الإمام زين العابدين (ع): قمَّة الشَّجاعةِ والعفوِ والإحسان

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}[الأنبياء: 73]. صدق الله العظيم.

شجاعةُ زينِ العابدين (ع)

في الخامس والعشرين من شهر محرَّم الحرام، نلتقي بذكرى حزينة على قلوب المحبّين والموالين لأهل البيت (ع)، وهي وفاة الإمام عليّ بن الحسين (ع) زين العابدين وسيّد السَّاجدين.

هذا الإمام الَّذي تميّز ككلّ أئمّة أهل البيت (ع) بالعبادة والعلم والحلم والجود والكرم والبذل والعطاء، فقد كان يخرج في اللّيل من بيته، حاملاً على ظهره الطعام ليوزّعه على فقراء المدينة من دون أن يعرفوه، وقد شهدت واقعة كربلاء على مدى صبره، بعدما أقعده المرض عن المشاركة فيها، حين رأى بأمّ عينه مصارع أبيه وأصحابه وأهل بيته وما جرى له بعد ذلك في طريق السبي، وعلى شجاعته حين وقف أمام عبيد الله بن زياد، عندما توعَّده بالقتل لما رأى من جرأته: “أبالقتل تهدِّدني! أما علمتَ أنَّ القتل لنا عادة، وكرامتنا من الله الشّهادة؟!”، وحين قال ليزيد في مجلسه وهو بين أعوانه: “أبشر بالخزي والنَّدامة”

وقد استطاع مع عمّته الحوراء زينب (ع) منع يزيد من طمس معالم جريمته الَّتي كان يريدها أن تدفن مع الأجساد في كربلاء، وقام بدوره الرسالي في متابعة السَّير بالأهداف التي لأجلها كانت ثورة أبيه الإمام الحسين (ع)، وهي الإصلاح في أمّة رسول الله (ص)، فعمل على إذكاء الوعي في داخل الأمَّة، وتعزيز حضورها في الدفاع عن الإسلام ومواجهة الفساد والانحراف، والذي تجلّى في كلماته ومواقفه، وفي الدّعاء الَّذي حوَّله من أن يكون فقط وسيلةً لطلب الحاجات، إلى أن يؤدّي دوره في تصحيح العقائد والمفاهيم، وفي تبيان المسؤوليَّات التي تقع على عاتق الإنسان المؤمن وكيفيَّة تعامله معها، والتي تتَّصل بعلاقته بربِّه أو بنفسه أو بالنَّاس الذين يعيشون من حوله على صعيد الحكم والحاكم، والتي جاءت في رسالته رسالة الحقوق.

وقد تمكَّن الإمام (ع) بهذه الشخصيَّة المتميّزة من أن يكسب قلوب الناس وعقولهم، ولم يقتصر ذلك على الَّذين يتولّونه، بل حتى أولئك الَّذين عادوه.

ونحن اليوم سنستفيد من هذه المناسبة، لنتوقَّف عند بعض معالم شخصيَّته، لنتزوَّد منها بما يعزِّز موقع الإسلام وحضوره في الحياة.

الموقفُ الحليم

الموقف الأوَّل هو مع أحد أقربائه الّذي كان يحسد الإمام (ع) ويحقد عليه، ما دفعه يوماً إلى أن يتهجَّم عليه، ويصفه بأبشع الصّفات، وعلى مرأى من أصحابه، فلمَّا انصرف، قال لأصحابه: “لقد سمعتم ما قال هذا الرّجل، وأنا أحبّ أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردّي عليه!”. وهم لا يشكّون أنَّ ردَّ الإمام (ع) سيكون قاسياً. ولكن في الطّريق، سمعوه يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 134]، فعرفوا أنّ الإمام (ع) لا يريد ما كانوا يتمنّون. فلمّا وصل الإمام إلى بيت ذلك الرّجل، خرج متوثّباً للشّرّ، ظانّاً أنَّ الإمام يريد به سوءاً، لكنَّ الإمام لاطفه وهدَّأ من روعه، ثم قال له: “يا أخي، لقد سمعت ما قلت، فإن كان ما قلت فيّ صحيحاً، فأستغفر الله‏ منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ، فغفر الله‏ لك”.

