أمّ حشود المصلّين في الحسنين(ع) وألقى خطبتي العيد, فضل الله: ما تعانيه المنطقة العربية والإسلامية من توتر وانقسام يساهم في إضعافها لصالح العدو ومشروعه التهويدي لفلسطين

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي عيد الفطر المبارك، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعدما أمَّ حشود المصلّين الَّذين ضاقت بهم ساحات المسجد الداخليّة والخارجيّة,ومقد جاء في خطبته :

 

ورد في الحديث عن رسول الله (ص) : "إذا كان يوم عيد الفطر، وقفت الملائكة على أبواب الطّرق ينادون:اغدوا يا معشر المسلمين إلى ربّ كريم، يمنّ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أُمرتم بقيام اللّيل فقمتم، وأُمِرتم بصيام النّهار فصمتم، أطعتم ربّكم، فاقبضوا جوائزكم.فإذا صلّوا نادَى مناد: ألا إنّ ربّكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم يسمّى في السّماء: يوم الجائزة".

لذلك نقول هنيئا لكل أولئك الذين أتعبوا أنفسهم بالصيام و بالقيام و بتلاوة القرآن و بالذكر و بالإستغفار : هنيئاً لكم بما ستنالون من عطاء الله و أي عطاء أدناه أن يقال ،كما في حديث الإمام علي (ع) إن أدنى ما للصائمين و الصائمات أن يناديهم ملک فى آخر يوم من شهر رمضان، ابشروا عباد الله فقد غُفِر لکم ما سلف من ذنوبکم فانظروا کيف تکونون فيما تستأنفون

أيّها الأحبة

إن الفرح الذي يعيشه المسلمون يوم عيدهم ،هو فرح لا يشبه الأفراح في مواقف الحياة كلها, فرح له طعم خاص لان مناسبته تتعلق برب العالمين بعد استضافته لعباده الصائمين في شهره ولياليه، وملائكته تقوم على خدمتهم أمنا وسلاماً

هو فرح مميّز لانه فرحٌ باطني وفرحٌ ظاهري، والأهم انه فرحٌ على مستوى الامة الاسلامية جمعاء..وهذا الفرح الجمعي يضاعف الشعور بالفرح والسعادة ويعطي الافراد الثقة والقوة في دينهم

وفلسفة الفرح في العيد لا تعني أنّه احتفالٌ بالانتهاء من شهرٍ للعبادة، بل هو عبادة بحد ذاته مشتقة من عبادة الصيام وهو في حالة تكامل ثنائي مع أيّام شهر رمضان.

البعض يظن ان حلول العيد يعني اننا قلبنا صفحة العبادة والمسجد والروحانيات والادعية وجاء دور ان يرى الانسان نفسه ويلتفت لملذاته كما في قول الشاعر المعروف: رمضان ولى هاتها ياساقي.و لكن العكس من ذلك هو الصحيح فما كان في ايام رمضان من قيم فهي موجودة بقوة في العيد بل و بشكل مكثف فللعيد برنامجه العبادي التربوي المتكامل.

فعلى الصعيد العبادي يخرج المجتمع بشكل جامع إلى المساجد في الصباح الباكر لأداء الصلاة,يستذكرون قول علي عليه السلام: فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربّكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربّكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنّة

و على الصعيد الإجتماعي هو فرح قائم على التواصل حتى مع الأموات و عيادة أهل القبور فيوم العيد يشهد ورشة عمل إجتماعية شاملة و ملفتة، في زمن أضحى التواصل فيه حكراً على برامج الكترونية ،توهم بتواصل وهمي لا حرارة او صدق فيه

و أما على الصعيد الإقتصادي التكافلي, فإن من شروط العيد الواجبة هي بذل زكاة الفطرة و التي تساهم في تنشيط دورة اقتصادية تسري في جسد المجتمع الاسلامي لتنعش الفقراء وتقرب المسافات، وتردم الهوة بين القادر وغير القادر ،بين الغني والفقير. هي عملية مركزة تعتمد على الانفاق المكثف في ساعات قلائل وعلى امتداد الامة .. ..ربما زكاة فطرة بحساب بعض الناس ثلاث الاف او اربعة او خمسة ..هي لا شيء لفرد ولكن فلنحسبها عن كل افراد المسلمين القادرين ، صغاره وكباره ، نسائه ورجاله، الصائمين وغير الصائمين حتى الرضع..

.. في شهر رمضان انت أحسست بما يعانيه الفقير ثلاثين يوما، والآن في العيد حان وقت ان تطعمه عمليا ولا خيار..لهذا فان زكاة الفطرة تُحسب طعاما ويشترط في انفاقها كذلك

أيها الأحبة

إذا ما نظرنا إسلامياً إلى العيدين الذين خصهما الله لعباده فهما طبعاً يأتيان بعد أداء واجب ديني مجهد و لكن إذا ما نظرنا أبعد من ذلك لوجدنا أن المظهر الأساس و الواجب لهذين العيدين يتمثلان في البذل و العطاء و الزكاة, هكذا هي فلسفة العبادة في الإسلام و هي فلسفة العيد و الفرح في الإسلام التي ينظر إليها من خلال الترابط بين الجانب الروحي و الجانب المادي بحيث لا ينفصلان لدى الإنسان بل يتكاملان في بناء شخصية الفرد المسلم و المجتمع المسلم في الدنيا وفي الآخرة

