الدّعاء مدرسة تربط الإنسان بالله والحياة

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

الخطبة الأولى

 

بسم الله الرحمن الرحيم

{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}

 

  الدعاء حاجة فطرية عند الإنسان، فرداً وجماعة، فهو الحبل المدود بين الانسان وخالقه الذي يستند إليه، إن هو انقطع فسيشعر الإنسان لضعفه بأنه مستفرد أمام ضغوط الحياة وتحدياتها. هو جزء من الحياة، ومن دورتها،وقد منّ الله على عباده أن فتح لهم هذا الباب فهم قادرون على أن يدعوه.  ندعو الله عز وجل في الليل أو النهار، وفي أي ساعة نريد، ولا نحتاج إلى مقدمات أو تمهيد. يكفي أن ترفع يديك وتنصب وجهك ثم تفتح الخط مع المولى تعالى.. هو هذا الحبل الممدود بين الله وعباده والذي لا ينقطع ابدا. ولذلك نقرأ في الدعاء: "الحمد لله الذي أناديه كلما شئت لحاجتي وأخلو به حيث شئت لسري بغير شفيع فيقضي لي حاجتي".

والدعاء دائماً له هدف وغاية، ولا فرق بين حاجة صغيرة تطلبها، وترجو أن يحققها الله لك أو حاجة كبيرة. عندما ترفع يديك وتدعو أو تتضرع، أو تبتهل وتتوسل، جهراً أو سرّاً، ففي كل الحالات أنت تدق باب الله، تفتح معه خطاً، تفتح معه حديثاً، وتخاطبه بصرف النظر عما جئت تطلب.

إن الله لم يضع شروطاً مسبقة ومواصفات محددة، أو دفتر شروط للدعاء. فالباب مفتوح، ومتاح للجميع أن يدعوا. فالمنافق بإمكانه أن يدعو كما يفعل المؤمن، والحريص أو البخيل يسأل الله كما يسأله الفقير والمسكين، وقد يطمع من هو على باطل في زيادة منافعه، فيُدلي بدلوه في مواسم الدعاء.

 

وحتى على صعيد اللغة والموقف فلا ضرورة أن يكون الدعاء بالفصحى أو فيه بلاغة وسجع او شعر. لقد فتح الله باب الدعاء لنا من دون تكلفات قد نحسبها عندما نخاطب بعضنا البعض أو عندما نطلب حاجة من أحدهم.. يمكنك أن تدعو سراً أو جهرا، في الصلاة أو في السيارة، وبكل ما يخطر في بال أحد.

 

في شهر رمضان يطيب الدعاء ويكثر، فقد ورد في تراثنا أدعية نهارية وأخرى لليل، كالإفتتاح والسحر وأدعية ليلة القدر وإلى ما هنالك. وهذا كله مما نسأل الله أن يتقبله من المؤمنين والمؤمنات. ولكن، ما نريد أن نلفت إليه أن دائرة الدعاء ومخاطبة الباري أوسع مما ورد من الأدعية في مفاتيح الجنان أو الصحيفة السجادية، مع اعتزازنا بما ورد فيها من أدعية تشكل زادا معرفيا راقيا، إضافة إلى الزاد الروحي المنقول عن رسول الله والأئمة، لأن العلاقة والتخاطب والمناجاة بين المخلوق وخالقه لا تحد بحدود، هي بعدد أنفاس الخلائق. ونحن في هذا الإطار عندما نقرأ هذه الأدعية علينا أن لا نحولها إلى مجرّد قراءة ميكانيكية، بحيث نقرأها كما نقرأ أي نص، بل يجب ان نعيشها..أن تلحّ بها القلوب.. أن نطعمها بما نريد أن نضعه بين يدي الله .

