ذكرى المبعثِ مناسبةٌ لإعادةِ الاعتبارِ إلى الأخلاقِ في حياتِنا

قال الله سبحانه وتعالى: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}. صدق الله العظيم.

ذكرى المبعث الشّريف

في السَّابع والعشرين من شهر رجب الحرام، مرَّت علينا ذكرى عزيزة علينا وعلى البشريَّة جمعاء، وهي ذكرى المبعث النّبويّ الشّريف.

وهذه الذكرى الّتي تعيدنا بالذاكرة إلى اليوم الَّذي نزل فيه جبريل على رسول الله (ص) وهو في غار حراء، حيث كان يتعبَّد، ليدعوه إلى أن يبلغ النَّاس رسالة ربّه، قائلاً له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

وليقول له بعد ذلك: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

لبَّى رسول الله نداء ربِّه وانطلق بدعوته، رغم وعيه لحجم الصّعوبات الَّتي ستواجهه، والتحدّيات الكبيرة التي ستعترض طريقه، والأذى الَّذي سيتحمَّله.

وقد استطاع في غضون فترة وجيزة لم تتجاوز ثلاثة وعشرين عاماً، أن يحوِّل مجتمعاً كان يعبد الحجر، وتسيطر عليه الخرافات والأوهام، وتفتك به الصِّراعات والحروب، وتعيش قبائله على الاستلاب والغنائم، إلى مجتمع حمل الحضارة إلى العالم، وأن يوصله إلى أن يُقيَّم من قبل الله سبحانه وتعالى بالآية الكريمة: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}.

هدفُ الرّسالةِ

ونحن اليوم في هذه المناسبة الكريمة، سنستفيد من هذه المناسبة لنطلَّ على قيمةٍ حرصَ رسولُ الله (ص) على تثبيتها، عندما اعتبرها هدفاً لرسالته، وقال: “إنَّما بعثْتُ لأُتمِّمَ مكارمَ الأخلاق”.

وهذا ما عبَّر عنه (ص) أيضاً، عندما جاء رجل إليه قائلاً له: ما الدِّين؟ فقال له: “حسن الخلق”. استغرب الرّجل كلام رسول الله (ص) عن الدّين، وظنَّ أنَّ الرسول لم يسمعه جيِّداً، فأتاه عن يمينه، وقال: يا رسول الله، ما الدِّين؟ قال (ص): “حسن الخلق”، فأتاه عن شماله وكرَّر السؤال، فقال له: “حسن الخلق”.

 إذاً، حتى يكون الإنسان متديّناً في حسابات رسول الله (ص)، لا بدَّ من أن يكون على خلق حسن في كلِّ ميادين حياته، وإلَّا عليه أن يعيد النظر في إيمانه، فالإنسان المؤمن مدعوّ أن يكون في ذلك مع ربّه، بأن يشكره ويقدّره ويطيعه، فلا يبادل إحسانه بإساءة، وعطاءه بالتَّقصير، وأن يكون في ذلك مع نفسه، بأن لا يسيء إليها، ولا يتسبَّب لها بأذى مادّيّ أو جسديّ أو معنويّ، وأن يوصلها إلى شاطئ الأمان في الآخرة، وأن يكون حسن الخلق مع أهله وأرحامه وجيرانه ومع النَّاس جميعاً؛ بأن يعاشرهم معاشرة جميلة، وكما أشار أمير المؤمنين عليّ (ع): “خالطوا النَّاسَ مُخالطةً إنْ متّمْ مَعَهَا بَكَوا عليكم، وإنْ عشتم حَنّوا إليكم”، “كونوا في النَّاس كالنّحلة في الطَّير…”.

وفي الحديث: “ابذلْ لأخيك دمك ومالك، ولعدوّك عدلك وإنصافك، وللعامَّة بشرك وإحسانك”. وهذا لا يعني ألا يأخذ الإنسان في الاعتبار عباداته، أو أن لا يرى لها الأهمية، فهي واجبة عليه، ولها دورها في بناء شخصية الإنسان المؤمن، وتعزّز علاقته بربِّه، ولكن العبادة لا تحقِّق أهدافها، إلّا عندما تعزِّز البناء الأخلاقيّ للإنسان القائم بها، فلا خير لصلاةٍ أو صيامٍ أو حجٍّ أو أيّ أعمال عباديّة أخرى، إن لم تنعكس على سلوك الإنسان وتحسن أخلاقه مع النَّاس.

وفي الحديث: “لا تنظروا إلى طول ركوع الرّجل وسجوده، فإنَّ ذلك شيء اعتاده، فلو تركه استوحشَ لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته”.

