السيّدة زينب(ع) أنموذج المرأة الرساليَّة

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً}.. صدق الله العظيم..
 

ورد في سبب نزول هذه الآية أن أسماء بنت عميس لما رجعت من الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب دخلت على نساء رسول الله(ص) فسألتهن: هل نزل فينا (أي من النساء وبشكل خاص)  شيء من القرآن؟ قلن: لا، فأتت النبي(ص)، فقالت: يا رسول الله إن النساء لفي خيبة وخسران، فقال: «ومم ذاك؟» قالت: لأنهن لا يذكرن بخير كما يذكر الرجال؛ فذكر لها رسول الله أن كل ما ورد هو للرجال والنساء ولكن أنتظر أمر ربي في هذا الأمر فأنزل الله هذه الآية.. لتبين وبكل وضوح حقيقة نظرة الإسلام إلى المرأة وأن لا تمايز بين المرأة والرجل في الموقع عند الله.. وفي حمل المسؤولية.. فالله لما حمل الرجل مسؤولية الإسلام والإيمان والصدق والصبر والعفة هو حملها للمرأة بنفس المستوى..

 

وهذا الحضور في الميادين كافة شهدناه في حركة الرسالات السماوية، وفي الرسالة الإسلامية لم يكن دور المرأة على هامش دور الرجل بل كانت شريكة له في كل موقع للرسالة حتى في الحروب وضمن الدور الذي يمكنها القيام به..

 

وهذا رأيناه في قلب كربلاء حين حضرت المرأة في المعركة بعاطفتها بمساندتها وحتى مشاركتها.. فقد برز من النساء من قاتلن واستشهدن.. وقد تمثل دورها بأجلى صورة في السيدة زينب(ع)، حين كانت للحسين(ع) في مشاركته الرأي وفي إدارة شؤون المعركة سند ومعين.. ولكن هذا الدور بدا أكثر وضوحاً بعد انتهاء معركة كربلاء وما جرى فيها..

 

فقد وعت السيدة زينب(ع) حجم المسؤولية التي تنتظرها بعد استشهاد أخيها والدور المطلوب منها، فكان عليها أن لا تسمح ليزيد ولا عبيد الله بن زياد ولا لعمر بن سعد أن يدفنوا ثورة كربلاء بدفن الأجساد فهذا هو ما أرادوه وخططوا له عندما عملوا على أن تكون المعركة في الصحراء في كربلاء وبعيداً عن أعين الناس لتغطية هذه الجريمة وسعياً لإنهاء هذا الخط والنهج وبدون أي ضجيج… وهي لذلك أخذت قراراً بأن لا تستسلم لمشاعر الحزن والأسى على استشهاد الحسين(ع) وكل هذه الدماء الغالية رغم أنه حق فهو مؤجل، فالوقت وقت عمل لإيصال ما جرى في كربلاء من جريمة وحشية حاقدة والأهم إكمال المسيرة والنهج…

 

صبرت السيدة زينب وكظمت حزنها، وبدت بعد المعركة ورغم كل الألم الذي كان يعيش في قلبها والسبي الذي تعرضت له وكل من معها جبلاً من الصبر لا يتزعزع، ومشت بكل شموخ بين صفوف الأعداء إلى مصرع أخيها وحولها الأجساد الطاهرة، وضعت كفّها تحت جسده الشريف وقالت: "اللهم تقبّل منّا هذا القربان".. يكفي أن يتقبل الله منا هذه التضحيات وكل شيء يهون من أجل أن ترضى..

 

لم ترضَ السيدة زينب(ع)… أن تبدو ضعيفة مكسورة جزعة وهي لم تكن كذلك في أي وقت من الأوقات وهذا ما نريد لقراء العزاء أن يصوروا زينب به، لقد رسمت بهذا الشموخ معالم النصر، النصر للروح وللشعارات وللقضية، مع كلماتها العميقة والبليغة على جسد أخيها، ومنذ تلك اللحظة حملت زينب لواء القضية وحوّلت ما حسبه بني أمية نصرا إلى هزيمة، وطبعا ببركة كل الدماء الطاهرة التي سفكت.