 

 وفي موضوع استجابة الدعاء نرى ان بعض الناس  يتعقدون نظرا إلى أنهم يدعون ويدعون ولكن لا يجدون سؤلهم، وقد يدعوهم ذلك إلى الاحباط وحتى لعدم الثقة بالنفس وهذه نقطة جديرة بالطرح.. فصحيح أنه لا آلية محددة في مخاطبة الله ولا دفتر شروط لشكل الدعاء ولغته وتوقيته ومناسبته، ولكن الشرط الوحيد هو في النية والقصد، فتأشيرة دخول أي دعاء ملكوت الله هي النيّة. ومن هنا ورد في خطبة الرسول(ص):"فاسألوا ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة" وعلى من يريد أن يُستجاب دعاؤه ان يعي عدة أمور تساهم في تحقيق هدف الدعاء (وهذا ليس وصفة جاهزة لكنها محاولة للوصول الى جوهر الدعاء)

 

من هذه الامور التي يجب ان تدخل في قصد الانسان:

• أن يدعو الانسان ربه وهو موقن بالإجابة، فلا يسأل الله أن يُيسّر له فرصة عمل، وفي نفس الوقت قلبه يرى أن هذه الفرصة مربوطة بقرار من فلان من الناس, متناسيا أن الله فوق ذلك كله وانه هو من يهيء الأسباب التي نعلمها والتي لا نعلمها ولا نحتسبها. من هنا على المرء أن يصفي نيته  وسريرته بينه وبين نفسه وليس بالضرورة أن يذكر هذا في ما يتلفظ به، بل عليه أن يوقن أن الله هو المنتهى وهو من بيده الأمر وهو على كل شيء قدير. وورد في الحديث «اذا دعوت فأقبل وظن أن حاجتك بالباب»

 

• أن يدرك الداعي ويقتنع بأن الله وكما أنه لا يعاجل الناس بالعقوبة لحكمة منه، فهو قد لا يعاجلهم بالعطاء والنعمة لحكمة أيضا وهذا التأخير قد يكون امتحانا «وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاُمُور…» وهنا ورد في الحديث عن علي(ع): « لا يُقنِّطنّك إبطاءُ إجابته، فإنّ العطيّة على قَدْر النيّة، وربّما أُخِّرَت عنك الإجابة ليكون ذلك أعظمَ لأجر السائل، وأجزلَ لعطاء الآمِل، وربّما سألتَ الشيء فلم تُؤتاه وأُوتيتَ خيراً منه عاجلاً أو آجلاً، أو صُرِف عنك لِما هو خيرٌ لك، فَلَرُبّ أمرٍ قد طَلَبتَه وفيه هلاكُ دِينِك لو أُوتيتَه ! »

• أن لا يكون ممن يشكلون مشكلة لغيرهم أو مجتمعهم ثم يأتي ليدعو ويسأل الرزق من ربه: فأصلح ما بينك وبين الناس ليصلح الله بينه وبينك ويفتح لك الطريق والدرب الموصلة الى رحمته واستجابته، لهذا كان في الدعاء ايضا «اَللّـهُمَّ اغْفِرْ لي الذُّنُوبَ الَّتي تَحْبِسُ الدُّعاءَ» فقد ورد في الحديث " « لَتأمُرُنّ بالمعروف ولَتنْهُنَّ عن المنكر، أو لَيُسلِّطنّ اللهُ شرارَكم على خياركم، فيدعو خيارُكم فلا يُستجاب لهم» فالحل بيدك حتى لا تصبح اعمالك سدّاً بينك وبين الله.

                                                                   

• أن يعرف الداعي الله حق معرفته معرفة عميقة وليس معرفة سطحية او شكلية، لا يمكن أن تكون عابداً لله إلاّ إذا كنت تعرفه ولا عبادة من دون معرفة، والدعاء باب من أبواب تساهم في زيادة  معرفة الله، والتخلق بأخلاقه. وهذا هو الزاد الذي نجده في الأدعية الواردة. وقد ورد في حديث عن الامام الصادق وقد سأله قوم: ندعو فلا يستجاب لنا، فقال: «لأنكم تدعون من لا تعرفون»

 

 

   وويبقى أن نشير إن الدعاء هو عبادة خالصة لله لكونه تعبير عن الخضوع لعبوديته، لذلك دعانا إلى أن نسأله ونلجأ إليه سبحانه في الشدة والرخاء، في الخوف والأمن، وفي العسر واليسر، ففي حديث قدسي يقول رسول الله(ص): عبدي تعرّف إليّ في الرخاء أعرفك في الشدّة. ولا ينبغي لأحد أن يتوهّم أنّ الدعاء معناه أن تطلب من الله سبحانه حاجة دنيوية تعسّر الحصول عليها، أو يطلب الإنسان من الله أن يساعده في الخروج من ضيق، أو عسرة هو فيها. هذا تصور يمسخ مفهوم الدعاء… يحجمه. الدعاء عبادة.. علاقة.. مناجاة والعبد لا يتوجّه إلى الله بوصفه سبحانه مكتب خدمات. جوهر الدعاء أنه عبادة كباقي العبادات بل هو مخ العبادة كما ورد في الحديث، لكن من دون طقوس ولا مواقيت. ولذلك تجد القرآن الكريم يقول :"وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ".

