في كلمة يوم العاشر من محرم في الحسنين(ع) فضل الله: لموقف وطني موحد يعجل بتنفيذ الإصلاحات ويواجه الهدر والفساد

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله خطبة يوم العاشر من محرّم في مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعد تلاوة المصرع الحسيني، وجاء فيها: مباركةٌ هذه الدموع التي تنسكب حباً وولاءً للحسين(ع) وأصحابه وأهل بيته، هي تعبيرٌ عن تفاعلنا مع معاناتهم، مع آلامهم، مع جراحاتهم وكل ما جرى لهم في كربلاء.. وأننا سنكون أوفياء للأهداف التي لأجلها كانت هذه الجراحات كلِّها.. فالحسين(ع) والذين كانوا كلُّهم معه لم ينطلقوا فيما انطلقوا به للمرحلة التي عاشوها..

 

لقد أراد الحسين(ع) من خلال دمائه ودماء أصحابه الزاكية أن يعيد تصويب مسار الأمة التي أخلدت للواقع الفاسد الذي كانت عليه، فأراد أن يعيد الأمة إلى الصورة التي جاء لأجل بنائها رسولُ الله(ص)، الأمة الواعية التي تفكر.. الأمة التي لا تؤجّر عقولها لأحد، الأمة التي ترفض أن يتسلط على رقابها الحاكمُ الفاسق الفاجر القاتل للنفس المحترمة.. الأمة التي تملك حريتها وقرارها.. الأمة التي ترفع صوتها في وجه المنكر والانحراف والفساد التي لا تعطي إعطاء الذليل ولا تُقرّ إقرار العبيد، الأمة التي ترى الموت سعادةً عندما يكون الموت لتجذير الحق والعدل ولبناء حياة أفضلَ للآخرين..

 

جئنا اليوم لنؤكد انحيازنا لمنطق الحسين، لنعزز منطقَه وحضورَه، ولنعمل أن يكون لنا دورٌ في استمراره.. ولنؤكد أننا لن نكون كالكثيرين من أبناء الكوفة الذين كانت قلوبُهم مع الحسين(ع) ولكن سيوفَهم عليه إن هو اقترب من مصالحهم. ستكون قلوبُنا وعقولُنا ومواقفُنا مع نهج الحسين الذي هو نهجُ رسول الله (ص) مهما بلغت التحديات وعظمت الصعوبات.

ومن هنا، أيها الأحبة فإننا لا نريد لعاشوراء أن تتحول إلى مناسبة في السنة، نعبّر فيها عن عواطفنا ومشاعرنا، نشارك في المجالس ونذرف الدموع ونلطم الصدور وننتهي بانتهائها، بل أن نأخذ من عاشوراء زاداً روحياً ومعنوياً ووعياً، نتزود به كل سنة ونتموّن ونستعين به للعمل على إصلاح واقعنا وسدّ الثغرات التي نعاني منها، ولننتفض على واقع الفساد كلّه والظلم المستشري فيه، سواء الظلم الداخلي والخارجي، لا نجامل ولا نداري ولا نهادن.. أن نقوم بذلك أفراداً وأمةً وبما نستطيع

 

ونحن نستطيع إن فعّلنا طاقاتِنا وخُططَنا ولم نكن انفعالين ولا ارتجاليين..

تأتي عاشوراء هذه السنة، ولا يزال المنطق الذي يحكم عالمَنا هو منطق يزيد، المنطق الذي يقول فيه الكبارُ للشعوب المستضعَفة التي تسعى إلى حريتها: إما أن تُسلّموا او السقوط والحصار والتجويع، ومن يُسلّم فلن يكون حالُه أحسنَ فتُستنزَفَ مواردُه وقدراتُه ويخضعَ للابتزاز. هذا ما يواجهه العالمُ العربي والإسلامي، ومع الأسف نراه بدلل أن يوحّد جهودَه وطاقاتِه نراه يستنزفُها في الصراعات والانقسامات والفتن، التي تارة تلبس لَبوساً مذهبياً وآخر سياسياً وما إلى ذلك، ما جعل هذه المنطقة ساحةً مفتوحة للتدخلات الخارجية كلها على حساب دولها وشعوبها، ونحن هنا لا نرى خلاصاً لها إلا باستعادة خطوط التواصل فيما بينها، وفتح أبواب الحوار الصادق والشفاف كلها حول نقاط الخلاف كلها لمعالجة الهواجس المتبادلة كلها بما يؤسس لعلاقات عربية إسلامية راسخة وقوية..

