دروسٌ من حياةِ الإمامِ زين العابدين (ع)

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[الأحزاب: 33]. صدق الله العظيم.

مرَّت علينا في الخامس من هذا الشَّهر المبارك، شهر شعبان، ذكرى الولادة المباركة لواحد من أئمّة أهل البيت (ع)، هؤلاء الَّذين تحقَّقت فيهم مشيئة الله عزّ وجلّ وإرادته، بأن أذهب عنهم الرِّجس وطهَّرهم تطهيراً، ومن أشار رسول الله (ص) إليهم أنهم عدل القرآن، وأنّ التمسّك بهم والالتزام بما دعوا إليه هو صمَّام الأمان من الضَّلال والانحراف، عندما قال (ص): “إنِّي تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا بعدي أبداً؛ كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي”، وهو الإمام عليّ بن الحسين (ع).

سيِّدُ السَّاجدين

هذا الإمام الَّذي أشارت ألقابه إلى الصّفات التي تميَّز بها، فقد لقِّب بصاحب الجراب؛ وفي ذلك إشارة إلى الجراب الَّذي كان يحمل فيه الطَّعام ليوزعه على الفقراء.

فقد ذكرت سيرته، أنَّه كان إذا جنَّ اللَّيل وهدأت العيون وسكنت، كان يخرج من بيته حاملاً بنفسه الجراب الَّذي يحوي الطعام والمال على ظهره الشَّريف، ليوزعه على الفقراء وهم في بيوتهم من دون أن يعرفوه، ولم يعرف أنَّه هو حامل الجراب هذا إلَّا بعد وفاته، يوم افتقد الفقراء ما كان يأتيهم…

ولقِّب (ع) بمحرّر العبيد، لأنَّه كان يشتري العبيد والإماء ثمَّ يعتقهم، بعد أن يتعهَّدهم بالتربية والرعاية والتوجيه، ويؤمِّن ما يكفل لهم القدرة على الحياة العزيزة بعد عتقهم.

واللَّقب الأساس الذي اقترن به اسمه هو زين العابدين وسيِّد الساجدين، لما عُرف عنه من كثرة صلواته وسجوده وتسبيحه وذكره لله، وملازمته لصلاة اللّيل وصيامه، حيث كان يقضي معظم أيَّامه صائماً، ودعائه الَّذي كان يفيض حباً وتعظيماً لله، وشكراً وحمداً على نعمائه، والّذي بلغ أن يقول: “إلهي، لَو قَرَنتَني بِالأَصفادِ (لو شددت وثاقي)، ومَنَعتَني سَيبَكَ (العطاء) مِن بَينِ الأَشهادِ، ودَلَلتَ عَلى فَضائِحي عُيونَ العِبادِ، وأمَرتَ بي إلَى النّارِ، وحُلتَ بَيني وبَينَ الأَبرارِ، ما قَطَعتُ رَجائي مِنكَ، وما صَرَفْتُ تَأميلي لِلعَفوِ عَنكَ، ولا خَرَجَ حُبُّكَ مِن قَلبي، أنَا لا أنسى أيادِيَكَ عِندي، وسِترَكَ عَلَيَّ في دارِ الدُّنيا”.

مسؤوليَّةُ الإمامة

تولَّى الإمام زين العابدين (ع) مسؤوليَّة الإمامة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين (ع) في كربلاء الَّتي كان حاضراً في كلِّ تفاصيلها، وما أقعده عنها إلّا المرض الَّذي أصابه خلال وجوده في كربلاء.

وقد كان له دوره الكبير مع عمَّته زينب (ع)، بالعمل على حفظ الأهداف التي لأجلها استشهد الإمام الحسين (ع) وكلّ الَّذين مع، بأن لا تشوَّه ولا تضيع ولا تُنسى.

