من دروس عاشوراء:الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:
 
الخطبة الأولى
 
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} صدق الله العظيم..
 

في هذه الآية القرآنية دعوة من الله سبحانه وتعالى وحث لعباده وكلٌّ بحسب قدراته وإمكاناته إلى القيام بوظيفة هي من أعظم الفرائض الاجتماعية وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وقد أشار الله إلى أن ذلك هو سبب نجاحهم وتطورهم وتقدمهم وأولئك هم المفلحون..

 

وفي آية أخرى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.. فلا خير في هذه الأمة أن يسكت على الانحراف من داخلها أو خارجها.. أو لا تدعو إلى الخير…

 

وقد دعا القرآن الكريم إلى التعاون بين الرجال والنساء وأن يعم ذلك كل أفراد المجتمع، {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}..

 

وورد في الحديث: "الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أفضل أعمال الخلق"..

 

فيما جاء التحذير من الله سبحانه وتعالى من ترك هذه الفريضة عندما قال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

 

وجاء في وصية أمير المؤمنين(ع) للإمامين الحسنين(ع): "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولّي الله أمركم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم"..

وفي الحديث عن رسول الله(ص): "إنَّ الله عزَّ وجلَّ ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له فقيل: وما المؤمن الضعيف الذي لا دين له؟ قال: الذي لا ينهى عن المنكر"..

 

ولأن هذه الفريضة قد تستوجب ردود فعل من الذين لا يريدون المعروف ويعارضونه أو من الذين يريدون المنكر ويسعون إليه ويدافعون عنه..

 

وقد تنعكس هذه ردود فعلهم على أرزاق أو على حياة من يقومون بها.. لذا جاءت الأحاديث لتعالج هذا الخوف فتقول كما في الرواية عن علي(ع): "اعلموا أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لن يقربا أجلاً ولن يقطعا رزقاً"..

 

وفي حديث آخر: "لا يمنعن أحدكم هيبة الناس أن يقول في الحق إذا رآه… وأن لا ينسى في ذلك أن الله معه.. إن هذا التأكيد والتشديد لأداء هذه الفريضة حتى لا يصبح الانحراف أو الخطأ والطغيان أمراً طبيعياً يألفه الناس.

 

وعندما نتحدث عن المعروف فإنه يراد منه كل فعل حسن وكل عمل خير يدعو العقل إليه وجاءت الشريعة لتثبته.. فيما المنكر يتجسد في كل فعل قبيح يسيء إلى حياة الناس على المستوى الأخلاقي أو الاجتماعي أو الاقتصادي والسياسي ويهدد كل واقعهم..

 

و هنا النقطة الأساس فدائرة النهي عن المنكر لا تنحصر في دائرة الحلال والحرام بالمعنى الفقهي فحسب ولكنها تمتد إلى الدائرة الأوسع إلى النهي عن المنكر في مواضيع إدارة أمور الدولة والمجتمع إلى قضايا الأمن والاقتصاد وقضايا الناس المعيشية, وأوسع من ذلك إلى قضايا الأمة ومشاكلها فلا تصبح الخيانة أو العمالة وجهة نظر يجب أن نتأقلم معها على سبيل المثال لا الحصر.

 

ومن خلال كل ذلك نعي أن الله سبحانه لا يريد لعباده المؤمنين أن يكونوا غير مبالين بما يجري في مجتمعهم وأن يكتفوا بصلاح ذواتهم فحسب، بل لا بد أن يكون هذا الصلاح في بيوتهم في أحيائهم وقراهم وفي المواقع العليا وأن يقفوا في مواجهة الفساد والانحراف بالوسائل الكفيلة لذلك.. وإن تحملوا بسبب ذلك أعباء وضغوطاً وردود أفعال سلبية..

 

وهذا الهدف حتى يتحقق قد يتم بمبادرات فردية وقد يحتاج إلى عمل جماعي وإلى قيام مؤسسات تعنى بتعزيز موارد المعروف وترك المنكر.. وإلى الاستفادة من وسائل إعلام والتواصل ومن كل تقنيات العصر المفيدة لذلك

 

وقد حرص القرآن الكريم على أن يكون كل ذلك بأفضل الوسائل وأحسن السبل.. فليس المهم أن تدعو إلى المعروف وتنهى عن المنكر، بل لا بد من الأسلوب أن يكون مؤثراً ولا يكون  منفراً والأساليب قد تختلف من شخص إلى آخر ومن جماعة لأخرى وتبعاً للظروف: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}..

