أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

{وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ، الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} الرعد

 

{رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} النور

 

في حديث قدسي للنبي موسى مع الله سبحانه: "يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك، فإني أُحس صوتك ولا أراك فأين أنت. فقال الله عز وجل أنا خلفك وأمامك وعن يمينك وعن شمالك يا موسى، أنا جليس عبدي حين يذكرني وأنا معه إذا دعاني، وسأل الله عز وجل نبيّه: يا موسى أتحب أن أكون جليسك؟ قال: كيف ذلك يا رب، وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنني جليس من ذكرني، وحيثما التمسني عبدي وجدني".

لن نرى الله عياناً، هو أمر غير ممكن، ولكن أن يكون كل واحد منا خليلاً لله، وجليساً له، فإن ذلك ممكن، وهو بيدنا، فالله موجود لا توصد أبوابه، ولا يحتاج إلى معاملات ولا لمواعيد كي يفتحها أمامنا، المفتاح بيدك وهو أن نذكره: فبذكر الله تقرب المسافة بيننا وبين الله، نخاطبه ونرجع اليه، بذكر الله نسلي أنفسنا، نخفف عنها، نطمئنها نهدئ من روعها، بذكر الله تنعدل الامور وتتضح الرؤية، وينحقق التوازن.

 وذكر الله يعني ان نستحضره فتخشع قلوبنا، وتدمع اعيننا وتلهج بذلك ألسنتنا: لا إله الا الله، سبحان الله، تبارك الله، الحمدلله بسم الله، لا حول ولا قوة الا بالله. وغير ذلك من العبارات التي نذكر الله بها.

وقد يسأل سائل أيمكن لمثل هذه العبارات: تسبيحات وتكبيرات أن تفعل فعل الدواء لامراض الانسان النفسية والروحية للقلق والجزع والخوف…؟

نعم، ذكر الله يفعل كل هذا، وله قوة غير محدودة: "يا من اسمه دواء وذكره شفاء" لكن هذه الفاعلية مشروطة، والشرط أن تتدفق الكلمة من الروح. ان تسلخها من القلب. ان يكون الذكر أعمق من حدود اللسان؛ البسملة والحوقلة والاسترجاع كلها تلهج بها السنتنا، ولكن يجب ان تكون نتيجة طلب والحاح داخلي بأن يذكر قلبنا الله ويذكره، عقلنا وتذكره جوارحنا وهذا كله يعني ان لا يغيب من حياتنا ويكون له كل الحضور الطاغي في وجداننا. أن يكون ذكره فوق كل ذكر، لا نساويه مع أحد، ولا نمن عليه بذكره بل هو من منَّ علينا به، فمن عظيم نعمه علينا ان جعل ذكره بابا للوصول اليه والقرب منه.

أما مفهوم ذكر الله أو نسيانه، فهو يتجسد في هذا الحديث: "من أطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله وإن كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن".

وهذا الحديث هو عن الإمام الصادق(ع) عندما قال لأحد أصحابه: "ألا أحدثك بأشد ما فرض الله عز وجل على خلقه؟ قال: بلى، قال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساتك لأخيك، وذكر الله في كل موطن، أما إني لا أقول: سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية". وهنا الغاية المثلى للذكر هو أن تصل بذكرك إلى حد تستحي من الله من أن تعصيه، وتخجل من أن يراك في موقع دعاك إلى الابتعاد عنه.

اذا  ذكر الله الحقيقي والفعال ينطلق من عمل وموقف وقناعة ، من أرض صلبة في علاقتنا مع الله كي يكون الله بالفعل جليسنا وخليلنا، عندها ومن هذا الفهم تنطلق السنتنا، نتوجه اليه ونناديه بأسمائه الحسنى، لا نكتفي من الترداد ولا نشبع: لا حدود لا بالكمية ولا بالتوقيت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}.

{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}.. 

وقد يظن البعض ان ذكر الله هو لأوقات العبادات، نذكره في صلواتنا وتسبيحاتنا وأثناء قراءتنا للقرآن، ووقت الأذان.. فيما، ننساه في باقي الأوقات.. لا الأمر ليس كذلك لان الاوقات لا تعمر الا بذكر الله، وهو ما عبّر عنه أمير المؤمنين(ع) في الدعاء: "أللهم أسْأَلُكَ بِحَقِّكَ وَقُدْسِكَ وَأَعْظَمِ صِفاتِكَ وَأَسْمائِكَ أَنْ تَجْعَلَ أَوْقاتي مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ بِذِكْرِكَ مَعْمُورَةً، وَبِخِدْمَتِكَ مَوْصُولَةً، وَأَعْمالي عِنْدَكَ مَقْبُولَةً".. "اللهم افتح مسامع قلبي لذكرك، وارزقني طاعتك وطاعة رسولك، وعملا بكتابك".

