القتالُ في الإسلامِ سبيلٌ لمواجهةِ الظُّلمِ والبغيِ والذّلّ

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}. صدق الله العظيم.

الإسلامُ دينُ السَّلام

لقد جاء الإسلام ليعزّز في الحياة لغة السَّلام، وهو ما دعا إليه الله عندما قال: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}.

وقد حبَّب الله سبحانه وتعالى السِّلم إلى الإنسان المؤمن، عندما أشار إليه بأنّه من أسمائه الحسنى، عندما قال عن ذاته المقدَّسة: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ}، وأنَّ الجنّة التي يتوق إليها الإنسان المؤمن تدعى دار السَّلام {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ}.

وعندما جعل السلام تحية المسلم في الدنيا، وتحيّةً لأهل الجنَّة، حين يقول: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}، وهو ما ينهي به المؤمن صلاته، فالمؤمن لا يبغي الحرب ولا يسعى إليها، وليست غايته في الحياة، وقد نزلت الآية الَّتي تلوناها لتؤكِّد ذلك، عندما وضعت حدوداً للحرب ودعت إلى عدم تجاوزها، حتى لا تتوسَّع دائرتها، وتصبح الأسلوب الَّذي يعتمد في كلِّ الظّروف، وعند كلِّ اختلاف أو نزاع، وأشارت إلى الضّوابط التي ينبغي مراعاتها في أثناء القتال، والأخلاقيَّة التي ينبغي أن تحكمه، كما أشارت إلى أنّ الهدف من القتال، والدَّافع الَّذي لأجله ينبغي أن يتحرَّك المقاتلون، هو القتال في سبيل الله، عندما قالت: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}

فالقتال ينبغي أن يكون للهدف الَّذي يريد الله للحياة أن تبنى عليه، وهو إقامة الحقّ وتحقيق العدالة، فلم يجز أن يكون القتال لمصالح ومنافع شخصيَّة، أو أن يكون وسيلةً للانتقام أو للتَّنفيس عن الأحقاد أو العلوّ في الأرض، أو للاستيلاء على أراضي الآخرين والمسّ بثرواتهم ومقدَّراتهم وإمكاناتهم، وهو لم يقبل بالقتال حتَّى لنشر الدّين الحقّ، وقد عبَّر عن ذلك بكلِّ وضوح في مقولة {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}.

المواردُ الَّتي أُذِنَ فيها بالقتال

وقد حدَّدت الآية، وبكلِّ وضوح، الموارد الَّتي أذن فيها الله بالقتال ودعا إلى الالتزام بها، وقد وردت في عدة آيات، الآية الأولى عندما قال: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ}.

فقد أذن الله بالقتال للَّذين يتعرضون للظّلم، أو للذين احتُلَّت أرضهم وأخرجوا من ديارهم بغير حقّ، حين لا يكون هناك أيّ وسيلة أخرى لدفع هذا الظّلم والاحتلال، فهؤلاء من حقّهم، بل من واجبهم أن يدفعوا هذا الظّلم، وأن يقاوموا هذا الاحتلال ليستعيدوا أرضهم.

وقد اعتبرت الأحاديث الشَّريفة أنَّ من يموت في سبيل ذلك، يحصل على كرامة الشَّهادة عند الله عزَّ وجلّ، ففي الحديث: “مَنْ قُتِلَ دونَ مظلمتِهِ فهو شهيد”، و“مَنْ ماتَ دونَ أرضِهِ ومالِهِ وعرضِهِ فهو شهيد”.

الآية الثّانية التي حثَّ فيها الله على القتال، واستنفر كلَّ من له قدرة عليه للمبادرة إليه، وهي ما جاءت في قوله: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً}.

فهو دعا في هذه الآية كلَّ من يستطيع القتال أن يتحرَّك لرفع الظّلم عن الرجال والنساء والولدان، الَّذين لا حيلة لهم لرفع الظّلم عن أنفسهم، إلا أن يستغيثوا بالله سبحانه، فهؤلاء لا بدَّ من الوقوف معهم والدفاع عنهم، وإلا سيتحمَّلون المسؤوليَّة أمام الله سبحانه، وسيحاسبهم على عدم استجابتهم للدَّعوة إلى الإغاثة.

فقد ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “مَنْ رأى سلطاناً جائراً، مستحلّاً لحرم الله، ناكثاً لعهد الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ثمّ لم يُغيِّر بقولٍ ولا فعل، كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله”.

وفي الحديث: “من سمع رجلاً – أو امرأةَ أو طفلاً – ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم”.

الآية الثالثة: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ…}.

