الاستعدادُ لاستقبالِ شهرِ رمضانَ والتزوّدِ من معينِهِ

                                                                                                                                                      

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}. صدق الله العظيم.

أيَّامٌ قليلةٌ، ويطلُّ علينا شهر رمضان المبارك، حاملاً معه تباشير الرَّحمة والمغفرة والرّضوان والعطايا الجزيلة الَّتي يمنُّ الله بها على عباده، وهو يدعونا أن نتزوَّد من معينه الرَّحب بما يغني حياتنا بالخير لأنفسنا وللآخرين على صعيدي الدّنيا والآخرة.

وكان رسول الله (ص) يعدُّ أصحابه لقدومه، فتذكر سيرته أنّه كان إذا دخل شهر رجب، يقول لأصحابه أن يدعوا الله: “اللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب، وبَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ”، وعندما يدخل شعبان، كان يدعوهم إلى مثل ذلك: “اللّـَهُمَّ بارِكْ لَنا في شَعْبانَ، وبَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ”.

أهميَّةُ شهرِ الله

وقد وقف (ص) في مثل هذا اليوم في آخر جمعة من شهر شعبان، ليعزِّز لديهم أهميّة هذا الشّهر، والفيوضات التي يمنحها الله لعباده فيه، عندما قال: “أيُّها النَّاس، إنَّه قد أقبلَ إليكُم شهرُ اللهِ بالبركةِ والرَّحمة والمغفرة، شهرٌ هو عندَ اللهِ أفضلُ الشّهور، وأيّامُه أفضلُ الأيّام، ولياليه أفضلُ اللَّيالي، وساعاتُه أفضلُ السَّاعات، وهو شهرٌ دُعيتُم فيه إلى ضيافةِ الله، وجُعِلتُم فيه مِن أهل كرامةِ الله. أنفاسُكم فيه تسبيح، ونومُكم فيه عبادة، وعملُكم فيه مقبولٌ، ودعاؤكُم فيه مستجابٌ”… “أيُّها النَّاس، إنَّ أبوابَ الجنانِ في هذا الشَّهر مفتَّحةٌ، فسلوا ربَّكم أن لا يغلقَها عليكم، وأبواب النّيران مغلقةٌ، فسلوا ربَّكم أن لا يفتحَها عليْكم، والشَّياطين مغلولة، فسلوا ربَّكم أن لا يسلِّطَها عليْكم”.

وهو أراد بذلك، أن يدخلوا إلى هذا الشّهر دخول الواعين، وأن يقبلوا عليه إقبال الراغبين به، المستبشرين بقدومه، وأن يصبروا على المسؤوليَّات التي أوجبها الله عليهم فيه، والَّتي تقتضي منهم جهداً وتعباً ومعاناة…

شهرُ التَّوبةِ والعطاء

هذه المسؤوليَّات لا تقف عند حدود أداء فريضة الصّيام، بترك الطعام والشراب وبقية المفطرات، كما قد يعتقد البعض، وإن كان هذا أبرز ما فيه، وهو ما يميّزه عن بقيّة الأشهر، ولكنَّ هذا الشَّهر هو أيضاً شهر القيام وشهر القرآن وشهر البذل والعطاء، وصلة الأرحام، وتحسين الخلق، وصون الجوارح عن الحرام، وتطهير النَّفس من أيِّ حقد وبغضاء، وهو شهر التَّوبة والاستغفار وتصويب المسار.

وهذا ما أشار إليه رسول الله (ص) في خطبته، عندما قال: “فسلوا ربَّكم بنيَّات صادقة، وقلوب طاهرة، أن يوفِّقكم لصيامه وتلاوة كتابه، وتصدَّقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصِلُوا أرحامكم، وَغُضُّوا عَمَّا لا يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لا يَحِلُّ الاسْتِمَاعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ، وتحنَّنوا على أيتام النَّاس يُتحنَّن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم، وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقاتِ صلواتكم، فإنَّها أفضل السَّاعات، ينظر الله عزَّ وجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبِّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه”.

