حاضر في جمعيّة التّعليم الدّينيّ الإسلاميّ…فضل الله: لنتعلَّم من عاشوراء أن لا فصل بين الأخلاق والسّياسة

حاضر سماحة العلامة السيد علي فضل الله في المجلس العاشورائي الذي تقيمه جمعية التعليم الديني في قاعة الجنان، وجاء فيها: "إنّ أيّ حدثٍ تاريخيٍّ، مهما كان عظيماً، ينتهي بغياب أصحابه عن مسرح الحياة، ويصبح حديث تاريخ، ويدوّن في كتبه، لكن هناك من المحطّات والأحداث في التاريخ ما لا يخبو ضوؤه، ولا يشيخ أبداً مع الزمن، فيمد عميقاً نحو المستقبل من ناحية، ليتم استلهامه في صناعة الحضور الإنساني…".

 

ورأى أنَّ أبرز هذه الأحداث التاريخية هي ثورة كربلاء، فتلك الثورة، رغم بعدها الزمنيّ، لم تخمد نارها، بل نراها تتّقد أكثر كلّما استعيدت سيرة الإمام الحسين (ع)، وكلّما حطّت المناسبة برحالها كذكرى وعبرةٍ بين يدي مريديها وعاشقيها.

ولفت إلى ضرورة أن نرتقي بأساليبنا وبأدواتنا للتعبير.. أن لا نخلص للشّكل بل للجوهر والمعاني، وقيمة الشكل وأسلوب التعبير تكون بمقدار ما يخدم الجوهر، لا أن يكون على حسابه.. والأئمة (ع) دائماً كان يوصون بهذا الجوهر عندما يقولون أحبونا حبّ الإسلام.. ولذلك، لا بدّ من أن نبذل جهوداً لتطوير الأساليب التي تخدم عاشوراء.

 

وقال: "لا يمكن أن نفصل عاشوراء عن الحزن والعاطفة، ولكن لا تحتاج إثارة الحزن إلى تلك المبالغات، بل قد تؤدي المبالغات إلى عكس المطلوب منها.. إنّ الأهمّ، وهو الهدف الأساس، في إحياء هذه الذكرى وإحياء أمر أهل البيت (ع)، هو أن نشدّهم إلى عصرنا، أن نؤكد أنّهم ليسوا تاريخاً، بل حاضراً ومستقبلاً، وأن نحاكم الوقائع؛ وقائع العصر، وفق معايير كربلاء، ومن منظار رؤيتهم لقضايا الحق والعدل والظلم والإيثار والعطاء".

 

وتساءل: "ألا يوجد في ساحاتنا، وفي مواقع الحكم أو الوظائف، أو مواقع الحل والربط، ومواقع صنع القرار، الآلاف من يزيد وابن زياد وابن سعد وحتى الشمر، إلى آخر لائحة المستفيدين وبائعي الضمائر والمواقف بالدرهم والدينار؟".

وأشار إلى أننا "جميعاً مدعوون إلى إعادة إنتاج عاشوراء. وفي هذه الثورة الكثير الكثير مما علينا إعادة إنتاجه للاستفادة والعبرة.. لتكون دواءً للأمراض التي تفتك بنا.. بأن نأخذ عاشوراء كلاً متكاملاً.. إننا غالباً ما نأخذ من عاشوراء التضحية والفداء والاستشهاد.. وهذا ضروريٌ لاستنهاض الهمم وتعزيز روح التضحية، لكن من دون أن نأخذ منها أبعادها الأخرى، ونحن بذلك لا نعي عاشوراء، ولا نعطيها حقّها..".

 

ودعا إلى "إعادة الاعتبار للقيمة الأخلاقية، لتكون هي الطابع الذي يحكم واقعنا، ولا سيّما الذين يتولون التجربة الإسلامية والحركة الإسلامية في كلّ ميادينها، بحيث تبدو حاضرةً في الخطاب، وفي سمات الشخصية، وعلى أرض الواقع.. فنحن لا يمكن أن نفصل بين الدين والقيم الأخلاقية، فهي من عمق الدين، ولذلك، نؤكّد أنّ الذين ينتهجون الإسلام لا يمكن أن يتعاملوا مع الآخرين، ولا سيّما الذين يختلفون معهم بالتعامل السياسي التقليدي، عندما تكون أساليبهم كأساليب الآخرين..".

 

 واعتبر أنَّ أخلاق ثورة الحسين هي الصّفاء والطّهر التي ميّزتها وأعطتها هذا البعد الإنساني.. وكم نحن بحاجةٍ اليوم إلى إعادة إنتاج هذه المفردة! إلى أن نتعلّم من الحسين أنّ الأخلاق ليست موعظةً يمكن أن نلقيها عند الضرورة، أو لافتةً نرفعها ثمّ نستريح من أيّ عبء. إنّ أيّ عملٍ يخلو نسيجه من الأخلاق، هو من دون شكٍّ في دائرة الشبهة.

 

وأكَّد سماحته أنه لم يكن هناك فصلٌ بين الأخلاق والسّياسة في ثورة الحسين، فالفصل بين الأخلاق والسياسة لا مكان له في حياة الحسين وقراراته، ولا فصل بين العمل العسكري والأخلاقي، وهذا ما ميّز ثورة الحسين (ع)، وهو أنها لم تكن حركةً مطلبيةً أو إصلاحيةً أو ثوريةً فاقدةً للقيم وللروح، هي هذا الكلّ المتكامل، فلا يمكن أن نأخذ عاشوراء تضحيةً وشهادةً من دون العلاقة بالله أو الصّلاة التي حصلت في العاشر أو الأخلاق أو القيم التي حكمت أصحاب الحسين (ع).

 

وختم بالقول: "في هذه الذكرى؛ ذكرى عاشوراء، فلتكن الدّعوة إلى نبذ الفساد باسم الحسين، ونبذ انتهاك المحرمات والحرمات والكرامات الإنسانية باسم الحسين، ورفض الغش والازدواجيّة والصفقات. هذه المفردات كلّها يجب أن تختفي أمام طهر عاشوراء وطهر الحسين. وبذلك، لا تعود عاشوراء تخصّ الّذين ينطلقون إلى ساحات القتال فقط، بل إلى كلّ السّاحات لتغيّرها.. إننا نحتاج إلى القيم والأخلاق لضمان شرعية التّغيير وسلامته، ولتحصين قوى التغيير من الانحراف، وحتى لا تسم المصالح والشهوات والأطماع طابع الحياة، ولا يحصر الدين فقط في الطقوس والعبادات".

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ: 10 محرم 1438هـ الموافق: 30 أيلول2017م

 

 

Leave A Reply