كلمات قليلة كانت كافية لتهزّ أعماق هذا الرَّجل، ولتجعله يعيد النظر في موقفه من الإمام (ع)، وليقول له: “بل قلت فيك ما ليس فيك وأنا أحقّ به”. أنا المخطئ وأنا الجاني، أرجو أن تعفو عني، وأن تستغفر لي ربَّك. وصار هذا الرّجل من بعدها من أخلص النَّاس للإمام. وهنا نسأل: ماذا لو بادل الإمام هذا الرَّجل بمثل فعلته، أو بأقسى من ذلك، كما يحصل عادةً منّا؛ أكان حقَّق ما تحقَّق له بأسلوبه؟!

كظمُ الغيظ

موقف آخر له جرى مع أمة له كان تحمل أبريقاً نحاسياً، ولسوء تصرفها، وقع هذا الإبريق على رأس الإمام فشجَّه، فبادرت الإمام بالقول: “والكاظمين الغيظ، فقال لها قد كظمت غيظي، قالت: والعافين عن النَّاس، قال لها: قد عفا الله عنك، قالت: والله يحبّ المحسنين، قال: اذهبي فأنت حرَّة”.

العفوُ عن الإماءِ والعبيد

وموقف آخر له أنَّه (ع)  كان حين يدخل شهر رمضان، لا يحاسب عبداً أو أمة على أيّ ذنب يرتكبونه، ويكتفي بأن يسجّله عليهم، فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان، كان يجمعهم حوله ويعرض عليهم سيِّئاتهم تجاهه، فيعترفون بها، عندها يتوجَّه إلى الله عزَّ وجلَّ بدعائه: “ربّ إنَّك أمرتنا أن نعفو عمَّن ظلمنا، وقد ظَلَمْنَا أَنفُسَنا، فنحن قد عفونا عمَّن ظلمنا كما أمرت، فاعف عنّا فإنَّك أولى بذلك منّا”.. ثم يقبل عليهم ويقول: “قد عفوت عنكم، فهل عفوتم عنّي، وممّا كان منّي إليكم؟”، “اذهبوا فقد عفوت عنكم، وأعتقت رقابكم، رجاءً للعفو عنّي وعتق رقبتي”، فإذا كان يوم الفطر، يغدق عليهم من المال ما يغنيهم عمَّا في أيدي النَّاس.

قمَّةُ التَّجاوزِ والإحسان

وموقف آخر يمثّل القمَّة في التّجاوز والإحسان، وهو الّذي جرى مع مروان بن الحكم. ومروان هذا كان معروفاً بعدائه الشَّديد لأهل البيت (ع) وغلظته عليهم، فهو من أوائل من خرجوا لحرب الجمل، وبعدها في صفّين، وكان من المحرّضين على قتال عليّ (ع)، وهو من قال لوالي المدينة يوم استدعى الإمام الحسين (ع)، حتى يطلب منه البيعة ليزيد بعد وفاة معاوية: “إن لم يبايع الحسين يزيد، فاضرب عنقه”. مروان هذا حين ثارت المدينة على بني أميَّة، وقرّر أهلها إخراج بني أميَّة منها، وكان هو على رأسهم، فتَّش حينها عمّن يدع عنده عائلته الكبيرة، حاول لدى الكثيرين، ولم يقبل أحد بذلك، حتى من كانوا من خواصّه والمقرّبين منه. الكلّ تنصَّل خوفاً من أن يتلبَّس بالقرب من مروان بن الحكم، ولا سيَّما أنَّ عائلته كبيرة. لم يجد حينها سوى الإمام زين العابدين (ع) من يقبل ذلك، وقال (ع) له: “عائلتك مع عائلتي، وحرمك مع حرمي”، ثم غادر مروان.

