الوفاء للمرجع فضل الله: بالنزول إلى ساحته

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله تعالى في كتابه العزيز:

«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ….»

 اليوم نعيش في عالم يضج بعناوين تمارس العنف والقسوة والإقصاء والإلغاء، والرفض للآخر،  ومع الأسف يتم ذلك تحت عنوان الإسلام، فباسم الإسلام يتم القتل والذبح وكل ما في لائحة الإجرام من عناوين أخرى وهذا ساهم ويساهم في تشويه صورة الاسلام، واظهاره بمظهر المشكلة للبشرية، فيما هو جاء ليكون حلاً لها ولإخراجها من معاناتها.. والغريب أن  كل هذا  يتم وسط صمت القادرين والمؤثرين، فلا استنكارات ولا  بينات تشجب أو تحرم قتل النفس واستباحة الدماء، ممن هم في موقع التأثير وممن يعتبرون أنفسهم في موقع الغيارى على الدين ..وكأنهم باتوا جزءاً من اللعبة وتركوا الاسلام يُختطف ويُصادر في الوقت الذي نحن فيه بحاجة اليوم إلى حماة الدين الحقيقيين إلى المدافعين عنه، الحماة الذين يعيشون الاسلام في صفائه ونقائه وأصالته  مترفعين عن العصبيات والحساسيات .

 

أيّها الاحبة

 ويصادف أننا ننعيش اليوم ذكرى رحيل السيد المرجع (رض) وانتقاله إلى رحاب ربه  في مثل هذا اليوم في الرابع من تموز وفي السنة الرابعة من الغياب.

وقد كان السيد بالنسبة لنا الأب والموجه والمربي والمرجع.. معه عشنا وأحسسنا بحيوية الفكر وسمو الروح، وتألق المواقف وإشراقة العقل والقلب والوجدان . لقد ترك فراغا كبيراً وأكثر  ما نفتقده في أيام الازمات والتحديات عندما يشتد الصراع وينبئ عن فتن لا تبقي ولا تذر .

مبكرا استشرف السيد منابع العصبيات، وقرأ آليات التمترس داخل المذهب والطائفة  على حساب إنسانية الانسان وعلى حساب كرامته  ومصادرتها، والهدف أن تبقي عليه وقودا في ساحة العصبيات. لقد رفع السيد الصوت من أجل هذا الانسان، فكان طرحه دولة الانسان في السياسة، وفقه الانسان في الدين، وكان الحوار هو السبيل لهذه الانسانية، بعد أن استقى  نهجه الحواري من القرآن الكريم، منذ بدايات عمله الرسالي.

 

 ايها الاحبة لقد أعتبر السيد أن الدعوة للاسلام هي دعوة لانسانية الانسان  لذلك قال «أن تكون مسلما هو أن تكون إنساناً يعيش إنسانيته في إنسانية الآخر» انطلاقا من وعيه أن الرسالات جاءت لخدمة الانسان، وأن البحث في هذه الانسانية لا يتناقض مع الاسلام. وأن الاسلام الحقيقي هو خير من يصون هذه الانسانية .

 

وتميز السيد(رض) بأنه لم يكتف بالنظريات في أطروحاته عندما تحدث عن الإنسان، فبحث في الفقه من زاوية الانسان، عندما أفتى بطهارة الإنسان وعدم جواز الإساءة إلى ممتلكات غير المسلمين وحياتهم وأعراضهم ما داموا مسالمين، وأن الإنسان على الإنسان حرام دمه وماله وعرضه..

ولأن الانسان هو عقل بالدرجة الاولى فقد خاطب السيد العقل ودعا إلى تحريره من كثير من الامور السائدة أو من التقليد… كان لا يرى الدين في خط المواجهة مع العقل، ولطالما ردد علينا الحديث النبوي: «العقل رسولٌ من داخل والرسول عقلٌ من خارج..» ولطالما قال لنا ومن على هذا المنبر: فكروا معي.. أريدكم أن تفكروا في كل ما أقوله، ولا تقولوا سمعاً وطاعة..