فقد أذن الله بالقتال ودعا إليه لردِّ من يستعملون القوَّة لدفع الناس إلى ترك دينهم، أو من يقفون حجرة عثرة أمامه، بعد أن تستنفد الوسائل لردعهم عن ذلك.

وهذا ما دعا رسول الله (ص) إلى القتال لأجله، فرسول الله (ص) لم يقاتل حتى يدخل النَّاس في الدِّين، بل حارب عتاة قريش الَّذين منعوه من أن يبلغ دعوته، بأن تسبَّبوا له بالأذى الجسديّ والمعنويّ لمنعه من إتمام دعوته، حتى قال: “ما أوذي نبيّ مثلما أوذيت”، وراحوا يكيدون له، ويتآمرون لقتله وإخراجه من أرضه، وعذَّبوا أصحابه وشنّوا الحروب عليه.

هذا كلّه هو ما دفعه لقتالهم وإضعافهم اقتصادياً، إلى أن جاء النَّصر من الله، وراح الناس يدخلون في دين الله أفواجاً.

والآية الرابعة: وهي قوله عزَّ وجلَّ: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ}.

فالقتال قد يكون لمن نقضوا العهود والمواثيق الَّتي أقيمت معهم، وهذا ما حصل مع اليهود في المدينة، الَّذين عندما جاء رسول الله (ص) إليها، أقام معهم وثيقة سميت وثيقة المدينة، والَّتي تنصّ على أنَّ لليهود الحقّ في أن يمارسوا دينهم بكلِّ حريَّة، وأنَّ لهم حقوق المواطنيَّة، شرط أن لا يساندوا أعداء المسلمين ويخلّوا بأمن المدينة، ولكنَّهم نقضوا تلك العهود، وتآمروا مع قريش على رسول الله (ص)، فقاتلهم رسول الله (ص) على ذلك، كما جرى مع يهود بني قريظة وبني النّضير وبني قينقاع وفي خيبر.

والآية الأخيرة: هي لفرض السَّلام الداخلي، عندما تبغي جماعة من المسلمين على جماعة أخرى، ولا تستجيب لصلحٍ تُدعى إليه، وهو ما أشار إليه الله سبحانه: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ…}.

وقد شدَّدت الآية على أنَّ القتال ينبغي أن يستهدف المقاتلين والمعتدين لا غيرهم، عندما قال: {قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا…}، فلا قتال للمسالمين، أو لمن لا يشهرون السِّلاح لمنع النَّاس من الالتزام بالدّين الحقّ، بل دعا إلى برِّهم، وهذا ما ِأشار إليه سبحانه، عندما قال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}.

وهذه كانت وصيَّة رسول الله (ص) الدائمة للمقاتلين عندما يذهبون للقتال، فكان يشدِّد عليهم أن لا يقطعوا شجرةً، ولا يقتلوا امرأةً أو صبياً، ولا وليداً ولا شيخاً فانياً، ولا يجهزوا على جريح، ولا يمثّلوا بالقتلى، ولا يسرفوا في القتل، ولا يهدموا معبداً، ولا يخرِّبوا بناءً عامراً.

