المتخاذلون في كربلاء وحب الدنيا

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.

 

ورد أن هذه الآية نزلت في أعراب (من البادية) كانوا يُقدمون على النبي(ص) بالمدينة المنورة، ليدخلوا في الاسلام بعد أن سمعوا عنه.. وقد اشتهر هؤلاء الأعراب تقلّبهم، بسرعة اعتناقهم للاسلام ومرات بسرعة التخلي عنه: انه الاسلام وليس الإيمان كما قال عنهم القرآن: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا}  الإسلام قد يحصل لأكثر من سبب ، قد يكون دافعه قناعة وقد يكون دافعه رغبة أو رهبة، أما الإيمان فهو لا ينطلق إلا من خلال قناعة  في العقل والقلب والسلوك.  المهم هؤلاء، كان أحدهم إذا صح جسمه ونتجت فرسه مُهراً حسناً وولدت امرأته غلاماً(لأنهم كانوا يتشاءمون الأنثى فكانت تسود وجوههم عن ولادتها) وإذا كثر ماله وماشيته رضي بالإسلام واطمأن إليه وثبت عليه وقال: أفال الإسلام علينا خير، ما أصبت منذ كنت على دين هذا إلا خيراً… 

 

وإذا ما تغيرت ظروفه (ومن الطبيعي ان تتغير وتتبدل ظروف الانسان: فمن المُحال دوام الحال) وحصلت هنا ما أشار إليه القرآن فتنة أي بلاء، فساءت معيشته وتعركست أمور حياته اعتبر دخوله في الإسلام هو السبب في كل ما جرى..وراح يتشاءم منه أو ممن دعاه إليه. وهنا تنكشف منطلقات الايمان عند الانسان وحقيقة العلاقة بينه  وبين خالقه… والتي تعتمد التجارة والمصلحة واما تنطلق من المعرفة الحقيقية ومن علاقة وثيقة لا تهتز بل تشتد وتقوى مع الابتلاءات..

 

 لقد صوّرت هذه الآية هؤلاء بأنهم كالذين يقفون على حرف (أي على حافة الجبل)، أي  يقفون وقفة غير مستقرة.. وهي صورة بليغة تكشف حال نفوسهم التي تعيش حالة اللاطمأنينة واللاستقرار واللاثبات فإذا كانت الريح هادئة مؤاتية اطمأنوا وثبتوا.. وإذا هبت ريح عاتية انقلبوا على وجوههم وتعثروا واضطربوا.. لهذا هؤلاء لا يأنسون  بالدنيا بسبب قلقهم وبطبيعة الحال سيخسرون الآخرة وذلك هو الخسران المبين.قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ.

 

في سيرة الحسين(ع) وفي أيام عاشوراء نجد مثالاً حياً لهذه الآية، إذ يومها شخّص الإمام الحسين(ع) حال هؤلاء الذين خذلوه وتخلوا عنه بقوله: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم» لم يعتبر الحسين أن خذلان الناس له كان لشخصه، فكل حركته وما جرى فيها لم تكن منطلقاتها شخصية بل الخذلان كان للرسالة.. نعم لقد خذلوا الرسالة.. وخذلوا الدين الذي التزموه وفي لحظة اختبار تخلوا عنه.. وخذلوا الانسانية التي ينتمون اليها وفي لحظة اتباع هوى انحدروا بها إلى أسافلها..

 

لقد كان واضحاً لدى الحسين أن السبب في ابتعاد الناس عنه أنهم كانوا يضعون الدنيا في أولى أولوياتهم، هم خضعوا لمنطقها واستكانوا لها.وعندما أخذوا الدين أخذوا منه شكلياته لا عمقه، فهم كانوا يصلّون ويصومون، ويحجون، ولكن لم تدخل إلى أعماقهم، فكان "لعقاً على ألسنتهم".. كمن يأخذ الطعام بطرف لسانه مما لا يسمن ولا يغني من جوع ولا يترك أثراً فيه..