 

فقد ورد في الحديث: "إنَّما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر من كانت فيه ثلاث خصال: عامل بما يأمر به وتارك لما ينهى عنه، عادل فيما يأمر عادل فيما ينهى، رفيق فيما يأمر ورفيق فيما ينهى"..

 

وهذا هو أسلوب رسول الله(ص) الذي فتح به قلوب الناس وعقولهم على دينه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}..

وقد ورد في الحديث: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ"..

 

نعم، هناك حالات قد تقتضي القسوة ولكن هذا يبقى استثنائياً  ومحصوراً ولا بد أن يدرس جيداً في طبيعته وأن تدرس نتائجه.. فقد تكون النتائج خطيرة وردود الأفعال قاسية، فإذا كان هذا الأسلوب لا يؤدي إلى النتائج المرجوة، لجهة أن النتائج تحمل مفاسد أكبر من المصالح.. فلا يجوز استعماله وإذا كان البعض قد يحتج بالحديث: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه..".. ليبين أن الأساس هو اليد هو القوة.. فهذا الحديث لا يشير إلى التدرج بل إلى إعداد النفس لتكون قادرة على القيام بهذا الأسلوب إن استدعى الأمر ذلك وكان هذا الأسلوب يفيد..

 

أيها الأحبة: إن كثيراً مما نعاني في واقعنا وما نواجهه من فساد وطغيان وظلم وانعدام للبركات والخيرات يعود إلى أننا تركنا مسؤوليتنا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى كل المستويات كما ذكرنا الفردية والاجتماعية والسياسية

لقد كان آتي المنكر في الماضي يستحي ويخجل بفعله ويتورع أن يراه الإنسان وهو يفعله، أما الآن فلا حياء ولا اعتبار وليس هناك من  رأي عام يواجهه ويعارضه وإذا ووجه فهو من أفراد قلائل والحجة دائماً كل واحد مسؤول عن نفسه وربه هو من يحاسبه..

 

نحن لا نقول في ذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يكون كيفما كان وبدون تخطيط وأسلوب وحكمة.. فلا بد من خطة للقيام به.. ولكن لا نريد أن يصبح الانحراف والفساد والظلم والخيانة في نظر الناس أمراً طبيعياً لا يحرك حتى القلوب التي ينبغي أن تبقى تنبض بالرفض لذلك ولو بالقلب.

 

"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".. وإلا سيتحول الفساد أو الانحراف إلى قاعدة وأساس كما صار في واقعنا، بحيث صار الغريب هو من يفعل المعروف ومن يترك المنكر.. ويُتحدث عنه أنه يسير عكس التيار أو يحمل السلم بالعرض وقد حذر رسول الله(ص) من ذلك عندما قال: "كيف بكم إذ أُفسدت نساؤكم وفسق شبابكم، ولم تأمروا بالمعروف ولم تنهوا عن المنكر؟ فقيل له: ويكون ذلك يا رسول الله؟ قال: نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرّ من ذلك، كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً، والمنكر معروفاً"..

 

أيها الأحبة: إن القيمة التي ينبغي أن نحملها من الحسين(ع) ونحن نعيش ذكراه هي هذه القيمة، قيمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. بحيث نخرج من عاشوراء وقد صرنا أكثر حرصاً عليها وأن تكون هي التعبير العملي عن ولائنا وحبنا..

 

لقد كان الحسين إنساناً غيوراً على الدين وعلى الحق والعدل، كان لا يمكن له أن يمر مرور الكرام على دين الله يُشوَّه وعلى مصالح الناس يساء إليها، ويسكت أو يجلس جانباً أو يقف على الحياد.. كان يرى من مسؤوليته الإيمانية والإنسانية أن يتحرك ليواجه المنكر على مستوى الحاكم وعلى مستوى الناس جميعاً..

 

ولذلك قال: "إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي.. أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر"..

و جوهر مشكلته مع يزيد ومن معه أوجزها في قوله..

 

"ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله وأنا أحقّ من غيَّر"..

 

لقد سعى الحسين(ع) إلى أن يواجه هذا الواقع بالكلمة بالحوار، بالموقف، وبقي يسعى لذلك حتى اللحظة الأخيرة ولكنه عندما رأى أن إصلاح هذا الأمر يحتاج إلى أن يقدم دمه ودماء أصحابه وسبي نساءه.. أقدم ووقف ليثبت للأجيال الحقيقة، أن الخيار ليس في السكوت على ترك المعروف وفعل المنكر بل لا بد لهم من موقف، من كلمة، من رفض لهذا الواقع وإلا سيكونون شركاء للمنحرف وللظالم وللفاسد إن هم لم يتحركوا لمواجهة الواقع الفاسد والمنحرف على المستوى الصغير والكبير انطلاقاً من كلام رسول الله(ص) عندما قال: "من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله(ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغيَّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله"...