 

لم يتعامل معنا  السيد كمعصوم، بل كان يقول أنقدوني حتى في حياتي الخاصة، فمن يعمل في الشأن العام لا حياة خاصة له، ولا بد أن يكون جاهزاً للنقد في كل شيء.. ولطالما قال لا تؤجروا عقولكم لحساب أحد، ولا تعطوا عقولكم إجازة. فنتاج العقل يُناقش ولا يُصد أو يُرفض بالمطلق وإنما يواجه بعقل آخر..

 

 لهذا كان للسيد موقف حاسم وحازم من كل ما يعطل العقل او يسممه..  من خطاب الخرافة وخطاب الغلو وخطاب التعصب. لقد كسر السيد قاعدة تقديس ما ليس مقدسا.. تقديس العادات والتقاليد والمشهور والتراث. وعرض كل شيء للمناقشة فلا محرمات في البحث والنقاش والسؤال، ولا سؤال سخيفاً ولا سؤال تافهاً .. والحقيقة بنت النقاش والحوار.

وميزة خطاب العقل  لدى السيد أنه لم يصادر حساب القلب والعاطفة، فلم ينعكس جمودا او جفافا او صعوبة أو نخبوية، وطالما ردد: أعطوا  العقل جرعة من العاطفة ليرق والعاطفة جرعة من العقل لتتوازن . وكثيراً ما كان يردد أمامكم أن أفضل مفتاح للعقل هو القلب والكلمة الطيبة عملا  بالآية {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ..} وأجمل ما ترك فينا من خطابه أنكم الأحبة .

 

وصل خطابه إلى كل العقول، وتجاوز بهذا الخطاب كل الحواجز. لهذا اقترب الناس من دينهم بعد أن كان بين الدين ورجل الدين حواجز أزالها، لهذا ترى الناس أن الدين ليس بعبعاً وأن بإمكانها أن تلتزم به بيسر وليس بعسر.

كان حريصاً على أن يوصل فكره إلى الجميع وكل بلغته.. تحدث إلى المثقفين بما يتناسب مع موقعهم، كما تحدث إلى الناس على قدر عقولهم،  مع صبر وطول بال على السؤال.. كان قادراً على أن يجعل الموضوعات الدينية رغم عمقها بمتناول الجميع.

 وهذا التوجه لدى السيد جعله بعيدا عن كل الشكليات التي يفرضها موقعه الديني، وحتى عند تصديه للمرجعية لم يرضخ لبروتوكولاتها، بل بقي مع الناس مقتدياً ومنطلقاً من كلام أصحاب رسول الله(ص) عن الرسول(ص) "كان فينا كأحدنا".. وكان شعاره : "البيت مفتوح والعقل مفتوح والقلب مفتوح"

 

فتح  السيد الباب واسعا أمام الحوار البناء ، لا حوار العصبيات للعصبيات ولا حوار الذات للذات انما حوار العقل للعقل  شرط أن يصاحب هذا الحوار  حب لمن تحاور.. فلا حوار مع الحقد….

(أليست مشكلة المسلمين اليوم هي في انسداد منافذ الحوار، وغياب الحب والرحمة، التي من شأنها أن ترطب الاجواء، وتساهم في تلاقح الآراء كي لا تتسمم الافكار، ولا تبقى آسنة راكدة في مكانها، وكي لا تكبر الهواجس  وتشتد المخاوف ويستغلها من يستغلها من دعاة العنف والقسوة والعتمة والاقصاء)…

 

لقد طرح  السيد  الحوار مع المسلمين وغير المسلمين، مارسه عملياً ورفض الحوار الشكلي أو حوار الديكور أو الحوار لتقطيع الوقت، بل مارس الحوار الجدي… وقد كان حرصه كبيراً على الوحدة الإسلامية، واعتبر العمل للوحدة ديناً.. مادامت هذه الوحدة هدف الأعداء الذين يريدون لهذه الامة أن تكون ساحة توتر وانفعال، وهو من عمل على إخراج الساحة الإسلامية من الهواجس والمخاوف المتبادلة من خلال دعوته إلى التواصل والتلاقي وعدم التباعد والتهاجر.. وهذا التلاقي هو ما دعا إليه المسيحيين، وعمل على الدعوة إلى مشروع مشترك معهم للنهوض بالقيم الأخلاقية التي هي قاسم مشترك بينهم.

