الخوارج: كيف تعامل أمير المؤمنين(ع) معهم؟

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} صدق الله العظيم.

في مثل هذا اليوم وفي فجر التاسع عشر من هذا الشهر المبارك، نستعيد الفاجعة التي آلمت بالمسلمين جميعاً وهزت مشاعرهم وأبكت عيونهم بعدما أهوى أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم بسيف الحقد على رأس من باع نفسه لله ومن كان بالنسبة لهم الأب والمربي والإمام.. وهو ساجد في محراب صلاته لربه فأصابه في مقتل…

 

ما حدث هو مصاب كبير لحق بالأمة وبالنسبة لعلي(ع) كان الموقف وكما عبر هو عن ذلك وفي قمة الألم المعنوي والجسدي والجراحات التي أدمت جسده الشريف: "فزت ورب الكعبة"، وهو بذلك اختصر مسيرته رسالية في درب العروج إلى الله.. وها هو اليوم يصل إلى أقصى مداها…

 

وقبل أن يغادر الدنيا وفي لحظة إصرار على أداء المسؤولية، حرص الإمام على أن يوجه من ضمن وصاياه وصية تتعلق باغتياله تحديداً. وهذا ما يندر ما يحصل في مثل هذه المواقف.. فوقوع ذلك الحدث الجلل وبالصورة التي حصل فيها، كان يمكن أن تحكمه ردات فعل قاسية ناتجة عن مشاعر الحزن والانفعال والإحباط التي سيطرت على المسلمين في تلك اللحظات، وتدفعهم إلى الانتقام غير الواعي والجاهلي بعيداً عن منطق الإسلام الذي يرى أن العدالة لا تتجزأ.. كان هاجس الإمام تحقيق العدالة وعدم وقوع الظلم حتى الرمق الأخير وان كان الامر يمسه هو.. فطالب بن عبد المطلب ب"ألا يقتل إلا قاتله" وبعيداً عن منطق الثأر الجاهلي الأعمى ومن دون التنازل عن الأخلاق والقيم، فطالب بأن يحسنوا إلى قاتله ابن ملجم بأن يطعموه من طعامه ويشربوه من شرابه.. ويمهدوا له فراشه ويحسنوا إساره..

 

لقد أراد الإمام(ع) أن يبين أن لا شفاء غيظ ولا عصبية في الإسلام…

فسلام على أمير المؤمنين(ع) على هذه الروعة والاخلاق والسمو الانساني الذي قل نظيره في العالمين.

 

إن السؤال الذي يطرح في هذه المناسبة ما الذي دفع ابن ملجم إلى أن يقدم على من هو معروف عنده أوّل الناس إسلاماً وأكثرهم جهاداً وعلماً وعبادة وأخلاقاً وعدالة وموقعاً عند الله وعند رسوله.. إنه الحقد لكنه ليس أي حقد.. ابن ملجم هذا كان عبارة عن حقد أعمى تلطى بالعقيدة والمقدس.. وهنا خطورة الحقد عندما يكون كذلك.. وقد عبر عنه سيفه المسموم، أن يقدم على جريمته والإمام في الصلاة في المحراب وأثناء السجود وفي قمة الخشوع.. لا يمكن لإنسان أن يبرر لنفسه ارتكاب جريمة بحجم هذه الجريمة وبهذه الظروف لولا ان يكون لديه قلب قاس وعقل متحجر.. إن ابن ملجم هو ليس سوى نتاج الشخصية التي بتنا نراها في أمتنا وتعيش الويلات من جراء جرائمها وفعالها..

 

أنه نتاج هذا الفهم السطحي والحرفي والقشوري للدين الذي يصل حد السخافة والذي تنتجه ويتحول من رحمانيته وسماحته للعالمين إلى فعل لإجرام بحق الآخر المختلف.

 

هو من الخوارج كما هو معروف لديكم أول ما خرجوا على علي(ع).. وقد ظهر أول بروز لهذا المنطق في معركة صفين التي حصلت بين جيش علي(ع) وجيش معاوية.. وهم كانوا في جيش علي، في مواجهة جيش معاوية.. منطق وصلهم إلى أن اتهموا علياً(ع) بالكفر بحجة مقولة ابتدعوها أنه عليه السلام قبل بتحكيم الرجال ولم يحكم الله فهو بذلك قد كفر! أي منطق أكثر سطحية وأكثر صلافة ومحدودية من هذا المنطق وقد حاورهم أمير المؤمنين يومها لتفكيك هذا المنطق الساذج..