"والساكت عن الحق شيطان أخرس"..

 

إن معنى أن تكون حسينياً ومعنى أن تكوني زينبية هو بمقدار القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. والإصلاح في الواقع، أن نقوم بما يمكننا القيام به..

 

القرار بيدنا نسأل الله أن يعيننا حتى نكون ممن لم يغادروا الحياة إلا بعد أن تركوا بصمات الخير فيها فنكون دائماً لسان حق ولسان عدل ولسان قيم ولساناً صارخاً بالحق.. حيث يحتاج الحق إلى معين ونصير..

وبذلك نستحق صفة أننا من أصحاب الحسين ومن أتباعه..

 

 

 

الخطبة الثانية
 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما دعا به الحسين (ع) ربّه، فقد ذكرت سيرته أنَّه في صبيحة يوم عاشوراء، نظر إلى جيش الأعداء الذين كانوا كالسّيل يعدّون بالآلاف، فيما جيشه بالعشرات، فتوجّه حينها بالدّعاء لربّه: "اللَّهمّ أنت ثقتي في كلّ كربٍ ورجائي في كلِّ شدّة، وأنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة وعدّة، كم من كربٍ يضعف فيه الفؤاد، وتقلّ فيه الحيلة، ويخذل فيه الصّديق، ويشمت فيه العدو، أنزلته بك وشكوته إليك رغبة مني إليك عمّن سواك، ففرّجته عنّي، وكشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة ومنتهى كلّ رغبة"، فأنا أضع هذا الأمر عندك، وأقبل ما تريد لي.

 

هذا الدّعاء، لأهميّة مضمونه، من المهمّ أن يدعو به كلّ من أصابه كرب وشدَّة وبلاء، وهو الَّذي يفسّر حقيقة الروح التي حكمت كلّ الذين كانوا في كربلاء، والتي جعلتهم لا يبالون بحجم الأعداء. كانت ثقتهم بالله كبيرة، كان لديهم الأمل فيه، وبأنه سيحقّق لهم ما يريدون. وهنا، يرد السؤال: كيف تحقّق لهم ما يريدون وقد استشهدوا جميعاً وسُبيت نساؤهم وأطفالهم؟ لقد تحقَّق لهم ما يريدون، فهم لم يكونوا يريدون حياتهم، بل حياة أمتهم، كانوا يريدون أمّة عزيزة حرّة، لا تعطي إعطاء الذّليل، ولا تقرّ إقرار العبيد، أمة تملك خيارها ولا يُملى عليها هذا الخيار، وقد تحقّق لهم هذا الهدف.

 

لقد صنعت دماؤهم الكثير في التاريخ، وها هي تصنع في الحاضر وستصنع في المستقبل، وبها نستطيع أن نواجه التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي لا يزال يعيش على وقع الخلافات السّياسيّة الّتي تعصف بأركان الحكم ومواقعه، فما أن ينتهي من أزمة حتى يقع في أخرى هي أكبر منها، يُخشى إن استمرَّت أن تهدّد أركان البلد، وأن تطيح بكلّ الإنجازات التي تحقّقت، وتعيد الفوضى، ليظهر وكأنه بدون دستور وميثاق وطنيّ ولا تحكمه مؤسَّسات.

 

إنّنا رأفة بهذا البلد، ورأفة بمعاناة إنسانه، ندعو إلى أن يتوقَّف كلّ هذا النكد السّياسيّ وشد العصب، والذي غالباً ما يأتي لحسابات انتخابية وشعبويَّة. إن ما ندعو إليه هو الابتعاد عن هذا الخطاب، والعودة إلى المؤسَّسات، بصرف النظر عن الانتقادات الموجّهة إلى أدائها، لتُعالج كلّ القضايا الحيوية فيها، سواء منها الاقتصاديّة، أو السياسة الضريبية، أو ما يتعلق بالنزوح وتداعياته الخطيرة على البلد، أو السّياسة الخارجيّة.

 

إنَّنا بحاجة إلى أن يرتقي من هم في المواقع السياسية إلى حجم التحدّيات التي تواجه البلد في اقتصاده وأمنه، وفي المتغيّرات التي تجري من حوله، حيث ترسم في هذه المنطقة خرائط جديدة، إن لم يكن فوضى خرائط، ولبنان، بالطّبع، لن يكون بمنأى عنها. ومع الأسف، يتعامل المسؤولون كأنَّ البلد بألف خير، وكأن لا أخطار محدقة به.