ومن ساحة كربلاء نقدم شاهداً يوضح هذه الصورة :

 

عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ كان وجهاً من وجهاء الكوفة ورجلاً مرموقاً فيها، يعرف قدر الحسين ومنزلته وأحقيته.. ولكن هذا الرجل كان متعلقاً بالدنيا..فقد تملكته الدنيا. ولذلك عندما عرف أن الحسين قادم، وحتى لا يُحرج من طلب الحسين لنجدته خرج من الكوفة ولجأ إلى البادية ونأى عن طريق القوافل إلى الداخل، ونصب هناك خيمة كبيرة له ولعياله.. يعني نقل مسكنه موقتاً لحين انتهاء المواجهة..والمفارقة أنَّه لم ينسَ أن يركز رمحاً أمام خيمته مما يدل على الكرم والشجاعة… (وهذا التصرف بحد ذاته يحتاج لمبحث نفسي حول مقدار القلق الذي كان يعيشه وكيف سيحسب موقفه من الحسين-ع-)

 

 في ذلك الوقت ،وكما هو معلوم، شاءت الظروف أن يسلك الإمام الحسين طريقاً إلى الكوفة غير طريق القوافل العام (هو تكتيك إعتمده الحسين(ع) حتى يتجنب اللقاء بجيش عبيد الله بن زياد ويصل إلى الكوفة)بحيث يكون طريقه إلى المكان الذي اختاره عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ، فتعجب الإمام من وجوده في هذا المكان فأرسل إليه رسولاً وهو ابن عمه (الحجاج الجعفي).  تفاجأ عبيد الله بدخول ابن عمه رسولاً للحسين واستفسر عن السبب فقال له: جئتك بخير الدنيا والآخرة.. الحسين يدعوك إلى نصرته وأنت تعرف ما جرى بالكوفة ولك دور فاعل في استنهاض اهلها.. فقال له عبيد الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، والله ما خرجت من الكوفة إلّا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها، والله ما أريد أن يراني الحسين ولا أراه (تصوروا هذا الموقف) انها لحظة انكشاف الاقنعة التي لطالما تلطى خلفها. هي لحظة إمتحان.

 

فما كان من الحسين(ع) بعد ان عرف برده وليلقي الحجة عليه أكثر إلا أن مشى إليه بنفسه.. لم يخجل عبيد الله الجعفي وقال للإمام: والله إنّي لأعلم أنّ من شايعك كان السعيد في الآخرة.. ولكن نفسي لا تسمح لي بالموت… وأشار إلى فرسه وسيفه وقال للإمام (ظنا أنه بهذا يبرئ ذمته) فرسي هذه ..والله ما طلبت عليها شيئاً إلا أدركته، ولا طلبني أحد وأنا عليها إلا سبقته، فهي لك..وسيفي هذا لك.

 

فرد الإمام(ع): "ما جئناك لفرسك وسيفك، إنّما أتيناك لنسألك أن تكون حيث ينبغي أن تكون.." أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في فرسك ولا فيك". إذاً  رفض الجعفي دعوة الحسين(ع).. وهذه العبارة الأخيرة هزته وقضت مضجعه ولكن بعد فوات الأوان وعاش في قلق واضطراب مما أوصله لخسارة الدنيا وفرصة الآخرة.. ويقال انه وسبحان الله قتل على يد الأمويين لأمر آخر، فيما كان يمكن أن يكون في عداد الذين يذكرون في كل سنة …

 

أيها الأحبة:

