الحمزة.. الرّساليّ الّذي باع نفسه لله

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه

 

الخطبة الاولى

«أيّها النّاس، إنّي أخلع الآن رداء كفري، وإنّي لعلى دين ابن أخي، وإنّي لناصره بلساني وسيفي وكلّ ما أملك . فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأنّ محمداً رسول الله».

بهذا الخطاب، توجَّه حمزة بن عبد المطّلب إلى أهل مكّة، معلناً، وبكلّ وضوح، رفضه كفرهم وشركهم وانحرافهم، ومؤكّداً إيمانه بالإسلام، إيماناً لا علاقة له بأيّ قرابة بينه وبين رسول الله، ولا صلة له بالودّ الَّذي كان بينهما، بل هو إيمان عن قناعة ودراسة وتبنّ لهذه الرّسالة..

طبعاً، إيمان الحمزة لم يمرّ مروراً عاديّاً على قبيلته قريش، وإنما شكّل صدمة كبيرة لها هزّت أركانها وقضّت مضاجعها، فالحمزة لم يكن نكرة في قريش، كان رجلاً من رجالاتها، وسيّداً من ساداتها، وفارساً من فرسانها الأشدّاء، وكان الجميع يخشاه ولا عجب، وهو الملقّب بصائد الأسود.

التصدّي للشّرك

إنَّ دخول الحمزة عمّ النبيّ في الإسلام، شكّل قوّة ومنعة له، وشجّع المتردّدين والخائفين من جبروت قريش وبطشها وقوّتها، على رفض الشّرك والدّخول في الإسلام. لقد شكَّل الحمزة حمايةً لحركة الدّعوة، وخصوصاً في مرحلتها السريّة، إذ لم يكن يسكت عن أيّ تعدّ أو تطاول على الرّسول.. وتذكر السّيرة كيف أنّه في إحدى المرّات تصدّى لأبي جهل، ولم يراع زعامته، بل أقبل عليه وهو جالس مع رجالات قريش وبين قومه، فضربه على رأسه بالقوس الّذي كان يحمله آنذاك، قائلاً له:"أتشتم محمداً وأنا على دينه، أقول ما يقول وأدعو إلى ما يدعو الله إليه؟!".

وعندما حاول أبو جهل أن يدافع عن نفسه قائلاً: يا أبا عمارة، وهي كنية الحمزة، لقد سفّه وسبّ آلهتنا، وخالف ما عليه آباؤنا. فردَّ الحمزة: "ومن أَسْفَه منكم؛ تعبدون حجارة لا تضرّ ولا تنفع!".

هكذا، بهذا الوضوح وهذه العقليَّة والعزيمة الصَّلبة، ساند الحمزة رسول الله في مواجهته قريشاً، وسعيها الهادف للنَّيل من الإسلام، الّذي كانت إحدى أبرز مراحله وأصعبها على المسلمين، قرار قريش بحصار المسلمين في شعب أبي طالب، حيث اتّفق طغاتها ورجالاتها على مقاطعة رسول الله والمسلمين، ومنع بيعهم والشّراء منهم وحتّى الكلام معهم، ليعودوا عن غيّهم كما كانوا يقولون.

يومها، لم يهدأ الحمزة، ولم يهنأ له بال وهو يسعى وآخرون لفكّ الحصار، وإدخال المؤن في سواد اللّيل، مغرياً بعض تجار قريش لبيعهم ما يحتاجون إليه من طعام وشراب، ما أعان المسلمين على الصّمود، فاضطرّت حينها قريش للتّراجع، بعدما رأت عدم جدوى الحصار.

وبعدما توافرت الظّروف للهجرة من مكّة إلى المدينة، بعيداً من ضغوط قريش وطغيانها، دعا رسول الله الحمزة إلى أن يهاجر إلى المدينة ليعدّ العدّة لقدومه إليها، كي يُمارس دوره الرّساليّ بهدوء.

بطل في خطّ الرّسالة

وفي المدينة، كان للحمزة الدّور الأساس في تعطيل مخطَّطات قريش، الّتي لم تترك الرَّسول بحاله، وألّبت اليهود عليه، فقد كان آمر أوّل سريّة خرجت من المدينة لمواجهة قوافل قريش، ما أربك مشروعها..

