الزمن ومسؤولية الإنسان

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}

من الميزات التي ساهمت وتساهم بجعل الإنسان إنساناً..  هو احساسه بالزمن وبظاهرة مرور الوقت وإدراك وجوده، فمن العبث التحدث عن حياة إنسانية وتخطيط وعمران وتطور من دون هذا الاحساس.

والزمن مفهوم نكتشفه من حركة الحياة مما نراه من تعاقب الليل والنهار، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}   

والزمن نكتشفه أيضاً من المراحل التي يمر بها كل كائن حي، ولادة ثم شباب ثم كهولة فشيخوخة ثم موت.

ولأن الموت والحياة هما طرفا العمر المتاح ومقدار رصيد الإنسان من السنوات والأيام، فإن موقف الانسان من الحياة ونظرته إليها، هما العنصران اللذان يحددان كيف سينفق هذا الرصيد وهذا الرأسمال المودع لديه، والمكتوب له في علم الله.

 

صحيح أن كلمة الزمن أو زمان لم ترد في القرآن الكريم لكنها جاءت في صيغ تدل عليها وقد أقسم الله سبحانه ببعضها تأكيداً لأهمية الزمن، ولما يريده أن يكون مهماً عند عباده.. فهو أقسم بالفجر والضحى والعصر فقال: {وَالْفَجْرِ*وَلَيَالٍ عَشْرٍ}. وقال: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}..

هذا وقد ميّز القرآن بين زمانين زمن مخصص للحياة الدنيا وزمن مخصص لعالم الغيب. زمن الدنيا هذا نقيسه ونعده، فيومه مقداره أربع وعشرون ساعة . وأين منه ذلك اليوم الغيبي الذي يحدثنا عنه القرآن الكريم: {وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ}(الحج:47).

إن زمن الدنيا الذي سخره الله لنا ليكون وعاء أعمارنا، لم يعطه لنا عبثاً. والرصيد مقرر سلفاً. وغير قابل للتجديد لأنه يُعطى كمرة واحدة فقط : {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا..}

والله سبحانه وتعالى كان واضحاً عندما حدد كيفية التصرف بهذا العمر عندما قال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}.. الأحسن عقلاً، الأحسن سلوكاً، الأحسن أداء في معايير الله، هو من يسخر زمن الدنيا لحساب الزمن الأساس الذي هو الآخرة.. فالدنيا في المفهوم الإسلامي لا تنفصل عن الآخرة، بل هي تحدد مصيرها.. والعلاقة بينهما كالعلاقة بين حراثة الأرض والإعداد لموسم الحصاد، فالدنيا هي مزرعة الآخرة.

 

والعمر هو فرصة العمل الوحيدة المتاحة لك فخسارة المال تعوّض أما العمر فمن أين يمكن أن تستلف أوتستدين؟

 ومع ذلك كثيراً ما نسمع البعض يقولون عندما يُطالبون بحمل مسؤولياتهم : (بكير شو صاير بعد في وقت أو العمر أمامنا ولاحقين حتى نؤدي ما علينا من مسؤوليات).. ولكن الزمن لا ينتظر  يمرّ مرّ السحاب. مما يجعل الانسان يتفاجأ بعمره كيف مر من دون أن يشعر..  أليس هذا ما كلنا نختبره.. يقول الواحد بالامس كنا نلعب ها هنا بعدها لعب أولادنا واليوم أحفادنا. والمشكلة فينا أننا ندرك هذا بعد فوات الاوان في حين يجب أن يتم مبكرا ومن خلال التربية على إدراك مفهوم الزمن والحرص عليه وكيف ومن يملأه لك.. 

إن عدم الشعور بالزمن ايها الاحبة ومع وجود هذه الذهنية المبتلاة بأمراض التسويف وطول الأمل هي التي تفسر تراجعنا في الكثير من ميادين الحياة. إن الانتاج والتنمية وإعمار الارض له علاقة مباشرة في كيفية التعاطي مع الزمن والوقت والعمر .