وما أجمل قول الشاعر مخاطباً الله:

ما طلعت شمسٌ ولا غربت إلا وحبّـك مقـرون بأنفاسـي.

وما خلوتُ إلى قوم أحدّثهــم إلا وأنت حديثي بين جلاســي.

 

ورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع): "قال موسى(ع) لربه: يا رب إني أكون في حال أُجلّك أن أذكرك فيها. قال يا موسى اذكرني على كل حال. ما من ساعة تمرُّ بابن آدم لم يذكر الله فيها إلّا تحسر عليها يوم القيامة".

العمر مهما طال فهو قصير، وزادنا من الرحلة الى الله سيظل قليلاً… إذاً، كيف يمكن ان نُفلت لحظة من دون ذكره. نذكره عندما نأكل، ونشرب ونتلذذ، "وأستغفرك من كلِّ لذّة بغير ذكرك"…أن نذكره عندما نكون في مواقع الدراسة وأماكن العمل، أن نذكره في تنقلاتنا، وداخل بيوتنا وعند خلواتنا، أن نذكره في الرضا والغضب، أن نذكره في حال القوة والضعف، أن نذكره في السلم والحرب، ليكون صمام الأمان لنا.

-"نذكره لأجلنا"، فبذكره نعبّر عن مدى وفائنا لمن نعمه علينا لا تحصى، وآلاؤه علينا لا تعد، فكل ما عندنا هو من فيض فعله وكرمه وعطائه

– نذكره حتى نبقى واعين لخط المسير الذي رسمه لنا، لا نحيد عنه، فلا يستحوذ علينا الشيطان، ولا أنفسنا الأمارة بالسوء، ولا يخدعنا أحد فيأخذنا إلى حيث يريد، ولا يتلاعب بنا من يتلاعبون بالأفكار والعقول والمشاعر. وحتى لا نكون {كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ}.

– نذكره حتى ننشغل بذكره عن اللغو والغيبة والنميمة، والكلام الفارغ والبذيء،

-نذكره كي نشعر ونتحسس حضوره في حياتنا. إننا ومهما اشتدت علينا الضغوط وواجهتنا الصعوبات وعصفت بنا الفتن والآلام، فإن في هذا الكون وعلى هذه الأرض رباً رحيماً ودوداً عطوفاً. يكفي علمه بنا حتى نرجو منه الخير والأمل والرحمة والاطمئنان وهو القائل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}

ايها الأحبة: لطالما ارتبط ذكر الله بالاحتماء وطلب العون واتقاء الشرور.  وبيننا دعاء الجوشن الذي يحفل بذكر اسماء الله الحسنى، وصفاته العليا، وقصته أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان في بعض غزواته، وكان عليه جَوْشَنٌ اي درع ثَقِيلٌ آلَمَهُ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى، فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ (عليه السَّلام) بهذا الدعاء ليخفف عنه ثقله بذكر الله. إذا هو دعاء الدرع والوقاية الذي اوصى بقراءته الرسول والائمة في شهر رمضان، وفي ايام الشدة.

 

أيها الأحبة:

ذكر الله ملاذ العباد وكهفهم الحصين من شرور الدنيا: {فَاذْكُرُوني أَذْكُرْكُمْ}

– العبد الفقير، يذكر الله باسمه الغني فيكفيه عن الطلب الى كل لئيم ممن يستغل حاجته.

 – الانسان المريض يذكر الله باسمه الشافي والمعافي فيحس بيد الله الحنونة تمتد اليه لتشفيه.

– الانسان الضعيف يذكر الله باسمه القوي العزيز فيستمد منه قوة واحساسا بالامل

– يذكره من يشعر بالظلم، ويدعوه باسمه العدل الحكيم فيشعر بأن الله يمهل ولا يهمل، وان الله للظالمين بالمرصاد.

– يذكره من يشعر بالقهر فيناديه باسمه القهار فلا ينحني بعد ذلك لجبار.

– يذكره من يشعر بالمكائد تحاك له فيدعوه: يا خير الماكرين أي المدبّرين فيشعر بعين الله تراقب وتحمي.