وفي معركة بدر، برز اسم الحمزة، عندما خرج مع الإمام عليّ(ع) وعبيدة بن الحارث لمبارزة صناديد قريش، والّتي كانت فاتحة نصر مؤزّر في تلك المعركة.

لكن عندما نصل إلى معركة أحد، يعتصر قلبنا على الهزيمة الّتي أصابت المسلمين يومها، ويعتصر قلبنا حزناً على الحمزة الّذي قضى شهيداً فيها.

فقريش، وكردّ اعتبار لها بسبب هزيمتها النّكراء في بدر، أعدّت جيشاً كبيراً تمركز في منطقة أحد على مقربة من المدينة.

يومها، شاور رسول الله أصحابه الّذين انقسم رأيهم بين راغب في التحصّن في المدينة، والتهيؤ لمواجهة قريش من داخلها، ومُطالب بالخروج لمواجهتها حيث تتواجد في أحد.

في ذلك الوقت، كان موقف الحمزة واضحاً وحاسماً: الخروج إلى خارج المدينة لمواجهة قريش، وذلك لتجنيب المدينة أيّ خطر قد يتهدّدها، وقال حينها لرسول الله(ص): «لا أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتّى أجادلهم بسيفي خارج المدينة».

هكذا كان الحمزة في تلك اللّحظة، كان الحمية والشّجاعة والإقدام والرّاغب في المواجهة دون أيّ تردّد أو تلكّؤ.. ومثل هذه الشخصيّات تكون دائماً في المقدّمة، لبثّ روح الشجاعة والتّثبيت لمن حولهم..

شهيد أُحُد

معركة أُحُد الّتي حدثت في الخامس عشر من شهر شوّال، وكما تعلمون، شهدت مجرياتها تحوّلاً من نصر واضح المعالم للمسلمين، إلى هزيمة قاسية، عندما خالف بعض الرّماة أمر رسول الله، فتركوا موقعهم الحسَّاس الحامي لظهر المسلمين، ظنّاً منهم أنَّ المعركة قد انتهت لصالحهم، فأسرعوا للفوز بالغالي من الأموال والغنائم، عندها استغلّ المشركون هذه الثّغرة، وانتقل المسلمون إلى موقع الدّفاع وفكّ الضّغط عنهم وعن رسول الله..

وفيما كانت المعركة مشتدّة، كانت هند زوجة أبي سفيان تدبّر مكيدة للحمزة بهدف قتله، لحقدها على الإسلام وعلى محمّد، وحقدها على الحمزة بوجه الخصوص، ثأراً لقتله أخيها الوليد وأبيها عتبة في معركة بدر، وكانا رأس الشّرك، فكلّفت عبداً اسمه وحشي للقيام بهذه المهمّة مقابل أن تعطيه حرّيته، وهذا ما كان، فكمن وحشي للحمزة وهو منشغل في المعركة، يقاتل قتال الأبطال، فرماه بحربة أدّت إلى أن يسقط شهيداً، وخضّب أرض أُحُد بدمائه الطّاهرة.

وبطولة الحمزة ورفعته وعلوّه لم تنته بسقوطه شهيداً بين يدي رسول الله، بل فيما تعرّض له من أسلوب انتقاميّ من هند نفسها، حين راحت تمثّل بالجسد الطّاهر، وقد بلغ منها الحقد أن أكلت كبده متشفّية… فأنصفها التّاريخ، حين وصمها وسيظلّ يصمها بهند آكلة الأكباد.

وبعد انتهاء المعركة، جاء رسول الله يتفقّد أجساد الشّهداء واحداً واحداً، بكى كلّ الشّهداء، لكنّ بكاءه على حمزة كان طويلاً، فرثاه قائلاً: «يا عمّ رسول الله وأسد الله وأسد رسوله، يا فاعل الخيرات، يا كاشف الكربات، يا ذابّ يا مانع عن وجه رسول الله»، وأطلق النّداء حزناً عليه: «فلتبكِ البواكي على الحمزة».

هذا هو الحمزة الَّذي مرّت علينا ذكرى شهادته في الخامس عشر من شهر شوّال؛ هذا البطل الّذي أصابه كلّ ما أصابه لأنّه أخلص لله ولم يخف في الله أحداً، ولم يتوان عن نصرة دينه وإعزاز رسوله. وقدّم ما قدّم ليس بحكم القرابة.. أبداً.. فأبو لهب هو عمّ النبيّ أيضاً، وانظروا ماذا فعل هو وامرأته حمالة الحطب، كانا ممن كادوا لابن أخيه ولم يرفّ له جفن في ذلك.