إن مشكلة الكثيرين ممّن عاصروا تلك المرحلة كانوا قبيل عاشوراء يعرفون الحق مع من، وبينهم صحابة وتابعون.. هم لا يعانون جهلاً او عدم تمييز، بل سمعوا من رسول الله الكثير عن الحسين وهم حديثو عهد بالرسالة وببيت النبوة وليس عندهم أدنى شك في أن الحسين على الحق ولكنهم اصطفوا مع يزيد إما مبايعة أو "تطنيشاً" عدم مبالاة،  والذين اعترضوا جهارة ضد يزيد كانوا قلة… اذا ما الذي جرى مع هؤلاء؟ ماذا أصابهم؟ ما الذي حوَّلهم؟. يحق لنا ان نتساءل ونحن من بعيد وبعد اكثر من 1360 سنة نستفظع ولا نصدق كيف يُنزلون بابن بنت رسول الله كل هذه الفظاعة.. ان المحلل للواقع انذاك يدرك تماما ان ما اصاب تلك الشريحة من الناس كان مرض غفوة الضمير.. نعم لقد ابتلي الحسين مع هؤلاء بغفوة ضمير الى حد التخدير والبعض لحد الموت.. بعضهم استفاق وندم ولكن بعد الفوات كما يذكر عن عبيد الله بن الحر الجعفي اياه الذي اسكت ضميره بالتخلي عن فرسه للامام.. 

 

ان تكون معركتك مع الذي يجهلك ويعاديك امر طبيعي ولكن ان تكون معركتك مع الذي يعرفك ويحبك ويعرف انك على حق ثم تتفاجأ بانه تخلى عنك مبدلا في موازين الحسابات والمعركة انه لأشد ايلاما من ضرب السيوف في المعركة.

 

ساعد الله قلب الحسين يومها كيف ابتلي بتلك الفئة وقد كانت للأسف هي الأكثرية وهي التي كانت قد ارسلت بطلبه واعلنت ولاءها له وحبها ولكن فعلها لم يكن بمستوى قولها لا بل مناقضاً تماما.. لهذا كانت كلمة الفرزدق عندما التقى الحسين  في الطريق وسأله عن حال أهل الكوفة: قلوبهم معك وسيوفهم عليك..

 

اما كيف يُصار الى اسكات الضمائر فاسألوا عن حب الدنيا، عن ذلك، ونحن نشهد في واقعنا كيف ان الكثيرين يتساقطون ليس أمام دنيا هارون الرشيد عندما تقبل.. بل لأقل من ذلك بكثير… فكم من الناس يبيعون دينهم ومواقفهم، من أجل حفنة مال أو شهوة عابرة أو من أجل رضا هذا ورضا ذاك.. فرأس كل خطيئة حب الدنيا" وحب الدنيا يُفسد العقل ويُصمّ القلب عن سماع الحكمة…

 

لقد نجح من بقي مع الامام الحسين في امتحانهم.. ويبقى علينا أن ننجح في امتحاناتنا، أن ننظف أنفسنا من هذا الحب الذي لأجله نبتغ الدنيا على حساب رضوان الله، على حساب حبّه…لقد وعدنا الله بأن الإمتحان قادم لا محالة، لكنه ليس كامتحاناتنا ،وهو قد يحدث في أي وقت. {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}.

وقد قال: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ}. اللهم أجعلنا من الناجحين الفائزين كما فاز الحرّ بن يزيد الرياحي عندما نقول قوله في يوم عاشوراء:"فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطّعت أو حرّقت".

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله؛ التّقوى الَّتي عاشها الحسين(ع)، والتي هي ثمرة حبّه لله، فهذا الحبّ لله هو سرّ عاشوراء، هو السرّ في كلّ هذا الصّبر، وهذا الثبات، وهذا العنفوان، وهذا الإقدام الَّذي جسّده الحسين(ع) بأعلى معانيه، فهو لم ينكسر ولم ينحنِ ولم يضعف، كما يحلو للبعض أن يصوّره، بل كان قوياً بالله.

انظروا كيف صوَّر أحد أعداء الحسين صورته يوم كربلاء وفي آخر لحظات حياته: "ما رأيت مكثوراً قطّ قد قُتل وِلده وأهل بيته وأصحابه أربط جأشاً ولا أمضى جناناً ولا أجرأ مقدماً منه".

 

أيها الأحبّة، ليكن الله حاضراً في قلوبنا كما كان حاضراً في قلب الحسين(ع) وفي عقله وفي وجدان الّذين كانوا معه، عندما تواجهنا التّحدّيات والصّعوبات، وما أكثرها!