هذا ما نريده في العلاقة مع إيران التي مدت يدها إلى دول الخليج وللدول العربية الأخرى، وهو ما نأمل أن يحصل في اليمن لإنهاء مأساة الشعب اليمني

والأمر نفسه في سوريا التي أصبحت ساحة من الساحات المفتوحة للمحاور الدولية والقوى الإقليمية التي تتنازع لخدمة مشاريعها، وهو أحوج ما يكون إلى أن تمتد إليه الأيدي لاستعادة وحدته الداخلية، وقطع الطريق على المحاولات المستمرة الرامية لإبقاء هذا البلد في دائرة الاستنزاف وتحت ضغط الدول التي تتحرك في مناطق واسعة من الأرض السورية تحت عناوين متعددة..

وهذا ما نريده في ليبيا والبحرين وأفغانستان وكشمير.

وتبقى فلسطين، الشاهد الأبرز على غياب العدالة عن هذا العالم، وعلى غياب الاحتضان العربي لقضيتها، حيث ما زالت إسرائيل تواصل مشروعها العنصري باستكمال سيطرتها الشاملة على ما تبقى من أرض فلسطينية عبر سياسة الاستيطان، ومواصلة عمليات القمع والإخضاع لما تبقى من شعب فلسطيني في الضفة الغربية وشن الغارات وإحكام الحصار على غزة، من دون أن تكف عن سياسة انتهاك المقدسات والتهويد في القدس والمسجد الأقصى، غير آبهة بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن كلها، ومن دون أي التفات إلى النداءات الدولية كلها الداعية إلى حل سياسي يحقق ولو الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، بالرغم من أن السلطة الفلسطينية تنازلت عن الكثير من أرض فلسطين التاريخية في رهان منها على حل الدولتَين من دون أن تلقى أية استجابة إسرائيلية، بل المزيد من الإصرار على استكمال بناء الدولة اليهودية الكاملة الطامعة ليس في فلسطين فحسب بل في إخضاع المنطقة كلها..

أمام هذا الواقع الصعب، فإننا نحيي ثباتَ الشعب الفلسطيني وصمودَه، وندعوه إلى توحيد صفوفه ونبذ مظاهر الانقسام الحالية كلها، ونقول للدول العربية بأن سياسات التطبيع الراهنة، وكما تُثبت الوقائع، لم تؤدِ إلى تشجيع العدو على الموافقة على حل سلمي عادل بل إنها تشكل حافزاً له للمزيد من التمرد على هذا الحل، ما يتطلب مراجعة هذه السياسات وممارسة المزيد من الضغوط على هذا الكيان باعتبارها السياسة الأكثر جدوى في الحد من الأطماع الإسرائيلية التي لا حدود لها.

أما في لبنان، في الوقت الذي نحيّي فيه المقاومة والجيش اللبناني على دورهما في رد عدوان العدو الصهيوني وحماية لبنان من كيد هذا العدو، فإننا نتطلّع إلى تحصين مشهد الوحدة الوطنية الذي تجلى فيه خلال مواجهة العدو الصهيوني والرد عليه من خلال الجيش والمقاومة، ووحدة الموقف الداخلي الرسمي والشعبي معاً، لمنع العدو من استباحة لبنان مجدداً، ولكي يبقى البلد في مأمن من اختراقات العدو واعتداءاته..

وفي الوقت نفسه نتطلع إلى الخروج من النفق المظلم على الصعيد الاقتصادي المالي الخطير الذي يعيشه هذا البلد، فإننا مع كل خطة اقتصادية إصلاحية تَحُول دون الانهيار على ألا تكون على حساب الطبقات الفقيرة، ونريد لهذا الشعب أن يؤدي دورَه المطلوب منه في ممارسة ألوان الضغوط كلها على المسؤولين حتى ننتهي من منظومة النهب الهدر والفساد التي أوصلت البلد إلى حافة الانهيار..