قدوة في الوعي والعنفوان

في ذكرى استشهاد الحمزة أسد الله، الفارس البطل، نستحضر سيرته، وعندما نزور قبره وقبور الشّهداء في أُحُد، لا يُمكن أن نمرّ عليه مرور العابرين، بل علينا أن نقف قبالته لنستمدّ من وعيه وعياً، ومن عنفوانه عنفواناً، ومن إقدامه إقداماً، وأن نستمدّ من صفائه وطهره ونقائه، صفاءً وطهراً ونقاءً، ونتعلّم منه كيف نوازن بين القوّة والأخلاق.

فلنحرص، أيّها الأحبّة، عندما نزور قبر الحمزة في المدينة، أن نعاهد الله أن نبيع أنفسنا لله وله وحده، من أجل دينه، ومن أجل إعلاء كلمته، تماماً كما باع الحمزة نفسه لله ولله وحده.

في زمن التحدّيات هذا الّذي نعيش فيه، كم نحتاج إلى استحضار سيرة الرّساليّين، الجهاديّين المؤمنين، ومنهم الحمزة ومن معه من السّائرين بهدي رسول الله، مقابل سيرة الحاقدين، القساة والظلاميّين، متمثّلةً بهند ومن معها من المشركين. هذه الصّورة الّتي امتدّت وتواصلت فصولها مع الإمام عليّ(ع) ومع الإمام الحسن والإمام الحسين من بعده، ولا تزال الفصول تتوالى إلى يومنا هذا، ولا زلنا نستحضر نقاء الحمزة وحقد هند، آكلة الأكباد، في كلّ السّاحات.

أيّها الأحبَّة، إنّنا في ذكرى استشهاد الحمزة، نتوجَّه إليه بالسَّلام، وهو من أوصى رسول الله بزيارته، حتَّى قال(ص): «من زارني ولم يزر الحمزة فقد جفاني». ولذلك نقول: «السَّلام عليك يا أسد الله وأسد رسوله..أشهد أنّك قد جاهدت في الله، ونصحت رسول الله، وجدت بنفسكورغبت فيما وعدك به.. فجزاك الله عنّا وعن المسلمين خيراً كثيراً..والسّلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً..».

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التّقوى، الاقتداء بالصَّفوة الطيّبة الَّتي أخلصت لرسول الله(ص) وأحسنت صحبته، ومن هؤلاء أبو دجانة؛ هذا الصّحابيّ الّذي شهد معركة أُحُد؛ المعركة الّتي حصلت فيها انتكاسة للمسلمين، أدّت إلى فرار الكثيرين منهم، هرباً إلى دنياهم، وخوفاً من الموت.

ولكنَّ هذا الرّجل بقي ثابتاً مع قلّة من الصّحابة، فدفع عن رسول الله(ص) سيوف قريش ورماحهم وحجارتهم. يومها، أشفق عليه رسول الله(ص) وقال له: "يا أبا دجانة، إلحق بقومك وانجُ بنفسك، فأنت في حلٍّ من بيعتي". عندها، بكى هذا الصّحابي وقال: "لا والله، لا جعلت نفسي في حلٍّ من بيعتي لك، إنّي بايعتك ولن أتخلّى عنك، فإلى من أنصرف يا رسول الله؛ إلى زوجةٍ ستموت، أو ولدٍ لن يبقى، أو دارٍ تخرُب، أو مالٍ يفنى، أو دنيا ستزول، أو أجل يقترب؟ أبقى معك يا رسول الله حتّى أموت دونك، لأحظى بصحبتك في الدّنيا وفي الآخرة".

وبقي أبو دجانة يقاتل، وحوّل جسده إلى ترسٍ يقي به رسول الله(ص)، حتى أُثخن بجراح السّيوف والرّماح والحجارة، وما إن سقط على الأرض، حتّى حمله عليّ(ع)، وجاء به إلى رسول الله(ص)، فقال له: "يا رسول الله، أوفيت حقّك؟ فقال له رسول الله(ص): "نعم، أنت معي في الجنّة، كما كنت معي في الدّنيا".