حقُّ شهرِ رمضان

إذاً، أيُّها الأحبَّة، شهر رمضان يتضمن كل هذه المسؤوليات التي لا بدَّ من القيام بها وعدم التفريط بأيٍّ منها… فلا نعتبر أنّنا أدّينا حقَّ شهر رمضان علينا إن صمنا، ولكنّنا لم نؤدّ الصَّلوات في أوقاتها، ولم نقم الليل، ولم نتصدَّق على الفقراء والمساكين، ولم نحسّن خلقنا، ونوقر الكبار ونرحم الصغار، أو لم نفطر صائماً، ولم نتحنَّن على يتيم، ولم نتب إلى الله من ذنوبنا ونستغفره عليها.

وهذا ما كان يدعو به الإمام زين العابدين (ع) ربَّه في دعائه عند استقبال شهر رمضان، فكان يقول: “اللَّهمَّ أعنّا على صيامه بكفِّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتَّى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتَّى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور، وحتَّى لا تعي بطوننا الَّا ما أحللت، ولا تنطق ألسنتنا إلا بما مثلت… وقفنا فيه على مواقيت الصّلوات الخمس بحدودها الَّتي حدَّدت، وفروضها الَّتي فرضت، ووظائفها التي وظفت، وأوقاتها التي وقتّ… ووفّقنا فيه لأن نصل أرحامنا بالبرّ والصّلة، وأن نتعاهدَ جيراننا بالإفضال والعطيّة، وأن نخلِّص أموالنا من التَّبعات، وأن نطهِّرها بإخراج الزكوات… وأن نراجع من هاجرنا، وأن ننصف من ظلمنا، وأن نسالم من عادانا، حاشا من عودي فيك ولك…”.

إنَّ أوقات شهر رمضان، بأيَّامه ولياليه وأسحاره، بكلِّ ساعاته ودقائقه وثوانيه، ثمينة وثمينة جداً، وهي إن مرَّت فلن تعود، وسنتحسَّر عليها عندما نقف بين يدي الله. فبقليل من العمل فيها، يستطيع الإنسان أن يقي نفسه من النَّار، ويبلغ أعلى الدَّرجات، وهي الَّتي أشار إليها رسول الله (ص) في خطبته: “أَيُّهَا النَّاسُ: مَنْ حَسَّنَ مِنْكُمْ فِي هَذَا الشَّهْرِ خُلُقَهُ، كَانَ لَهُ جَوَازاً عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ… وَمَنْ وَصَلَ فِيهِ رَحِمَهُ، وَصَلَهُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ يَوْمَ يَلْقَاهُ… وَمَنْ تَطَوَّعَ فِيهِ بِصَلَاةٍ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أَدَّى فِيهِ فَرْضاً، كَانَ لَهُ ثَوَابُ مَنْ أَدَّى سَبْعِينَ فَرِيضَةً فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الشُّهُورِ، ومن تلا فيه آيةً منَ القرآنِ، كانَ لَهُ مثل أجرِ من خَتَمَ القرآنَ في غيرِهِ من الشّهور… وكانَ له بذلكَ مغفرةٌ وعتقٌ من النَّار، ومن أحيا ليلة القدر فيه، كانت له خيراً من ألفِ شهرٍ من طاعةٍ الله”.

وصايا لشهرِ رمضانَ

وينبغي علينا، ونحن على أعتاب هذا الشَّهر، أن نوصي أنفسنا بأمور ينبغي أن نأخذها في الاعتبار.

الأمر الأوَّل: أن نعدّ برنامجاً لأنفسنا، وفيه ما نتشارك به مع الآخرين، أن لا ندع الآخرين يأخذوننا إلى برنامج يشغلنا عن الأجواء الروحية والإيمانية والتربوية لهذا الشَّهر، وهذا لا يعني أن لا نأخذ فسحة من راحة أو ترفيه، وهذا مطلوب، ولا بدَّ أن نضعه في حسابنا، لكن بحدود لا تخلّ بمعاني هذا الشَّهر.