لقد أُريد من هذا البلد أن يبقى ساحة للصراع بين الطوائف والمذاهب تحت عناوين حقوق هذه الطائفة أو تلك، ونحن نريده أن يكون دولة المواطنة القائمة على حفظ حقوق جميع أبنائها، وأن يكون النموذج الذي يحمل إلى العالم رسالةً روحية تؤكد على قدرة الأديان على التكامل فيما بينها على قاعدة القيم الأخلاقية والإنسانية المشتركة، والتي نريد لها أن تكون ليس فقط هي الحاكمة في العلاقة بين اللبنانيين بل في العلاقة بين الدول والشعوب كلها.

من جهة ثانية رعى سماحته حملة التبرعات التي أقامتها لجنة أصدقاء مسجد الحسنين(ع).

 

Leave A Reply

في كلمة يوم العاشر من محرم في الحسنين(ع) | فضل الله: للإسراع في تشكيل الحكومة تجنبا للاهتزاز استقرار الوطن

أكد سماحة العلامة السيد علي فضل الله على ضرورة إبقاء عاشوراء عنوانا للوحدة الإسلامية لأن الإمام الحسين(ع) كان داعية إصلاح ولا يمكن أن يكون داعية فرقة منوها بالشعب الفلسطيني المتمسك بقضيته رغم كل الظروف الصعبة داعيا القيادات اللبنانية إلى الإسراع في تشكيل الحكومة وأن تخرج من حساباتها الخاصة إلى حساب الوطن وأن أن تتحمل المسؤولية في خطابها السياسي بما يحول دون إحداث أي اهتزاز في استقرار البلد.

 

جاء ذلك في الكلمة التي القاها سماحته في مسجد الإمامين الحسنين(ع)في حارة حريك بعد تلاوة المصرع  الحسيني: بوركت هذه الدموع الحارة الصادقة التي كانت وستبقى تنهمر وهي لن تنقطع.. هي ليست دموع الضعفاء، بل دموع الأقوياء الذي يلبون الحسين(ع) ويقفون بعدها في ساحات التحدي حيث هناك صراع بين الحق والباطل، بين الإصلاح والفساد وبين العدل والظلم.. هي دموع رفض لكل الذين صنعوا المأساة في التاريخ ومن يصنعوها.. هي دموع حب ولاء للحسين(ع) لأصحابه وأهل بيته، لكل هؤلاء الذين قدموا أغلى ما عندهم، لا لشيء إلا لأجل الله، لقد كان الله هو رائدهم، هو هدفهم، لأجله قدموا التضحيات وهانت الآلام والجراحات.. أرادوا أن يؤكدوا بدمائهم أنه عندما يكون الله حاضراً في العقول والقلوب وساحة الحياة يكون الحق ويكون العدل ويكون الصلاح وتكون المحبة والمواقف العزيزة ويكون الإنسان إنساناً..

 

فلا يمكن أن تكون مع الله وأنت تقبل بفساد أو تؤيد فاسداً أو ترضى بظلم، أو تكون ظالماً أو لا تشهر سيف الحق والعدل أو لا تنصر الداعين إليه أو أن تكون دليلاً..

لقد كان الله سبحانه وراء كل هذه التضحيات، هو وراء ما قاله الحسين(ع): إنّي لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله.."..

 

هو وراء كل الغيرة على الحق وعلى مصالح الناس عندما قال: "ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه.. وأن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتولّوا عن طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله، وحرّموا حلاله.."..

 

وكان الله هو السر في العزيمة والإرادة عندما قال: "وَاللَهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي‌ إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ.. أَلاَ وَإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيِّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ : بَيْنَ السِّلَّةِ وَالذِّلَّةِ؛ وَهَيْهَاتَ مِنَّا الذِّلَّةُ! يَأْبَي‌ اللَهُ ذَلِكَ لَنَا وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَحُجُورٌ طَابَتْ وَطَهُرَتْ، وَأُنُوفٌ حَمِيَّةٌ ، وَنُفُوسٌ أَبِيَّةٌ، مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طَاعَةَ اللِئَـامِ عَلَي‌ مَصَـارِعِ الْكِرَامِ"..

 

لذلك عاشوراء ليست تاريخاً، هي تمتد حيث هو الله وحيث هي رسالاته.. فنحن نرى الحسين(ع) في كل الرسل وفي كل الرسالات السماوية، هو ليس حركة منفصلة عن هذا التاريخ..