رفضُ حياةِ الذّلّ

أيُّها الأحبَّة: إنَّنا أحوج ما نكون إلى تعزيز هذه المفاهيم، للردّ على كلّ الذين يرون الإسلام دين القتال، وأنَّ القتال عنده هو المبدأ والقاعدة، والسِّلم هو استثناء، فيما الأمر ليس كذلك، فقد جاء الإسلام ليعزِّز في الإنسان حبَّ الحياة، وهو ما دعاه إلى الحفاظ عليها وعدم المسّ بها، لكنَّه لا يقبل الحياة الذَّليلة، ولا يرضى أن يسمع مظلوماً يستغيث به ولا يتحرَّك لنجدته، أو أن تصادَرَ حريّتُه وأمان من يعيشون معه، أو أن يسكت على أرضٍ له احتلَّت، فإذا حصل كلّ ذلك، عندها لا بدَّ أن يخوض غمار الحرب بكلِّ قوّة ومنعة، موقناً بإحدى الحسنين؛ إمَّا النصر، أو الشهادة، وعندها يصبح الموت سعادة وعزّة وكرامة، وهو ما عبَّر عنه الإمام الحسين (ع) عندما قال: “إنّي لا أرى الموت إلَّا سعادة، والحياةَ مع الظَّالمين إلَّا بَرَماً”، وعندما قال: “لَا وَاللّهِ لاَ أُعْطِيكُمْ بِيَدِي‌ إعْطَاءَ الذَّلِيلِ؛ وَلاَ أُقِرُّ لَكُمْ إقْرَارَ الْعَبِيدِ”، وذلك قول أمير المؤمنين عليّ (ع): “فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين”.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثَّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نحرص في أواخر هذا الشَّهر المبارك، شهر شعبان، على أن نتزوَّد من معين أمير المؤمنين (ع)، بقراءة المناجاة الشعبانيَّة الَّتي تفيض بمعاني الحبّ لله ورجاء رحمته والتقرّب إليه، وفي ذلك قوله: “إِلهِي، إنَّ مَنْ انْتَهَجَ بِكَ لَمُسْتَنِيرٌ، وَإِنَّ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ لَمُسْتَجِيرٌ، وَقَدْ لُذْتُ بِكَ، يا إِلهِي، فَلا تُخَيِّبْ ظَنِّي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلَا تَحْجُبْنِي عَنْ رَأفَتِكَ… إِلهِي، إنْ كانَتِ الخَطايا قَدْ أَسْقَطَتْنِي لَدَيْكَ، فَاصْفَحْ عَنِّي بِحُسْنِ تَوَكُّلِي عَلَيْكَ. إِلهِي، إِنْ حَطَّتْنِي الذُّنُوبُ مِنْ مَكارِمِ لُطْفِكَ، فَقَدْ نَبَّهَنِي اليَّقِينُ إِلَى كَرَمِ عَطْفِكَ. إِلَهِي، فَلَكَ أَسْأَلُ، وَإِلَيْكَ أَبْتَهِلُ وَأَرْغَبُ، وَأَسْأَلُكَ… أَنْ تَجْعَلَنِي مِمَّنْ يُدِيمُ ذِكْرَكَ، وَلَا يَنْقُضُ عَهْدَكَ، وَلَا يَغْفَلُ عَنْ شُكْرِكَ، وَلَا يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِكَ…”.

أيُّها الأحبَّة: إنَّنا أحوج إلى هذه النفحات الروحيّة الإيمانيّة التي تقرّبنا إلى الله، وتزيل الحواجز بينا وبينه، والتي بها سلامة الدنيا والآخرة، وتجعلنا، في المقابل، أقدر على مواجهة التحدّيات الَّتي لا نستطيع أن نواجهها إلَّا من خلاله.

غزَّةُ تحتَ ضغطِ التَّجويع

والبداية من غزَّة الَّتي بات العدوّ الصّهيوني يتبع فيها سياسة جديدة، وهي سياسة التَّجويع، من خلال منع وصول المؤن إلى أهاليها، حيث تنتظر مئات الشَّاحنات على المعابر بحجَّة تفتيشها، وارتكاب أفظع المجازر إن وصلت إليهم، وهو ما شهدناه في المجرزة الَّتي حصلت أمس لمن كانوا ينتظرون، وبشغف، قافلة المؤن أن تصل إليهم، هذه المجزرة الجديدة الَّتي ارتكبت على مرأى ومسمع من العالم، وباتت تمرّ مرور الكرام، سوى من بيانات إدانة وشجب دون أن تترك أثراً في الواقع، أو تسمن أو تغني من جوع هذا الشَّعب، أو تخفِّف من معاناته.

ورغم كلِّ ذلك، يستمرّ الشعب الفلسطيني بمواجهة هذا العدوّ، عبر الإصرار على ثباته في أرضه، وعبر مقاومته التي تسطِّر كلَّ يوم أروع ملاحم البطولة والفداء حتى الاستشهاد، رغم عدم تكافؤ القدرات، وتجعل تموضعه في أيّ مكان يصل إليه مكلفاً، وهذا ما أشار إليه وزير الأمن الإسرائيلي عندما قال: إنَّ إسرائيل تدفع أثماناً باهظة في أعداد القتلى والجرحى.

في هذا الوقت، لا تزال المفاوضات التي تجري لإيقاف إطلاق النَّار رهينةً بشروط هذا الكيان الَّذي يريد أن يحصل من خلالها على ما لم يستطع أن يكسبه بالحرب لاستعادة أسراه.

إنَّنا أمام ما يجري، نكرِّر دعوتنا للدول العربية والإسلامية بتحمّل مسؤوليّتها في ضرورة الوقوف مع هذا الشَّعب، بدعم موقفه في المفاوضات الجارية، باستعمال كل وسائل الضغط التي يملكها على الكيان الصهيوني أو داعميه، لمنعه من تماديه في جرائمه، والوصول إلى وقف دائم لإطلاق النَّار يُنهي معاناة هذا الشَّعب وآلامه.