 

 قامت السيدة زينب(ع).. لمت الشمل ورعت العيال والأطفال وعينها دائماً على الإمام زين العابدين(ع) فهو البقية الباقية من نسل أخيها وهو الأمين على الرسالة من بعده.. وهو إمامها.. وقفت في الكوفة تخطب وتنطق بعنفوان أمها الزهراء وبلاغة أبيها علي(ع) فهزت مشاعرهم وأحاسيسهم بقوة منطقها وحجتها…وفي ذلك يقول بشير بن خزيم الأسدي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حَيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم. ورأيت شيخاً واقفاً إلى جنبي يبكي حتى أخضلت لحيته، وهو يقول: "بأبي أنتم وأمي!! كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى"..

 

وفي مقر بن زياد دخلت زينب(ع) مرفوعة الرأس لم تسلم عليه ولم تكترث لوجوده وردت عليه عندما أراد أن يستفزها بقوله: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.. وقالت له بكل عنفوان: "إنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر، وهو غيرنا والحمد لله".. وعندما قال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟.. قالت: "ما رأيت إلا جميلاً، هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاجون إليه وتختصمون عنده فانظر لمن الفلج يومئذ، ثكلتك أمك يا بن مرجانة"…

 

وبعد ذلك في الطريق إلى دمشق وفي كل محطة كان يتوقف فيها الركب كانت زينب تسجل موقفاً وتخلق وعياً وتحرك عاطفة وتهز ضميراً وتشعل غضباً وثورة…

 

وفي مقر يزيد والرأس الشريف في طشت أمامه لم تهتز.. وقفت لتقول ليزيد الشامخ بأنفه والمنتشي بنصره، كلمات لا يزال التاريخ يردد صداها… أفقدته نشوة النصر حين قالت: "فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا" وأكملت " وهل رأيك إلا فند وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين"..

 

أيها الأحبة:

هي لم تكتف بأن تعرض حقيقة ما حدث في كربلاء وما جرى للحسين(ع) وأصحابه في كربلاء بل أحسنت استخدام كل الأساليب في عرض القضية..

 

لقد نقلت السيدة زينب معركة كربلاء إلى عقر دار الأمويين.. فكم من عيون بكت وكمن من غشاوات أزيلت بفعل كلماتها وحسن منطقها وتقديمها للحسين(ع) وأصحابه.. وظلت في ذلك تجاهد حيثما حلت الى حين وفاتها سلام الله عليها.

 

هذا غيض من فيض دور زينب… هذا الدور الذي يريده الإسلام من الرجل أن يكون صوتاً صارخاً بالحق ولساناً يدافع عن كل قضية عدل وحرية.. هو ما يريده لكل امرأة.. هو لا يريدها أن تعيش على هامش الأحداث وما يجري من حولها..

 

لقد أثبتت وتثبت وتثبت، انطلاقاً مما قامت به السيدة زينب(ع) وقبلها أمها الزهراء(ع) عندما وقفت في مسجد أبيها لتدافع عن حق علي(ع) وحقها.. أنها قادرة على النّجاح في كلّ ميادين الحياة وحتى في أقساها وأصعبها.. ومع الأسف يصرّ البعض على تهميش حضورها، وإن أدَّى ذلك إلى خسارة طاقات فاعلة نستطيع الاستفادة منها، والّتي هي حاجة للمجتمع ولبناء الحياة..

 

من هنا، فإننا ندعو بناتنا وأخواتنا إلى أن يؤمن بقدراتهن وبدورهن وبفاعليتهن، المطلوب من المرأة في هذا المجال أن لا تحيّد نفسها وأن لا تجمد طاقاتها، كما لا يحيّدها أو يجمدها الإسلام، وعليها دوماً أن تتطلع بقوة إلى أي موقع مؤثر يمكن لها أن تشغله في خدمة مجتمعها وواقعها.. وأن تخطط إلى أين ينبغي لها أن تصل وما الإنجازات التي تريد أن تصنعها لتكون لها بصمتها الخاصة في الحياة، ولتشكل إضافة نوعية على مستوى الرقي الإنساني والثقافي في المجتمع..