 

أيها الأحبة: إن الوفاء للسيد هو أن ننزل إلى ساحة الإسلام الذي أفنى حياته من أجل الدعوة إليه وحمايته من الساعين لتشويه صورته .أن نعمل له ونحافظ على صفائه ونقائه وحضوره، أن نأخذ بأسلوب خطابه العقلاني الحواري المنفتح.. ليصل خطابنا إلى الآخر كما وصل خطابه، فخرق به حواجز الطوائف والمذاهب والبلدان، لا سيما في وقت يراد فيه أن تتعطل لغة العقل وتبقى الساحة للغرائز والعصبيات والحساسيات والفتن.

 

أيها الأحبة :

الشوق للسيد هو شوق مختلف والموضوع هو أبعد من أن تشتاق إلى طلته ومرآه  لتراه فنحن سلمنا ونسلم بمشيئة الله رغم الفراغ العاطفي الكبير الذي تركه.. هو شوق للسيد من نوع آخر

هو شوق العقل لمن أنار الطريق لجيل واسع وللأجيال القادمة

هو شوق القلب الذي أحب الله  فانعكس حبا لعباده ..كل عباده

هو شوق الرساليين الذين رأوا فيه أنموذجا في التفاني والذوبان في الرسالة ونكران الراحة

هو شوق المجاهدين  الذين وجدوا فيه السند والظهير والكهف الحصين 

هو شوق الايتام والفقراء والمستضعفين،هو شوق العابدين والمبتهلين والمستغفرين في الاسحار .

 

لقد أدى السيّد ما عليه وسيسجل تاريخ  الفقهاء والعلماء أنموذجا شكل نقطة مضيئة في زمن الركود ومعلماً للتجدد والتجديد، ورائداً من رواد الحوار وعنواناً من عناوين الوحدة .

 

 ونتوجه اليه لنقول له من موقع الوفاء والعرفان بالجميل من موقع الخلق الذي زرعه فينا: جزاك الله عنا وعن كل ما بذلته لأجلنا خيرا، وعوضك الله بجهادك معنا منزلة ورفعة مع الصديقين والشهداء، ومع نبينا محمد الذي اقتديته وعلمتنا التأسي بدروب رسالته، ومع أمير المؤمنين  الذي عشقته وعلمتنا عشقه، ومع الحسين الذي وعيت حجم تضحياته ووعيتنا لنشر مصابه بالدمعة والوعي ومع كل الائمة والاولياء والصالحين الذين ارتضيتهم ورضيتنا بهم. نقول للسيد نفتقدك وأن لك في القلب منزلة، وفي الوجدان مكانا مشرقا ومحفزا وراعيا.. وإنا لله وإنا إليه راجعون

 

{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ومن التقوى، أن نتحسَّس مسؤوليتنا في هذا الشَّهر الفضيل، وهي لا تقف عند حدود ما اعتدنا عليه من الصّيام، والقيام، وتلاوة القرآن، والذكر، والاستغفار، بل لا بدَّ من أن تتلاقى هذه المسؤولية مع الإحساس بآلام الناس ومعاناتهم، حتى وهم في قبورهم وبين يدي ربهم.

ولهذا، نردّد هذا الدّعاء في هذا الشهر: "اللّهمّ أدخل على أهل القبور السرور، اللّهمّ اغنِ كلّ فقير، اللّهمّ أشبع كلّ جائع، اللّهمّ اكس كلّ عريان، اللّهمّ اقضِ دين كلّ مدين، اللّهمّ فرّج عن كلّ مكروب، اللّهمّ ردّ كلّ غريب، اللّهمّ فكّ كلّ أسير، اللّهمّ أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللّهمّ اشفِ كلّ مريض، اللّهمّ سدّ فقرنا بغناك، اللّهمّ غيّر سوء حالنا بحسن حالك، اللّهمّ اقضِ عنّا الدّيْن، وأغننا من الفقر، إنّك على كلّ شيءٍ قدير".