ولذلك نقول عنه في زيارة وارث، السلام عليك يا وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وعلي والحسن.. وهذا الخط عبر عنه في كربلاء وكان حاضرا فيمن كان بعده من الأئمة(ع) وستتوج هذه المسيرة بالعدل الذي سيتحقق على يد مهدي هذه الأمة(عج)

لذلك نقولها أن الحسين(ع) ليس حالة خاصة، هو جزء من مسار انتهجه الأنبياء والرسل وسيبقى إلى يرث الله الأرض ومن عليها..

وها نحن اليوم نجتمع مع كل المحبين للحسين(ع) ومحبو الحسين(ع) هم كل المسلمين وكل حاملي راية العدل والحرية والشموخ دائماً.. ونتمنى أن يكون اجتماعنا شاملاً على مستوى المسلمين، لأن الحسين بكله هو عنوان للمسلمين جميعاً.. وكل الأديان لأن رسالاتهم لكل الإنسانية، والتي يمثل الحسين تعبيراً عنها.

 

إننا نجتمع لا لنكتفي بأن نذرف دموع المحبة والولاء وصدق الانتماء لأهل بيت رسول الله(ص) فحسب، بل لنعاهد الله الذي عاهده الحسين(ع) ومن معه.. فصدقوا مع الله عهده: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}..

 

سنعاهد الله على أن ننحاز لمنطق الحسين(ع)، أن لا نبايع فاجراً أو قاتلاً أو فاسداً أو ظالماً، لا باليد ولا بالكلمة أو الموقف حتى لو كان وراءه الدنيا وكل ما فيها.. وأن نكون دعاة إصلاح، نصلح ما فسد من واقعنا وما أكثر ما فسد مما يحتاج إلى إصلاح..  إلى بناء أن نصلح بيوتنا، علاقاتنا الأسرية والاجتماعية، أن نصلح واقعنا السياسي والاقتصادي والأمني.. أن نكون الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر الذين لا يسكتون على باطل أو منكر.. وأن نقف في وجه من يحللون الحرام ويحرمون الحلال ويُحرفون الدين أو يغالون فيه.. أن لا نجامل الذين يتلاعبون بأموال الناس وبمقدراتهم ومصائرهم ومستقبلهم حتى لو كانوا أقرب الناس إلينا، ولن نقبل أبداً أن نكون عبيداً لأحد نقر له ونقبل بما يملي علينا..

 

وسنكون الأوفياء لمن كانوا الأوفياء لدينهم وقيمهم ومبادئهم ولكل الذين بذلوا أنفسهم في كربلاء، لن نسمح أن تشوه صورتهم تحت عنوان التعصب لهم أو الحب، سنقدمهم كما هم كانوا بصورتهم المشرقة والعزيزة..

إننا نريد أن يبقى الحسين(ع) كما في نفوسنا في كل العالم، عنواناً للعزة والكرامة والإباء، لن نقدمه بصورة الضعيف المكسور، المهزوم، المنحني الظهر والذي يبكي في أرض المعركة وهو العارف بأن جهاده سيوصله إلى حيث وصل..

سيبقى الحسين هو الذي يقول: "لا أرَى الْمَوتَ إلاّ سَعادَةً، والحَياةَ مَعَ الظَّالِمينَ إلاّ بَرَماً"..

 

سأمضي وما بالموت عار على الفتى **** إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما

أقدم نفسي لا أريد بقاءها *** لنلقى خميساً في الهياج عرمرما

فإن مت لم أندم وان عشت لم ألم *** كفى بك عاراً أن تذل وترغما

 

هذا لا يعني أن الحسين لم يكن يملك عاطفة، كان يملك أعلى درجات العاطفة، لكننا منه نتعلم أن العاطفة تتجمد عندما تكون الرسالة في خطر وعندما يكون الموقف موقف عز للتاريخ..

سنحرص على أن نقدم زينب بكل عنفوانها الذي عبرت عنه في أرض المعركة وبعدها، فهي لم تخمش وجهاً ولم تشق جيباً ولم تضرب رأسها بالمحمل كما يصورها البعض.. وحاشا وهي زينب أن تخرج عن إرادة الحسين(ع) عندما قال لها: "أُخية: لا تشقّي عليّ جيباً، ولا تخمشي عليّ وجهاً، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور.. ولا تشتمي بي الأعداء"..