وما يميز التشريع في الاسلام والديانات الالهية عن القوانين الوضعية أنه يحرص على توجيه الإنسان لاحترام الوقت والتعامل معه بكل مسؤولية لما فيه صلاحه وما يرفع من مستواه  في الدنيا والآخرة .. فكما أنت مسؤول عن مالك أمام الله تعالى، فما ظنك بالسؤال عن عمرك، وهو أول ما يُسأل عنه كما في الحديث الذي نذكره دائما: يسأل الانسان "عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه"

وخير معبر عن اهتمام الاسلام بالتربية الزمنية أنه جعل للناس مواقيت ومحطات يومية هي خير معين على الاحساس بالوقت.. فقد حدد الله العبادة بالوقت، الصلاة الصوم والحج والخمس والزكاة كل له مواقيته الدقيقة،  وعليه يتوقف صلاح الاعمال أو فسادها.

 

أيها الأحبة:

إن الزمن محايد والوقت محايد لا طعم له ولا لون ورائحة، والإنسان هو من يعطيه عنوان الخير وعنوان الشر ،هو من يجعله قيمة تكون أثمن من الذهب أو مجرد لحظات ضائعة لشراء متعة أو لذة أو إشباع غريزة أو هوى.

وهذا ما ورد في الحديث: "احذروا ضياع الأعمار فيما لا يبقى لكم ففائتها لا يعود" "إنّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما"

وفي الحديث أيضاً: "من تساوى يوماه فهو مغبون".. "ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون".

فمعيار التعامل مع العمر هو دعوة رسول الله(ص) لنا  لاستغلال العمر حتى اللحظة الأخيرة منه إذ يقول: "لو قامت قيامة أحدكم وكان بيده فسيلة فليغرسها".

 

أيها الأحبة:

لقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى مراحل الزمن المختلفة التي سيقطعها الإنسان في حياته عندما قال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}

والله وصّف خصائص كل مرحلة ومهما كانت فهو الذي أحسن كل شيء خلقه، لذا فإن لكل مرحلة جماليتها.. فللطفولة جماليتها وللشباب جماليته وللشيب أيضاً جماليته. وحتى لا تطغى مرحلة على مرحلة، وخصوصاً مرحلة الشباب التي تضج حيوية وقوة وعنفواناً أراد الإسلام أن يؤكد أهمية التوازن بين هذه المراحل، فقد ورد في الحديث: "وقار الشيب أحب إلي من نضارة الشباب".

وفي الحديث عن الزمن لا بد أن نتوقف عند ظاهرة آخذة بالانتشار والاتساع في مجتمعاتنا كانت المرأة وحدها المعنية بها ثم بات  الرجال شركاء فيها للأسف. فما إن يغزو الشعر الأبيض الرأس، أو تظهر التجاعيد على الوجه، حتى تسري حالة من القلق في النفس ويكر مسلسل من الإحباطات ويكون هذا باباً للجوء إلى الأساليب التزيينية والتجميلية وصولا للعمليات الجذرية  من أجل إخفاء  ظاهرة مرور الزمن على الجسد.  هذا لا يعني أن الاسلام حرّم الاعتناء بالمظهر أو هو ضد الجمال كما يحلو للبعض أن يظن لا.. فقد ورد أن رسول الله كان يقول(ص): "إذا خرج الرجل على إخوانه فليهيئ من نفسه، فإن الله جميل يحب الجمال". ويقول : غيروا الشيب بالخضاب "

 

ولكن ما وصلنا اليه بات أشبه ما يكون بالهوس والجنون والمشكلة هي في انعدام قناعة الانسان لا بما آل إليه عمره ، ولا بحظه من الخلقة وصولا لعدم الاعتراف بواقع الحال وبذل المستحيل لتبديله.  والاعلام يطرح صورا ومعايير يريدنا أن نكون مثلها لتكون لنا قيمة وثقة بأنفسنا ، فيما الثقة يجب أن تستمد من مكان آخر  من العقل والايمان نحن لسنا ضد تلطيف آثار الزمن ولكن  شرط أن لا تنقلب المقايس والمعايير . اليوم نرى أن الكبار لا يريدون أن يكبروا وما حذر منه الرسول وصلنا اليه: "خير شبابكم من تشبّه بكهولكم، وشرّ كهولكم من تشبّه بشبابكم ".