 

والقصة تعرفونها، وهي حصلت عندما أحس معاوية بأن الهزيمة قاب قوسين أو أدنى منه استشار عمرو بن العاص، وهو من جيشه ومعروف بالدهاء والمكر.. فأشار عليه أن يرفع المصاحف ويدعو للاحتكام للقرآن وهو يهدف من ذلك شق صف الإمام(ع) والاستفادة من هؤلاء السذج..

 

وفعلاً سارع هؤلاء إلى الطلب من الإمام الانسحاب من المعركة.. حاول الإمام(ع) أن يقنعهم بالهدف من ذلك وأنهم لا يريدون إلا النجاة لأنفسهم.. ولو أرادوا القرآن لأخذوا به عندما عرض عليهم الاحتكام إليه في بداية المعركة كما في كل قتال لعلي(ع).. مما اضطر الإمام(ع) أن يوقف القتال ويقبل بالتحكيم وكان التحكيم يقتضي أن يعين كل من علي(ع) ومعاوية من يمثلهما في المفاوضات، فعين معاوية عمرو بن  العاص وعين علي(ع) أبا موسى الأشعري.. هنا نقل هؤلاء المعركة في مواجهة علي(ع) لقبوله بالتحكيم الرجال فيما لا حكم إلا لله..

 

حاول الإمام(ع) أن يبين لهم أولاً أنهم هم من اضطروه إلى قبول التحكيم وهو كان يريد استمرار المعركة وعدم الرضوخ لمكيدة معاوية، ثم بين لهم ثانياً أنه إنما لم يحكّم الرجال على حساب الله أو في مقابله وإنما حكّمهم ليحكموا بما ما أنزل الله، وما الرجال إلا وسائل..

 

  كم عانى الأمام في ذلك الموقف (وهو القائل ملأتم قلبي قيحاً) فهو بكل ما وصل اليه من عقل وفكر يضطر ليشرح أمراً بديهيا يفهمه أي ذي منطق: فأن يكون الحكم لله هذا أمر مسلّم به ولكن آلية تحقيقه وتطبيقه هي بشرية…

 

لم تكن مشكلة علي مع هؤلاء لرأيهم أو لأنهم كفّروه وكفّروا أصحابه وكانوا ينظّروا تنظيرات ما انزل الله بها من سلطان، حتى وصلوا إلى تكفير كل من ارتكب كبيرة بحيث كان يكفي أن يغتاب الإنسان أو يكذب حتى يحكم بكفره وبناء على ذلك ارتداده وقتله.. فقد حاورهم مراراً وتكراراً بالحجة والبرهان.. وخلاصة موقفه تقول: انكم أحرار في ما اعتقدتموه.. وان لم تقتنعوا بالحجة والبرهان فذلك شأنكم والله يحكم بين عباده يوم القيامة.. كان الامام منصفاً في مواجهتهم، صبر عليهم، تجاوز عن الكثير من إساءاتهم.. فراحوا يعكرون عليه حتى صلاته.. لم يبادلهم بالمنطق نفسه، لم يكفرهم كما كفروه..

 

وعندما كان يسأل عنهم أكفار هم: كان(ع) يقول: "لا إنهم من الكفر فروا.. وعندما قيل له أمنافقون هم: قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. وهؤلاء يذكرون الله كثيراً في ليلهم ونهارهم.. وعندما قيل له: من هم؟ قال(ع): إخواننا بغوا علينا".

 

وقد قال لهم: "أن لكم علينا ثلاث أمور: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسمه ولا نمنعكم حقكم من بيت المال ولا نبدؤكم بقتال".