 

إنّ قناعة المرأة بدورها أساس، ولكن لا بد من اتفاق وتكاتف بين شرائح المجتمع حول تسهيل اضطلاع المرأة بدورها في المجتمع وفي مختلف المجالات والمستويات وهذا ليس منّة ولا يجب ان يصور على انه كذلك بل هو واجب وحق وحاجة.. لأن واقعنا يحتاج إلى طاقاتها ومن يعرقل هذه الطاقات هو من المساهمين في إبقاء المجتمع على ما هو عليه…

 

وهنا قد يأتي البعض بأحاديث احاد ما انزل الله بها من سلطان حول ضعف المرأة وعدم قدرتها على المشاركة الفعالة في المجتمع والسياسة، ويتناسى هؤلاء النماذج الثابتة والتي لا خلاف عليها والتي قدّمها الإسلام وكلّ تاريخ الرسالات (امرأة فرعون، بلقيس، السيّدة مريم، السيّدة خديجة، السيّدة الزهراء،  السيّدة زينب، وغيرهنّ)، والتي أكّدت أنها قادرة على تجاوز عاطفتها في المواقف الرساليّة.

 

لقد أكّدت كلّ هذه النماذج، أنَّ العاطفة ليست قدر المرأة بحيث تطبع بها، بل هي قادرة على تجاوزها عندما يقتضي الموقف أن تجمد عاطفتها لحساب أدائها لمسؤوليتها في البيت أو في الحياة، هي قادرة أن تضع العاطفة في موقعها والعقل في موقعه. وعلى كل حال نحن نضيف أن العاطفة ليست نقطة ضعف بأي حال من الأحوال للمرأة والرجل إنما هي حاجة في المجتمع ولبناء الحياة. إنّنا بحاجة إلى هذه العاطفة الّتي من خلالها ننمّي الإحساس بآلام الفقراء والمساكين، ومن خلالها نبني شخصيّات متوازنة فلا شخصيات متوازنة بلا عاطفة ومن خلالها نتواصل ونتراحم ونتآلف..

 

لقد هيّأ الله سبحانه لكل من الرجل والمرأة دوره في الحياة، فللرجل دوره خارج البيت وداخله، وللمرأة دورها داخل البيت وخارجه… والمطلوب والحاكم في هذه الأدوار هو التكامل والتوازن والحوار وأن يعين كلّ منهما الآخر على هموم الدنيا والأخرة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}..

 

لقد أكّدت عاشوراء أنّه بتكامل الأدوار وبتعاونها يمكن تحقيق الأهداف والوصول إليها.. ولذلك يقال إنّ عاشوراء انتصرت بقيادة الحسين وبدماء أصحابه وأهل بيته، وبدور زينب ونساء كربلاء، وهذا ما نحتاجه في مواجهة التحدّيات الكبيرة التي تواجهنا.. وفي صنع واقع أفضل لأمتنا ولا خسارة أكبر من أن يعطل المجتمع وتضعف طاقته أو يضعف حيويته..

 

ونحن لا نستطيع في واقعنا إلا أن نقدر هذا الدور حين استطاعت المرأة أن تتمثل السيدة زينب فنجدها حاضرة في العلم والجهاد وفي التربية والرعاية والتوجيه، ودائماً ننطلق من حيث وعد الله: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى}..

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الله ليرغّبنا بالاستقامة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ}.