الأمر الثاني الذي ينبغي الالتفات إليه، هو التعرف إلى الأحكام الشرعيَّة التي تتعلق بشهر رمضان، بأن نعرف ما يجب علينا، وما قد يسبّب الخلل في عباداتنا، حتَّى نؤدِّي ما وجب علينا في هذا الشَّهر، وما ينبغي تركه بشكل صحيح، ونحرص على معرفة مستحبَّاته لنؤدّيها، ومكروهاته لنحرص على تركها.

الأمر الثَّالث: أن لا نرى شهر رمضان شهر الامتلاء من الطّعام والشّراب، بحجّة تركنا لهما في خلال النَّهار، بل ينبغي أن يكون شهر التَّخفف من الطعام، وذلك بالتوازن وعدم الإسراف في أكلنا وشربنا، والموائد التي نقيمها على اسمه، وهو ما أشار إليه الله سبحانه وتعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.

الأمر الرَّابع: أن نستفيد من الجوّ الأسريّ الَّذي يؤمِّنه لنا شهر رمضان، حيث تجتمع العائلات، ويلتقي أفراد الأسرة، مما لا يحصل غالباً في بقية الشّهور، لتعزيز العلاقة، وإصلاح ما بين الآباء والأبناء، وبين الأبناء أنفسهم.

وأخيراً، ندعو الله لدى ترحيبنا بقدوم هذا الشَّهر الفضيل: “اللَّهمّ أهلّهُ علينا بالأمنِ والإيمانِ، والسَّلامةِ والإسلامِ، والعافيةِ المجلَّلةِ، والرّزقِ الواسعِ، ودفعِ الأسقامِ، اللَّهمَّ ارزقْنا صيامَهُ وقيامَهُ وتلاوةَ القرآنِ فيه، اللَّـهُمَّ سَلَّمْنا لِشَهْرِ رَمَضانَ وَتَسَلِّمْهُ منَّا، وَسَلِّمْنا فيهِ، حَتّى يَنْقَضِيَ عَنّا شَهْرُ رَمَضانَ وَقَدْ عَفَوْتَ عَنّا، وَغَفَرْتَ لَنا بمنِّك وَرَحِمْتكَ يا أرحم الراحمين”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثَّانية

عبادَ الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام الرّضا (ع) أحد أصحابه، حين جاء إليه في مثل هذا اليوم (آخر جمعة من شعبان)، فبادره الإمام قائلاً: “يا أبا الصّلت، إنَّ شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة منه، فتدارك، فيما بقي منه، تقصيرك في ما مضى منه، وعليك بالإقبالِ على ما يعنيك، وترك ما لا يعنيك، وأكْثِرْ من الدّعاء والاستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك، ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلصٌ لله عزَّ وجلَّ، ولا تدعنَّ أمانةً في عنقك إلَّا أدَّيتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلَّا نزعته، ولا ذنباً أنت ترتكبه إلَّا أقلعت عنه، واتَّق الله، وتوكَّل عليه في سرائرك وعلانيتك، {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}، وأكثر من أن تقولَ في ما يتبقَّى من هذا الشَّهر: اللَّهمَّ إن لم تكن غفرت لنا في ما مضى من شعبان، فاغفرْ لنا في ما بقي منه، فإنَّ الله يعتق في هذا الشَّهر رقاباً من النَّار لحرمة هذا الشَّهر”.

أيُّها الأحبَّة، لقد بيّن الإمام الرّضا (ع) من خلال وصيَّته هذه، ما ينبغي علينا القيام به حتَّى نكون جديرين بضيافة الله في شهره، ومؤهَّلين للحصول على ما وعد به الصَّائمين القائمين التَّالين للقرآن، والحافظين لحدود الله، والآخذين بتعاليمه، من الأجر المضاعف، ونكون بذلك أكثر قرباً من الله، وقدرةً على مواجهة التحدّيات

سياسةُ تيئيسِ الفلسطينيِين

والبداية من غزَّة، حيث يستمرُّ العدوُّ الصّهيوني بسياسته الَّتي لم تعد خافية على أحد، وهي تيئيس الفلسطينيّين من البقاء في أرضهم، ودفعهم للخروج منها، إن لم يكن بخيارهم فقسراً..