 

مشكلة علي(ع) مع هؤلاء حصلت عندما تحول رأي هؤلاء المخالفين إلى فعل إجرام وترهيب.. وعند الدماء قرر علي مقاتلتهم عن يقين… يقين لم تزعزعه سمات هؤلاء وتصنيفهم كزهاد وعباد (وقد كانوا يلقبون بأصحاب الجباه السوداء والشارين) أي الذين كان يقال عنهم (وفق الظاهر وبالمنطق الطقوسي) أن هؤلاء اشتروا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة..

 

وقد تحدث عنهم عبد الله بن عباس عندما أرسله الإمام(ع) إليهم ليناظرهم بعدما خرجوا عليه قال: دخلت على قوم لم أر قط أشدَّ اجتهاداً منهم، مسهمة وجوههم من السهر.. ووجوههم معلَّمة من آثار السجود..

 

ولكن علياً بالرغم من هذا السمات،لم يتحرج من قتالهم ومن التجييش لحربهم بعدما بدأوا يجرمون بحق عباد الله قتلا وتعطيلا للحدود فكانوا يقتلون الرجال والنساء بتهمة الكفر وحتى الأجنة وكان يبررون ذلك بالآية القرآنية {إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا}.

 

إن الإجرام من أي كان هو مرفوض ومدان حتى وإن ارتدى عباءة النسك والعبادة… إذا لم يكن قتال الإمام لهم لتصحيح أفكارهم ومفاهيمهم المشوهة هذا الأمر تصدى له كما ذكرنا بالحوار.. فالقتال في المنهج الإسلامي ليس لفرض الفكر بل لإيقاف العدو والبغي وحفظ النظام ومنع الإجرام باسم الدين..

 

أيّها الأحبة:

في ذكرى استشهاد علي وفي استذكارنا لألم الجحود الذي عاشه في حياته من أولئك وقفوا في وجههم من القاسطين والناكثين والمارقين حتى أضحى بعد رسول الله وحيد الحق حتى قال" ما ترك لي الحق من صديق"..

 

كم نجد تناظرا عجيباً ما بين زمانه وزماننا هذا الذي نعيشه اليوم… فهو الذي كان في آن واحد يواجه جبهات عدة: معاوية وماله وماكينته الإعلامية وشراؤه الذمم من ناحية وجبهة التكفيريين من ناحية أخرى ولا ننسى جبهة الخارج فعينه كانت على حدود الأمة حيث الأخطار الخارجية من الروم آنذاك.. وهذا هو واقعنا اليوم مع اختلاف المسميات فقط…

 

 اليوم نستذكر علياً بإيمانه، بيقينه، بإنسانيته، بحواريته، بصلابة جهاده وبصبره بثباته على المحجة البيضاء حتى الشهادة.. حتى يكون عنواناً لواقعنا.

 

رَحِمَكَ اللهُ يا أَبَا الْحَسَنِ كُنْتَ أَوَّلَ الْقَوْمِ إِسْلاماً وَأَخْلَصَهُمْ إِيْماناً وَأَشدَّهُم يَقِيناً وَأَخْوَفَهُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعْظَمَهُمْ عَناءً وَأَحْوَطَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَآمَنَهُمْ عَلَى أَصْحابِهِ وَأَفْضَلَهُمْ مَناقِبَ وَأَكْرَمَهُمْ سَوابِقَ.. فَجَزاكَ اللهُ عَنِ الإِسْلامِ وَعَنْ رسوله(ص) خيراً.. فَوَاللهِ لَنْ يُصابَ الْمُسْلِمُونَ بِمِثْلِكَ أَبَداً.. فَأَلْحَقَكَ اللهُ بِنَبِيّهِ.. فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ…

 نسأل الله دوماً أن نكون من الذين نهتدي سيرتك ونحظى بشرف لقائك ونيل شفاعتك يوم الشفاعة الكبرى..

والحمد لله رب العالمين…

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين، عندما قال لولديه الحسن والحسين، ومن خلالهما لكل المؤمنين: "أوصيكم بتقوى الله، ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدكما رسول الله(ص) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصّلاة والصّيام.. وإنّ البغضة حالقة الدّين، ولا قوّة إلا بالله، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم، يهوّن الله عليكم الحساب..