 

للهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار

عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله…

 ومن التقوى أن ندخل الفرح إلى قلوب كل الناس.. فهذا هو السبيل للوصول إلى محبة الله. فالخلق عيال الله وأحب عباد الله إليه عز وجل أنفعهم لعياله.. من أدخل على أهل بيت سروراً

والحديث عن الفرح يأخذنا الى واقعنا الذي نعيش

فأي فرح يقدم للناس في هذا الوطن وما حجمه، في الوقت الذي باتت فيه متطلبات الناس متواضعة ،تقبل بالقليل

..فأهلنا كي يفرحوا يكفيهم أن يحصلوا على حقهم الطبيعي من الكهرباء ومن الماء ،وكلنا ندرك حجم الفرحة على وجه المواطن عندما يصل الماء الى بيته.أو عندما لا تنقطع الكهرباء في وقت كان مفترض ان تنقطع فيه

.. ـ اهلنا كي يفرحوا يكفيهم أن يرتاحوا من القلق اليومي الذي يطالعنا في الاخبار بشكل غير مسبوق .بأن يستتب الامن وتنخفض حوادث الجرائم والخطف وان يشعر المواطن انه يتنقل وعائلته وليس هناك من يهدده بالخطف او بطلب الفدية

ـ إن ما يشكّل مصدر فرح لأهلنا هو أن يحصلوا على أقل من حقهم في الطبابة وتوفير المستشفيات ورعاية الضعاف من مسنين وذوي الاعاقات وأصحاب الاحتياجات

ـ أهلنا يفرحون اذا ما حصلوا على حقهم في حده الادنى من التعليم وتامين سوق العمل ومحاربة الفساد

ـ أن يحصلوا على حقهم الطبيعي في حمايتهم من الفساد وفي بلديات تسهر على راحتهم وسلامتهم من مخالفات وتعديات تضر بالسلامة العامة . وحقهم في تأمين الشروط البيئية والصحية اللازمة :نظافة ورفع النفايات و،الى ما هنالك من يوميات الناس وما اكثرها هذه الايام وهي التي راحت تتحول الى مادة قابلة للانفجار والى سببٍ رئيسي للاحتكاك بين الناس من الساكنين في الحي الواحد او الشارع الواحد وحتى في المبنى الواحد

إن إدخال الفرح للناس ليس طلبا للرفاهية والبحبوحة وخدمات النجوم الخمس ، إنما هي حقوق المواطن الدنيا والغير قابلة للنقاش في كثير من بلدان العالم وخاصة نحن الذين نعتبر بلدنا متميزا بالحضارة والانفتاح.

ولا يقف الأمر عند هذا الحد الداخلي بل يأتي هذا وسط أجواءٍ ملبدة في المنطقة العربية والإسلامية حيث تعاني هذه المنطقة من أجواء التوتر والانقسام الحاصل في الكثير من ساحاتها، والتي بات أخضرها ويابسها يتعرض للتلف والإبادة مما يساهم في إضعافها وتمييع قضاياها ولا سيما القدس السليبة، وبدلاً من أن تتحرك الجهود وتتكاتف لمعالجة كل أسباب الانقسام وإزالة المنطق التوتيري، ولا سيما التكفيري والإلغائي نرى الأصوات تنحسر وتنكفئ وتترك الساحة للموتورين والإقصائيين والتكفيريين.. فلم نعد نسمع الاصوات العاقلة ولا التي نصبت نفسها جامعة ومتعاونة، كجامعة الدول العربية و منظمة التعاون الإسلامي ولا المرجعيات الدينية البارزة في العالم العربي والإسلامي.. ولا المثقفين.. بل على العكس نجد هناك من يصب منهم الزيت على نار الفتن

ومن هنا فإننا نجدد الدعوة في أيّام العيد( وحرصاً على أن نعيد الفرح إلى القلوب) للعمل الجاد من أجل معالجة كل هذا الانقسام بالعودة إلى لغة الوحدة، لغة التواصل والحوار، اللغة التي تعلمناها في قيمنا ومبادئنا.

هذا ما نريده في العراق وسوريا ومصر والصومال وتونس وليبيا.. وهذا ما نريده في هذا البلد الذي نخشى من الداخلين على خط أوضاعه الداخلية من خطر صانعي الفتن ومثيري الأزمات في عالمنا العربي والإسلامي. و للأسف فإننا أمام المشهد الدموي في كل هذه الدول و خاصة في سوريا و العراق لا نملك إلا أن نستذكر قول الشاعر:عيد بأية حال عدت يا عيد

ليكن أيها الأحبة، يوم العيد يوم الفرح المسؤول ويوم إعادة البسمة إلى قلوب الناس كل الناس ، ولو في حدها الأدنى.. لعلنا نحقق بعض مسؤولياتنا.. والتي نسأل الله ــ من خلالها ــ أن يجعل هذا العيد عيداً مباركاً.. إنه سميع مجيب…

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيّد علي فضل الله  

 التّاريخ: 1 شوال 1434هـ  الموافق: 8 آب 2013م

 

Leave A Reply