احترامُ الاختلافِ والابتعادُ عن أساليبِ السّبابِ

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[الأحزاب: 70 – 71].

سنّةُ الاختلافِ

الاختلاف أمر طبيعيّ، وهو سنَّة من سنن الله في خلقه، لذا نرى النّاس يختلفون في أديانهم ومذاهبهم وأفكارهم، وفي نظرتهم إلى القضايا، وفي أساليبهم وتوجّهاتهم، ولو شاء الله أن لا يختلفوا لما اختلفوا.. وهذا ما أشار إليه الله سبحانه عندما قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ…}[هود: 118 – 119].

ولكنّ الله سبحانه لم يشأ لهذه الاختلافات أن تؤدّي إلى فتن وتوترات ونزاعات، لذلك، دعا الناس بقوّة إلى التنبّه إلى كلماتهم في أحاديثهم وخطاباتهم وعبر وسائلهم الإعلاميّة ومواقع التّواصل، وعندما يتحاورون أو يتخاصمون، بأن يعمدوا إلى الأحسن في القول، والأحسن في الحوار، والأحسن في التّعامل مع ما يصدر عن الآخرين من إساءات.. وإلى هذا، أشار الله سبحانه وتعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}[الإسراء: 53]، وقال في آية أخرى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصّلت: 34 – 35]، وقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْن}[البقرة: 83].

وهو نهى عن الكلام المستفزّ والمسيء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}[الحجرات: 11] {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}[الأنعام: 108]، فقد ورد في الحديث: “ليس المؤمن بالطعّان، ولا اللعّان، ولا الفاحش، ولا البذيء”.

هذا السلوك هو الذي عبَّر عنه رسول الله (ص) في حياته، وفي كلّ مراحل دعوته، رغم الإساءات التي تعرَّض لها، ولذا عندما قيل له وهو في قمّة المعاناة، بعد ما جرى له من أهل الطّائف، عندما ذهب يدعوهم إلى رسالته: ادعُ عليهم.. فقال: “إني لم أبعث لعّاناً، وإنَّما بعثت رحمةً”، وهو القائل: “إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق”.

وقد ورد أنه مرّ به يوماً يهوديّ، فقال له: السّام عليك، وهو يريد بذلك الموت عليك، موهماً بذلك أنّه يسلّم على النبيّ (ص)، فاكتفى النبيّ (ص) بالقول: وعليك.

وهنا ثارت ثائرة زوجته السيّدة عائشة التي شهدت هذه الواقعة، وراحت تسبّ هذا اليهوديّ وتلعنه، فقال لها رسول الله (ص): هوّني عليك، ما بهذا نبادل إساءاته.. “إنَّ الرّفق لم يوضع على شيء قطّ إلا زانه، ولم يرفع عنه قطّ إلّا شانه”،”إنّ الله رفِيق يحبّ الرّفق، ويعطي على الرّفق ما لا يعطي على العنف”. وقد قالها رسول الله (ص)، لا عن ضعف بل عن قوَّة، فقد قالها وهو في المدينة المنوّرة، حيث كان الأمر والحكم له.

رفضُ أسلوبِ السّبابِ

ولذلك، عندما تحدَّث الله سبحانه وتعالى عن الأسلوب الذي استطاع رسول الله به (ص) أن يفتح قلوب الناس عليه وجعلها تهفو إليه، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}[آل عمران: 159]، وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم: 4].

وهذا ما عبَّر عنه عليّ (ع) في معركة صفّين، فهو عندما سمع أصحابه يسبّون أهل الشّام كردّ فعل على سبّ هؤلاء لعليّ (ع) ولمن معه، خاطبهم قائلاً: “كفّوا عمّا بلغني عنكم من الشّتم والأذى”، فقالوا: ألسنا محقّين؟ قال: “بلى”. قالوا: ومَنْ خالفنا مبطلين؟ قال: “بلى”. قالوا: فلِمَ منعتنا من شتمهم؟ فقال: “كرهت أن تكونوا سبّابين”.

وأمَّا البديل: “ولكن لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إيّاهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتّى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيّ والعدوان من لهج به”.

أسلوبُ الأئمّةِ (ع) في الرّدِّ

وقد ورد في وصيّةٍ للإمام الصّادق (ع): “اتّقوا اللهَ، وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً، جرّوا إلينا كلَّ مودةٍ، وادفعوا عنّا كلَّ قبيح”..”قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُفّوهَا عَنِ الْفُضُولِ وَقَبِيحِ الْقَوْلِ”.

وهو الذي أشار إليه أحد الزّنادقة، فهو عندما سمع أحد أصحاب الإمام الصّادق (ع) يغلظ عليه بالقول كردّ فعل على إغلاظه، قال: “يا هذا، إن كنت من أصحاب جعفر الصّادق، فما هكذا يخاطبنا، ولا بمثل دليلك يجادلنا، ولقد سمع من كلامنا أكثر مما سمعت، فما أفحش في خطابنا، ولا تعدّى في جوابنا؛ إنّه الحليم الرّزين العاقل الرّصين”.