 

الله الله في الأيتام، لا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فإني سمعت رسول الله(ص) يقول: من عال يتيماً حتى يستغني، أوجب الله له الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار.. والله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به غيركم، والله الله في جيرانكم، فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصينا بهم حتّى ظننّا أنّه سيورثهم..

 

والله الله في بيت ربّكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنّه إن ترك لم تناظروا، وأدنى ما يرجع به مَنْ أمَّه أن يغفر له ما سلف من ذنبه.. والله الله في الصّلاة، فإنّها خير العمل، وإنها عمود دينكم.. والله الله في الزكاة، فإنّها تطفئ غضب ربكم، والله الله في صيام شهر رمضان، فإنّ صيامه جنّة من النار.. والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم.. والله الله في الفقراء والمساكين، فأشركوهم في معايشكم…".

 

ثم قال(ع): "قولوا للناس حسناً، كما أمركم الله عز وجل، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيولي الله الأمر شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم، وعليكم بالتواصل والتباذل والتبارّ، وإياكم والتّقاطع والتّدابر والتفرّق، وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

 

أيّها الأحبّة، لا يَكْتفي عليّ(ع) منا بمشاعرنا وحبّنا، فهو يريدنا أن نكون على صورته، أن نعبّر عنه في منطقنا ومواقفنا وحضورنا في كلّ ساحات الحقّ والعدل والحرية، فبذلك نخلص لعليّ، ونتابع مسيرته، ونواجه التّحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الّذي يعاني التّآكل والاهتراء على كل المستويات، والّذي طاول المؤسّسة الوحيدة المتبقّية من مؤسّسات الدّولة، وهي مجلس الوزراء، بعد أن أعلن رئيسه، وبكل وضوح، أنَّ حكومته فاشلة وعاجزة، كما أنّ هيئة الحوار الوطنيّ الّتي تمثّل القوى الأساسيّة في هذا البلد، والتي ينتظر منها اللبنانيون أن تكون صمّام أمان لهم، أو مكاناً تُحلّ فيه المشاكل، فإنّها تحوّلت إلى منصّة ليعبّر كلٌ عن رأيه في القضايا المطروحة من دون أن يتقدّم خطوةً باتجاه الآخرين.. ليبقى بعدها الجدل مستمراً حول كلّ شيء، من دون إيجاد حلول للقضايا الكبيرة الّتي تمسّ مصير الوطن، وخصوصاً قضية النّفط الغارقة في بحر الأسرار والخفايا والتّساؤلات، فلماذا لا يتحرّك هذا الملفّ في ظلّ الوضع الاقتصاديّ الصّعب، فيما يتحرّك عند الآخرين بقوّة وفعاليّة؟

 

لقد بات واضحاً أن الحلول لن تأتي ما دام هناك من ينتظر مجريات المنطقة وما سينتج منها، أو ما دام كل فريق يفكّر في حجم طائفته ومذهبه وموقعه السّياسيّ، لا في حجم الوطن، وما دامت الثّقة مفقودة بين الأطراف المحلّيين، فضلاً عن رعاتهم الإقليميّين والدّوليّين، فكيف إن كانت العلاقة علاقة تدمير متبادل وإسقاط مواقع؟! ويبقى على اللبنانيّين أن يقلعوا أشواكهم بأظافرهم لتأمين متطلّبات حياتهم من الحاجات والخدمات الأساسية، وخصوصاً خدمتي الماء والكهرباء المفقودتين، وهم لا ينتظرون من دولتهم الكثير.

 

في هذه المرحلة، يبقى الهاجس الأمنيّ ماثلاً أمام أعين اللبنانيين، حيث الحديث عن تفجيرات تهزّ الاستقرار الأمنيّ وتربك البلد، ونحن نشكر كلّ القوى الأمنية والشعبية السّاهرة واليقظة، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية، ونقدّر لها عملها.