ونحن نعيش أزمة غير مسبوقة، حيث انعدام الشعور بالامن والامان في دنيا الانسان لا بد ان نبقى نذكر الله، ونذكره كل على طريقته التي تجعل من الله انيسه في هذه الوحشة وكافية في مثل هذا الزمن الصعب.

  ومطلوب أن تشتعل مهجنا وأفئدتنا فندعو ونرجو: «اللّهُمَّ وَمَنْ اَرادَنا بِسُوء فَاَرِدْهُ، وَمَنْ كادَنا فَكِدْهُ، اللهم ومن اراد الاسلام بسوء فأرده، ومن كاده فكده».

واجعلنا من أحسن عبادك نصيباً لديك والحمد لله رب العالمين.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، والالتزام بما دعانا إليه عندما قال لنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}. ولبلوغ التقوى، علينا أن نحرص على ما حرص عليه أحد صحابة رسول الله(ص)، وهو أبو طلحة الأنصاري، حيث تذكر سيرته أنه كان يملك بستاناً من نخيل وأعناب، لم تعرف المدينة أعظم منه شجراً، ولا أطيب ثمراً، ولا أعذب ماء. وفي أحد الأيام، كان يصلّي في بستانه، فأثار انتباهه طائر جميل، فأعجبه منظره، وشرد عن صلاته، حتى إنه لم يدرِ إذا صلّى ثلاثاً أو أربعاً، فلما فرغ من صلاته، هرع إلى رسول الله(ص)، يشكو إليه نفسه التي شغلها الطائر، ونسيانه أنّه يقف بين يدي الله أثناء الصلاة، وهو الذي كان حريصاً على أن يخشع قلبه عند أدائها. ثم قال لرسول الله(ص): أشهد يا رسول الله، أني جعلت هذا البستان صدقة لله تعالى، حتى لا أكرر ما فعلت، فضعه حيث يحبّ الله وتحبّ.

أيها الأحبة، وعى أبو طلحة الأنصاري حقيقة الصلاة، وأهمية أن يُقبل الإنسان على الله وحده، ولا يشغله أي شاغل عنه، ولذلك، ترك بستانه، لأنه شغله عن الله.

بهذه العلاقة مع الله، تسمو أرواحنا وقلوبنا، وتسمو الحياة فينا، وبذلك، نصبح أكثر قرباً منه، وأكثر قدرة على مواجهة التحديات، وما أكثرها!

والبداية من لبنان، فما إن بدأ اللبنانيون يتنفّسون شيئاً من الأمل بولادة الحكومة الجديدة، حتى جاء التفجير المزدوج ليستهدف الأبرياء مجدّداً، وإن كان تحت عنوان استهداف المستشارية الثقافية الإيرانية، فقد طاول المواطنين في مواقع عملهم وتنقّلهم، والطلاب في مدارسهم، والأيتام في أماكن رعايتهم، فسقط جراء ذلك ضحايا وجرحى، تدمع العيون لرؤيتهم، وتنفطر القلوب لآلامهم ولآلام محبيهم، وكل ذلك من دون أن يقترف هؤلاء أي ذنب، سوى أنهم تواجدوا في هذا المكان، أو كانوا يتنقّلون فيه.

إنّ ما حدث يؤكّد مجدداً الطبيعة الإجرامية للفاعلين والمخططين، والتي لا يمكن تبريرها بأي معيار، وتحت أي عنوان، دينياً كان أو إنسانياً، فالمطالب والقضايا التي يطرحها هؤلاء، لا تُعالج بدماء الناس، ولا بتخويفهم وإرهابهم.

إنَّ هذا الواقع يضع الجميع في هذا البلد أمام مسؤولياتهم، حيث المطلوب من كل المواقع الدينية والسياسية والاجتماعية والإعلامية، التعاون والتكاتف في مواجهة هذا المنطق الإرهابي، لكي نحاصر فكره وحركته، وذلك بأن نسدّ كل المنافذ عليه، وأن نقف في مواجهة كل من يسوِّق له، أو يبرِّر مثل هذه الأعمال، في أي مكان أو زمان، من خلال الموقف والحركة والعلاقات، وأن نكون عيوناً تراقب وتحدّق في كل ظاهرة شاذة نراها في واقعنا، وإلا لن يأمن أحد في هذا الوطن على أولاده، ولا على أحفاده، ولا على المستقبل الآتي.

إن علينا في هذه المرحلة، الخروج من الاتهامات والاتهامات المضادة، والنقاش في مَن صاحب الحق، فهذا له موقعه في الحوار، سواء في الحكومة أو غيرها، علماً أن هذا النوع من التفجيرات الآثمة، لا يمكن أن نوجد له مبرراً في طبيعته، وفي استهدافاته، وفي كل النتائج المترتبة عليه.