وفي هذا، نقل أمير المؤمنين (ع) أنّه: أُتي للنَّبيّ بسبايا من قبيلة طيّ، وكان من بينهم جارية، لما رأت النبيّ (ص)، استنجدت به قائلةً: “يا محمَّد، إن رأيتَ أن تُخلّيَ عنّي ولا تُشمتَ بنا أحياء العرب، فإنّي ابنة سيِّد قومي، وإنَّ أبي كان يحمي الذِّمار (أي كلّ ما ينبغي حمايته من شرف وعرض وأهل)، ويفكّ العاني (أي الأسير)، ويُشبع الجائع، ويكسو العاري، ويُقري الضّيف، ويُطعم الطَّعام، ويُفشي السَّلام، ولم يَردَّ طالبَ حاجةٍ قطّ. أنا ابنة حاتم طيء (الرّجل الكريم المعروف). قال لها: “خلّوا عنها؛ فإنَّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق”. ثمّ قال: “لا يدخل الجنَّة أحدٌ إلا بحسن الخلق”.

حسنُ الخلقِ في الميزان

وقد أشارت الأحاديث إلى الموقع الَّذي يبلغه العبد إن هو نَعُمَ بحسن الخلق، ففي الحديث: “أكمل المؤمنين إيماناً، أحسنهم خُلُقاً”. وفي حديث آخر: “إنَّ العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل، وإنّه لضعيف العبادة”، (أي لا يعمل المستحبّات). وفي حديثٍ آخر: “ما من شيءٍ أثقل في ميزان العبد يوم القيامة من حسن الخلق”.

وقد التزمَ رسول الله (ص) هذا المنهج، عندما جعل الأخلاق ومكارمها هي مقياس القرب منه أو البعد عنه، لا العبادة ولا العلم ولا الجاه ولا المال، ولا أيّ قيمة أخرى، أو أيّ شيء آخر، رغم أهميّة كلّ هذه العناوين، فقال (ص): “إنَّ أحبّكم إليَّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطؤون أكنافاً، الَّذين يألفون ويُؤلفون”. وفي المقابل، قال لأصحابه عنه: “ألا أخبركم بأبعدكم منّي شبهاً؟”، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: “الفاحش المتفحِّش البذيء البخيل المختال الحقود الحسود القاسي القلب، البعيد من كلِّ خيرٍ يرجى، غير المأمون من كلّ شرِّ يتَّقى”.

الأخلاقُ هي المقياسُ

إذاً، مبعث رسول الله (ص) ينبغي أن يكون مناسبةً لإعادة الاعتبار إلى الأخلاق في حياتنا؛ بأن نضعها في الأولويَّة في تقويمنا لمدى إيماننا وإيمان النَّاس من حولنا، وأن تكون حاكمةً على كلِّ موقف أو توجّهٍ أو سلوكٍ نريد أن نتَّخذه على الصّعيد الدّيني أو التربوي أو الإعلامي أو السياسي أو الاقتصادي، وعلى علاقتنا بأيّ جهة أو شخص أو إطار أو تنظيم.

وهي القيمة الَّتي حملها رسول الله (ص) إلى النَّاس، ولأجلها انفتحت قلوبهم عليه وعلى رسالته، فالَّذين دخلوا الإسلام في أيَّام رسول الله (ص)، كانت الأخلاق هي الحافز في دخولهم إليه، والَّتي تمثَّلت في رحمانية رسول الله (ص) ومحبَّته التي أشار إليها الله سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وعبَّرت عنها رسالته.

وإلى هذا أشارت سيرة رجلين من رجالات الخزرج، وهما أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس دخلا في الإسلام، حيث ورد أنَّ هذين الرجلين جاءا من المدينة المنوّرة بهدف التحالف مع قريش في الحرب الَّتي كان تدور بينهم وبين قبيلة الأوس، والتقيا في مكَّة بأحد رجالات قريش، وهو عتبة بن ربيعة، لكنَّه ردَّ طلبهما، وبرَّر ذلك بأنَّ قريشاً مشغولة برجل يدَّعي أنَّه نبيّ من عند الله، وكانوا يقصدون بذلك رسول الله (ص)، وعندما سألاه أن يلتقيا به ليستمعا إليه، حذَّرهما من الذّهاب إليه، لكنَّهما لم يستجيبا له، وقرَّرا الاستماع إلى رسول الله (ص) حول رسالته، فاستقبلهما رسول الله(ص) بابتسامته المعهودة، فسألاه إلامَ تدعو يا محمَّد؟! قال (ص): “أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له”، فقالا له: أعندك شيء مما تدعو إليه؟ فتلا عليهم (ص) الآيات الَّتي تدعو إلى عدم الشِّرك بالله، والإحسان إلى الوالدين، وحرمة قتل الأولاد، وعدم مسِّ مال اليتيم، والعدالة في التعامل، والوفاء بالعهد. فلمَّا سمعا هذه الآيات الَّتي تدعو إلى الأخلاق، وتحوِّلها إلى شريعة والتزام بها مما لم يشهداه في مجتمعهم، لم يتماسكا أنفسهما، وراحا يقولان وبصوت عال: نشهد أن لا إله إلَّا الله، وأنّك رسول الله… وكان من أشدّ المدافعين عن رسول الله (ص) والدَّاعين إلى الإسلام.