وقد أفنى حياته في توعية الأمَّة وتوجهيها، ومواجهة الانحراف العقدي والتشريعيّ، والانحراف على صعيد الحديث وتفسير القرآن الَّذي عمل له الحكم الأموي، وعبَّر عن ذلك في دروسه التي كان يمليها على تلامذته الَّذين كانوا يفدون إليه من كلّ مكان، ومن خلال الدعاء الَّذي حوَّله من كونه ملجأً للإنسان في طلب الحاجات من الله عزّ وجلّ، إلى مدرسة تربوية واجتماعية وسياسية، والَّتي تشتمل عليها الصحيفة السجادية وغيرها من كتب الأدعية، أو من خلال رسالة الحقوق التي رسم فيها الإمامُ الحقوقَ والواجباتِ الَّتي تقع على عاتق الإنسان تجاه ربِّه وتجاه نفسه وتجاه أرحامه وجيرانه، وتجاه المجتمع وتجاه من يتَّفق معهم ويختلف، وحتى من يسيئون إليه، وهو ما ترك، ولا يزال، أثراً إيمانياً واضحاً في البيئة الإسلاميَّة، مما أضاء عقول النَّاس وطهَّر قلوبهم وحياتهم.

ونحن اليوم سنستفيد من هذه المناسبة، لنتوقَّف عند بعض ما ورد في سيرة هذا الإمام العظيم، لنأخذ من ذلك الدروس والعبر لحياتنا.

التزوّدُ للآخرة

الموقف الأول: هو ما أشار إليه الزّهري، وهو أحد أصحاب الإمام زين العابدين (ع)، حين قال إنّه رأى الإمام في ليلة ممطرة شديدة البرودة، وهو يحمل على ظهره كيس دقيق (طحين)، فقال له مستغرباً: يا بن رسول الله، ما هذا؟ فردَّ عليه الإمام (ع): “أريدُ سفراً أعدُّ له زاداً أحمله إلى موضع حريز”، فقال له الزهري: فهذا غلامي يحمله عنك، فأبى، ثم توجَّه إلى الإمام قائلاً: أنا أحمله عنك، فإنّي أرفِّعك عن حمله، فقال (ع): “لكنّي لا أرفِّع نفسي عمَّا يُنجيني في سفري، ويُحسن ورودي على ما أرِد عليه. أسألك بحقّ الله، لما مضيت لحاجتك وتركتني”.

بعد أيّام، رأى الزَّهري الإمام زين العابدين (ع)، فقال له: يا بن رسول الله، لست أرى لذلك السَّفر الَّذي ذكرته أثراً؟! قال: “بلى يا زهري، ليس ما ظننت، ولكنَّه الموت، وله أستعدّ”. ثمَّ قال (ع): “إنَّما الاستعداد للموت تجنّب الحرام، وبذل النَّدى في الخير”.

لقد أراد الإمام (ع) بذلك إلى أن يشير إلى أنَّ الإنسان في هذه الحياة الدنيا في سفر دائم، فنحن في كلِّ يوم نخطو خطوة إلى الموت، إلى حيث نقف بين يدي الله سبحانه، حيث سنُسأَل عمَّا قدَّمنا في هذه الحياة، ويدعونا إلى أن نتزوَّد لما نحن قادمون عليه.

وقد أشار الإمام (ع) إلى نوعيَّة هذا الزاد، عندما دعا إلى تجنّب الحرام، حتى يفد الإنسان إلى الله وليس عليه تبعة لله أو للنَّاس، وأن يبذل النَّدى في الخير، بأن يكون خيراً للنَّاس الذين يعيش معهم أو يلتقي بهم، بإنفاق المال أو الجهد، أو مساعدتهم وتأمين احتياجاتهم، والَّذي هو أحبّ الأعمال إلى الله.

برُّهُ (ع) بأمِّه

الموقف الثاني: هو للإمام (ع) مع أمّه، فقد كان الإمام زين العابدين (ع) كثير البرِّ بأمِّه والحنوّ عليها والإحسان إليها، ولكن ما كان يثير استغراب كلّ من عايش الإمام (ع)، أنّه كان لا يأكل على المائدة التي تجلس اليها أمّه، فقيل له: لم ذلك، وأنت من نعلم أن لا أحد أبرّ بأمِّك منك؟ قال: “إنّي أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها، فأكون قد عققتُها”. انظروا إلى الإمام (ع) كم كان دقيقاً في رعاية أمِّه والاهتمام بمشاعرها وحاجاتها، حتى لا يقع العقوق الَّذي لطالما حذَّرت الأحاديث من خطورته، حيث ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “يقال للعاقّ: اعمل ما شئت، فإنِّي لا أغفر لك”.