في وقت، تستمرّ المفاوضات التي تجري بين الكيان الصهيوني والجانب الفلسطيني عبر الوسطاء، من دون أن تصل حتى الآن إلى نتيجة، ويبدو أنَّها لن تصل بفعل تعنّت الكيان الصهيوني الّذي يصرّ على أن يحصل من المفاوضات على ما يحتاج إليه، وهو استعادة أسراه، من دون أن يبدي أيّ استعداد لإيقاف حربه على أهالي القطاع، أو للسَّماح لهم بالعودة إلى أرضهم وحريّة الحركة فيها، ورفع كاهل الحصار عنهم، وهو لا يزال يستفيد من الضّغوط التي تمارس على الفلسطينيّين للتراجع عن شروطهم والتَّنازل عنها، والدَّعم الَّذي لا يزال يحظى به من الدّول الداعمة له، والتي تريده أن يخرج من هذه المعركة منتصراً، وقد استعاد قوّة الرّدع التي فقدها، وبات يمسك بزمام الأمور، بعد أن أفقدته المقاومة إيَّاها…

وإذا كان من أصواتٍ بتْنا نسمعها من تلك الدّول تندِّد بهذا الكيان، والَّتي وصلت إلى حدِّ القولِ إنَّ صبرها بدأ ينفد منه، فهي ليست لحساب الشَّعب الفلسطيني، بل هي تهدف لتجميل الصّورة الَّتي لحقت بها لدى شعوبها والعالم بعد المجازر والفظائع التي ارتكبت، لكن هذه الأصوات المعترضة لم تصل، ولا يبدو أنَّها ستصل، إلى حدّ الضّغط على هذا الكيان، أو إيقاف الدَّعم له ومنعه من الاستمرار في حربه.

لقد أصبح واضحاً أنَّ الشَّعب الفلسطيني شبع من هذا العالم أقوالاً وبيانات وإدانة لهذا العدوّ، فيما هو يريد منه أفعالاً ومواقف جادَّة تنهي معاناة إنسانه، والَّتي لا تقف عند تقديم المساعدات الإنسانيَّة، رغم حاجته الماسَّة إليها، في ظلِّ المجاعة الَّتي تفتك به، بل يتعدَّى ذلك إلى إيقاف نزيف الدّم والدّمار الذي يتعرَّض له، والّذي يهدِّد وجوده واستقراره في أرضه.

ونحن في هذا المجال، نعيد تجديد دعوتنا للدّول العربية والإسلاميَّة إلى تحمل مسؤوليَّتها تجاه هذا الشعب الَّذي يشكِّل قوّة للعرب والمسلمين تعزِّز حضورهم في هذا العالم، الأمر الَّذي يستوجب عدم التَّفريط بها، وإلى أن تكون أكثر وعياً لتداعيات ترك هذا الشعب لمصيره، ونحذِّرها من أنَّ تركها للعدوّ الصهيوني يعبث بمصيره، لن يجعلها بمنأى عن تداعياته، وألا تنسى الحكمة القائلة: أكلت يوم أكل الثَّور الأبيض.

إنَّ المؤسف أن نجد هناك من بات يرى في هذا الشَّعب مصدراً لأزمات تحرجه، وعبئاً يهدِّد مصالحه، ولذلك نراه اليوم إمَّا يقف متفرجاً، أو سنداً للعدوّ في عدوانه.