الاقتداءُ بأخلاقِ الرّسولِ (ص)

في ذكرى مبعثه (ص)، لنتوجّه إليه، وهو الشَّاهد علينا بأخلاقه الَّتي وصلت إلى أن يقول الله عزَّ وجلَّ عنه: {وإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، لنعاهده على أن نكون على صورته ومثاله، نتأسَّى به، وهو من قال الله عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ}، بأن نكون كما كان في أخلاقه؛ رحماء حلماء عطوفين، نؤثر النّاس على أنفسنا، كرماء وصادقين وأمناء ومتواضعين ومحبّين؛ نصل من قطعنا، ونعطي من حرمنا، ونعفو عمَّن ظلمنا، ولا ننطق إلّا خيراً، ونكون دعاة ناطقين وصامتين بالقيم الأخلاقيَّة والإنسانيَّة الَّتي دعا إليها…

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بإحياء شهر شعبان الَّذي سيطلّ علينا يوم الأحد القادم، هذا الشَّهر الذي كان رسول الله يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه، وكان رسول (ص) يحثّ أصحابه على الاهتمام به.

فقد ورد أنّ رسول الله (ص) كان إذا دخل شهر شعبان، يأمر منادياً في المدينة أن ينادي بالناس: “يا أهلَ يثربَ، إنّي رسول الله إليكم، ألا إنَّ شعبان شهري، فرحم اللهُ من أعانني على شهري”. وتعود نسبة هذا الشهر إلى رسول الله (ص) لاهتمامه به وتكريمه له.

ونحن، أيُّها الأحبّة، مدعوّون إلى أن نتأسَّى برسول الله (ص) في شهره هذا، بما دعينا إليه، وما ورد فيه من الصّيام والذكر والاستغفار والصَّدقة وإحياء لياليه بالعبادة، ولا سيَّما ليلة النصف من شعبان الَّتي ورد أنها أفضل اللَّيالي بعد ليلة القدر.

إنَّنا أحوج ما نكون إلى هذه الأجواء الروحيَّة والإيمانيَّة التي يهيئنا لنا هذا الشَّهر، والتي إن حرصنا عليها، فإنها ستسهم في تطهير نفوسنا وتعزيز علاقتنا بالله، وتؤهلنا لضيافة الله عزّ وجلّ في شهره شهر رمضان، ونكون بذلك أقدر على مواجهة التحديات التي تعصف بنا.

المساعي لإيقافِ الحرب

والبداية من فلسطين، حيث لا تزال المساعي تبذل من أجل إيقاف نزيف الحرب والدمار، لكنها تواجَه بتعنت العدوّ الذي يسعى لكي يحقق بالمفاوضات ما عجز عنه في الميدان، ومن دون أن يقدِّم للشعب الفلسطيني ما يحتاج إليه من وقف لإطلاق النَّار، وضمان عودة أهالي القطاع إلى بيوتهم، ورفع كاهل الحصار عنهم، ووقف سياسة الإجرام والاقتحام المتواصل للضفَّة الغربية واستهدافها، رغم عجزه عن تحقيق أهدافه واستعادة أسراه، ورغم تهجيره الفلسطينيين من أرضهم الَّتي أصروا على البقاء فيها، رغم المجازر وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، واتّباعه سياسة التجويع والتعطيش.

أمَّا المقاومة، ومع كل ما قدمته من تضحيات جسام، فلا تزال تقف بكل شموخ أمام آليات العدوّ، وما يمتلكه من ترسانة عسكرية هائلة ودعم غير محدود، مؤكِّدة أنها ستبقى أمينة على تضحيات شعبها، والتي لن تذهب هدراً.

إننا أمام ما يجري، نجدِّد دعوتنا للدول العربية والإسلامية وشعوبها إلى القيام بمسؤوليَّاتها تجاه هذا الشعب العربي المسلم، وأن تقف إلى صفّه وأن تسانده، وأن لا يكون دورها دور المتفرّج أمام معاناته، أو الوسيط بينه وبين هذا العدوّ، وهي القادرة على ذلك إن توحَّدت وفعّلت جهودها وتعاونت في ما بينها، وهي عندما تقوم بهذا الدور، فهي لا تقوم به لحساب الشعب الفلسطيني فقط، بل لحسابها أيضاً، لأن هذا الكيان إن خرج من هذه المعركة منتصراً، وحقق ما يريد من ورائها، فلن يكون أيّ بلد عربي أو إسلامي آمناً منه، ولن يسلم من مكائده وغدره، أو يحظى بالعزة والكرامة التي ينشدها.