إننا أمام هذه الفجيعة، نتوجّه بالعزاء إلى أهالي الضحايا، وندعو الله أن يشفي الجرحى، وأن يمنّ على أهلنا بالصبر، وندعو الحكومة الجديدة إلى الارتقاء إلى مستوى آلام اللبنانيين، وخوفهم على مستقبلهم، والإسراع بإنجاز بيان وزاري يتناسب مع هذا التحدي، إضافةً إلى التحدي الصهيوني، الذي علينا أن لا نغفل عنه، في ظل الخروقات الصهيونية المستمرة، والتهديدات التي يوجّهها للبنان بعدوان قريب عليه، ولا بد من العمل سوياً، والمقاربة الفاعلة لكل الملفات المطروحة؛ الأمنية والاقتصادية، فضلاً عن ملف النفط والنازحين السوريين…

إننا لن نحمّل الحكومة أكثر من طاقتها، لأننا نعرف جيداً حجم تعقيدات المرحلة، ولكننا نريد منها أن تبذل أقصى طاقتها في معالجة كل الملفات المتراكمة والطارئة، بروح مسؤولة، وبتعاون من الجميع، بعيداً عن الحسابات المذهبية والطائفية، والموقع السياسي لهذا الوزير أو ذاك، فالوزير هو وزير للوطن كله، وهذه المرحلة هي أشد المراحل صعوبة وتعقيداً، لأن لبنان يقف الآن على حافة زلازل سياسية وأمنية تحيط به. ولذا، لا ينتظرنَّ أحد الحلول سريعاً.

ويبقى أن نشير إلى ما يجري في طرابلس؛ هذه المدينة التي يُراد لها أن تبقى في دائرة الاهتزاز، وعدم الاستقرار، والقتل العبثي، والتصفيات، والاغتيالات. إنّ المطلوب إزاء هذا الوضع، رفع الغطاء عن كل العابثين بأمن هذه المدينة، وإعطاء الحرية للجيش اللبناني للإمساك بزمام الأمور، لأن أبناءها يستحقون العيش الكريم، والأمن، والاستقرار، بعد كل هذه المعاناة.

أما سوريا، فقد كنا نتمنى أن تخلص جولة التفاوض الثانية إلى نتائج عملية، ترفع عن كاهل الشعب السوري الآلام التي تعصف به منذ حوالى ثلاث سنوات، ولكن يبدو أن الأزمة في هذا البلد مرشّحة للاستمرار، وسط حديث متزايد عن خطط لتسليح هنا، وإشعال حرب هناك.

لقد بات واضحاً أن الأزمة السورية دخلت في إطار صراع الجهات الدولية والإقليمية، وعبث السلاح والمسلحين، ما يعني أن معاناة هذا البلد قد تستمر طويلاً، لذا، ينبغي أن يتركّز الرهان أولاً وأخيراً، على إيجاد مناخات لحوار سوري ــ سوري، وعلى ما يجري من المصالحات التي نأمل أن تتوسّع في الشكل والمضمون، لتُنتج واقعاً حوارياً جديداً في سوريا، بعيداً عن لغة القتل والعنف، التي أثبتت أنها لا تحسم شيئاً، ولا تؤدي إلى أية نتائج ترضي طموحات الشعب السوري.

وأخيراً، إننا نسجّل مرة أخرى خشيتنا مما يجري في فلسطين، وخصوصاً عندما تنطلق المواقف من الجانب الفلسطيني الرسمي، لتطمئن الصهاينة بأن فلسطين لن تغرق باللاجئين، الأمر الذي يثير الشكوك والمخاوف من أن تستهدف التسوية الشعب الفلسطيني، الذي يُراد له أن يمضي على صكّ الاستسلام، والقبول بيهودية الكيان، ويشطب حق العودة، مع كل ما يعنيه ذلك من تفاقم للمشاكل السياسية في المنطقة كلها، والمشاكل الإنسانية داخل فلسطين نفسها وفي جوارها.

ومن هنا، فإننا نجدد الدعوة للفصائل الفلسطينية، إلى الوحدة، والمزيد من التنسيق، ونعيد التأكيد على الشعوب العربية والإسلامية، أن لا يشغلها شاغل عما يجري من مخططات لغزة، وللضفة الغربية، وللقدس والمسجد الأقصى، ولكل فلسطين.

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 21ربيع الآخر 1435هـ  الموافق : 21  شباط 2014م

 

 

 

 

 

Leave A Reply