الإحسانُ إلى الفقراء

الموقف الثَّالث؛ هو ما رواه أبو حمزة الثَّمالي حين قال: “صلَّيت مع عليّ بن الحسين (ع) الفجر بالمدينة، فلمَّا فرغ من صلاته وسبحته، نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا بوليمة، فقال: لا يعبر على بابي سائل إلَّا أطعمتموه، فإنَّ اليوم يوم الجمعة، قلت له: ليس كلّ من يسأل مستحقاً؟ فقال: أخاف أن يكون بعض من يسألنا محقّاً، فلا نطعمه ونردّه”.

الموقف الأخير: حصل عندما قال رجل للإمام زين العابدين (ع)، كيف أصبحت يا بن رسول الله؟ قال: “أصبحت مطلوباً بثمانٍ؛ اللّه تعالى يطلبني بالفرائض، والنبيّ (ص) بالسُنّة، والعيال بالقوت، والنَّفس بالشَّهوة، والشيطان بالمعصية، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد، فأنا بين هذه الخصال مطلوب”.

سبيلُ الإخلاصِ للإمام (ع)

أيُّها الأحبَّة؛ هذا بعض ما ورد في سيرة الإمام زين العابدين (ع) ومواقفه، والَّتي أشارت إلى أنَّ سعادته كانت عندما يدخل السّرور على قلب أمّه، أو على فقير، أو حين يسدّ حاجة إنسان، أياً كان هذا الإنسان.

وإليه أشار الشَّاعر الفرزدق، عندما قال:

كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا               يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ

سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَى‌ بَوَادِرُهُ              يَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ

مَا قَالَ: لا، قَطُّ إلَّا فِي‌ تَشَهُّدِهِ            لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ

إنّ إخلاصنا للإمام (ع) في ذكرى ولادته، هو أن نعبِّر عن هذه القيم والمعاني الَّتي عاشها هذا الإمام وعانى من أجلها، وبذلك نخلص له الولاء، ونكون أوفياء حقيقيّين له.

جعلنا الله من المتولّين لهذا الإمام العظيم حقَّ ولايته، المهتدين به حقَّ هدايته، والسَّائرين على نهجه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بالدّعاء الَّذي كان يحرص الإمام زين العابدين (ع) على أن يدعو به ربَّه، عندما كان يقول: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْرُوفٍ أُسْدِيَ إِلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسِيءٍ اعْتَذَرَ إِلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذِي فَاقَةٍ سَأَلَنِي فَلَمْ أُوثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذِي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أُوَفِّرْهُ، وَمِنْ عَيْبِ مُؤْمِنٍ ظَهَرَ لِي فَلَمْ أَسْتُرْهُ.. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ نَدَامَتِي عَلَى مَا وَقَعْتُ فِيهِ مِنَ الزَّلَّاتِ، وَعَزْمِي عَلَى تَرْكِ مَا يَعْرِضُ لِي مِنَ السَّيِّئَاتِ، تَوْبَةً تُوجِبُ لِي مَحَبَّتَكَ، يَا مُحِبَّ التَّوَّابِينَ”.

لقد أراد الإمام (ع) أن يشير بذلك إلى أنَّ الاعتذار إلى الله والتوبة إليه، لا تقف عند ارتكاب الذّنوب والآثام، بل تتجاوز ذلك إلى التَّقصير تجاه العباد، عندما لا تنصر مظلوماً، أو تشكر معروفاً أسدي إليك، أو تسدّ حاجة محتاج، أو لا تقبل اعتذار من اعتذر إليك، أو تقصِّر بحقوق من لهم حقّ عليك، أو لا تستر عيب مؤمن ظهر لك.

فلنحرص على أن لا نكون مقصِّرين في هذه الأمور، لنؤدّي مسؤوليتنا، وبذلك نكون قريبين من ربّنا، وأكثر قدرة على مواجهة التحدّيات.