سنراها كما عبرت بعد كربلاء، عندما مشيت مشية أبيها علي(ع) وشمخت بشموخه أمام القوم، لتقول: "اللهم تقبل منا هذا القربان".

ولتسقط عنفوان يزيد وتزيل من على وجهه نشوة النصر قالت له: "كد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا"..

سنبقى نرى في كربلاء شموخ علي الأكبر عندما يقول: "أولسنا على الحق، إذن لا نبالي أن نموت محقين"..

ونسمع العباس رغم ما حصل عندما قطعت يمينه ويساره وهو يقول:

والله إن قَطعتُمُ يمينــــي *** إنّي أُحامِي أَبَداً عن دِيني

وسنبقى نرى في شيوخ وشباب وفتيان كربلاء ما قالوه: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك، وشرّفنا بالقتل معك، وإننا لا نرضى إلا أن نكون معك في درجتك يا بن رسول الله.

 

سنبقى نرى عاشوراء عنواناً للوحدة الإسلامية.. فالحسين(ع) داعية إصلاح ولا يمكن أن يكون داعية فرقة.. وهو لم يفرق، بقي يحاور حتى الرمق الأخير لعله يوحد الصفوف.. وكانت المشكلة في الآخرين الذين لم يحملوا قيماً بل مصالح عنوانها اشهدوا لي عند الأمير..

وهو في شخصيته كان عنواناً للوحدة، لأن كل المسلمين يتفقون على ما قاله رسول الله(ص): "حسين مني وأنا من حسين".. وهو في كل كلماته ومواقفه لم يطلق شعاراً مذهبياً.. وقد كان أول بيان لانطلاقته: "مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغِرْ عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه.."

 

وسنبقى نعمل على أن نقدم الحسين(ع) بالصورة التي تجعل الحسين(ع) يصل إلى كل أرض وتنعم به الإنسانية كلها.. لن نقدمه بضرب الرؤوس ولا بالسياط ولا بالمشي على الجمر ولا بكل الممارسات التي لا تمت إلى الحسين(ع).. ولو كانت لكان أولى بها الأئمة من بعده.. ومن اتبعهم بإحسان.. ونحن مع إيماننا بأن البعض يعبر من خلالها عن حبه للحسين(ع).. ولكننا نراه أخطأ الطريق إلى الحسين(ع) بل ابتعد عنه.. لقد حدد الحسين(ع) الطريق للتعبير عن حبه، فطريق الحسين هو حدده في كل موقع للحق وللعدل..

 

لقد أدى الذين كانوا في كربلاء دورهم، فكانوا أوفياء للحسين(ع) وأخلصوا له، وكانوا أوفياء لرسول الله(ص) ولله سبحانه.. ويبقى ونحن في هذه المرحلة-أن نؤكد إلى أننا نكون أوفياء لهم فقط حين تنتمي إلى قضاياهم..

لا بد أن نقف مع قضية فلسطين، أن لا نسمح أن تنسى هذه القضية، لأنها تمثل شرفنا وعزتنا وهي إن سقطت فسوف تسقط كل قضايانا..

 

أن نكون الواعين للخطط الذي تهدف إلى إسقاط هذه القضية، وخلق اليأس في النفوس من حملها والعمل لأجلها والقبول بالاستسلام، أن نواجه الاستكبار الذي لا يتوقف عن إشغال الدول والشعوب العربية والإسلامية بمشاكلها الخاصة، وتوفير كل مناخات وظروف إشعال الخلافات وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية، فيما بينها وتعميق أحقادها،  ولا يتوقف عن دعم العدو الصهيوني وتغطيته في حربه الشرسة على الشعب الفلسطيني.

 

إننا سنبقى نشد على أيدي الشعب الفلسطيني ونثمن تمسكه بقضيته رغم كل الظروف الصعبة، ونؤكد له أنه لن يبقى وحيداً، ما دام على خط الرفض والمقاومة، والذي نريده أن يتعزز في كل ساحات الصراع مع العدو الصهيوني.. ونقف مع الشعب الإيراني في رفضنا لسياسة التجويع التي تُمارس عليه لإسقاطه ودفعه إلى التنازل عن حمل القضية الفلسطينية وفي نصرة الشعوب المستضعفة.