 

فلسطين

والبداية من فلسطين، الّتي يواصل شبابها تصدّيه البطولي للغطرسة الصّهيونيّة، رغم كلّ الإجراءات القاسية الّتي أقدم عليها هذا العدوّ، والّتي تستهدف الإنسان والمقدّسات..

لقد استطاع الشّباب الفلسطينيّ من خلال تحركه أن يُربك الكيان الصّهيونيّ، وأن يظهر ضعف إنسانه وعجزه، ويكفي لذلك مشهد جنود الاحتلال مذعورين وهم يهربون من شاب فلسطينيّ كان يلاحقهم وحيداً.

 

هذا العجز هو الَّذي اضطر هذا الكيان إلى أن يستنجد بهذه الدّولة الكبرى أو تلك، لكي تضغط على القيادة الفلسطينيّة، حتى يوقف هذا الشّعب تحرّكه، ولكن من دون أن يكون هذا الكيان مستعداً لإيقاف أي شيء من مخططاته، سواء على مستوى الاستيطان، أو رفع الحصار عن غزة، أو الاعتقال الإداري، أو إذلال الفلسطينيين على الحواجز الصهيونية، أو مشروعه المستمر بتهويد فلسطين والقدس، باستثناء تجميد مؤقت لبعض إجراءات التهويد في المسجد الأقصى..

 

إننا أمام كلّ ذلك، نشد على يد الشعب الفلسطيني، وندعوه إلى أن يتابع مسيرته التي بدأها، رغم وعينا للظروف الصعبة التي يواجهها على مختلف المستويات، وعدم وجود قيادة بمستوى طموحاته أو قيادة تستثمر جهاده وتضحياته، لكن خيار المقاومة يبقى الخيار الأسلم والأفضل، فلا يوجد خيار آخر في مواجهة هذا الكيان المتغطرس.

وتبقى المسؤولية على الشعوب العربية والإسلامية أن تمدّ يد المساعدة إلى هذا الشعب، حتى لا يشعر بأنّه مستفرد به في معركةٍ ينبغي أن تكون معركة الأمة كلها، وحتى لا يراه العدو كذلك، بحيث يزداد في ضغوطه عليه لإنهاء انتفاضته واستكمال عدوانه..

 

وهنا، في الوقت الَّذي نستمع إلى بعض المسؤولين العرب، وهو يتحدث بقوة وبنبرة عالية في مواجهة هذا البلد الإسلامي، إلى درجة اتهامه بالتدخل في بلادٍ عربية، وحتى احتلالها، وإعلان الحرب عليه باستخدام كل الوسائل، فإننا لا نراه يتحدَّث بالقوة نفسها عن العدوّ الصّهيونيّ..

وعلى هذا الصعيد، فإنه من المفارقة أن يكون ممنوعاً على بلد إسلاميّ أن يتدخّل في بلد آخر، ولكن من المسموح لبلد عربي آخر أن يتدخّل في بلد عربي أو يحتل أرضه ويهدّد كيانه، بحيث نشهد شتاءً وصيفاً تحت سقف واحد.

 

مصر

وإلى مصر، حيث كنا نتمنَّى على السلطات الدينية فيها، بدلاً من إغلاق مسجد الإمام الحسين في القاهرة، بحجّة وجود أباطيل تحدث خلال ممارسة شعائر عاشوراء، كنا نتمنّى لو بادرت هذه السلطات إلى لقاء جامع للمسلمين لإحياء هذه المناسبة الأليمة الّتي تخصّ كلّ المسلمين، وينبغي أن يحييها كلّ المسلمين.

إنّنا نريد لمصر الأزهر الشريف، أن تبقى كما كانت، عنواناً جامعاً وموحداً لكلّ المسلمين بمختلف تنوعاتهم ومذاهبهم وطوائفهم.