 

أيّها الأحبّة:

لا يجب أن يكون حالنا ونحن ندعو بهذا الدعاء حال المتوكّلين الّذين يضعون همومهم ومشاكلهم على عاتق ربهم، ويجلسون جانباً ينتظرون الفرج، بل حال المتوكّلين الّذين يقومون بما عليهم من جهدٍ وعمل، ويتركون الباقي على الله، الَّذي وعد المتوكّلين بأنّه سيسدّدهم ويؤيّدهم، ويزيل العثرات من أمامهم. بهذه الروح، نحقّق الأحلام، ونصل إلى الأهداف، ونواجه التحديات، وهي كثيرة!

 

والبداية من لبنان، حيث لا يزال الهاجس الأمني هو الشغل الشاغل للبنانيّين، في ظلّ التهديد بالتّفجيرات، واستهداف القوى الأمنية، والبيانات المجهولة المصدر، فيما لا يزال الواقع السياسي على حاله، من السجالات والمناكفات والتباينات، وكأنَّ البلد على أحسن حال.. فلا رئاسة الجمهوريّة قريبة في الأفق، ولا الحكومة تعمل بشكل طبيعي، ولا المجلس النيابي يجتمع ليواجه المطالب الملحّة المطروحة أمامه، فضلاً عن عدم إيجاد الحلول لسلسلة الرتب والرواتب، وأزمة الكهرباء المتفاقمة في هذا الصيف الحار، وأزمة شح الماء، وملف التفرّغ في الجامعة اللبنانيّة، وغيرها من الملفات.

 

ولكن تبقى نقطة مضيئة في كلّ هذا الواقع، هي القوى الأمنيَّة التي يسهر أفرادها في الليل والنهار، ويسابقون الزمن لحماية أمن اللبنانيّين في كلّ المناطق.. فشكراً من كلّ اللبنانيين على جهودهم وتضحياتهم، في وقايتهم من العابثين بأمنهم، وملاحقتهم للمجرمين.

إنَّنا ندعو اللبنانيين جميعاً إلى أن يقفوا صفاً واحداً مع قواهم الأمنيَّة، بحيث لا يبقون وحدهم في ساحة التّحدي لمواجهة هذا الخطر، وأن يشعر كلّ مواطن بأنّه خفير في شارعه وحيِّه ومحلته وقريته.. حتى نقي هذا البلد من أولئك الّذين لا وازع لهم من خلق أو دين.

 

إننا نشدّد على اللبنانيين الانتباه وعدم الوقوع في فخّ الشّائعات والبيانات ذات الطابع الاستخباري، والحرب النفسيّة التي تُشنّ عليهم، فلا داعي للهلع بعد أن بات واضحاً عدم وجود قرار دولي وإقليمي بتفجير السّاحة اللبنانيَّة، وطبعاً ليس لسواد عيون اللبنانيين، بل انطلاقاً من مصالح الدول الكبرى وأولوياتها، في الوقت الّذي ندعو المؤسَّسات الإعلاميَّة إلى توخي الدقّة في نقل الأخبار، وعدم تضخيمها، مما يشير إليه كلام وزير الدّفاع اللبناني الأخير، عن أنّه ليس كلّ الإخباريات الإعلاميّة الّتي تظهر في الإعلام دقيقة..

وهنا، نكرّر ما أكّدناه في الأسبوع الماضي، من ضرورة التوازن بين الحذر المطلوب دائماً، وعدم الجمود… فلا ينبغي أن نسمح للسّاعين للعبث بأمن هذا البلد، بأن يحقّقوا أهدافهم في تجميد حركتنا ومصالحنا وقيامنا بمسؤوليّاتنا.. وحتى في ممارسة الشعائر الدينية في المساجد والكنائس، كما ورد التهديد بذلك أخيراً. 

 

ونصل إلى العراق، الّذي تستمر معاناته، في ظلّ وضوح الخطط الّتي تستهدف وحدته واستقراره وأمنه.. حيث بات الحديث في العلن عن التقسيم، والّذي يُخشى أن يكون مقدّمة لتقسيم العالم العربي والإسلامي، على أساس كيانات طائفيّة وعرقيّة وقوميّة..