تقول إحدى بنات مروان عن تلك الفترة من إقامتهم عند الإمام زين العابدين (ع): “ما وجدنا من الرعاية عند أبينا ما وجدناه عند عليّ بن الحسين”.

مبادلةُ الإساءةِ بالعفو

أيُّها الأحبَّة: لقد جاءت كلّ هذه المواقف لتشكِّل تعبيراً عملياً عن الآية التي دعا الله سبحانه وتعالى إليها عباده، عندما قال لهم: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[فصّلت: 34 – 35]. هذه الآية أشارت إلى الأسلوب الذي ينبغي أن يتعامل به الإنسان المؤمن مع من يسيء إليه، سواء كان قريباً أو جاراً أو صديقاً أو عدوّاً، فدعته إلى أن لا يتصرَّف معهم بوحي ردّ الفعل ويبادل إساءته بمثلها، بل دعته إلى أن يترقَّى في تعامله مع الآخرين، بأن يبادل السيِّئة هذه بالحسنة. وهذا الأمر قد لا يكون سهلاً؛ أن تبادل من بادرك بالعداء أو أساء إليك بأن تحسن إليه، لذا قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا}. لكنَّ الله سبحانه أشار إلى أنَّ نتائجه ستكون كبيرة، إن على مستوى الدنيا، لأنه بالإحسان يملك الإنسان القلوب، ويحوِّل الأعداء إلى أصدقاء، أو على مستوى الآخرة، فله حظّ عظيم، ولذلك قال: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}، ولأنَّ الله يحبّ المحسنين.

ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى اعتماد هذا الأسلوب، أن يكون أساساً في تربيتنا وبنائنا لأنفسنا ولمجتمعنا، لنتعامل به مع من يكنّون لنا العداء أو ممن يسيئون الظّنّ بنا.

وإذا كان البعض يرى أنَّ هذا الأسلوب قد يجرّ إلى تمادي البعض بالإساءة ممن يرون في ذلك ضعفاً، فإنَّنا لا نرى أنَّ هؤلاء هم القاعدة بل الاستثناء. نعم، مثل هؤلاء لا بدَّ أن نبادل إساءتهم بالمثل، وهو ما أشار إليه الإمام زين العابدين (ع) ونبَّه إليه، عندما قال: “وحقّ من ساءك أن تعفو عنه، وإن علمت أنَّ العفو عنه يضرّه انتصرت”.

أيُّها الأحبَّة، بهذا الأسلوب، كسب الإمام زين العابدين قلوب النَّاس، وبالأخذ به، نعبِّر عن ولائنا له، والتي لا تنال إلَّا بالعمل بما عملوا، والسَّير على ما اهتدوا إليه.

فلندع الله حتى يعيننا على ذلك، ويعزِّز إرادتنا لبلوغه، وليكن دعاؤنا في ذلك بما كان يدعو به (ع) في دعائه في مكارم الأخلاق: “وَسَدِّدْنِي لأنْ أعَـارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْـحِ، وَأَجْـزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ، وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ، وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، وأُخَـالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكرَ الْحَسَنَةَ وَاُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَـةِ يا أرحم الراحمين”.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بوصيَّة الإمام زين العابدين (ع) لولده، حين قال: “أوصيك بما أوصاني أبي الحسين حين أراد الخروج إلى المعركة يوم العاشر من المحرَّم: يا بنيّ، إيَّاك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلَّا الله”.