 

أيها الاحبة:

 يقول الرسول(ص): «إن أعجز الناس من عجز عن الدعاء» الدعاء سلاح، فما المانع من أن نجعل منه سلاحاً تربوياً لإعادة صياغة علاقاتنا، وسلاحاً يواكب رحلتنا اليومية.

 اننا نعيش مرحلة من سماتها انتشار ظاهرة القلق، والإحباط، واليأس، والقنوط من أي تغيير ينقلنا إلى الأحسن، على أكثر من صعيد، خصوصاً على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي. اننا بالدعاء الصادق نستطيع استعادة تحقق الإطمئنان والخروج من ظاهرة الإحباط والقلق. على مستوى افراد وجماعات.

 

 والملاحظ ان معظم الأدعية في القرآن الكريم جاءت بصيغة الجمع، وهكذا الأدعية الأخرى الواردة عن رسول الله (ص). وتدبّر هذه الآيات دعوة صريحة لجعل هذا النوع من الدعاء سلوكاً عاماً بين المسلمين، والنتيجة واضحة وبيّنة ومعروفة: الدعاء يتحول إلى وسيلة لشدّ العرى داخل المجتمع الإسلامي باعتباره مجتمع تكافل وتعاون، وتحابب. يدعو بعضهم للعبض الآخر، لآلامه ومعاناته، كما نقرأ في الدعاء:"اللهمَّ أدخل على أهل القبور السرور ، اللهم أغنِ كل فقير ، اللهم أشبع كل جائع ، اللهم اكسُ كل عريان ، اللهم اقضِ دين كل مدين ، اللهم فرِّج عن كل مكروب ، اللهم رُدَّ كل غريب ، اللهم فك كل أسير ، اللهم أصلح كل فاسد من أمور المسلمين ، اللهم اشفِ كل مريض ، اللهم سُدَّ فقرنا بغناك ، اللهم غيِّر سوء حالنا بحسن حالك ، اللهم اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر إنَّك على كل شيء قدير "

"

 

حين تزاوج في دعائك بين هموم الدنيا من حولك وهموم مجتمعك وهموم آخرتك، فهذا يعني أن بوصلتك لم تنحرف، فهدفك وجه الله، ولا وجه غيره، لأنك لا يمكن أن تكون مع إله إلا وتعيش الآم الناس.

نعم، في ساحة الدعاء نمارس عبوديتنا بحرية كاملة، وباختيار واع. تدفع بروحك وصوتك في معارج ملكوت الله، فتصبح جزءاً من منظومة كونية تُسبّح الخالق وتمجّده. "الحَمْدُ للهِ الَّذِي أَدْعُوُهُ فَيُجِيبُنِي وَإِنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِينَ يَدْعُونِي، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي أَسْأَلُهُ فَيُعْطِينِي وَإِنْ كُنْتُ بَخِيلاً حِينَ يَسْتَقْرِضُنِي، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي أُنادِيهِ كُلَّما شِئْتُ لِحاجَتِي وأَخْلُو بِهِ حَيْثُ شِئْتُ لِسرِّي بِغَيْرِ شَفِيعٍ فَيَقْضِي لِي حاجَتِي الحَمْدُ للهِ الَّذِي لا أَدْعُو غَيْرَهُ وَلَوْ دَعَوْتُ غَيْرَهُ لَمْ يَسْتَجِبْ لِي دُعائِي، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي لا أَرْجو غَيْرَهُ وَلَوْ رَجَوْتُ غَيْرَهُ لأخْلَفَ رَجائِي، وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي وَكَلَنِي إِلَيْهِ فَأَكْرَمَنِي وَلَمْ يَكِلْنِي إِلى النّاسِ فَيُهِينُونِي" .