 

ونقف مع سوريا في مواجهة الاعتداءات الصهيونية التي تتواصل ضدها والتي تهدف وبكل وضوح إلى إضعافها وإنهاكها لإبقاء الاستنزاف في هذا البلد.. وإشغاله عن لعب دوره في مواجهة التحديات..

ونقف مع شعب اليمن في مواجهته للعدوان الذي يطاول بشره وحجره، ولندعو إلى إيقاف هذا المسلسل الذي إن استمر فسيشكل كارثة للأمة وكارثة للإنسانية..

 

ونعود إلى لبنان، لنؤكد وفي عاشوراء على ضرورة التمسك بصناعة مواقع القوة فيه وعدم التنازل عن أي قوة يمتلكها وهي التي جسدها تلاحم الجيش والمقاومة في مواجهة أطماع العدو الصهيوني وعدوانه والإرهاب التكفيري..

وإننا في الوقت نفسه، ندعو كل القيادات السياسية الرسمية وغير الرسمية أن تتحمل المسؤولية في الخطاب السياسي بما يحول دون إحداث أي اهتزاز في استقرار البلد.. والتي نخشى القول أنها بدأت تطل برأسها من أكثر من باب، ولا بد من إغلاقها جميعاً وهي مسؤولية تقع على كل صاحب منبر وموجه وداعية..

إننا نجدد دعوتنا لكل القوى السياسية أن تسارع  في تشكيل الحكومة بأن تخرج من حساباتها الخاصة إلى حساب الوطن..  والوصول إلى خيار لا بديل عنه هو خيار التوافق..

 

وأخيراً ندعو مجدداً إلى طي ملف السجال المتواصل حول الأحجام والصلاحيات والذي سئم اللبنانيون من سماعه، والذين لا يرون مبرراً له لتعطيل الدولة وعدم تشكيل الحكومة، بعد أن بعد بات واضحاً مدى الترهل الذي وصلت إليه الأوضاع على مستوى استمرار الفساد وتعطيل أبسط الخدمات وتفاقم التأزم على المستوى الاقتصادي والمالي..

Leave A Reply

في كلمة يوم العاشر من محرم في الحسنين(ع)…فضل الله: لتأكيد الوحدة الداخلية والحذر من التطبيع العربي الصهيوني

شدد سماحة العلامة السيد علي فضل الله على ضرورة حماية الوحدة الوطنية والإسلامية وعلى مواجهة الفساد مقدرا تضحيات الجيش اللبناني والمقاومة  التي بذلت لحماية لبنان من  الاحتلال والخطر الإرهابي داعياً إلى تكاتف عربي إسلامي لحفظ المنطقة من التقسيم  مؤكداً على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومحذرا من  محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني وإدخاله في الجسم العربي.

 

 جاء ذلك في الكلمة التي القاها سماحته في مسجد الإمامين الحسنين(ع) بعد تلاوة مصرع الإمام الحسين(ع) ومما جاء فيها مباركة هي هذه الدموع الحارة الصادقة الممتلئة حباً وولاء لابن بنت رسول الله(ص) ولكل هذه الصفوة الطاهرة من أصحابه وأهل بيته الذين وقفوا معه ولم يخذلوه وكانوا كما عرفهم الحسين(ع): "فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعا خيراً"..

 

أيها المواسون: السؤال لابد أن نطرحه على أنفسنا لماذا جئنا اليوم إلى هنا ومعنا كل الذي يقيمون مجالس في كل العالم.. هل جئنا لأداء واجب نؤديه كل سنة لنقيم مجالس عزاء ونذرف الدموع ونلطم الصدور وينتهي الأمر عند هذا الحد ليعود بعد ذلك كل إلى حياته ويستأنف حياته سوى من شحن روحي وعاطفي سرعان ما يزول… هل بذلك نكون وفينا للحسين وأصحابه وأهل بيته..

 

إننا هنا نأتي كل سنة حتى نؤكد انحيازنا التام للحسين(ع) ولخياراته في كربلاء لنعيد استنهاض هممنا والحياة فينا فالحسين بالنسبة لنا ليس تاريخاً أو ثائراً كبقية الثوار أو مصلحاً كبقية المصلحين بل هو إمام نقتدي به ونرى كل ما قام به حجة وشريعة وهو مسؤولية ومن واجبنا أن نحتذي به..