وهذا الأسلوب هو الذي تجلى في كربلاء من الإمام الحسين (ع)، فهو (ع) رغم أنّ القوم جاؤوا يريدون قتله وقتل أصحابه، ورغم سوء منطقهم وإساءاتهم إليه، لم يبادلهم بردّ فعل وإساءة، بل بالكلمة الطيّبة التي كان يريد بها أن تفتح عقولهم وتصوّب مسارهم، لهذا حاورهم، وكان يعظهم ويرشدهم، ولم يسمع منه أنّه أساء إليهم بكلمة، رغم أنهم كانوا يستحقّون ذلك.

اللّعنُ المحرَّمُ

وهذا المبدأ هو ما حرص عليه العلماء في فتاواهم، عندما حرَّموا في الدائرة الإسلاميّة، وفي الدائرة الإنسانيّة، الإساءة بالسّباب أو اللّعن إلى رموز المسلمين الآخرين، وكلّ من يختلف معهم في الدّين أو الفكر أو الموقف، رغم الاختلافات والتحفظات عما يصدر عنهم.

وهم في ذلك عندما أطلقوا فتاواهم، لم ينطلقوا من مجاراةٍ للآخرين، بل من فهمهم لأخلاقيّة الإسلام، ووعيهم العميق لمدلول كلام الله سبحانه عندما يقول: {لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة: 8]، ومن منهج رسول الله (ص) والأئمّة (ع)، في سيرتهم ومواقفهم وكلماتهم، ومن وعيهم بأنّ هذا الأسلوب لا يفيد، فالسبّ يستجرّ سبّاً، واللّعن يستجرّ لعناً، ومن خشيتهم من تداعيات السبّ على أرض الواقع، وهذا ما نراه اليوم بأمّ أعيننا.

أثرُ الكلمةِ الطيّبةِ

إنّنا في عصر الفتن، بحاجة إلى من يئدها، لا من يسعّرها، وإلى من يبرّد القلوب، لا من يثير مكامن الحقد فيها، وهذا لا يتمّ إلا بالخطاب العقلاني الذي ينسجم مع المعايير الإسلاميّة، وبالكلمة الطيّبة التي تقرّب القلوب، وتعزّز أواصر الوحدة، وتزيل التوترات والأحقاد من النفوس، فبها نعبِّر عن إيماننا: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيراً أو ليصمت”، وهو ما هدانا الله إليه: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ}[الحجّ: 24]، وهو الذي يبقى في الدنيا ويأتي نتائجه في الآخرة: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَ}[إبراهيم: 24 – 25].

اللّهمّ أعنّا على أنفسنا بما تعين به الصّالحين على أنفسهم، اللّهمّ جنّبنا مزالق السّوء ومرابض الفتن ودعاة الشّرّ، إنّك أنت العزيز الحكيم.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيّة الإمام الحسين (ع) الّتي أودعها عند أخيه محمد بن الحنفية، وهذا نصّها:

“إن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وأن الجنة والنار حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي رسول الله (ص) وأبي علي بن أبي طالب (ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين”.

هذه وصية الحسين (ع)، هو لم يودعها عند أخيه محمد بن الحنفية لتبقى عنده، بل أراد له أن يبلّغها شيعته، ليكونوا، وعلى مدى الزّمن، دعاة إصلاح يعملون له حيث يتواجدون، ويقفون في مواجهة الفساد من أيّ كان، حتى من أقرب الناس إليهم.

وبذلك يكونون أوفياء للحسين وأصحابه وأهل بيته، ولتلك الدماء الزاكيات التي نزفت على أرض كربلاء، وبذلك يكونون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات.

تداعياتُ رفعِ الدّعمِ

والبداية من لبنان الّذي يدخل مرحلة جديدة بعد القرار الذي صدر عن حاكم المصرف المركزيّ برفع الدّعم عن المحروقات، نظراً إلى تداعيات هذا القرار وآثاره الكارثيّة، والّذي يزيد من معاناة اللّبنانيين على الصعيد المعيشي والحياتي وعلى صعيد المؤسّسات.. وهم الذين كانوا غير قادرين على تحمل أعباء ما قبل رفع الدعم، وباتوا يضجون بأزماتهم؛ من ارتفاع سعر الدولار والسلع والدواء، والتراجع الخطير في الخدمات.

لقد أشار هذا القرار مجدَّداً إلى مدى تدني مستوى حسّ المسؤولية لدى من يديرون هذا البلد على الصعيد المالي أو السياسي، وعدم أخذهم بالاعتبار معاناة الناس وآلامهم.

وقد لا يكون من الصّحيح القول إن هذا القرار كان مفاجئاً، فقد كان متوقَّعاً، كون الجميع يعي أنّ ما تبقّى في المصرف المركزي لم يعد كافياً لتحمّل أعباء هذا الدعم، بعدما لامس الموجود لديه الاحتياطي الإلزامي، ولوعي الجميع أنَّ هذا الدعم لا يصل إلى مستحقيه، بل تستفيد منه الشركات والمهرّبون والسوق السوداء، لكن لم تقم أيّ من هذه القيادات بدورها في كيفية تجاوز هذه المعضلة، أو جعل المواطنين قادرين على تحمّل أعبائه إن هو صدر، إما برفع الأجور، أو بإقرار البطاقة التمويلية، أو بإيقاف الارتفاع المستمرّ بسعر صرف الدولار الأمريكي وأسعار السِّلع والخدمات.

