دعا إلى تضافر الجهود لتبقى عاشوراء صافية نقية بعيدة عن كل تشويه; فضل الله: نحن الخاسرون سواء عندما تتفق الدول الكبرى أم عندما تختلف

شدّد العلامة السيد علي فضل الله على أن تبقى عاشوراء صافية نقية بعيداً عن كل تشويه.. مؤكداً على المسؤولية في أن تصل إلى كل الساحات الإنسانية وأن تكون ملاذاً لكل المظلومين والمقهورين.
 
وحذر من أننا نعيش في مرحلة هي من أصعب المراحل حيث تعصف الفتن في بلادنا والتي يستفيد منها المنطق التكفيري الإلغائي كما تستفيد منها الدول الساعية لاستنزاف شعوبنا وبلادنا، مؤكداً أن نحن الخاسرون سواء عندما تتقف الدول الكبرى أم عندما تختلف وأن المستفيد الأول هو إسرائيل.. معلناً إدانته للمجزرة الأخيرة في اليمن وكل المجازر في سوريا والعراق وغيرهما..
 
جاء ذلك في الكلمة التي القاها سماحته في مسجد الإمامين الحسنين(ع) بعد تلاوة مصرع الإمام الحسين(ع) ومما جاء فيها:
نلتقي مجدداً مع كل المحبين والموالين في العاشر من محرم لنشهد على المنطقين اللذين كانا حاضرين في كربلاء، منطق الذين وقفوا ضد الحسين وقاتلوه بكل القوة  كما أظهرت السرية التي استمعنا إليها منذ قليل.. كانوا يعرفونه جيداً، ويعون قدسية الحسين وموقعه وشرعيته.. وإن لم يكونوا  قد عرفوا ذلك من قبل، فقد عرفوه حين كان الحسين يلقي عليهم الحجة بين كل شهيد وشهيد.. ويؤكد هدفه أنه لم يخرج أشراً ولا ظالماً ولا مفسداً وإنما أراد الإصلاح في أمة جده رسول الله(ص)… يريد أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر..
كانت الصورة واضحة أمامهم ولكنهم قاتلوا الحسين(ع) ومارسوا كل إجرامهم وأي إجرام هو هذا الذي قاموا به.. لنشهد من خلال ذلك كله على ما تفعله الدنيا عندما يسيطر على البعض منطق: اشهدوا لي عند الأمير أنّي أول من رمى.. إلى جانب منطق الأحقاد: نقاتلك بغضاً لأبيك، أما منطق الإمام الحسين(ع) فهو: "ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه".. منطق: "ألا وإنّ هؤلاء القوم قد تركوا طاعة الرحمن.. ولزموا طاعة الشيطان.. وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله.. واستأثروا بالفيء.. وعطّلوا الحدود ".
هذا المنطق الذي لا يريد إلا الحق ولا يبغي غير رضا الله هو الحاضر دائماً في قلوب كل أصحاب الرسالات وفي وجدان كل المجاهدين الأحرار… 
وقد انطلقنا مع هذا المنطق من أجل أن نعبر بدموعنا، بمشاعرنا، بعواطفنا، وبقلوبنا.. وبعد ذلك بكل بمواقفنا في ساحات الحياة.. أننا سوف نكون حيث كان الحسين ولن نقول يا ليتنا كنا معكم.. سنقول إننا معكم…
سيكون منطق الحسين(ع) هو منطقنا، سنأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، ولن يكون منطق يزيد وأمثاله ومن سار معه.. وعندما تواجهنا التحديات لن نعطي إعطاء الذليل، وسنقول ما قال علي الأكبر: أولسنا على الحق؟ إذن لا نبالي أن نموت محقيّن". 
أيها الأحبة: ليس من الضروري حين نستحضر عاشوراء أن نلتزم مواقفها في ميادين القتال فحسب، بل أن نعيشها في كل زمن وكل أرض حين تدعونا امتحانات الحياة وابتلاءاتها وصراعاتها لنحدد مواقفنا مع من نكون؛ أنلتزم طاعة الشيطان أم نلتزم طاعة الرحمان….
أن نقف مع الحق ولو على حسابنا أم مع الباطل عندما يكون لحسابنا أو نجامل الفاسدين ونرضخ لهم..أم نقف مع المصلحين ونكون أمامهم…
إن عاشوراء تقولها لنا صريحة.. لن نساوم باطلاً ولن نجامل مفسداً.. من دون أن نخاف أو نخشى من أحد إلا الله..
لذا فإن عاشوراء ستبقى حاضرة في كل مسارنا.. في كل كلماتنا، وفي كل مواقفنا وتحركاتنا.. وفي كل نبضة من قلوبنا وعقولنا.. لأن عاشوراء في أعمق معانيها هي التي تجسد الإسلام حين يبلغ التحدي حدوده القصوى.. هكذا أرادها الإمام الحسين، وهكذا ينبغي أن تكون…
أيها المواسون:
إننا في مرحلة هي من أصعب المراحل حيث الفتن والحروب في العالم العربي والإسلامي التي تستنزف موارده وقدراته وكل مواقعه.. بعد هذا العجز الكبير عن إدارة خلافاتنا العربية والإسلامية وعدم استثمار هذا التنوع المذهبي الطائفي والقومي والعرقي ليكون عنصر غنى لبلادنا بدلاً من أن يكون مصدر صراعات .. إن هذه المنطقة تتسع للجميع إذا تعاملنا مع قضايانا وخلافاتنا انطلاقاً من المصالح المشتركة، وهي كبيرة… وكل رهان على حسم هنا أو هناك هو رهان بعيد عن الواقعية، ولن يؤدي إلا إلى استمرار هذا الحريق الشامل الذي يولد البيئة الملائمة لتنامي التيار التكفيري والإلغائي وتأجيج الفتن المذهبية والطائفية والقومية…