 

إن المرآة  ايها الاحبة لا تكفي كي تعكس الجمال أكان الانسان فتى أم كهلا أم في أرذل العمر . من قال إنه ليس للشيخوخة جمالها وليس للخريف جماله  ثم كيف للمرآة أن تعكس  جمال اللسان، وجمال القلب وجمال العقل وجمال النية وصفائها، وجمال الخير وبلسمة جراحات الناس والتخفيف عنهم .هذا هو الجمال الحقيقي الذي يبقى.

أيها الأحبة:

الزمن هو مسؤوليتنا، ولذا نحتاج إلى أن نتأمل في زمن مضى نتعلم منه ونستفيد من عبره، أن نصلح ما فسد منه على مستوى علاقتنا بالله وعلاقاتنا بالناس والحياة، وليسأل  كل منّا نفسه وهو في هذا الشهر الفضيل: إن أعطاني الله العمر كله فكم يبقى لي.. عشرون سنة مثلا أوثلاثون… ماذا أريد أن أفعل خلالها.. ما أولوياتي ( ) ما هي مشاريعي.. هل قصرت حتى الآن تجاه من أنا مسؤول عنهم..؟  ثم السوال الاهم هل قصرت في ديني؟ هل فرطت وأريد أن أعوض؟  ..المسألة أنه "لا وقت نضيعه " فالعمر قصير مهما طال  والحياة قصيرة مهما امتدت".. فليكن هذا الشعار قبل الاقدام على أي عمل ..ادرس كل حركتك.. حدد الاهم لا تغرقوا في الحوارات والمحادثات والتسلي والتعرف بأحدث التكنولوجيات والبرامج فهذه اخطبوط يبتلع الوقت ابتلاعا ..   

لا تتصوروا كم نحن بحاجة أمة وأفرادا إلى العمل ثم العمل ثم العمل وتوقيف هدر الوقت رأسمالنا الاثمن..

 نحن نحتاج أن يكون زمننا جميلاً نجمله بأفعالنا.. وزمننا عزيزاً نُعزّه بإنجازاتنا… وزمننا قوياً بوحدتنا  وغزيراً بعلمنا

وزمننا أخضر بعطاءاتنا واحساسنا ومحبتنا.. والامر بأيدينا ..

 

ايها الاحبة :

فلنغتنم فرصة شهر رمضان، شهر خير الزمن، لنملأه بما دعينا إليه، فلا نضيع فرصته حتى لا نندم ونعض الأصابع وهذا الامام علي(ع)  يحذرنا: أيّها الناس! الآن الآن من قبل الندم ومن قبل أن تقول نفس: يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله.. أيُّها الناس! الآن الآن ما دام الوثاق مُطلقاً، والسراج مُنيراً، وباب التوبة مفتوحاً، من قبل أن يجفّ القلم وتُطوى الصحف.

اللهم أعنا على صيامه و قيامه و بلوغ الأمل في لياليه وأيامه وساعاته

والحمدلله رب العالمين 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التقوى، علينا الاقتداء بسيّد شباب أهل الجنة، وأشبه الناس خُلقاً وخَلقاً وسؤدداً برسول الله.. مَن قال عنه رسول الله(ص): "اللهُم إني أحِبّه، فأَحبّهُ وأحبّ من يُحبّهُ"، مَن كان جده رسول الله(ص)، وأمه الزهراء(ع)، وأبوه علياً(ع)، الإمام الثاني من أئمة أهل البيت(ع)، والرابع من أهل الكساء، الإمام الحسن بن علي(ع)؛ هذا الإمام الّذي نستعيد ذكرى ولادته العطرة في الخامس عشر من شهر رمضان المبارك؛ هذه الذكرى التي تعيدنا إلى مواعظه وكلماته الّتي توجّه بها إلى كلّ إنسان. ومما قاله: "يا ابن آدم: عفّ عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله تكن غنيّاً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحبّ أن يصاحبوك به، تكن عادلاً.