مسؤوليّةُ القوى السياسيّةِ

ومن هنا، فإنّنا ندعو القوى السياسيّة إلى تحمل مسؤوليّتها في إعادة النظر بهذا القرار، وأن لا يحمّلوا اللّبنانيّين الغارقين في معاناتهم تبعات تقصيرهم وإهمالهم، وإيصال البلد إلى ما وصل إليه بفعل فسادهم أو سوء إدارتهم، أو عدم القيام بدورهم في علاج مشاكله، وهم من ينبغي أن يتحمّلوا المسؤولية بأن يصنعوا الحلول، لا أن توضع كرة النار بأيدي اللبنانيين، أو أن يتركوا ليتدبروا أمورهم بأنفسهم، أو ليكونوا مكسر عصا دائماً أمام الأزمات التي تعصف بالبلد، أو يكونوا هم الضّحايا، فيما يبقى المسؤولون ومن هم على كراسي السّلطة، آمنين بما لديهم أو بمن يحيطون بهم.

إنَّ على من هم في مواقع المسؤولية، أن لا يراهنوا على قدرتهم في كمّ أفواه اللّبنانيين، بالضّغط عليهم، أو استغلال حرصهم على أمن بلدهم وعدم جرّه إلى الفوضى، أو بإثارة هواجسهم ومخاوفهم إن قاموا بأيّ تحرك بعدما وصلوا إلى هذه المرحلة، أو بالمراهنة على تعبهم في التعبير عن سخطهم والرضوخ للأمر الواقع، إنّ عليهم أن يحذروا صولة الجائع إذا جاع، أو صولة المريض إن لم يجد دواءً، أو صولة من لم يجدوا كهرباء أو وقوداً لسياراتهم وللأفران والمستشفيات والمحلات..

للتَّعبيرِ عن الغضبِ

ونحن هنا، في الوقت الذي ندعو إلى تعبير اللبنانيين عن غضبهم وسخطهم على هذا القرار، وعلى استمرار إدارة الظهر من القيادات المسؤولة لمعاناتهم، وأن لا يستكينوا للوعود المعسولة، أو لسياسة التدجين التي أتقنها السياسيون اللبنانيون وأدمنوه ، إلا أننا نريد لتحركهم أن يكون تحركاً واعياً ومسؤولاً وبعيداً من الارتجال وردود الفعل، وأن لا يكون على حساب بعضهم البعض، كالذي يجري بقطع الطرقات أو العبث بالمؤسّسات العامة والخاصّة.

يجري كلّ ذلك فيما حكومة تصريف الأعمال غائبة أو مغيَّبة، والحكومة الموعودة الّتي من المطلوب منها أن تخرج البلد من معاناته، لا تزال أسيرة المداولات التي لا وقت ولا أفق محدَّداً لها، وكأنّ البلد لا يزال بإمكانه أن ينتظر، وكأنّ اللّبنانيّين بألف خير، وكأن ليس هناك انهيار ولا من حوادث أمنيّة يخشى منها من الداخل والخارج.

إننا نأمل أن يكون الحديث عن الإيجابيات التي تحدث على مستوى التأليف حقيقيّة، وأن تكون بدايةً للخروج بحكومة قادرة على فرملة الانهيار والتخفيف من حدَّة الأزمات.

جدلٌ حولَ القضايا الحسّاسة

في هذا الوقت، يستمر الجدل الداخلي حول العديد من القضايا، وكان آخرها ما جرى بعد العدوان الإسرائيلي، والذي استوجب رداً من المقاومة عليه وتداعيات ما جرى بعد ذلك.

إننا أمام ما جرى، نعيد تأكيد ما قلناه سابقاً حول إثارة القضايا الحسّاسة، كما في مسألة مواجهة اعتداءات العدوّ، حيث لا ينبغي أن يتمّ عبر وسائل الإعلام أو عبر المنابر الدينيّة أو السياسية، بقدر ما ينبغي أن يبقى في مواقع اللّقاء المتاحة دائماً، حتى لا يستفيد من هذا الجدل العدوّ الصهيوني، أو أن يكون سبباً في زيادة الشّرخ الداخلي بين اللّبنانيين، والذي شهدناه عبر وسائل تواصل أو وسائل إعلاميّة.. ومع الأسف، خلت من الحوار الموضوعي المطلوب في مثل هذه الحالات.

إننا نعيد تأكيدَ ضرورةِ وعي مخاطر كلّ ما يمس بالوحدة الداخلية، رغم ما قد يحصل من اختلافات في وجهات النظر، فالمطلوب هو التّوافق على حفظ الوطن من كلّ ما يتهدّده.. ولنكن في ذلك حريصين على الكلمة الأحسن والحوار الأحسن مما دعا إليه الله {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ}[الإسراء: 53]، {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النّحل: 125].