غزَّة بابُ الحربِ والسِّلم

والبداية من غزَّة التي ينبغي أن تبقى الأنظار متّجهة إلى ما يجري فيها وما قد يحدث لها، بعدما أصبح واضحاً أنّ كلّ ما يجري من مواجهات في الجبهات الأخرى، سواء في لبنان، أو في اليمن، أو العراق أو في سوريا، أو ما قد يحصل في مواقع أخرى، يأتي انعكاساً لما يجري فيها، فيستمرّ أو يتوقف بإيقاف العدوان عليها أو استمراره، فهي باتت باب الحرب وباب السِّلم.

حيث يواصل العدوّ الصهيوني ممارساته العدوانيَّة عليها، وهو ما تشير إليه أعداد الشّهداء والجرحى والدّمار الَّذي يستهدف كلَّ مظاهر الحياة فيها، والحصار المطبق على أهلها، والذي يمنع من وصول الغذاء والدَّواء والماء وكلّ سبل الحياة، دون أن يبدي هذا العدوّ، وحتى الآن، أيّ استعداد لإيقاف حربه المجنونة عند الحدّ الّذي وصلت إليه، بل نراه يسعى لتوسعتها إلى رفح، من دون أن يكترث لحجم الضَّحايا الذين قد يسقطون من وراء ذلك، أو يستجيب للنّداءات أو المبادرات التي تدعوه إلى إيقاف هذا النَّزيف، والتَّعامل بإيجابيَّة مع المفاوضات الَّتي دعي إليها.

وقد أصبح واضحاً أنّ ما يشجّع العدوّ على عدوانه، هو استمرار الدعم الدولي لهذا الكيان، وإذا كان هناك من حديث عن ضغوط تمارس على هذا الكيان، كالَّذي سمعناه من الإدارة الأميركيَّة أو العديد من الدول الغربيَّة، فهي تبقى من باب ذرّ الرماد في العيون، وهي ليست لمنع تماديه في عدوانه، بل تبقى في إطار التمنيات بأن لا يؤدّي أيّ عدوان يحصل إلى ارتكاب مجازر بشريّة، بالمستوى الذي يحرج هذه الدول أمام شعوبها، وبما يثير حساسية الرأي العالمي، ويزيد من تفاقم الغضب الشَّعبي الَّذي يحصل الآن، ويرفع منسوب إدانته أمام محكمة العدل الدوليّة.

المساندةُ المطلوبةُ

في هذا الوقت، لا تزال الدول العربيَّة والإسلاميَّة تلوذ بالصَّمت العملي إزاء ما يجري، ولا تقوم بالدَّور المطلوب منها بالوقوف مع هذا الشَّعب العربي والمسلم، وإسناده ودعمه بكلِّ سبل الدّعم، ومنع العدوّ الصّهيوني من تحقيق أهدافه، والَّتي لن تكون بمنأى عن تداعياتها ومخاطرها، فقد وُجِد هذا الكيان ليكون اليد الَّتي تضرب أيّ قوّة في المنطقة تفكّر في أن تعيش حريتها وكرامتها، أو تسعى لإيجاد توازن معه.

وفي الوقت نفسه، نجدِّد دعوتنا للشّعوب العربيّة والإسلاميّة وكلّ أحرار العالم، لرفع صوتهم عالياً، وتفعيل دورهم لمساندة الشَّعب الفلسطيني بكلِّ سبل المساندة، وعدم الإفساح في المجال للعدوّ الصّهيوني بالاستفراد به، وتكرار مشاهد النَّكبة الأولى التي لا نريد لها أن تتكرَّر في هذا العصر، وعلى مرأى منّا.

ويبقى الرهان الأساس على الشَّعب الفلسطيني الَّذي يثبت كلَّ يوم أنّه متجذّر في أرضه، وأنه جدير بالحياة، وهو لا يزال يقدِّم التضحيات، ويظهر عنفوانه في مواقع المواجهة مع هذا الكيان، رغم إمكاناته المتواضعة، ويقدّم أروع صور البطولة والفداء، ما يربك هذا العدوّ، ويكبّده المزيد من الخسائر، ويجعله غير قادر على الثَّبات في أيّ موقع يصل إليه.

