ذكرى مبعث رسول الله(ص): مبعث رسالة الأخلاق

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

في السابع والعشرين من شهر رجب نزل الوحي على رسول الله(ص) في غار حراء حيث كان يتأمل ويتعبد قائلاً له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

لبى رسول الله نداء ربه، راح يعلّم ويربي ويزكي.. لم ترهبه الضغوط. ولا التحديات، أغرته قريش بالجاه والملك فقطع الطريق عليها قائلاً لعمه أبي طالب رداً على العروض: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

 

وصبر رسول الله(ص) وأصرّ على إيصال صوت رسالته.. إلى كل إذن تسمع وعين تقرأ وقلب يفهم، حتى ظهر أمر الله وعلت كلمته، وتحقق الهدف من الرسالة "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

نعم، بُعث محمد(ص) ليتمم مكارم الأخلاق استكمالاً لمسيرة الأنبياء منذ آدم.. فقد أراد الله للأخلاق أن تحكم الحياة، أن تحكم سلوك الإنسان كفرد والإنسان كمجتمع مع ربه ومع نفسه، داخل بيته، ومع أرحامه وجيرانه، وفي الشارع ومواقع العمل والتعلم.. مع من يلتقي معهم ومع من يختلف، في حال السلم والحرب، في حال الرضا والغضب، في حال القدرة والفقر.بهذا يصبح الإنسان إنساناً، والمؤمن مؤمناً، وإلاّ كيف يمكن أن أكون متديناً ولا يظهر تديّني إلا في الطقوس والعبادات. أأكون متديناً ولا يسلم الناس من شرّي وشرّ لساني، أم أدّعي الإيمان وأتمتّع بطيّبات الحياة وجاري جائع؟

 

جاء رجل إلى رسول الله(ص) وسأله: ما الدِّينُ؟ فاكتفى بالقول: حُسنُ الخُلقِ. وظن الرجل أن الرسول لم يسمعه جيداً فأتاه عن يَمينِهِ وقال يا رسول الله: ما الدِّينُ؟ فقالَ: "حُسنُ الخُلقِ"… فعاد وكرر السؤال ورسول الله يكرر "حُسنُ الخُلقِ".. ولذلك نرى رسول الله ينفي صفة التدين عن امرأة قيل له عنها إنها كانت تقوم الليل وتصوم النهار، لكنها بذيئة اللسان تؤذي جيرانها، وتكذب وتغتاب.. فقال: "لا خَيْرَ فِيهَا ، هِيَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ".

 

اسمعوا هذا الحديث الذي نقل عن أمير المؤمنين(ع): أُتي للنبي بسبايا من قبيلة طيّ، وكان من بينهم جارية، لما رأت النبي(ص) استنجدت به قائلة: "يا محمّد، إن رأيتَ أن تُخلّيَ عنّي ولا تُشمتَ بنا أحياء العرب، فإنّي ابنة سيّد قومي، وإنّ أبي كان يحمي الذمار (أي كل ما ينبغي حمايته من شرف وعرض وأهل) ويفكّ العاني (أي الأسير)، ويُشبع الجائع ويكسو العاري، ويُقري الضيف ويُطعم الطعام، ويُفشي السلام، ولم يَردَّ طالبَ حاجةٍ قطّ، أنا ابنة حاتم طيء (الرجل الكريم المعروف).. فقال لها: يا جارية، هذه صفة المؤمن حقّاً، خلّوا عنها؛ فإنّ أباها كان يحبّ مكارم الأخلاق".. "والَّذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا حسن الأخلاق".

 

نعم حسن الخلق أيها الأحبة هو عنوان الدين، به يقيّم الإنسان التزامه، وهو السبيل لبلوغ المراتب العالية عند الله.. وقد ورد في الحديث: " ‏أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَاناً أَحْسَنُهُمْ خُلُقاً‏"، وفي حديث آخر: "إنّ العَبدَ لَيَبلُغُ بحُسنِ خُلقِهِ عَظيمَ دَرَجاتِ الآخِرَةِ وشَرَفَ المَنازِل، وإنَّهُ لَضَعيفُ العِبادَةِ" (يقتصر في أدائه على الواجبات).. "ما مِن شَيءٍ أثقَلُ ما يُوضَعُ في المِيزانِ مِن خُلقٍ حَسنٍ".