إنّه كان بين أيديكم قوم يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً. يا ابن آدم، إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمّك، فجد بما في يديك، فإنّ المؤمن يتزود، والكافر يتمتع".

أيها الأحبة، لتكن الدنيا ساحتنا الّتي نتزوّد منها ما يقينا من مواقف الذل والهوان أمام رؤوس الأشهاد يوم تأتي كلّ نفس تجادل عن نفسها؛ يوم يقوم الناس لرب العالمين. وبذلك، نحقّق أهداف وجودنا، ونملك القدرة على مواجهة التحديات؛ تحديات النّفس الأمارة بالسوء، وتحديات الشيطان المتربص بنا، وتحديات الخارج، وهي كثيرة.

 

غزّة

والبداية من غزة، الّتي قدّم شبابها وشيوخها ونساؤها وأطفالها مجدداً، أنموذجاً رائداً في التضحية والصبر والثبات، وتحدي جبروت العدو الصهيوني وغطرسته، رغم الحصار، ورغم كلّ الجراح والآلام والقتل والتدمير الممنهج، ورغم صمت العالم المطبق، سوى من بيانات خجولة لا تُسمن ولا تغني من جوع.

فها هي صواريخ المقاومة في غزة تصل إلى عمق الكيان الصهيوني، وإلى تلّ أبيب، والقدس، وعسقلان، وأسدود، وبئر السبع، وصولاً إلى حيفا، ليعيش هذا الكيان المعاناة نفسها الّتي كان يريد للشّعب الفلسطيني أن يتجرّعها وحده، فالخوف لم يعد محصوراً بالجانب الفلسطيني، ولا الخسائر يتكبدها وحده، بل بتنا نرى الخوف على أوجه الصهاينة وقادتهم، وطاولت الخسائر مدنه ومواقعه الحيوية.

 

إن القيمة التي عبّر عنها المقاومون هناك، أنهم لم يستجدوا قرارات دولية ليدافعوا عن أنفسهم، ولم يناموا على أحلام المفاوضات الجارية، ولا الوعود والأماني المعسولة، أو التوافقات العربيّة والإسلاميّة، بل اعتمدوا على قدراتهم الذاتية، وما توافر لهم من دعم، ممن آمن بالمقاومة ولم يرد سواها، فصنعوا من ضعفهم قوة، وأثبتوا أن العين يمكنها أن تقاوم المخرز.

 

إننا أمام ما جرى ويجري، لا بد من أن نحيي الشعب الفلسطيني ومجاهديه، الذين يتحدون جبروت هذا العدو بلحمهم العاري، ويثبتون في أرضهم صائمين صابرين محتسبين، ومتسلحين بقول الله تعالى: "حسبنا الله ونعم الوكيل".

إننا نقول للمجاهدين: ليس أمامكم إلا جهدكم، ولا خيار لكم إلا أن تواصلوا مقاومتكم، وأن تقلعوا أشواككم بأظافركم، أسوة بكل الساعين إلى الحرية والعيش الكريم، وبكل المقاومين والمجاهدين في هذا العالم. لا تعوّلوا على الأنظمة العربيّة، لأنها لم تعقد صفقات السّلاح إلا بعدما تعهّدت بأنها لن تستعملها في مواجهة العدو الصهيوني، ولا على القرارات الدوليَّة وتدخّلات الدول الكبرى، التي يهمها أن تسقط مواقع القوة لديكم، حتى تفرض الشروط عليكم، وقد أعلنت بوضوح أنها مع كل ما يقوم به الكيان الصهيوني، وعلى الأقل، تضع الجلاد إلى جانب الضحية.

