العلامة فضل الله في خطبة الجمعة: لن نتمكن من الخروج من النفق الطائفي بظل هذه الطبقة السياسية

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

 

لبنان

البداية من لبنان، الَّذي لا يزال مستودعاً لمآزق وأزمات لن تنتهي إن لم تغيِّر القوى السياسية وغير السياسية أداءها في حكم هذا البلد، وأسلوبها الَّذي تتعامل به مع الناس، فالأداء السّياسيّ لم يرتقِ لأن يأخذ بعين الاعتبار المصلحة العامة على حساب المصلحة الخاصة، أو يجعل من أولويّاته آلام الناس ومعاناتهم، أو يعتمد سياسة التخطيط، فلا تزال سياسة الارتجال هي التي تحكم هذا البلد، ويكفي أن لا وجود لوزارة التخطيط، مع كونها من أهمّ الوزارات!

 

فالنّاس في هذا البلد لم يصلوا إلى مرحلة يُشعرون فيها من هم في السّلطة، بأنّهم في غير مأمن من ردود أفعالهم، فهم قادرون على تدجينهم، واستيعاب ردود أفعالهم الآنية بالوعود والأمنيات، أو استثارة غرائزهم الطائفيّة والمذهبيّة، أو إمساكهم بلقمة عيشهم ومصالحهم.

 

ضمن هذا الجوّ، تستمرّ المراوحة حول القانون الانتخابيّ، حيث لا يزال كلّ فريق سياسيّ يسعى إلى تمرير قانون يتناسب مع مصالحه، ويؤمِّن له الموقع المميّز داخل طائفته، من دون أن يأخذ بعين الاعتبار حساب الوطن ومستقبله، وتوفير عيش كريم للأجيال القادمة، يخرجها من أزمات الحاضر المتفاقمة.

 

ولذلك، لا يتوقَّع اللبنانيون في ظلّ وجود هذه الطبقة السّياسيّة، التوصّل إلى قانون انتخابيّ يعبِّر عن تطلعاتهم، ويفتح باب الخروج من هذا النّفق الطائفي الَّذي يعيش فيه الوطن. وهذا ما شاهدناه في موضوع الضرائب، فقد نام اللبنانيون على إيقاع ما وُعِدوا به من القوى السياسية، بأنها لن تمرّر الضرائب التي تمسّ الفقراء والضعفاء لحساب سلسلة الرتب والرواتب، التي تبقى حقاً للموظفين في القطاع العام والقوى الأمنية، فاستيقظوا على لائحة ضرائب، لم تكن مجرد تسريبات، إنما كانت على الملأ، ونُشِرَت في وسائل الإعلام. ولولا الإحراج الذي تعرضت له القوى السياسية، لما حصل ما حصل في المجلس النيابي من عدم استمرار الجلسة وفقدان النصاب، وإن كنا نعتقد بأن التراجع عن الضرائب لن يتمّ في ظلّ إصرار الحكومة، وتوفّر شبه إجماع سياسيّ على إقرارها.

 

ونحن هنا، نودّ الإشارة إلى أننا لسنا ضد الضرائب كمبدأ، حتى لا يُقال إننا نريد أن نصل إلى ما وصلت إليه البلدان التي أفلست تحت وطأة ديونها، كاليونان، فالضرائب موجودة في كلّ بلدان العالم، والدولة تعيش على الضرائب، كما على مواردها وثرواتها الطبيعية.

 

ونحن مقتنعون بأنَّ الناس ستقبلها، ولن ترفضها عندما ترى أنها لن تذهب هدراً، ولن يأكلها الفساد، أو تسقط في مزاريب الهدر وتوضع في جيوب المتنفذين، وعندما تقوم الدولة بمسؤولياتها في الماء والكهرباء والصحة والتعليم، وفي تأمين البُنى التحتية، وتوفير التأمينات الاجتماعية.

 

لذلك، نقف مع كلّ الأصوات التي تقول للمسؤولين: قوموا بما عليكم من مسؤوليات وواجبات، لتطالبوا بعدها الناس بما عليهم، ونحن لن نيأس، وسنبقى نراهن على الأصوات الحرّة التي تحرّرت من الحسابات الخاصّة، وأخلصت للحساب العام.. ويبقى رهاننا في الأساس على إنسان هذا البلد، بأن يرفع صوته، فلا يبقى خافتاً، ولا يظنّ أن صوته غير مؤثِّر، فهو مؤثِّر إن أصرّ على مواقفه، وكان حكيماً.

 

سوريا

وإلى سوريا، التي أنهت عامها السادس من الصراع الدائر على أرضها، والذي أدى إلى سقوط مئات الآلاف من الضحايا، ومثلهم من الجرحى والمعوّقين، وملايين المشرّدين الذين هاموا على وجوههم داخل وطنهم وفي بلاد الله الواسعة، وهو صراع استهدف قوة هذا البلد ووحدة أرضه وشعبه، وجعله في مهبّ الرياح الدولية والإقليمية.

 

في هذا الوقت، تلوح في الأفق مؤشّرات توافق من لقاءات الأستانة وجنيف، نأمل أن تتلقّفها كل القوى السياسية الحريصة على استقرار هذا البلد وأمنه، للخروج من النفق المظلم الذي لن يكون لحساب أحد، والوقوف معاً في وجه الإرهاب الذي يمعن تفجيراً وإرهاباً، وفي وجه كلّ العابثين بوحدة البلد، ولا سيّما الكيان الصهيوني، الذي تؤكد غاراته المتكررة، أنه يريد دوراً أساسياً في أيّ توافق سياسي في هذا البلد.

 

قرار القضاء الأوروبي

ولا بدَّ أخيراً من أن نتوقَّف عند القرار الأخير الصادر عن القضاء الأوروبي، بمنع المظاهر الدينية، ومنها الحجاب. إننا نرى أن هذا القرار يسيء إلى التلاقي الذي نريده بين الشرق والغرب، ويزيد من مشاعر الكراهية التي تتنامى، مع الأسف، في الغرب، ولا نريد أن نرى صداها في الشرق.

 

إننا نعيد التأكيد على القضاء الأوروبي، أن يعي أن الحجاب ليس رمزاً دينياً، بل هو واجب ديني مُلزِم للفتاة، وأن إقصاء الفتيات المحجبات هو إقصاء لشريحة من المجتمع، وخصوصاً أنّهن يردْن المحافظة على التزامهنّ الديني، وهو حقّ من حقوق الإنسان الّذي يفتخر الغرب بالالتزام به، وخصوصاً في اعتباره أن فرص العمل متساوية للجميع.

 

إنّنا ندعو القضاء الأوروبي إلى أن يعيد النظر في قراره، كتشديد على احترام حريّة الإنسان في القيام بواجباته الدينية، بما يقوي العلاقة التي تربط الغرب بالمسلمين، ويحول دون توفير تبرير لدعاة الكراهية والتطرف، ويمنع أي استغلال لتعزيز مواقعم من وراء ذلك..

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 18 جمادى الآخرة 1438هـ الموافق:17 آذار 2017م

 

Leave A Reply