 

لقد كان رسول الله(ص) يقوم الليل حتى تتورم قدماه ورغم ذلك لم يُشر القرآن إلى عبادته وكان مدينة العلم، ولم يتحدّث عن علمه وكان مقداماً ولم يتحدّث عن شجاعته وبطولته، ولم يتحدّث عن عدله وهو العادل الذي كان يعدل بين الناس حتى في الكلمة والنظرة.. وأيضاً لم يقيّمه على أساس زهده وتخليه عن الدنيا، اسمعوا ماذا أنزل الله تعالى في رسولكم: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وقال فيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقال عز وجلّ مخاطباً قريش: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

 

لهذا لم يكن غريباً أن يكرّس الرسول المعيار نفسه في علاقته بالناس.. جعل الأخلاق ومكارمها هي مقياس القرب منه عندما قال: "أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً.. الموطئون أكنافاً (اللينون الجانب).. الذين يألفون ويؤلفون"، وحدد في المقابل مقياس البعد منه حين قال(ص): "ألا أخبركم بأبعدكم مني شبها؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الفاحش المتفحش البذيء البخيل المختال الحقود الحسود، القاسي القلب، البعيد من كل خير يرجى، غير المأمون من كل شر يتقى".

 

ونحن أيها الأحبة في ذكرى مبعث رسول الله(ص)، مبعث رسالة الإسلام، مبعث الخلق العظيم، مبعث القيم الإنسانية سنتوقف عند بعض مواقفه نستلهمها، لنقتدي بمن جعله الله لنا قدوة وأبرزها موقفه من أهل مكة الذين عذبوه وعذبوا أصحابه، وتآمروا لاغتياله، واضطروه أن يهاجر من مكة أحب البلاد أليه ليهاجر إلى بلاد الغربة، وعندما وصل إليها سالماً لم يكفوا شرهم عنه، بل ألبوا عليه اليهود والقبائل التي كانت تحيط بالمدينة، وأعلنوا عليه الحروب، ورغم ذلك، كيف تصرّف عندما دخل مكة فاتحاً؟ لقد رفض الشعار الذي رفعه أحد أصحابه: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة، أبى أن يكون الفاتح المنتقم، وقال: "اليوم يوم المرحمة… اليوم تحمى الحرمة، ولم يقف الأمر عند "من دخل بيته وأغلق بابه فهو آمن،  ومن دخل المسجد فهو آمن، بل قال: ومن دخل بيت ابي سفيان فهو آمن" (وأبو سفيان كان قائد كل الحروب عليه)..ولنلاحظ لم يقل من أسلم فهو آمن، بل أعطى الأمان لكل من يغمد سيفه فيكون آمناً.

 

وعندما اجتمعت قريش حوله وسألهم: ماذا ترون أني فاعل بكم؟ أجابوه: " أخ كريم وابن أخ كريم"، كانوا يعرفون قلب رسول الله وأخلاقه.. خبروه في صدقه وأمانته ووداعته.. وكم سمعوه يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".. وحتى عندما كان يقال له ادع على المشركين، كان يقول: "إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة".. وعندما أخرجوه من مكة ومعه ودائعهم كان بإمكانه أن يأخذها والتبرير موجود، أنهم أرادوا اغتياله وصادروا أمواله وأموال أصحابه ورغم ذلك أبقى علياً(ع) في مكة عرضة للخطر، حيث أمضى هناك ثلاثة أيام لماذا؟ كي يعيد الأمانات إلى أصحابها من مشركي قريش.