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله في شهر التقوى والغفران؛ شهر العتق من النار والفوز بالجنة. وحتى نبلغ التقوى، لا بدَّ من أن نستهدي بالذين قدّموا للإسلام الكثير في مراحله الأولى، حيث عزّ النّاصر وقلّ المُعين، وبذلوا لأجله التَّضحيات، وواجهوا التَّحدّيات، فكانوا من السّابقين إليه؛ {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}. ومن هؤلاء، أبو طالب عمّ رسول الله(ص) وكافله، الَّذي مرّت علينا ذكرى وفاته في شهر رمضان.

 

هذا الرجل الَّذي كفِل رسول الله بعد موت جدّه عبد المطلب، فأحسن الكفالة، وهو الذي لم يترك رسول الله(ص) بعدما صدع بالحقّ، بل واكب حركته، فكان الحامي والمدافع عنه وعن رسالته، لموقعه عند قريش، ولما له من حظوة عندهم.

وهنا نستذكر موقفه عندما حاصرت قريش شعب أبي طالب، للضَّغط على رسول الله للتراجع عن رسالته. يومها، وقف أبو طالب مع رسول الله والمسلمين في هذا الحصار مع بني هاشم، وتحمَّل معهم كل نتائجه الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة. ومن موقعه، كان يقوم بحماية الرسول(ص) بنفسه، وبعد مرور شطري الليل، كان يطلب منه أن ينام في فراش ولده علي، حتى إذا أرادت قريش اغتياله، لا تصيبه بأذى، بل يفدي به ولده علياً(ع).

ولم يتوانَ عن احتضانه ودعمه شعراً ونثراً وموقفاً وعملاً، ويكفيه أنه أودع علياً عنده لتربيته، لذا، وقف رسول الله يوم وفاته يؤبّنه: "وصلت رحماً وجزيت خيراً يا عم، فلقد ربيت وكفلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً، ثم أقبل على الناس، وقال: أما والله، لأشفعن لعمي شفاعة يعجب منها أهل الثقلين".

لقد وضع أبو طالب كلّ جاهه وموقعه، وكلّ ما عنده، في سبيل خدمة الإسلام وحماية هذا الدين، ولم يجعله مجداً شخصياً، وقد مثّل نموذجاً رسالياً نقتدي به لمواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث يستمرّ هذا البلد في حالة التجاذب بين الأفرقاء السياسيين، والذي لم يقف عند حدود ما أصابه من الفراغ الرئاسيّ والشلل النيابيّ، بل أدّى إلى تجميد جلسات مجلس الوزراء إلى أجلٍ نأمل أن لا يكون طويلاً، ما يترك الكثير من التداعيات على هذا البلد، ولا سيما في هذه المرحلة التي تضج بالمتغيرات، والتي لا بدَّ من أن تترك آثارها في مختلف الصعد، ومنها الصعيد الاقتصاديّ.

ومن هنا، تأتي الصَّرخة التي أطلقتها الهيئات والفعاليات الاقتصادية بضرورة الإسراع في معالجة الواقع السياسي، للحؤول دون الانهيار الذي يتهدَّد البلد على هذا الصَّعيد.

 

إننا ندعو مجدداً، وانطلاقاً من الحرص على تثبيت البلد وتقويته، إلى توفير كلّ الظّروف الّتي تساهم في تحريك العجلة السياسية، والمباشرة بمعالجة الملفات العالقة، لأنّ الجسم المترهّل اقتصادياً وسياسياً، لا يمكنه مواجهة الظروف الصعبة والتداعيات التي تحصل من حولنا.

وفي هذا الوقت، مرّ البلد بقطوع أظهر هشاشة الوضع الداخلي، من خلال عرض الفيلم الذي يشير إلى تعذيب بعض المساجين. وانطلاقاً من قيمنا وديننا وإنسانيتنا، فإننا ندين بشدّة الإساءة إلى أي سجين، وفي أي مكان، بعيداً عن هويته الدينية أو المذهبية، وبعيداً عن مدى الجرم الذي ارتكبه، والأهداف التي توخاها المسرِّبون لهذا الفيلم، ونشدّد على كل القيادات الدينيَّة والسياسيَّة إبعاد الشارع عن أي صراع أو تجاذب داخلي، لكون النزول إلى الشارع في هذه المرحلة، سيجعل البلد في مهبّ رياح المصطادين في الماء العكِر، في وقت نحن أحوج ما نكون إلى من يعقلِن الشارع، ويخرجه من توتّره، ويحميه من عبث العابثين.

