وعلى الإسلام كدين أراده الله خاتم الرسالات السماوية وهادياً للبشريّة جميعاً…
الوحدة خلف الإمام الحسين يجعل عاشوراء إسلاميَّة، ويجعل الأمة تتوحَّد في وجه الظلم والغلو والانحراف، كما فعل الإمام الحسين بثورته التاريخيَّة العظيمة في حينه.

ـ كيف يمكن أن نزرع مبادئ ثورة الإمام الحسين في قلب هذا الجيل وعقله، وهو الذي نشأ على مفهوم خاطئ للثورات؟
ـ إنَّ ابتعاد أبناء الأمَّة الإسلاميَّة عن تعاليم دينهم الحنيف ومفاهيمه، جعل الكثير منهم ينحرفون عن جادة الحقّ والصواب، وجعل بعضهم يضلّ الطريق إلى حيث الأهداف غير الحميدة.
إنَّ إرجاع أبناء الأمة إلى جادة الحقّ، يكون بإعادة تمثّل الشعارات الحسينية الثورية؛ هذه الشعارات التي فعلت فعلها في حينه بالشباب المسلم بعد استشهاد الحسين(ع)، وهي قادرة على أن تفعل فعلها اليوم بالشباب المسلم في أقطار العالم الإسلاميّ. لكن ذلك يجب أن يتصدّى له العلماء والمثقفون المسلمون الذين وعوا الثورة الحسينية وأدركوا مراميها وأهدافها العظيمة التي استلهمها المهاتما غاندي وغيره من ثوار العالم، فهي لا بدَّ من أنها سوف تكون محطة استلهام للثوار في بلادنا العربية والإسلامية اليوم، وشبابنا الطيب ليس بعيداً عن أن يتمثَّل قيم الثورة الحسينية ومبادئها، لأنها منطلقة من صميم المنظومة الأخلاقية والسياسية للإسلام الحنيف.

ـ كيف ترون أصداء عاشوراء في العالم الإسلاميّ بعد انشغال الأمّة بالأوضاع الأمنيَّة والسياسيَّة؟
ـ إنَّ الثَّورة الحسينيَّة هي ثورة إسلاميّة بكلّ معنى الكلمة، وإنَّ أصداء هذه الثَّورة لا زالت رغم تقادم السنين تتردد كما لو أنَّها حصلت بالأمس، وهذا إن دلَّ على شيء، فإنّما يدل على حيويَّة هذه الذكرى وأهميّتها، والأهمّ على ارتباطها بالفكر الإسلاميّ الأصيل وبالتعاليم الإسلامية الحقّة، وخصوصاً ما يتعلّق منها بالتّضحية والجهاد، وهذا ما نرى صداه في معظم البلاد الإسلاميَّة، وخصوصاً لدى الشباب التواق إلى الثورة والانعتاق من ربقة الظلم والاضطهاد التي عاش في ظله، نتيجة الطغيان الصهيوني وظلم الأنظمة واستبداد الحكّام بكلّ مقدّرات البلاد الإسلاميَّة التي تربعوا طويلاً على عروشها..
إننا نجد في حيويّة الثّورة الحسينيّة وفي طريقة إحيائها في معظم البلاد الإسلاميَّة، دليلاً ساطعاً على تعلّق المسلمين بالإمام الحسين وبشعارات ثورته الإسلاميَّة، التي تدعو إلى الإصلاح ووحدة الأمة، سواء أمام الانحراف أو أمام الظّلم والعدوان.

 

ـ ما هو السبيل لتجديد النَّهضة العاشورائيَّة، وتحريرها من قيود الزمان والمكان والانتماء؟
ـ إنَّ التركيز على إسلاميَّة عاشوراء هو السبيل الوحيد لجعل هذه المناسبة مناسبة إسلامية جامعة، وهذا النوع من التوصيف لعاشوراء يقرّب المسلمين جميعاً من الذكرى، ويجعلهم ينفتحون عليها وعلى إمامها وعلى أهدافها التي لا يختلف عليها المسلمون عموماً.
والأمر الآخر الَّذي يجب التركيز عليه، هو إخراج عاشوراء من مذهبيَّتها التي حاول البعض حصرها فيها.. لأنَّ ذلك يجعلها مناسبة مذهبيَّة فئويَّة، ويحرم المسلمين الآخرين من المشاركة فيها والاستفادة منها…
إننا نسعى إلى أن نؤكّد إسلامية الذكرى، لأن ذلك يجعلها مناسبة يتطلَّع إليها المسلمون جميعاً، ونؤكد أن الحسين كان إسلامياً بامتياز، ولم يخرج بثورته إرضاءً لفئة من المسلمين دون أخرى، أو لكي يتبنّى ثورته فئة من المسلمين دون أخرى…
إنَّ جعل عاشوراء إسلامية يوحّد حولها المسلمين جميعاً، ويجعلها مناسبة خارج الزمان والمكان، لأن معانيها وشعاراتها تتجاوز بمضمونها الزمان والمكان، وهي تصلح بعمومها لأن تكون شعارات حية لأيّ ثورة في عالمنا المعاصر والحديث.

ـ يقول البعض: إنَّ ما تشهده الأمَّة الإسلاميّة من صراعات وفتن، هو من دلائل اقتراب ظهور المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ما رأي سماحتكم في ذلك؟
ـ إنَّ مسألة ظهور الإمام المهدي(عج) الَّذي يؤمن به المسلمون جميعاً سنَّة وشيعة، ليس موضوعاً للاستهلاك اليوميّ، بل هو مسألة أساسيَّة مرتبطة بإرادة الله عزّ وجلّ، وهناك حديث يقول: "كذب الوقاتون"، ويعني أن الوقت الَّذي سوف يظهر فيه الإمام المهدي(عج)، يحدّده الله تعالى، وليس الناس أو المسلمون، إلى أيّ مذهب انتموا.
لذلك، نحن نقول إنَّ هذا الأمر هو بيد الله عز وجل، وهو الوحيد الَّذي يعلم متى يوقّت ظهوره، وبعد أي حال تصل إليها أوضاع الأمَّة الإسلاميَّة، بل أوضاع العالم برمَّته…
وعلينا في غياب الإمام المهدي(عج) أن نكون على قدر المسؤوليَّة الإسلاميَّة الملقاة على عاتقنا كمسلمين، وأن نحاول حلّ مشاكلنا بالطرق المنطقيَّة والإسلاميَّة، والتي تخفّف من الاحتقان المذهبيّ ومن التوترات الطائفية، وليس علينا تعميق هذه الشروخ ظناً منا أنَّ ذلك قد يعجل من ظهور الإمام… هذا ما نعتقده.
ونريد للمسلمين أن يكونوا الواعين إلى المخاطر التي تحدق بهم من الداخل والخارج، وأن يحلّوا هذه المشاكل بالطّرق المناسبة، وأن لا ينتظروا الإمام المهدي ليحلّها لهم، لأننا لا نعرف بالضبط متى يظهر الإمام، ومهمّتنا أن نكون جاهزين لاستقباله في ساحات الوعي والوحدة والجهاد.

 

المصدر: وكالة تسنيم

 

Leave A Reply