لقد أراد الإمام زين العابدين (ع) من خلال وصيَّته، أن لا يستغلَّ الإنسان قوَّته وموقعه والصلاحيات التي يملكها لظلم النَّاس أو عدم إعطائهم حقوقهم، فلا يظلم الرئيس مرؤوسيه، ولا المدير موظَّفيه، وربّ العمل عمَّاله، والمعلِّم طلَّابه، والزوج زوجته، والزوجة زوجها، والأب أولاده… وقد ورد أنَّ أصعب موقفٍ للظّالم، عندما يقف بين يدي الله، يوم يأخذ المظلومون بحقِّهم من ظالميهم.

بهذه الوصيَّة، نعبِّر عن حبّنا وولائنا لهذا الإمام، ونكون أكثر عدلاً واستقامة، ونكون قادرين على مواجهة التحديات…

حادث الكحَّالة

والبداية من الحادث الخطير الذي حصل في الكحَّالة، والّذي استعاد معه اللبنانيون مشاهد من صور الحرب الأهليَّة، وكاد يودي بالسِّلم الأهليّ، والذي نراه نتيجة طبيعيَّة للخطاب المستفزّ والموتّر وغير العقلاني الَّذي يستثير الغرائز الطائفية والمذهبية، ويخلق الهواجس والمخاوف بين اللّبنانيين، مما يصدر عن مواقع سياسية وإعلامية ودينية، من دون التدبّر والأخذ في الاعتبار لعواقبه.

ونحن أمام ما جرى، لا بدّ من أن ننوّه بالدور الحكيم الذي قام به الجيش اللبناني، والذي أدَّى إلى وأد الفتنة ومنع تداعياتها الخطيرة، وندعو إلى الإسراع في معالجة جادَّة للأسباب التي أدَّت إلى ما جرى منعاً لتكراره، في الوقت الَّذي نهيب بالجميع التبصّر جيداً بعواقب الاستمرار في استهداف فريق من اللبنانيّين، عانى وتألم وقدَّم ولا يزال يقدِّم التضحيات الجسام لأجل سلامة الوطن وإبقائه حراً عزيزاً، ويعمل كلَّ يوم على منع العدو الصهيوني من استباحة أرضه.

وإذا كان ثمة من له رأي في سلاح المقاومة، فهذا لا يعالج بمثل هذا الخطاب، أو بمثل الَّذي جرى، بل بالحوار الداخلي البنّاء، وبالموقف المسؤول الَّذي يأخذ في الاعتبار مصلحة هذا البلد وحاجته إلى قوَّة رادعة للعدوّ، وإذا كان من هواجس يثيرها البعض بأن يخرج هذا السّلاح عن دوره بحماية الوطن في الداخل، فمن خلال هذا الحوار تعالج هذه الهواجس.

إنَّنا أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى الخطاب العقلاني الهادئ، وإلى من يمدّ الجسور لا من ينسفها، ويقرِّب القلوب لا من يباعد بينها، ويبلسم الجراح لا الذي ينكأها.

إننا نرحِّب بكلِّ الأصوات والمواقف التي عضَّت على الجرح وتصرفت بمسؤوليَّة وحكمة وبحسّ وطني، بعيداً من منطق الشعبوية والمزايدات والاستثمار السياسي أو غير السياسي.

جمودٌ في الملفّ الرئاسيّ

في هذا الوقت، يستمرّ الجمود على صعيد الاستحقاق الرئاسي، من دون أن يبدو في الأفق أيّ بوادر لحلّ يفضي إلى تأمين هذا الاستحقاق بكلِّ التداعيات التي تحصل من ورائه على الواقع الاقتصادي والمعيشي والسياسي والأمني، ويخشى على هذا الصَّعيد أن يزداد الأمر تعقيداً وصعوبةً بفعل التوترات التي بتنا نشهدها على الصّعيد الإقليمي والدولي، ما قد يعقِّد الوصول إلى هذا الاستحقاق والتوافق عليه، ما يدعو مجدَّداً القوى السياسية إلى أن تقوم بدورها في تحمّل المسؤوليّة، وعدم انتظار ما يجري في الخارج، فالبلد لم يعد يتحمل مزيداً من التأخير والمماطلة.