 

أيها الأحبة:

هذا هو رسول الله في حبه للناس، في رحمته وعفوه وتسامحه، وفي انفتاحه على الذين يختلفون معه، في مده ليد التواصل مع كل الناس، لم ينطلق في سلوكه من ردود فعل الآخرين.. يعفو إن عفوا، ويصل إن وصلوا، ويعطي إن أعطوا، بل كان يصل من قطعه ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه.. ويعفي إن عفوا رغم أنه في كل هذا الواقع لم يكن ضعيفاً ولا مهزوماً.. بل كان في أوج انتصاره..

 

وهنا السؤال: أين نحن الآن من رسول الله، نبينا وقدوتنا، أين هم الذين يحملون اسم رسالته وينتمون إليه، لقد تبدلت لديهم الصورة وتغيرت المقاييس، أسقطوا لغة الحب والرحمة والعفو والتسامح والانفتاح من قواميس مواقفهم والقلوب لم تعد عامرة بغير البغض والكراهية والحقد والتعصب ورفض الآخر، حتى استباحة دمه.. كم هو حزن رسول الله(ص) وهو يرى أمته التي أراد لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس أمة نكرة على هامش الأمم.. يقتل بعضها بعضاً ويدمر بعضها بعضاً.. فيما أعداؤها يقهقهون فرحاً.

 

أيها الأحبة:

واقع أمتنا يحتاج إلى ثورة أخلاقية، ثورة حسن خلق في الفقه والسياسة والاقتصاد والتربية والإعلام والثقافة والعلاقات وفي كل المواقف.. فبالأخلاق استطاع رسول الله أن يفتح قلوب الناس على رسالته، وبالأخلاق حول الأعداء إلى أصدقاء، وطابق بين النظرية والتطبيق، بين العبادة والعمل، بين السلوك والدين.

في ذكرى مبعثك نتوجه إليك يا رسول الله.. مؤكدين لك الولاء.. الولاء للإسلام، الولاء لحسن الخلق، نعاهدك أن نثبت على المحبة والرحمة، والعفو والتسامح والعدل، نعاهدك على التمسك بالثبات والصبر والقوة والعنفوان، فهذا هو سبيل خلاصنا من كل ما نعاني.

وَالْحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّد نَبِيِّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ دُونَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ وَالْقُرُونِ.. إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَ مِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ.. اللَهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إلَى الدَّرَجَةِ الْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ، حَتَّى لاَ يُسَاوَى فِي مَنْزِلَة وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَة وَلاَ يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ.

 

الخطبة الثانية 

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، ولزوم أمره، وعمارة قلوبكم بذكره. ولبلوغ التقوى، علينا أن نعيش معنى ذكرى الإسراء والمعراج التي ستمر علينا بعد أيام، في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب؛ هذه الرحلة التي خصّ الله بها رسوله محمداً(ص)، عندما أسرى به ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. ومن هناك، عرج به إلى السماوات العلى، حيث بلغ أعلى مكان يمكن أن يصل إليه مخلوق.

إنّ الهدف الأول من هذه الرحلة، هو الذي أشار إليه القرآن الكريم: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، {لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}، فيما الهدف الثاني، هو تأكيد وحدة الرسالات السماويّة، من خلال تلاقي الأنبياء تحت ظلال القدس.

أما الهدف الأخير والأساسي، فهو مما يهمّنا في واقعنا، في إبراز أهمية المسجد الأقصى، ومدى الترابط بينه وبين المسجد الحرام، ما يجعل المسؤولية عنهما واحدة في الحفظ والرعاية والحماية.

ومن هنا، فإننا نريد لهذه الذكرى أن تكون مناسبة ليعي المسلمون مسؤولياتهم تجاه المسجد الأقصى، وليعملوا على توحيد طاقاتهم وجهودهم وقدراتهم وإمكاناتهم، ومواجهة الاستباحة اليومية التي يتعرّض لها. وبذلك، سنكون جديرين بالحياة، وسيحترمنا العالم الذي لا يحترم أمةً لا تدافع عن مقدساتها، وسنكون قادرين على مواجهة التحديات.