لقد فتحت هذه الصراعات والفتن الأبواب أمام تدخل القوى الدولية حتى أصبحت سماؤنا وأرضنا مستباحة وقرارنا مصادراً وبتنا في الموقع الخاسر سواء اتفقت هذه الدول أم اختلفت.
إننا أمام كل ذلك نرى ضرورة تضافر جهود كل الدول العربية والإسلامية لمواجهة هذا المنطق التدميري، ووقف كل هذا الاستنزاف الذي أخذ الجميع يعاني من مضاعفاته الخطرة.. ولن يتم ذلك إلا بالتواصل والحوار الذي يساعد على أن يتفهم فيه كل منا هواجس الآخر، ويهيئ الأجواء لوأد هذه الفتن بما يوقف الدماء البريئة التي تنزف في العراق أو سوريا أو اليمن.. 
ومن هذا المنطق الذي كنا ندين فيه المجازر التي تحصل في سوريا والعراق وغيرهما نعلن إدانتنا للمجزرة الأخيرة في اليمن والتي أظهرت مدى الوحشية التي وصل إليها أولئك الذين بدأوا الحرب من دون أن يراعوا حرمة للناس الآمنين الذين نالوا القسط الأكبر من التدمير والضحايا لا المقاتلين..
ومع الأسف فإننا نجد أن المستفيد من كل ما يجري هو إسرائيل العدو الاساسي التي باتت تشعر بالأمان والاستقرار، والتي يتراكض نحوها بعض العرب للتطبيع والتعاون معها في مواجهة هذا البلد العربي أو ذاك، ليتركوا فلسطين ومقدساتها في القدس والأقصى تئن تحت وطأة التهويد والاستيطان.. ولولا ثلة من المجاهدين الذين خرجوا من كل هذا الترهل الذي باتت تعيشه الساحة الفلسطينية ليواجهوا العدو بما أمكنهم من قدرات، لأحسسنا بأن الصورة قاتمة وسوداء في كل هذا المشهد.
ونتوقف في لبنان الذي نريد لكل قياداته أن يكونوا على مستوى التحدي، حيث مع الأسف لا يزال واقعه السياسي معطلاً في ظل لا مبالاة إزاء هذا الضعف في المناعة الوطنية والذي يزداد يوماً بعد يوم بما يهدد لبنان بتداعيات سيئة في ظل ما تعيشه المنطقة وما تواجهه.. وفي هذا الوقت لا يزال اللبنانيون ينتظرون جلاء الغبار الرئاسي، من دون أن يظهر أي أمل قريب يطمئن الناس إليه،  ما يجعلنا نجدد الدعوة إلى المزيد من الحوار والتشاور لأجل انجاز كل الاستحقاقات الدستورية لعلنا في ذلك نعيد بناء الدولة التي تولي الأهمية لمعالجة الأزمات الاجتماعية  ووقف الفساد الذي ينخر البلد ويعيد للقضاء دوره ليحاكم كل الفاسدين والمتآمرين، ونخلص من هزلة المحاكم التي ما ان يفتح بابها حتى تغلق بسرعة.
إن عاشوراء هي مسؤوليتنا أن تصل إلى كل الساحات الإنسانية، وأن يطل الحسين كرمز لكل الأحرار على كل الناس بعد كل هذه القرون المتطاولة بعيداً عن العناوين المذهبية والطائفية.. 
كما إننا نريد لعاشوراء أن تكون مدرسة تتربى فيها أجيال المسلمين ليعيشوا شعاراتها وروحيتها وأهدافها وحيويتها،.. لنعمل كمسلمين معاً من أجل إصلاح أمة رسول الله في مواجهة الفساد والظلم والاحتلال.. 
إن عاشوراء هي مسؤوليتنا في كل شعاراتها وعناوينها، أن تبقى نقية صافية من كل المحاولات الساعية لتشويه كل  القيم الكبيرة التي تحملها، وهو ما يجري على لسان كثير من قراء العزاء، ومن خلال كثير من الأساليب والطقوس التي تمارس في عاشوراء ما يتطلب القيام بمراجعة جذرية للكثير من خطاباتنا وسلوكياتنا  حتى لا تفقد عاشوراء الكثير من معانيها الرسالية والروحية والأخلاقية والمعنوية، وحتى لا تتحول إلى شكل من دون مضمون أو عصبية من دون رسالة.
إن على العالِم المثقف، والمخلص ورموز الوعي وكل الرساليين وفي الخصوص المراجع الدينية وكل الذين يعيشون هموم الأمة وقضاياها مسؤولية كبيرة في تصحيح مسار عاشوراء ليعود إلى أصالته مشرقاً منفتحاً على كل الناس مسلمين وغير مسلمين.. تلك هي مسؤوليتنا.. إن تحملناها فسوف يكون عالمنا الإسلامي أغنى عقلاً في مقابل الخرافات والأساطير المستشرية.. وأعمق وحدة في مواجهة هذه الأحقاد التي يعطونها عناوين مقدسة وهذه الانقسامات الخطيرة.. وأفضل حضارياً وأخلاقياً إزاء هذا الانحطاط على أكثر من مستوى…
ولذلك نقول لمن يقدمون سيرة الحسين اتقوا الله في الحسين وأصحابه وأهل بيته، وقولوا له بأننا لن نخذلك يا حسين… ولن ندعك وحيداً بل اننا سننصرك في كل الساحات… هذا هو الذي نريده.. خط الإسلام الأصيل المنفتح.. الخط الحاضر في كل الساحات والميادين.
 

Leave A Reply