ومن هنا، فإننا ندعو الشَّعب العراقيّ إلى التنبّه إلى المخطَّطات الّتي تستهدفه، والعودة إلى الدولة المركزية ومؤسساتها، ولا سيّما المجلس النيابي، وتفعيل لغة الحوار بين كلّ مكوّناته، للوصول إلى حلول لكلّ ما جرى ويجري، ومعالجة أسباب المشكلة، ومواجهة العابثين بوحدة العراق واستقراره، وعدم السّماح للشيطان الّذي يدغدغ في النفوس بالتقسيم بأن يدخل إلى الصدور.. فالتقسيم لن يفيد مكوّناً دينياً أو مذهبياً أو قومياً، وإن خُيِّلَ للبعض ذلك، وهو ليس سوى مشروع فتنة على مستوى العراق، ومشروع تفتيت للمنطقة إلى كيانات متصارعة تؤمّن للعدو الصهيوني الاستقرار، لتمرير مشروعه في تهويد فلسطين، وليبقى الأقوى في المنطقة.

إننا نثق بأنَّ إرادة الشَّعب العراقي ستنتصر في نهاية المطاف على كلّ الساعين للعبث بحاضره ومستقبله.. فالعراق لا يمكن أن يكون قوياً ومستقراً إلا بوحدة أبنائه وتعاونهم وتواصلهم، وشعورهم جميعاً بأنهم مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات..

 

وفي هذا الوقت، يطرح موضوع الخلافة الإسلاميّة للتداول. ونحن أمام هذا الطرح، لا بدَّ من أن نتساءل عن التوقيت والأهداف، حيث لا نرى فيه إلا مشروع فتنة طائفيّة ومذهبيّة يقوده الفكر الداعي إلى رفض الآخر، واعتماد العنف والقهر كوسيلة لإرغام الناس على الخضوع لقراراته.

إننا ندعو كلّ الحركات الإسلاميّة إلى التّعبير عن رفضها لهذا المشروع، لما فيه من إساءة إلى عنوان الخلافة الإسلاميّة وصورة الإسلام المشرقة، كدين للمحبة والرحمة والانفتاح.

 

وإلى فلسطين، حيث تستمر معاناة الشعب الفلسطيني، مع تصاعد الغارات الوحشيّة المستمرة، والقتل، والاعتقال، والجرائم المباشرة التي يرتكبها العدو والمستوطنون، وآخرها التمثيل المروع بالفتى الفلسطيني في القدس، بذريعة مقتل المستوطنين الثلاثة، الذين لم يعرف حتى الآن من قتلهم، ولأية أسباب.

 

إن هذا الواقع يستدعي من الجميع الوقوف مع هذا الشعب الصّابر، وشدّ أزره في مواجهة هذا العدو المتغطرس. ونحن في الوقت الذي نعتز بالمقاومين في فلسطين، الذين يواجهون العدو بمنطقه، ويتصدون لاعتداءاته بإمكاناتهم المتواضعة، ندعو الفصائل الفلسطينيَّة إلى الوحدة، وعدم السّماح للعدو الصهيوني بالعبث بما أنجز في هذا المجال، والذي أدى إلى تشكيل حكومة وحدة وطنيّة، وساهم في تثبيت الأرض، وتوفير فرص الصمود والمقاومة للشعب الفلسطيني، لمواجهة العدو ومخططاته.

 

ولا بدَّ في أجواء هذا الشهر المبارك من التذكير بالقاعدة القرآنية التي ينبغي أن تحكمنا في هذا الشهر: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا}، والالتفات إلى حديث رسول الله(ص): "صوموا تصحوا".. فالصّوم لصحَّة الإنسان، لا لإرباك المعدة، وزيادة الوزن، وإرهاق الجسد.. أجسادكم أمانة في أعناقكم، ومن حقّ الله عليكم وأنتم في شهره، أن تؤدوا إليه الأمانة، فلا تثقلوا أنفسكم بما يمنعكم من القيام بمسؤوليات هذا الشّهر، من الدّعاء، وقراءة القرآن، والصّلاة، والذكر، والاستغفار، وإحياء الليالي بالعبادة، وصلة الرحم، وغيرها من الأعمال.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 7رمضان 1435هـ الموافق : 4 تموز 2014م
 

 

 

 

 

Leave A Reply