أيّها الأحبَّة، بمثل هذا الثّبات وهذه التَّضحية وهذا السموّ، استطاع المسلمون أن يواجهوا التحدّيات، وأن يحقّقوا الانتصارات، وببقاء هذه الرّوح، نضمن أن نواجه التحدّيات الكثيرة الّتي نخشى حدوثها في كلِّ وقت، حيث لا تزال الفتن تعبث بأكثر من بلد عربيّ وإسلاميّ، فتأخذ تارةً طابعاً طائفيّاً، وتارةً أخرى طابعاً مذهبيّاً أو سياسيّاً. وقد بات واضحاً أنَّ صانعي الفتن ومؤجّجيها، يرغبون في استنزاف قدرات هذه الدّول، وإضعاف مواقع قوّتها، ومنعها من أن تلعب دورها في تنمية بلادها، وفرض حضورها في العالم.

ومع الأسف، نفتقد في كلِّ هذا العالم إلى وجود المصلحين والإطفائيّين والسّاعين إلى مدّ جسور الحوار والتّواصل، وتغليب لغة العقل والقيم والمبادئ والحكمة، حيث لا نجد حضوراً للجامعة العربيّة، ولا لمنظّمة التّعاون الإسلامي، ولا للعلماء الواعين، ولا للجهات المثقّفة والواعية والفاعليّات الحريصة على وأد الفتن.

سوريا تغرق في لعبة الدّم

وهذا ما نجده في العراق، حيث يستمرّ مسلسل التّفجيرات الوحشيَّة والاغتيالات والقتل، وهذا ما نشاهده أيضاً في السّاحة السوريّة، وإن بشكل أخطر وأكثر دمويَّة، حيث الحديث فيها هو حديث المجازر المتنقّلة بين مدنها وقراها، وهي لم تقف عند حدود ما حدث أخيراً في خان العسل وريف اللاذقيّة وضواحي دمشق، فالعديد من المجازر حصلت قبلها ونخشى من استمرارها، حيث باتت اللّغة الّتي تتحكَّم بهذا البلد، هي لغة تنفيس الأحقاد السياسيّة والطائفيّة والمذهبيّة، وردود الفعل القاتلة، وكلّ ما يتغذّى من صراع المحاور الدوليّة والإقليميّة، بعيداً عن لغة الحوار.

ومن هنا، نقول لكلِّ الَّذين يتحدَّثون عن معاناة إنسان هذا البلد، أن يخرجوا من لغة الاستغلال الإعلاميّ والسياسيّ الّتي يحرِّكها هذا أو ذاك لحساباته، حيث باتت الحقائق تضيع وسط ذلك، وأن يسعوا إلى اعتماد الوسائل الّتي تقي هذا البلد استمرار نزيف الدّم، وتعمل على إخراجه من لعبة المحاور الدّوليّة والإقليميّة الّتي تريده بؤرةً لتحقيق أهدافها في المنطقة، أو لتصفية حساباتها على أرضه.

ونحن أمام كلّ هذا الواقع، ندعو كلّ مكوّنات الشّعب السّوري إلى عدم الرّهان على المحاور الدّوليّة أو الإقليميّة، أو استقدام المزيد من المقاتلين والسّلاح، بقدر ما ينبغي أن يكون الرِّهان على كيفيَّة الوصول إلى حلٍّ يعيد وصل ما انقطع، ويخرج البلد من النّفق المظلم، وإلا ستبقى سوريا رهينة إرادة الكبار الّذين لا يفكّرون بقلوبهم ولا عقولهم، بل بمصالحهم، وقبل كلّ شيء بمصلحة الكيان الصّهيونيّ.

مصر في قبضة الانقسام

أمَّا مصر، فقد وقع فيها المحظور الّذي كنَّا نخشاه، والذي تمثّل بسقوط مئات الضّحايا وآلاف الجرحى، إضافةً إلى الاعتقالات، ما ساهم ويساهم في تعميق انقسام هذا البلد، وتوسعة الشّرخ بين أبنائه، الأمر الّذي يفسح في المجال للمصطادين بالماء العكِر أن يتحرّكوا فيه بحريّة.

ومن هنا، فإنَّنا نعيد التَّشديد على كلِّ مكوِّنات هذا الشَّعب، بموالاته ومعارضته، بضرورة العودة إلى لغة الحوار، بدل السّجالات والاتهامات والعنف، فالحوار هو الحلّ الأمثل لعلاج الأزمة المستعصية في هذا البلد، فالعنف لا يجلب إلا العنف، والدّم لا يستسقي إلا الدّم، والكلمة السيّئة لا تنتج إلا مثلها.