 

ومن هنا، فإنّنا ندعو إلى مقاربة الملفات الداخلية المطروحة حالياً بروح وطنية عالية تأخذ بعين الاعتبار مصلحة هذا البلد، وتبتعد كلّ البعد في ذلك عن أيّ توظيف سياسيّ أو أي تصفية حسابات لصراع في الداخل أو اعتبارات الخارج.

 

إنَّ البلد لا يحتاج إلى اصطفافات جديدة تعيد الانقسام الحاد إلى البلد، فهذه الاصطفافات هي مشروع فتنة، وستؤثر سلباً في الواقع كلّه، بعد أن ثبت بالوقائع أن لا خيار في هذا البلد إلا بالتوافق الَّذي هو مصلحة للبلد وللجميع. وإذا كان هناك من اصطفافات، فلتكن حول كيفية النهوض بهذا البلد وتحقيق استقراره، وهو الهمّ الّذي ينبغي أن يكون هدفاً للبنانيّين جميعاً، وعليهم جميعاً العمل لتحصينه وتأمين سبله، حتى لا يبقى في عهدة القوى الكبرى والإقليمية، فإن أرادت هزه يهتز، بل أن يكون نابعاً من إرادة اللبنانيين وحرصهم.

 

العراق

وبالانتقال إلى العراق، وبعد الاستفتاء الذي جرى في كردستان، فإنّنا في الوقت الّذي نؤكّد حقّ الأكراد بالحصول على حقوقهم، وعدم الانتقاص منها، أسوة ببقية المواطنين الآخرين، لا نرى أن هذا الأمر يستدعي الانفصال، بل إنّ الانفصال قد يزيد معاناة هذا الشَّعب.

 

ولذلك، نعيد التأكيد على عدم الاستمرار في هذه الخطوة، خشية تداعياتها على داخل كردستان وعلى وحدة العراق ووحدة المنطقة، ولا سيّما بعد دخول العامل الإسرائيليّ، سواء في تأييده لهذه الخطوة أو في ظهور علم العدو في إقليم كردستان، الَّذي ينبغي لقياداته أن يعلموا أن التّشجيع الصّهيونيّ لا يهدف إلى نصرة الأكراد، بقدر ما يهدف إلى زرع الفتنة وزيادة الشرخ داخل العراق وخارجه.

 

إنَّنا نرى أنَّ فرصة الحوار الداخلي لمعالجة الأزمة، لا زالت مستمرة، ولا بدَّ لقيادات الإقليم من أن تلاقي دعوات الحكومة العراقية للحوار، لكن لا على أساس فرض الأمر الواقع، لأنَّ البديل من الحوار ربما يضع الأكراد في عداء شديد مع جوارهم، وهو الخيار الّذي لا يريده أي طرف، وستكون آثاره وخيمة على الجميع.

 

فلسطين

وبالانتقال إلى فلسطين المحتلّة، لا بدَّ من أن نتوقَّف عند العمليَّة البطوليَّة التي نفَّذها شابٌ من شباب فلسطين في إحدى مستوطنات العدوّ في غرب القدس، والتي تؤكّد أن الشَّعب الفلسطينيّ، مهما تعرّض للقهر والحصار، سوف يبقى قادراً على استخدام كلّ الوسائل، لإشعار العدو بعدم الأمن، وبالكلفة الكبيرة للاحتلال، لإرغامه على القبول بالحقوق الفلسطينية المشروعة.

إنَّ هذا النّموذج المقاوم هو الردّ الطبيعي على ظلم العدو واحتلاله، وهو دليل إضافيّ على أنَّ الأجيال الفلسطينية الشابّة لن تعطي العدو إعطاء الذليل أو تقر له إقرار العبيد، حتى يعود الحقّ لأصحابه.

 

عاشوراء

وأخيراً، ونحن نقترب من إنهاء موسم عاشوراء، نسأل الله أن نكون قد استلهمنا منها كلّ معاني العزة والكرامة والحرية والجهاد. إنَّ من الخطأ الجسيم أن نرى أنّ عاشوراء هي في مواجهة مذهب أو في سبيل تأكيد عصبية، فهي في مواجهة الظلم والجريمة والاستئثار بالمال العام والاعتداء على حقوق الناس، من أيٍّ كان، حتى لو كان شيعياً.

 

إنَّنا ندعو إلى أن نكون حاضرين في ساحات إحياء عاشوراء في العاشر، كما في كلّ الساحات التي تمثل صراع الحق والباطل والظلم والعدل، حتى يكون في كلّ أرض عاشوراء وفي كلّ يوم كربلاء.

 
 
المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ : 9 محرم 1438هـ الموافق :  29 أيلول2017م

 

Leave A Reply