ونحن في الوقت نفسه، نجدد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية وكلّ أحرار العالم، للاستمرار بدعمهم للشَّعب الفلسطيني، ورفع أصواتهم لفضح ممارسات هذا الكيان وجرائمه، عبر التظاهرات، أو عبر الوسائل الإعلاميَّة ووسائل التَّواصل أو السبل القانونيَّة، وللضَّغط على دولهم كي تأخذ مواقف عادلة مع الشَّعب الفلسطيني، أسوةً بالمواقف التي أخذتها الكثير من الدول.

المراهنةُ على وعيِ الشُّعوب

وعلى هذا الصّعيد، نرى أهميَّة ما جرى من الجندي الأمريكيّ أمام سفارة العدوّ في أمريكا، في أسلوبه الَّذي رآه الأنسب للتَّعبير عن إدانته لسياسة بلاده في مساعدتها للكيان الصّهيونيّ بمدّه بالمال والسّلاح، والدَّعم السياسي والقانوني لارتكاب مجازره بحقّ الشّعب الفلسطيني، وهو يعبِّر عن حالة شريحة بدأت تتوسَّع في الداخل الأمريكي، وترفع أصواتها في الوقوف مع الشَّعب الفلسطيني، والَّتي سنشهد المزيد من تداعياتها لدى الشَّعب الأميركي بكلِّ تنوّعاته.

إننا نراهن على الوعي المتزايد لشعوب العالم الَّتي خرجت من تحت نير السياسة الإعلاميَّة المضلّلة التي كان يمارسها العدوّ الصهيوني عليها، والَّتي أراد من خلالها تشويه القضيَّة الفلسطينيَّة، وإظهار الشَّعب الفلسطيني بمظهر المعتدي، بدلاً من أن يكون هو المعتدى عليه وهو المشرَّد من أرضه.

هدفُ العدوِّ تجاهَ القضيّة

ونبقى في هذا المجال، لنعيد دعوة كل الفصائل الفلسطينيّة التي تلتقي في هذه الأيَّام للتوافق على صيغة تتوحَّد من خلالها، لمواجهة تحدّيات هذه المرحلة والمراحل القادمة، بعدما أصبح واضحاً أنَّ العدو يعمل للإجهاز على القضيّة الفلسطينيّة برمَّتها، حيث لا يفرق في ذلك بين فصيل وآخر، أو بين غزَّة والضفة الغربيّة، ولا يريد أيّ كيان للشّعب الفلسطيني، أو أن يحصل على دولة له ولو بالحدود التي تطرح، بل يريد لهذا الشَّعب أن يكون بكلّه تحت ظلّ كيانه، وخاضعاً لإرادته.

اعتداءاتُ العدوِّ على لبنان

ونصل إلى لبنان الَّذي تتَّسع دائرة اعتداءات العدوّ عليه، لتصل إلى مواقع في العمق اللّبناني، وهي تستهدف بذلك المباني السكنيّة والمؤسَّسات الاقتصادية، وباتت تطاول المدنيّين، وآخرها ما جرى في كفرا، والتي لم يعد هدفها الضغط على المقاومة فحسب لإيقاف دعمها للشعب الفلسطيني في غزَّة، بل يريد من وراء ذلك تحقيق مكاسب له في لبنان تمسّ سيادته وحرّيته بذريعة حماية المستوطنين.

في هذا الوقت، نكرِّر دعوة الدولة اللبنانيَّة إلى القيام بمسؤوليَّتها تجاه الأعداد المتزايدة للنَّازحين في قراهم، وتقديم يد العون إليهم، وسدّ حاجاتهم الضروريَّة، وتوفير الإمكانات لهم، واعتبار ذلك من أولويَّاتها في هذه المرحلة.

وهنا، ندعو إلى تكافل وطني عامّ، حتى يشعر من اضطرّوا لمغادرة قراهم، أنَّ الوطن كلَّه يقف معهم في هذه المرحلة وفاءً لهم، وهم من قدَّم التضحيات لأجل هذا الوطن وحفظه طوال السنوات الطويلة السابقة.

قراراتٌ لصالحِ القطاعِ العامّ

وأخيراً، فإننا ننظر بشيء من الإيجابيَّة إلى القرارات التي صدرت من الحكومة اللبنانيَّة، والتي قضت بزيادة رواتب القطاع العامّ، والتي شملت العسكريّين والمتقاعدين منهم، وإن كانت لا تلبّي احتياجاتهم المتزايدة في ظلِّ الغلاء الفاحش والأعباء المتزايدة عليهم، والَّذي نأمل أن يسمح بعودة تيسير مرافق الدَّولة المعطَّلة، ومعها مصالح اللّبنانيّين، وأن يسهم في حفظ المؤسَّسة العسكريَّة وتعزيزها، لتؤدي الدَّور المطلوب منها على صعيد الداخل، وفي مواجهة من يتربَّصون بهذا الوطن.

***