 

 لا نحتاج إلى التأكيد أن الحسين(ع) في كل ما انطلق لم يكن خياراً ذاتياً هو خيار رسول الله(ص) الذي على اسمه وبهديه كانت ثورته ولذلك نستطيع أن نؤكد أن لو كان حاضراً  لكان في موقع الحسين(ع) وهو بالطبع خيار علي(ع) والحسن(ع) لو كانا حاضرين وهو خيار كل إمام من الأئمة وأن اختلفوا في أساليبهم فهم توحدوا في منطلقاتهم وأهدافهم.

 

نحن هنا لنؤكد أن منطقنا وأهدافنا هو منطق واهداف الحسين وإن كان الأسلوب قد يختلف فالثورة ليست هي الأسلوب الوحيد لتحقيق الأهداف ومنطق الحسين(ع) هو الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر… منطقه أن لا نبايع ولا نؤيد الفاسق والفاجر والقاتل والفاسد… منطقه هو تغيير أي واقع يعمل على أن يحل حراماً ويحرم حلالا ويستأثر بأموال الناس ويعطل الحدود ليعاقب الضعفاء من الناس لا الكبار.

 

ومنطقه هو أن الحياة قيمتها بمقدار ما تكون عزيزة وحرة فيما السعادة كل السعادة عندما يكون الموت سبيلا لعزة أمة وحريتها "إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً ، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً"..

 

منطقه منطق الأحرار الذين لا يبيعون مواقفهم لقاء مال أو دنيا أو موقع: "والله لا أعطيكم إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد".. منطقه منطق الذي يبيع نفسه لله لا لاحد غيره ولاجل هذا المنطق قدم الحسين ومن معه التضحيات الجسام .

ونحن عندما ننحاز للحسين(ع)  ونعلن ولاءنا فمن مسؤوليتنا أن نعلي من شأنه وموقعه أن لا نقبل بأن يساء إلى صورته وتشوه مواقفه في كربلاء وفي تطلعاته ممن يشوهون صورته أو يقدموه على غير حقيقته.. بحيث يبدو عندهم الحسين ضعيفاً مهزوماً منكسراً بدلا من العنفوان الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء

 

وهنا فإننا نقول للذين يضربون رؤوسهم لقد أخطأتم الطريق بل أسأتم، فليست هذه هي الصورة التي تعبرون بها عن حبكم وولائكم، فالحسين لم يجرح ولم يعفر جسده بالتراب ولم يعانِ إلا في مواجهة أعدائه.. هو لم يفعل ذلك في أي موقع آخر.. ثم أي صورة هي تلك التي نقدمها للعالم عن أتباع الحسين(ع) وأصحابه، وأهل البيت الذين شدّدوا على أن نكون زيناً لهم لا شيناً عليهم..

 

ونقول لكل الذين يشوهون سيرته لإثارة العاطفة واستدرار الدموع ان الحسين لا يحتاج حتى يثير الحزن فينا إلى كل هذه الإضافات أو المغالاة

 

  ومن هنا ومن موقع الحسين وكل الدماء التي نزفت في كربلاء سنكون الحريصين على نقاء الدين وأصالته كما حرص الحسين(ع) سنكون الحريصين على أن تكون الحياة ساحة عزة وحرية وأباء وكرامة… سنكون حريصين على أن نكون في كل ساحة للحق والعدل والحرية والعزة ولن نتخلف بالكلمة والموقف والحضور… ومسؤوليتنا في ذلك تتسع لتشمل كل إنسان مظلوم ويعاني أو أمة مظلومة وتعاني مهما كان دينهم أو مذهبهم..

 

ولذلك وفي هذا البلد سوف نظل ندعو إلى الوحدة الإسلامية والوطنية ونؤكد على احتواء كل الخلافات الداخلية صوناً للوطن واستقراره الداخلي.. في الوقت نفسه نصر على الإصلاح في كل ما يطاول البنيان الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للإنسان اللبناني، وسنصر على مواجهة الفساد الذي كان ولا يزال هو السبب الرئيسي في تجويع الناس والإجحاف بحقوقهم، وهدر المال العام. وبالتالي مستقبل هذا البلد..

 

إن اللبنانيين من حقهم أن يعيشوا في بلد يحترم إنسانيتهم ويبقيهم في أرضهم ولن يكون كذلك إلا إذا كان يراقب ويدقق ويحاسب هذه الطبقة السياسية .