وفي هذا المجال، لقد باتت الحاجة ماسّة، وأكثر من أي وقت مضى، إلى لقاء إسلامي ـ إسلامي بين نخبة من علماء المسلمين ومفكّريهم، لإنهاء ما يُثار حول هذا المذهب بأنه رافضيّ أو مشرك، بما يفتح السجال واسعاً للعابثين بالساحة الإسلامية ومستبيحي الدماء، ولا سيما في ظل وجود فضائيات تسوِّق لهذا المنطق أو ذاك. إننا أحوج ما نكون في الساحة الإسلامية للعودة إلى المنطق العلميّ، كبديل عن منطق المهاترات وإلقاء التهم جزافاً ومن دون سند علميّ.

 

لبنان

وإلى لبنان، الَّذي لا يزال الطّاقم السّياسيّ فيه يفوّت فرصة حلّ مشاكله الداخلية مستفيداً من انشغال العالم عنه بالملفات الساخنة في المنطقة، ومن إعلان رغبته بالحفاظ على الاستقرار فيه لأكثر من سبب، بعد أن كان يضجّ بتدخلات الخارج، ولكنَّ هذا البلد لا يزال أسير الفراغ والتجاذبات، وحتى النكايات، ما يزيد من مشاكل إنسانه، ويجعله بمنأى عن الحلول في أبسط الأمور، فلا يوجد حلّ قريب لأزمة النفايات، ولا لأزمة الكهرباء والماء، في ظلّ الخوف من تداعيات الشتاء، إضافةً إلى التداعيات الخطيرة لعدم اجتماع المجلس النيابي لإقرار بعض المشاريع والقوانين المستعجلة التي تحمي البلد، ولو مؤقتاً، من الانهيار الاقتصادي والمالي، في الوقت الذي بدأت بوادر هروب جماعي للبنانيين من بلدهم، ومن أكثر من منطقة، حيث نشهد توقيف عدد من المراكب الجاهزة للسفر، ما يجعلنا نخشى أن تتكرر الفاجعة التي أصابت عائلة آل صفوان الأعزاء..

 

إنَّنا أمام هذا الواقع، نعيد دعوة كلّ من هم في مواقع القرار والمسؤولية، إلى تحمّل مسؤوليّتهم، والقيام بدورهم الذي لأجله هم رؤساء ووزراء ونواب، بدلاً من تقاذف المسؤوليات، وإلا فليعتذروا عن مسؤولياتهم.

وفي الوقت نفسه، نقف مع استغاثة رئيس مجلس النواب الَّذي دعا إلى الاجتماع والإسراع في عقد جلسة تشريعيَّة، وندعو إلى استمرار الحوار الَّذي على الجميع اعتباره خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه، بعد أن بات هذا الوطن بلا سقف يظلّله، ولا أرض ثابتة ولا جدران عالية تحميه من العواصف العاتية.

 

ذكرى عاشوراء

وأخيراً، ونحن نطلّ على اليوم العاشر من محرم، فإنّنا في الوقت الَّذي ندعو إلى المشاركة الجامعة والموحّدة في هذه الذكرى، تعبيراً عن الوحدة الإسلامية، وعن الحبّ لابن بنت رسول الله(ص) وسيد شباب أهل الجنة، وعن الانحياز إلى كلّ قضايا العدل والعزة والحرية والرفض للفساد والمفسدين والطغاة والمستكبرين، لا بدَّ من أن نحرص أن يكون إحياؤنا بالشَّكل الَّذي يظهر الحضور المشرق للحسين(ع)، والصورة الحضارية لمحبيه والملتزمين به، وأن لا نرى مشاهد الدماء التي تنزف على الطرقات، لأننا نريدها أن تبذل في ساحات التحدّي ضدّ كلّ ظالم يعتدي على عزّتنا وكرامتنا…

لتكن عاشوراء على صورة الحسين(ع)؛ عاشوراء الوحدة، عاشوراء الإسلام، عاشوراء الإنسان كلّه، عاشوراء العزّة والحرية والعدالة والمساواة وكلّ الشعارات التي استشهد الحسين(ع) لأجلها.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 10 محرم 1437ه الموافق : 23ت1 2015م

 

Leave A Reply