إحياء الذكرى الثامنة لرحيل المرجع فضل الله في دمشق | فضل الله: عمل مسبقاً على معالجة الهواجس ومواجهة من يخوّفون المذاهب من بعضها البعض

أحيت مؤسَّسة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله (رض) في دمشق الذكرى الثامنة لرحيله باحتفال حاشد أقيم في صالة مجمع السيدة الزهراء (ع) في شارع الأمين، حضره حشد من الشخصيات الدينية والاجتماعية والثقافية والشعبية.

 

استهلّ الحفل بآيات من القرآن الكريم، ومن ثم تم عرض فيلم وثائقي عن سماحته، فكلمة ترحبية لسماحة السيد عبدالله نظام، ثم كانت كلمة وزير الأوقاف السوري الدكتور محمد عبد الستار السيد، أكد فيها أن الأمة، وبهذه الظروف الصعبة، بحاجة إلى خطابه الوحدوي الجامع الذي يستطيع أن يجمع كلمتها ويوحّد صفوفها ويخرجها من حال الانقسام والفتن التي تعيشها.

 

ثم ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله كلمة استهلَّها بتوجيه الشكر إلى الجميع، معتبراً أن هذا الحضور هو تعبير وفاء وعرفان جميل منكم لمن أحبّكم وأحبّ هذا البلد.

 

وأضاف: "لقد أحبّ السيد سوريا التنوع، ولكنَّه كان خائفاً عليها، كما كان يخاف على كل من يريد أن يكون قراره حراً، وكان يخاف أن تستهدف الوحدة الوطنية والوحدة الإسلامية ووحدة الديانات، لأنَّ الوحدة هي نقيض مشاريع وأطماع من لا يريدون خيراً لهذه المنطقة من العالم، كما كان يخاف من الذين يشيعون أن لا قدرة للأديان والمذاهب على أن تتواجد وتتعايش مع بعضها البعض، وأن وجودها هو مشكلة للحياة ومشروع حروب وفتن".

 

ولفت إلى أنَّ سماحته كان خائفاً ممن يريدون أن ينزعوا من الإسلام ومن كل الديانات الروح، لتتحول إلى طقوس وشكليات، فروح الديانات المحبة والرحمة. ومتى افتقدت هذه الروح، فقدت البوصلة، وسيسهل تشويه صورتها، وسيجعلها غير قادرة على أن تعيش في العصر.

 

وأكَّد أنّ السيد عمل لكي يواجه التحدي بالتأكيد على إنسانية هذا الدين الذي جاء لخدمة الإنسان، كل إنسان، فالدين لم يدع إلى أن يهتم المسلمون بالمسلمين أو المسيحيون بالمسيحيين، بل جاء لكلِّ الناس، "فالخلق كلّهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله". وجاء الدّين لينتشل الإنسان من جهله وتخلفه، ومن كل القيود، فلا بد من أن يكون حراً من داخله، وحراً أمام الآخرين.

 

لذلك، اعتبر أنَّ الحوار سبيل لمعالجة سوء الفهم، حيث تنشأ أكثر الخلافات بسبب الجهل بالآخر، ودعا إلى تقريب المسافات، وإلى منع العابثين من الدخول على الخط، ليثيروا المخاوف والهواجس، ويخوفوا الأديان والمذاهب من بعضها البعض، وقد جرَّبنا، وينبغي دائماً أن نجرّب الحوار الهادئ الموضوعي، لا لتسجيل النقاط، بل لحلِّ المشكلات والتوترات.

وأضاف: "لقد أكَّد السيّد احترام إنسانية الإنسان، بأن يشعر الإنسان بإنسانيته، بعيداً عن طائفته ومذهبه وموقعه السياسي، واعتبر أنَّ اللعب على الحساسيات الطائفية باب للفتنة والتدخلات التي هدفها تنفيذ مشاريع الآخرين على أرضنا، ونحن في لبنان عشنا هذه الصورة عندما جاء من يقول للمسلمين: أنتم مغبونون، لماذا لا تقفون في وجه المسيحيين، فعددكم أكثر وأنتم أقوى؟! وجاء من يقول للمسيحيين: استعدوا، فالمسلمون قادمون، ومعهم من يسندهم من الفلسطينيين، ووقعت الفتنة ودخل فيها الجميع، وتبين أنْ لا مصلحة لا للمسلمين ولا للمسيحيين فيها، بل كانت على حساب الجميع، ولمصلحة المشروع الذي كان يستهدف المنطقة. وها نحن نجد الصورة من جديد في أكثر من بلد، وسوريا ليست بعيدة عن ذلك".

 

لقد دعا السيد إلى أن نكون الأقوياء، لأننا في عالم لا يحترم فيه إلا الأقوياء؛ الأقوياء في العلم والعمل، وكان يقول إنَّ مشكلتنا ليس في ضعفنا، بل في استضعاف أنفسنا، فنحن لسنا ضعفاء. لذلك، وقف مع كلّ الداعين إلى الخروج من الضّعف، فوقف مع كل الذين قرروا استنهاض مواقع القوة في الأمة، وكانت عينه على فلسطين وخوفه من وجود الكيان الصهيوني، لم يفارقه هذا الهمّ أبداً طوال حياته، فهو كان يعرف خطر هذا الكيان، فقد كان يعتبر أنَّ كل ما نعانيه من مؤامرات وفتن هو لأجل بقاء هذا الكيان الأقوى والمهيمن على المنطقة.
 

وأضاف: "كان يرى أنَّ الأمة العربية والإسلامية إذا تنازلت عن فلسطين ورضيت بالأمر الواقع، كما هو الآن، لن تحترم، ولنْ يكون لها وزن في هذا العالم، وعليها أن تنتظر في كل مرحلة احتلالاً جديداً، وكان يذكر كل من يرفع شعار "ما لنا ولفلسطين! وما علاقتنا بها!"، بالحكمة القائلة: "أكلت عندما أكل الثور الأبيض".
 

لقد كان السيّد حريصاً على منطق العدالة، وعلى أن يشعر كل إنسان بإنسانيته، وكان يرى أن الغبن هو مشروع فتنة وحرب.

 

وختم قائلاً: "أيّها الأحبّة، ونحن في رحاب الذكرى الثامنة لرحيل السيد، لا بدَّ من أن نقدم الدين بأصالته وانفتاحه وصفائه، وأن نؤكّد له أنَّ الأمة التي أخلص لها وأعطاها كلّ حياته، لن تخذله في كلّ ما انطلق به، وستتابع البناء الذي بدأه، وسنكون الحريصين على كل ما يوحّد، وسنواجه بالوعي كل دعاة الفتنة، وسنكون أكثر مسؤولية إزاء قضايا أمتنا، وأكثر التزاماً بحاجاتها إلى أن نخرج الإنسان من جهله وتخلّفه، واليتيم من يتمه، والمريض من آلامه".

 

 

Leave A Reply