استهدافُ العدوِّ للمدنيّين

ونعود إلى لبنان الَّذي لا تزال مقاومته، رغم كلّ ما يبذل من تضحيات، تصرّ على الوقوف مع الشَّعب الفلسطيني، إيماناً منها بمظلوميَّة هذا الشَّعب، وشعوراً بالمسؤولية لضرورة نصرته والوقوف معه ومنع الاستفراد به، من منطلق إنساني وإيماني، وببعد وطنيّ، لشعورها بخطورة انتصار هذا الكيان في معركته على الشَّعب الفلسطيني على مستقبل لبنان.

في هذا الوقت، يستمرّ العدو الصهيوني باعتداءاته على القرى والمدن اللبنانيّة، والتي لم تعد تقف عند حدود الأهداف العسكريّة أسوةً بما تفعله المقاومة، بل هو يتوسَّع في ذلك باستهدافه للمدنيّين الآمنين في بيوتهم، والَّذي شهدناه في المجازر الدموية المتنقّلة، والتي لم توفّر حتى الأطفال والنّساء، كما حصل في الصوَّانة والنبطيَّة، ما يظهر همجيَّة العدوّ وضعفه في الوقت نفسه، بعدما لم يستطع أن يرغم المقاومة على أن تتخلَّى عن خيارها ومبادئها في دعم غزَة وتعزيز مناعة الوطن.

ونحن أمام ما يجري، نحيّي كلّ هذه التضحيات اللبنانية التي تقدَّم، والتي نثق بأنها لن تضعف إرادة هذا الشَّعب ومقاومته في دعم الشّعب الفلسطيني، بل نراها تزيد هذا الشّعب عزيمةً وإرادةً على المضيّ في هذا الطريق الشاقّ والصّعب، وهو بات أكثر وعياً أنَّ هذه اللّغة هي التي يعيها هذا العدو، ولكن دائماً بالحكمة الَّتي عهدناها في هذه المقاومة، وبكلّ تنوعاتها، والتي ستبقى تأخذ في الاعتبار مصلحة هذا البلد وظروفه.

وفي الوقت نفسه، ندعو اللّبنانيّين إلى الوحدة لمواجهة تهديدات العدوّ، ونقول لهم: إذا كان من خلاف موجود حول مساندة الشّعب الفلسطيني أو الكيفيَّة التي تحصل فيها، فلا ينبغي أن يكون هناك أيّ خلاف على ما يضمن سيادة هذا البلد وقوَّته وقدرته على مواجهة تحدّيات العدو وتهديداته.

أزماتٌ تنتظرُ المعالجة

أما على صعيد الأزمات الداخليَّة، فإننا نعيد التأكيد على معالجة جادّة لها، وعدم إهمالها بحجَّة التحديات التي تواجه البلد، بل ينبغي أن نكون أكثر حرصاً على معالجتها، لنكون أقوى في مواجهة هذه التحديات، إن على صعيد معالجة الوضع المعيشي الصَّعب، أو ملء الفراغ على الصعيد الرئاسي.

ويبقى أن نؤكِّد على الدولة أن تتحمَّل مسؤولياتها حيال أولئك الَّذين نزحوا من بيوتهم، والذين تتكاثر أعدادهم بفعل توسع العدوان، وهم بأمسّ الحاجة إلى أيدٍ تمتدّ وتخفّف من آلامهم، مع كلّ تقديرنا لجهود الهيئات والمؤسَّسات والجهات التي تعمل للتَّخفيف عنهم، وتقوم بمدّ يد العون إليهم.

إنَّ على اللّبنانيّين أن يبادروا لعلاج أزماتهم ومشاكلهم، بدل انتظار ما يحدث من تطوّرات يُخشى أن تكون على حسابهم.

مسؤوليَّةُ القوى الأمنيَّة  

وأخيراً، نتوقَّف في شكل خاصّ عند ما يحصل من حوادث قتل وسرقة في المناطق اللبنانيّة، والتي كان آخرها ما حدث في حارة حريك، لنطالب القوى الأمنيّة وكلّ القوى المعنيّة والفاعلة، بأن تتحمَّل مسؤوليَّتها بالسَّهر على أمن أهلنا، وحيث لا يجوز إرباكهم بالمزيد من المعاناة الداخلية، في الوقت الَّذي يكفيهم ما يبذلونه في مواجهة الكيان الصهيوني.

***