ونحن في هذا المجال، ننوِّه بأيّ حوار يجري بين القوى السياسية الفاعلة، وندعو إلى استكماله وتعزيزه وتوسعة دائرته ليشمل كلَّ القوى السياسية، لكونه الطريق الأسلم والأسهل لإنجاز هذا الاستحقاق، وإخراج البلد من المأزق الَّذي هو فيه.

لتأمينِ رواتبِ القطاع العام

ونبقى على الصَّعيد المالي، لندعو إلى العمل سريعاً لإيجاد حلّ يضمن تأمين رواتب موظّفي القطاع العامّ واحتياجات الدَّولة، وعدم الوصول إلى المأزق الذي يخشى منه، ما يتطلَّب الأخذ بالاعتبار الشروط التي صدرت عن المصرف المركزي للاستدانة منه، والتي أعلن عنها النائب الأوَّل للحاكم، والتي هي تأمين التغطية القانونية من المجلس النيابي للإنفاق من الاحتياط الإلزامي، وضمان إرجاع الحكومة لهذه الأموال، وإجراء الإصلاحات التي تضمن تأمين موارد للدولة بكلِّ أجهزتها، ما يحفظ أموال المودعين ولا يبدّد مقدّرات الدولة.

حادثة عين إبل

ونبقى على صعيد الداخل، لنشير إلى الحادثة الأخيرة التي وقعت في عين إبل، لنؤكِّد ضرورة الإسراع في كشف الغموض الذي يحيط بها. وهنا ننوّه بالأصوات التي لم تسارع إلى الاتهام السياسي الَّذي اعتدناه في مثل هذه الحوادث، ودعت القضاء إلى التَّحقيق فيها وفي خلفيَّاتها وأبعادها حتى تأخذ العدالة مجراها.

إننا نثق بالوعي الموجود لدى أهالي هذه المنطقة، وحرصهم على استمرار العيش المشترك الَّذي كان طابع هذه المنطقة حتى في الأيَّام الحالكة، ما سيفوِّت الفرصة على كل المصطادين بالماء العكر، أو العابثين بأمن هذه المنطقة، والذين لا يريدون للعيش المشترك أن يكون طابعها، والتي لن يستفيد منها إلا الكيان الصهيوني.

حريق الضَّاحية: ضعف الإمكانات

ونبقى على صعيد الحريق الَّذي حصل أخيراً في الضَّاحية الجنوبيَّة، والَّذي أظهر ضعف القدرات والإمكانات لدى الدفاع المدني، إن على الصعيد البشري أو على صعيد الإمكانات، وعدم توفر الشّروط اللازمة في المستودعات والرقابة عليها، ما يدعو البلديات وكلّ الجهات المعنيَّة على صعيد الوزارات، للعمل لتفادي ما حصل، وتأمين المقوّمات البشرية واللوجستيَّة التي تضمن السّرعة في إطفاء أيِّ حريق إن هو حصل، في الوقت الَّذي ندعو إلى محاسبة المتسبّبين بما جرى، والمقصِّرين في مسؤوليَّاتهم والتعويض على المتضرّرين.

تهديداتُ العدوّ

ونصل إلى التَّهديدات الإسرائيليَّة للبنان، والتي جاءت على لسان وزير الدفاع الصهيوني، فإننا نرى في ذلك محاولة منه لإعادة الاعتبار إلى كيانه بعدما تآكلت قوَّة الردع لديه، ورسالة إلى جمهوره بأنّ هذا الكيان لا يزال في موقع القوَّة والهيبة، لكنَّنا في الوقت نفسه، ندعو إلى أخذ الحيطة والحذر من مغامرة قد يقدم عليها هذا العدوّ، وذلك بتعزيز عناصر القوَّة في الداخل، بدلاً من التصويب عليها ومن المسّ بالوحدة الوطنيَّة.