ونعيد التّأكيد على كلّ القيادات ضرورة الخروج من الخطاب التوتيري والكلام المثير للأحقاد، وعدم إطلاق الاتهامات الجاهزة وإلقاء التهم جزافاً، في مرحلة تضجّ فيها الأرض بالعصبيات والحساسيات والتوترات الطائفية، ففعل الكلمة في هذه المرحلة قد يكون أشدّ من فعل السلاح، وهنا نستحضر بيت الشعر:

جراحات السِنان لها التئام              ولا يلتام ما جرح اللسان

 

ونحن هنا، نثمّن كلّ التحركات والمواقف التي سارعت إلى احتواء هذا التوتّر وأخرجته من الشارع، ليعالج، كما ينبغي، عبر القضاء والجهات المختصة، وبعيداً عن أجواء التوتر الحاد. وعلينا الاستفادة مما جرى لتعطيل القنبلة الموقوتة دائماً، وهي ما يسمى مسألة السجناء الإسلاميين، ومعالجتها، وإنهاء هذا الملف وموضوع السجون كلّها، هذه السجون التي ينبغي أن تكون أوضاعها متناسبةً مع الشروط الإنسانيَّة المطلوبة في لبنان؛ بلد القيم والإنسان.

 

سوريا

وإلى سوريا، حيث تتسارع التطوّرات العسكرية الأخيرة، والتي راح يدرجها البعض في سياق إنهاء هذه الحرب لحساب فريق على آخر. إننا أمام ما يجري، نعيد تأكيد عدم التسرّع في الرهان على ذلك، في ظل استمرار التعقيدات الداخلية والخارجية المعيقة، حيث يبقى الصراع في هذا البلد في دائرة الاستنزاف المستمر لكل مواقع الصراع فيه، فلا يزال القرار الآن عدم حسم الأمور فيه، وإبقاءها في إطار توازن القوى، إلى أن تستوي الطبخة الإقليمية والدولية للمنطقة.

 

وفي هذا المجال، لا بدَّ من التنبّه من سعي العدو الصهيوني لإحداث اختراقات في النسيج الاجتماعي السوري، تارة من خلال التطبيع مع كيانات فاعلة من المعارضة ودعمها، وطوراً من خلال عرض الحماية على هذه الطائفة أو تلك، للانسجام مع تطورات اقتراب تفكك الدولة وسقوط النظام، كما يشاع.

إننا نريد للسوريين جميعاً الحذر من الوقوع في الفخ الصهيوني، الذي خبرنا جيداً المضاعفات المدمّرة لدوره في تغذية الصراعات الطائفية، والتي عايشناها مع هذا العدوّ في الحرب الأهلية، وبعد احتلاله للبنان.

 

فلسطين

وعلى الصّعيد الفلسطينيّ، لا بدَّ من الإشارة إلى أهميّة الدَّعوى الأولى التي قامت برفعها السّلطة الفلسطينية ضد جرائم الكيان الصهيوني المستمرة في غزّة والضفة الغربية، وإن كانت هذه الدّعوى قد لا تترك أثراً كبيراً في هذا الكيان، وقد لا تحقق النتائج المنشودة، في ظل الحصانة التي تؤمّنها له الدول الغربية، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، لكنها خطوة تساهم في فضح هذا الكيان ومشاريعه، وتزيد من عزلته.

 

التضامن مع الأسرى

وأخيراً، علينا في هذا الشهر الكريم، الذي هو شهر تذكُّر كل الذين يعانون ويتألمون، أن نستذكر كل أسرانا، ولا سيما الأسرى الموجودون في سجون العدو الصهيوني، الذين يتعرضون لأبشع أنواع الضغوط وعمليات التعذيب النفسي والجسدي، لنتضامن مع هؤلاء جميعاً، ولنعمل على تحريك قضيتهم على المستويات الشعبية والإعلامية، وفي كل المنتديات العالمية. ومن بين هؤلاء، الأسير الشيخ عدنان خضر، الَّذي مضى أكثر من خمسين يوماً على إضرابه عن الطعام. نسأل الله أن يفكّ أسر كلّ أسير، ويفرِّج عن كل مكروب.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 9رمضان 1436هـ  الموافق : 26حزيران 2015م

 

 

 

 

Leave A Reply