 

إننا نريد لبنان أن يكون انموذجاً يقدم للعالم رسالة تؤكد فيها الأديان والمذاهب على قدرتها على التلاقي والتعاون في مواجهة من يرى أن وجود الأديان مع بعضها البعض هو مشروع حرب وفتنة… وعندما نتحدث عن تلاقي الأديان فإننا نتحدث عن القيم التي ينبغي أن تكون هي الحاكمة فالرسالات ما جاءت إلا لتبعث القيم ونتحدث عن العدالة التي تبقى هي هدف الأديان والرسالات

 

ولا يمكن أن نتحدث عن لبنان إلا ونتحدث عن لبنان القوي الذي نريده والذي كان تعبيره هزيمته لعدو من اعتى الأعداء وهو العدو الصهيوني في العام 2000 و2006 وهو لا يزال يشكل خطراً… ولبنان القوي في إبعاد خطر الإرهاب التكفيري.. وهنا نقف بإجلال أمام تضحيات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية والمقاومة التي بذلت من شبابها وبرو حسينية ولا تزال تبذل وهي على استعداد أن تقدم المزيد من أجل الوطن وابعاد الخطر عن هذه المنطقة

 

في هذا الوقت تأتي عاشوراء والعالم العربي والإسلامي يعيش أسوأ الظروف بفعل الفتن والحروب التي أكلت وتأكل اخضره ويابسه وجعلته في مهب مشاريع الدول الكبرى التي استثمرت الكثير من الثغرات لتمسك بقرارات هذا العالم ومستقبله. واستفادت من منطق تكفيري الغائي بدأ يتمدد داخل هذه الأمة هذا ما نشهده في العراق وسوريا واليمن وليبيا والعديد من البلدان.

 

إننا نرى ان من المسؤولية العمل على الاصلاح في هذا العالم بمعالجة الأسباب التي أدت إلى جعل هذه المنطقة من العالم أرضاً خصبة لحصول الفتن والحروب … وكذلك معالجة الأسباب التي أدت إليها سواء ذات الطابع الديني أو المذهبي أو القومي أو غيرها من الأسباب من خلال العمل لتحقيق العدالة والحرية في الأمة، وبكف أيدي العابثين بالفتن، وبالوعي الذي يجعل هذا العالم العربي والإسلامي يرى نفسه في دائرة الاستهداف لإخضاعه وتقسيمه… وأنه لن يكون له قرارات إلا إذا توحدت جهوده وخرج من سياسة التخويف وخلق الهواجس والصراع الدامي الذي تحول من العدو الصهيوني إلى داخل هذا العالم  وفي كل مرحلة نتج أزمة جديدة بين هذا البلد وذاك.. ونحن نعتقد أنه بالحوار سيكتشف الجميع أن لا حقيقة للكثير من الهواجس والمخاوف.

 

ويبقى الكيان الصهيوني هو الأساس فيما تعاني منه المنطقة والشعب الفلسطيني.. ومن هنا  فاننا مدعوون وانطلاقاً من عاشوراء إلى الوقوف مع الشعب الفلسطيني في سعيه لحريته وتحقيق حلمه بالعودة وإلى اليقظة من محاولات إدخال هذا الكيان إلى داخل الجسم العربي والإسلامي والتطبيع معه مستفيدين من واقع الفتنة ومن تداعيات الصراع الجاري في هذا العالم.

 

وانطلاقا من عاشوراء لا بد من مواجهة التشويه الذي أصاب صورة الإسلام سواء في نفوس المسلمين أو غيرهم من خلال المنطق التكفيري الالغائي وهذا يستدعي جهوداً حثيثة لذلك بإعادة إظهار الإسلام الذي بات يوصف بأنه داعية عنف ومشكلة للإنسان بأن هذا الدين  هو رحمة للعالمين وهو نهوض للحياة ومستقبلها.

 

ستبقى كربلاء بكل مجرياتها تمثل لنا البوصلة التي نستهدي بها ونأخذ منها الروح والعزيمة والأقدام والمدد الروحي لنعمل للعدل وللحرية وللإنسان  كل الإنسان..

 

من جهة ثانية رعى سماحته حملة التبرع بالدم التي اقامتها مستشفى بهمن بمناسبة ذكرى عاشوراء

Leave A Reply