ونؤكّد على الّذين يتولّون إدارة الأمور، الابتعاد عن ممارسة سياسة العصا الغليظة، التي أكّدت كلّ التجارب السابقة، أنّها لن تحلّ المشاكل بقدر ما تزيدها تعقيداً، ولا سيّما عندما تأتي بقساوة مع البعض، وبرأفة ورحمة مع البعض الآخر، كما حصل مع أركان النظام السابق، رغم كلّ ما جناه هؤلاء على هذا البلد من إفقار شعبه، وإفقاده دوره الرّياديّ في المنطقة في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ.

لبنان: الهاجس الأمنيّ

أمّا لبنان، فقد أصبح رهين الهاجس الأمني، حيث بات هذا الهمّ اليوميّ هو الهاجس الدائم للمواطن، وهو وإن كان يتركّز على منطقة معيّنة، فإنّه بالطّبع ينعكس سلباً على كلّ المناطق الأخرى، حيث لا إمكانيّة لتجزئة الأمن في هذا البلد، فمن يعبث بأمن المنطقة هنا، سيسهّل الطّريق على من يريد العبث بأمن المناطق الأخرى.

ومن هنا، ندعو الجميع إلى الارتفاع إلى مستوى المسؤوليّة في الأحاديث والتّصريحات والمواقف، فالوقت لا ينبغي أن يكون وقت إثارة الحساسيّات أو الحرتقات، بل وقت العمل الجدّيّ من الجميع، كي لا يصبح هذا البلد على صورة محيطه، فيحصل فيه ما يحصل في العراق أو غيره، والنّتائج واضحة، وإن كنّا نقول هنا مع الفارق.

ومن هنا، ندعو، وانطلاقاً من خطورة المرحلة، إلى مزيدٍ من تراصّ الصّفوف وتوحيدها، وأن يكون جميع اللّبنانيّين خفراء على أمن أيِّ منطقة في لبنان، حتّى يمنعوا اللاعبين بأمن أيّ منطقةٍ من أن يجدوا حاضنةً لهم في مناطق أخرى تحت عنوان طائفيّ أو مذهبيّ أو سياسيّ أو غير ذلك، أو من خلال الخطابات المتشنِّجة، والمواقف الانفعاليَّة المرتجلة.

ومن هنا، نقول للّذين يتحدَّثون بلغة سلبيَّة عن إجراءات أمنيَّة يقوم بها مواطنون هنا وهناك، إنَّها إجراءات طارئة وعابرة اقتضتها ظروف يعرفها الجميع، ونحن مع أيّ بديل إن كان يضمن أمن اللّبنانيّين.

وفي هذا المجال، لا بدَّ من التّنويه بدور المؤسّسات الأمنيّة في كشفها لعدد من العمليّات السّابقة، ولكن يبقى العبء عليها كبيراً. وهنا، نركّز على دور المواطنين في أن يساعدوا الجهات الأمنيّة في أداء دورها، وأن يصبروا على إجراءاتها، ونحن في الوقت الّذي نؤكّد على مواطنينا وأهلنا الحذر، ندعو إلى عدم السّقوط في لعبة اليأس أو الإحباط وشلّ الحركة، كما ندعو أيضاً إلى عدم الاستجابة للشّائعات الكثيرة الّتي تنطلق بين وقت وآخر.

وفي هذا الإطار، وحفظاً للاستقرار الأمني والسّياسي، ندعو مجدّداً إلى الإسراع في تشكيل حكومة يتلاقى فيها الجميع، لدراسة كلّ السبُل الآيلة لوقاية البلد مما يُراد له أن يسقط فيه. وإذا كان أمر تشكيل هذه الحكومة متعذّراً، فإنّنا ندعو إلى لقاء وطنيّ موسّع، لدراسة الأسباب المانعة لتشكيلها ومعالجتها، إضافةً إلى معالجة المشاكل الاقتصاديّة والحياتيّة الّتي باتت تُثقِل كاهل المواطنين.

حمى الله لبنان واللّبنانيّين من شرّ كيد الدّاخل وكيد الخارج، ليعود بلداً آمناً، يعيش أبناؤه في رحاب الأمن والسّلام على كلّ المستويات.

 
 
 

Leave A Reply