حركةُ الموفدينَ في لبنان

ونصلُ إلى لبنانَ الَّذي يواصلُ تمسّكه بالدَّورِ الَّذي أخذه على عاتقه، بنصرة الشَّعب الفلسطينيّ، انطلاقاً من إيمانِهِ بالثَّابتِ الإنسانيّ والقوميّ والدّينيّ والوطنيّ، وضرورة مساندة هذا الشَّعب، وعدم السَّماح بالاستفراد به، ولو بالحدود والإمكانيَّات المتاحة.

في هذا الوقت، يواصل الموفدون الدوليّون، وكان آخرهم الموفد الأميركي، زياراتهم إلى لبنان، والتي أتت تحت وابلٍ من التَّهديدات التي تصدر عنهم، أو تلك التي تصدر عن قادة العدوّ العسكريّين والأمنيّين، وعلى وقع الاعتداءات الإسرائيليَّة والتَّصعيد الَّذي قام به. ومن المؤسف أنَّ ما طرح من أفكار ومبادرات، لم تأخذ في الاعتبار إلَّا مطالب العدوّ ومصالحه، من دون أن يقدِّم أيّ ضمانات مقابلة وبالمستوى نفسه، تحمي هذا البلد من العدوان، وتؤدّي إلى استعادة لبنان حقوقه الكاملة في أرضه وأمنه، وهو ما يدعو إلى موقف موحَّد في مواجهة كلِّ من يريد الانتقاص من سيادة هذا البلد والمسّ بأمنه واستقراره، في الوقت الذي ندعو إلى الاستعداد لمواجهة أيّ مغامرة يمكن أن يقدم عليها هذا العدوّ ويهدِّد بها بحجَّة ضمان أمن مستوطنيه، وإن كنَّا لا نزال على قناعة أنّ العدوَّ يهاب الدّخول في مغامرة مع بلد خبره وعرف مواقع القوَّة فيه.

ذكرى مجزرةِ بئرِ العبد

وفي مجال آخر، نلتقي في هذا اليوم بذكرى مجزرة بئر العبد، هذه المجزرة الَّتي راح ضحيَّتها أكثر من مئة شهيد ومئتا جريح من الرّجال والنّساء والأطفال، وحتى الأجنَّة في بطون أمَّهاتهم، والتي أريد من خلالها القضاء على ذلك الصَّوت الذي لم يهادن ظلماً أو استكباراً طوال حياته، ممن يريدون لهذا البلد أن يكون بقرةً حلوباً لهم ولمصالحهم.

وقد شاء الله أن يحمي السيِّد الوالد (رض) آنذاك، فتابع دوره الَّذي رسمه لنفسه، من بثٍّ لروح الوعيِ في الوطنِ والأمَّة، واستنهاضها لمواجهة العدوان، مادَّاً لذلك جسور التَّواصل بين طوائفه ومذاهبه ومكوّناته، واعتبار لغة الحوار هي الطَّريق لعلاج مشكلات الدَّاخل، وملهماً لكلِّ دعاة الحريَّة والعدالة في هذا الوطن، وعلى صعيد العالم، والتي سيبقى صداها مستمراً.

وفي عيد المعلِّم، نتقدَّم بالتَّهنئة لكلِّ المعلّمين، مؤكّدين على الدولة والمجتمع أن يحفظوا لهؤلاء حقوقهم، وأن لا يتخلّوا عن مسؤوليَّاتهم تجاه المعلّم الَّذي يمثل عنوان الرسالية والأخلاقية والإنسانية على مختلف المستويات.

الاثنين أوَّلُ شهرِ رمضانَ

وأخيراً، سنكون يوم الاثنين القادم على موعد مع شهر رمضان المبارك، بناءً على المبنى الفقهي الَّذي يأخذ بالحسابات الفلكيَّة، سائلين المولى أن يجعله شهر خير وبركة وأمن وأمان، وأن تنتهي معه معاناة الشَّعب الفلسطيني في غزَّة والضفَّة الغربيَّة، وأهلنا في جنوبنا العزيز، ومعاناة إنساننا على صعيد الوطن والعالم.

***