 

هو عطاء كبير وثمين لا يفوقه ثمن مقابل أن يكون الله وجهتنا، أن يكون الله هو الهدف والغاية والوسيلة، ولأجله حياتنا وموتنا، والنتائج لن تكون في الآخرة، وإن كان يكفي أن تكون في الآخرة، ولكنها ستكون في الدنيا أيضاً، فلا يظننّ أحد أن نخلد إلى الكريم الودود العطوف، وأن لا نحظى بعطائه وكرمه حين نعيش في أرضه وفي ظل سمائه، ولا يخدعنا أحد بأن نستجيب له حين يدعونا إليه، مهما كان يملك من القوة أو المال والعطاء، فمن هو هذا الشخص أمام الله في قوته وعطائه وكرمه وما عنده!؟ ومتى وعينا ذلك، سنكون أقوى وأقدر على مواجهة التحديات.

 

استفتاء كردستان

والبداية من الاستفتاء الَّذي جرى أخيراً في إقليم كردستان بالانفصال عن العراق، حيث أصبح من الواضح مدى الخطر الَّذي قد يتركه انفصال هذا الإقليم، لا على الداخل العراقيّ فقط، بل على المنطقة العربيَّة والإسلاميَّة، وخصوصاً في هذه المرحلة بالذات، فلا تزال هذه المنطقة تضجّ بالتوتّرات والصّراعات بين العديد من مكوناتها، وإن لم يُعمل على منع نتائجها، فستفتح شهية الانفصال لأيٍّ من المكونات، وسيأخذ بعداً دينياً أو مذهبياً أو قومياً، وهو بداية التقسيم للمنطقة.

 

هذا التقسيم، إن حصل، فسيؤدي إلى إضعاف المنطقة وخلق كيانات متصارعة فيما بينها، وهو ما يصبّ في خدمة المشروع الصهيونيّ، فهذا الكيان لا يستطيع أن يستمرّ ويثبت إلا حين يحاط بدول صغيرة متناحرة فيما بينها. ولهذا، وجدنا التأييد الصهيوني لهذا الاستفتاء والاستعداد لمد يد العون، والذي أشرنا في الأسبوع الماضي إلى أنه ليس لسواد عيون الأكراد ولأجيالهم، بل تنفيذاً لمشروعه الدائم والقائم على تفتيت المنطقة.

 

ولهذا، فإننا في الوقت الذي نرى الحقّ لكل قومية أو دين أو مذهب في الحصول على حقوقه في إطار بلده، وأن لا يغبن في حقه، لأن الغبن ظلم لإنسانيته، ومشروع حرب وفتنة وسبب للتدخلات الخارجية، ولا بدَّ من الكف عنه.. فإننا لا نرى في انفصال الأكراد أية مصلحة لهم، بل هو إضعاف لدورهم وقدراتهم، وسيجعلهم في دائرة الاستتباع للآخرين.

 

ولهذا، ندعو الأكراد إلى إعادة النظر في هذه الخطوة، والإنصات جيداً إلى دعوات الحوار، ولا سيما العرض الذي قدم لهم من الحكومة العراقية، حتى لا يكونوا أداة لتفجير العراق من الداخل أو لتفجير المنطقة كلها، في وقت يحتاج العراق إلى كل أبنائه والمنطقة العربية، وإلى مد الجسور بين جميع المكونات، ووأد الفتن.
 

من المؤسف جداً أنه لا يزال هناك من يفكر في الانفصال، في حين يتجه العالم إلى جمع قواه، لمواجهة التحديات التي تواجه دوله. ومن المستغرب في هذه المرحلة أن لا يرتفع صوت أو يحصل تحرك من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي لرفض هذا الاستفتاء والتنادي لمواجهته، في ظلّ عظيم أثره فيهم، فالتقسيم، إن بدأ، سيطاول الجميع، وستكون نتائجه وخيمة على الجميع.
 

ونحن في هذا المجال، ندعو إلى مزيد من التحرك لمعالجة هذا الوضع المستجد، ونرى إيجابية في التنسيق الذي جرى بين إيران وتركيا، والَّذي نأمل أن يساهم في الوصول إلى حل يضمن وحدة العراق ووحدة المنطقة، ولا يضيف إليها توتراً جديداً.