 

ويبقى على الشعوب العربية والإسلامية، وكل من يدعي الإخلاص لفلسطين، أن ينتفضوا، وأن يتجاوزوا لأجل فلسطين كلّ الحساسيات والحسابات، ويجمدوا كلّ الحروب، وأن يعلموا أن ما يعانونه من فتن وحروب ومشاريع تقسيم، ومن ظلم حكام وغيره، حدث في الأصل لأجل الكيان الصهيوني، ليكون الأكثر حضوراً والأقوى في المنطقة.

وعلى الدول العربية والإسلامية أن لا تكتفي باجتماعات تعقدها، بل أن تتخذ موقفاً حاسماً من الكيان الصهيوني ومن يدعمه، وأن تضع إمكاناتها وقدراتها في مواجهة العدو الصهيوني، لا في مواجهة بعضها البعض، أو تدمير مواقع القوة لديها.

وهنا، نقول لكل الذين ينفخون في أبواق الفتن: من العيب والعار أن تعملوا على كبت المشاعر والعواطف تجاه فلسطين، لتشحنوها بكلّ عناصر الحقد المذهبي والطائفي، فلا يرفع أيّ سلاح، أو تطلق أي فتوى للجهاد، أو تتحرك أي مؤسسة للتضامن مع شعب فلسطين، الذي تتناثر أشلاء أطفاله في كل اتجاه، وتحت كل حجر ومدر!!

 

 العراق

ونصل إلى العراق، الذي تستمر معاناته جراء من باتت تدغدغهم أحلام التقسيم، ويريدونه أن يتحول إلى أمر واقع، والّذي، كما أشرنا سابقاً، لن يكون في خدمة الساعين إليه، بقدر ما هو مشروع فتنة للعراق، وعلى مستوى المنطقة.

ومن هنا، نعيد التشديد على كل مكوّنات الشعب العراقي، بإبقاء رهانهم على وحدتهم الوطنية ودولتهم المركزية، وإذا كان هناك من أخطاء، أو إرادة للإصلاح أو التغيير، فالمعالجة تكون من خلال المؤسسات، لا من خلال غيرها. وندعو أصحاب القرار في هذا البلد، إلى الإسراع في التوافق على إنشاء حكومة جامعة تنطلق من إرادة الشعب العراقي، وتعمل على تعزيز أواصر الوحدة بين كل مكوناته، ليبقى هذا البلد قوياً عزيزاً في مواجهة من يشكلون خطراً على العراق ودول المنطقة والجوار.

 

لبنان

أما لبنان، فنخشى أن تصل إليه مجدداً تداعيات ما يجري في محيطه، حيث الحديث عن خلايا نائمة، وعن تفجيرات وخروقات أمنية يراد لها أن تحصل في هذه المنطقة أو تلك، في ظلّ تأجيج طائفي ومذهبي، طاولت شراراته حتى الجهات الأمنية والقضائية.

إنّ كل هذا الواقع بات يستدعي تكاتف اللبنانيين مع بعضهم البعض، والوقوف مع القوى الأمنية، التي تبقى الرهان دائماً، لأنها تشكّل ضمانة الأمن والاستقرار، بعد أن أثبتت قدرتها على وقاية البلد من الساعين لإرباك أمنه وتهديد استقراره، وستبقى كذلك.  كما لا بدّ من الإسراع في معالجة الملفات الكثيرة العالقة، سواء على الصعيد السياسي أو المعيشي، مما يطول ذكره.

أيها المسؤولون، إن هذا البلد أمانة في أعناقكم، فلا تتقاذفوه كالكرة، التي يريد كل طرف أن يرميها في مرمى الآخر، ليسجل عليه النقاط، فيما يراد للأرض أن تهتز تحت أقدامنا جميعاً.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 14رمضان 1435هـ الموافق : 11 تموز 2014م

Leave A Reply