في الوقت نفسه، تستمرّ معاناة العديد من القرى والمدن جراء تداعيات الانتخابات البلدية. وقد وصل الأمر في بعض البلدات إلى حد حصول أحداث مؤسفة، مثل القتل وحرق المنازل، ما يستدعي وعياً من قبل الجميع، بأن يعتادوا تقبل النتائج كما هي، بروح المسؤولية، وأن يتعاون الجميع من أجل النهوض ببلداتهم وقراهم، في الوقت الّذي تتحمّل الجهات السياسيّة والدينيّة والعقلاء الدّور لتهيئة المناخات السياسيّة والاجتماعيّة لمعالجة الأمور، سواء حصلت هذه الإشكالات داخل العائلة الواحدة أو بين العائلات وداخل القرى، لإعادة اللحمة بين الجميع، وإزالة الهواجس والتّوتّرات الّتي حصلت نتيجة الانتخابات.

 

إنّ المسؤوليّة تقع على عاتق الجميع في العمل لتحصين البلد، ليكون قادراً على مواجهة الرياح العاتية الّتي قد تهب في الداخل أو تأتي من الخارج.. حيث تشتدّ هذه العواصف الّتي لا يبدو أنها ستخبو سريعاً، فالمنطقة العربيّة والإسلاميّة، سواء في سوريا أو العراق أو البحرين أو اليمن، لا يبدو أنها ستشهد انفراجات قريبة، بل إنّها آيلة إلى مزيد من التّعقيد.

 

العراق

ونتوقَّف عند العراق، لنهنِّئ العراقيين على بسط الدولة سلطتها على مناطق جديدة، كما حدث في الفلوجة، وإخراج أهلها من تحت سلطة الإرهاب، الّذي كان وسيبقى مشكلة للعراقيين جميعاً إن لم تستأصل جذوره.

وهنا نقدّر ما حصل من لحمة وطنية بين مختلف مكونات الشعب العراقي وجيشه، والتي تعمَّدت بالدم، ونحن نأمل أن تشكل الأساس لبناء العراق الجديد الذي نريده موحداً ومتعاوناً، بعيداً عن الهواجس والمصالح الفئويّة والطائفيّة والقوميّة..

 

ومن هنا، فإنّنا نحذر مجدداً من أبواق الفتنة، والذين يسعون للاصطياد بالماء العكر، ممن لا يريدون لهذا المشهد الوطني الوحدوي الجامع أن يكون عنوان العراق، وأن يقدم أنموذجاً بديلاً من كل أجواء التوتر الطائفي والمذهبي الذي يعتاش عليها البعض..

 

البحرين

ونصل إلى البحرين، لنستنكر نزع الجنسية عن سماحة الشيخ عيسى قاسم، فلا أذى أو خطر يوازي نزع أحد أبعاد الإنسانية عن الإنسان، والعمل على التشكيك في وطنيّته، التي هي جزء من وجوده، والتي عاشها في كل تاريخه وحاضره..

وهنا، ندعو إلى إعادة النظر في هذا القرار، حرصاً على هذا البلد الّذي نريده أن يبقى في الإطار الذي يعزّز التعايش والتلاقي بين أبنائه، رغم اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.

لقد بات واضحاً أنّ السّبيل لتحقيق استقرار الشعوب والبلدان، لا يكون بالعنف أو بشعور طائفة أو دين أو مذهب أو قومية بالغبن، بل بالحوار الّذي يؤدّي إلى بناء الوطن الّذي يُشعر الجميع بالرضا والاطمئنان.

إننا نريد لكلِّ من هم في مواقع المسؤوليّة، أن ينتبهوا إلى الآثار والنتائج المدمّرة التي يولدها الشعور بالظلم على أكثر من صعيد.. فالمسؤول الواعي والحاكم المسؤول هو الّذي لا يلدغ من جحر وقع فيه الآخرون، بل يستفيد منه لكي يجنّب نفسه أو شعبه ما لدغ فيه غيره.

 

تهنئة الطلاب

وأخيراً، لا بدَّ من تهنئة الطلاب الَّذين أنهوا بنجاح المرحلة المتوسطة في مسيرتهم نحو القيمة الَّتي هي السّبيل الوحيد لبناء المجتمع ورُقيِّه، فإذا لم يسعفنا الحاضر، ولم نحقّق فيه الطموحات والأحلام، فلنسعَ إلى بناء الجيل الواعي، ولنعزّز حضور العلم عنده، وهذه مسؤوليّة الأهل والمجتمع والدولة.

 

Leave A Reply