العراق

ونبقى في العراق، لنهنئ الجيش العراقي، ومعه الحشد الشعبي، على إنجاز تحرير منطقة الحويجة، الذي مهَّد السبيل لإنهاء ظاهرة داعش من الداخل العراقي، تمهيداً لتحقيق الاستقرار فيه.

 

فلسطين

أما فلسطين، فتبرز فيها أهمية المصالحة التي جرت بين السلطة الفلسطينية وحماس، والتي تعيد اللحمة إلى الشعب الفلسطيني بعد معاناة مرارة الانقسام، وتساهم في حل الأزمات المعيشية المستعصية، ولا سيما في غزة، وتقوي الجهود في مواجهة المشروع الاستيطاني والتهويدي للقدس والضفة الغربية وكل فلسطين.

 

إنَّنا نأمل أن لا تكون هذه المصالحة مرحلية فرضتها ضغوط إقليمية أملت حصولها، أو أن تكون نتيجة ما يعانيه هذا الفريق أو ذاك، بل أن تكون ناتجة من قناعة تامة وراسخة وإيمان بعبثية الصراع الداخلي، وبالخسارة الكبيرة التي تلحق بالجميع إن استمر.

 

ويبقى عمل الجميع ضرورياً لإزالة رواسب الماضي، ومنع شياطين الجن والإنس من أن يدخلوا مجدداً على الخطّ، والتطلّع دائماً إلى مصلحة الشعب الفلسطينيّ، فمن حقّه أن يحظى بحياة كريمة في الداخل، ليكون أقوى على استحقاقات الخارج.

 

لبنان

ونبقى في لبنان، الَّذي يستمرّ الجدل فيه حول تحديد السبل الكفيلة بتأمين موارد سلسلة الرتب والرواتب، في ظلِّ خلافات حول طبيعة الفئات التي تستهدفها الضرائب، ما بين الفئات الشعبية والقطاعات المالية والإنتاجية والأملاك البحرية وغير ذلك، حيث تتفاوت مواقف القادة السياسيين وتتناقض على وقع المصالح الانتخابية.

 

وأمام ذلك، وبدلاً من كلِّ هذا الجو الذي يُخلق في البلـد، والمواربة في التعامل مع هذه القضية، فإننا ندعو إلى أن تكون الدولة واضحة مع مواطنيها في موضوع الضرائب، وأن تبيِّن لهم أي ثمن سيدفعونه، وسوف يدفعه البلد، حتى يتدبر الناس أمرهم، ويعرفوا كيفية التعامل مع واقعهم ويتقبلوه، أو يصبروا على مرارته..

 

ونبقى على قناعتنا بأنَّ موضوع السلسلة قابل للتنفيذ، بعيداً عن أية ضرائب على اللبنانيين نصرّ على تجنبها، وبعيداً عن أيّ تداعيات قد تصيب الخزينة والمواطن، إن قرّرت الدولة أن تحزم أمرها في مواجهة الفساد والهدر والمحسوبيات، لتوفر المال المطلوب للسلسلة.

 

ويبقى أخيراً الهاجس الأمني الذي يهدد اللبناني، وهو إن انكفأ على مستوى الحالات التكفيرية بعد تحرير الجرود، ولكنّه ما زال ماثلاً على مستوى العدو الصهيوني، الذي ربما يقدم على مغامرة جديدة لا يزال يعدّ نفسه لها ويهدّد بالقيام بها.

 

ونحن إن كنا نستبعد ذلك، فهذا لا يعني أن ننام على حرير، وينبغي أن يكون الهاجس الأمني هو هاجس اللبنانيين، لا الجيش أو المقاومة فقط، وإن كان هذا الفريق يبذل جهده في الليل والنهار لردع العدو ومنعه من العبث بالساحة اللبنانية.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 16محرم 1438هـ الموافق:  6تشرين الأول2017م
 

 

 

Leave A Reply