وهنا لا بدَّ من أن نتوجه إلى كل دول العالم التي تعلن حرصها على سلام هذه المنطقة في هذا العالم، وتبدي رغبتها بعدم توسعة الحرب، لنقول لها إنَّ ذلك لن يكون بتحريك الأساطيل والاغتيال والقصف للَّذين يقفون في خطّ المساندة للشعب الفلسطيني، بل بكفّ يد العدوّ الصهيوني عن الاستمرار في جرائمه، وهم قادرون على ذلك، يكفيهم أن يضغطوا على هذا الكيان بعدم مدّه بالسّلاح أو بالمال، أو بعدم توفير الحماية له في المحافل الدوليَّة، ومنع أيّ محاسبة له على جرائمه وارتكاباته بحقّ الشَّعب الفلسطيني.

المقاومةُ تردعُ العدوّ

ونصل إلى لبنان الذي يستمرّ العدوّ بممارساته العدوانية عليه، والتي تجاوزت حدودها الطبيعية، ووصلت، كما شهدنا بالأمس، إلى استهداف مدينة النبطيَّة، والتي تواكَب بتهديدات هذا العدوّ وتهويله باستعراض طائراته في الجوّ، فيما لا تزال الوفود الدوليَّة تتقاطر على هذا البلد، رغبةً منها بمنع امتداد الحرب إلى لبنان أو التَّحذير من توسعها. ونحن إذ نشكر أيّ جهد يبذل على هذا الصَّعيد، لكن الطريق إلى ذلك بات واضحاً، وذلك بإيقاف ما يحصل في غزَّة.

إننا نجدد أسفنا إزاء الحديث الَّذي تطلقه قيادات دينية وسياسية عن عدم جدوى ما يحصل من مواجهة العدوّ الصهيوني وعبثيّته، من دون النظر إلى ما يقوم به هذا العدوّ من حرب إبادة تجاه الشعب الفلسطيني، تفرض على كلِّ من يحمل القيم الدينيَّة والحسّ الإنساني في هذا العالم، وكلّ حرّ فيه، أن يستخدم كلّ ما يملكه من وسائل الدعم الممكنة لردع هذا العدوّ عن التمادي في جرائمه في فلسطين، ولا ينبغي الشّكّ في أن هذا الخيار سوف يساهم في جعل لبنان أكثر مناعة أمام العدوّ الّذي يتربص بهذا البلد، ويعدّ العدَّة لإضعافه وإخضاعه عندما تسمح له الفرصة بذلك.

إننا نجدّد تأكيدنا ضرورة الوقوف صفاً واحداً في هذه المرحلة، وعدم السّماح للعدوّ الصهيوني بالاستفادة من أيّ انقسام داخلي حول ما يجري، ما يشجعه على التمادي في عدوانه.

معالجةُ الأزماتِ الدّاخليّة

وفي الوقت نفسه، نجدّد دعوتنا كلّ القوى السياسية إلى العمل الجادّ لمعالجة الأزمات التي تعصف في الداخل، بالإسراع بتأمين الاستحقاقات التي باتت المدخل لمعالجة ما يعانيه البلد على كل الصعد، ولا سيما على الصعيد الاقتصادي والمعيشي والحياتي، والتي بدأت تتفاقم بعد إقرار الموازنة بأرقامها المخيفة، والتي بدأنا نرى آثارها وتداعياتها فيما شهدناه مع العسكريّين المتقاعدين، ممن خدموا الوطن وبذلوا التضحيات لأجله، وفي الوقت نفسه، العمل لردم الهوَّة الحاصلة بين مكوّنات هذا البلد، والتي نخشى أن تتَّسع وتفضي إلى مزيد من الشَّرخ الداخليّ، ليكون قادراً على مواجهة تحدّيات هذه المرحلة في المنطقة والعالم، حيث لا يمكن أن تواجه بالترهّل الَّذي يعيشه البلد والأزمات التي تعصف به.

ومن هنا، فإنَّنا نرحب بكلّ دعوات الحوار بين اللبنانيين، بعدما أصبح واضحاً أن لا حل لأزماته واستحقاقاته إلَّا بحوار جادّ وبنّاء، يكون الهدف منه هو حفظ هذا البلد، ومنع الأيادي التي تريد العبث بأمنه واستقراره وسيادته.

***