والبداية من لبنان، حيث تستمر فيه حالة المراوحة، بعد أن عجز المجلس النيابي عن القيام بإحدى مهماته الأساسية، المتمثّلة في انتخاب الرئيس، تاركاً البلد في حالة شغور لا يُدرى متى تنتهي.

ولعلَّ ما يهوّن الخطب، هو اعتياد اللبنانيين على الفراغ، الَّذي بات سمة من سمات النظام السياسي اللبناني، إن في الحكومة، أو في رئاسة الجمهورية، أو في الإدارات العامة والمواقع الأخرى. وبالتالي، لن يشعر اللبنانيون بالخوف كثيراً من حصوله، بقدر ما سيشعرون بالأسى على وطن لم يتعلّم سياسيوه بعد، ورغم كل التجارب السابقة، وكل ما حدث من حروب وويلات، أن الخيار الأساس هو التوافق.

ورغم كل ذلك، فإننا نجدد الدعوة لكل المسؤولين إلى الإسراع في العمل لانتخاب رئيس توافقي، ولو في اللحظة الأخيرة. وليبقَ هذا الأمر في يدهم، لا في يد غيرهم من دول التأثير، التي ستكتفي بتوجيه النصائح للمسؤولين حول ضرورة التوافق، إمّا لأنها غير مبالية، ولها اهتمامات أخرى، وإما لأنها لم تتفق بعد، أو لأنها لا تريد أن تستعجل الوصول إلى ذلك في هذه المرحلة، ريثما تنجلي ظروف أخرى، أو تنتهي انتخابات أخرى.

ونشدّد على ضرورة التعاطي بإيجابية مع استمرار عمل المجلس النيابي على المستوى التشريعي، لأنَّ شغور أي موقع، ينبغي أن يكون دافعاً للمواقع الأخرى، لكي تضاعف من جهدها وعطائها، بدلاً من اتباع سياسة التعطيل التي أساءت إلى إنسان هذا البلد، ولا تزال تسيء إليه.

إن البلد بحاجة إلى مسؤولين يتجاوزون حدود ذواتهم، ومصالحهم، وحساسيات طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسية، لحساب الوطن ومستقبله وقوته وعزته.

وفي مجال آخر، لا بدَّ من أن نقدّر كلّ الجهود التي تبذل من قبل الأجهزة الأمنية، لملاحقة تجار المخدرات، الذين يبثون سموماً في الداخل والخارج، تسيء إلى مستقبلنا ومستقبل أجيالنا، وإلى صورة هذا البلد.

وإذ نشدّ على أيدي الأجهزة الأمنية، ونثني على كلّ ما تحقّقه في هذا المجال، ندعو إلى مواكبة جهدها، برقابة من الأهل، وتوعية من المدارس وعلماء الدين، ومن كل الحريصين على سلامة المجتمع وأمنه الداخلي، لتنبيه الشباب والأجيال الصاعدة، كي لا يقعوا في أحضان مروّجي هذه المادة القاتلة والفتّاكة، الذين يعتمدونها وسيلة لتحقيق الأرباح أو لخدمة أجهزة تريد نخر مجتمعنا من داخله.

وأخيراً، لا بد من أن نتوقّف عند الذكرى الرابعة عشرة لتحرير لبنان من براثن الاحتلال الصهيوني، الذي كان جاثماً على صدر هذا الوطن لسنوات طوال؛ هذه الذكرى التي تعيد إلينا تلك الصور المشرقة من تاريخ هذا الوطن، مما ينبغي أن يبقى محفوراً في الذاكرة، وأن تتناقله الأجيال الصاعدة؛ صور العدو وهو يخرج ذليلاً صاغراً، تاركاً وراءه عملاءه وأعوانه، غير مبالٍ بمصيرهم، يجرّ وراءه، ولأول مرة، أذيال الخيبة، صور هذا الشعب الراسخ في أرضه، والمتجذِّرة فيه وطنيّته، الذي لم ينتظر طويلاً حتى سارع إلى العودة إلى الأرض التي أحبّها كأعمق ما يكون الحب، دون أن يأبه بكل المخاطر؛ صور الأسرى وهم يحطّمون بأيديهم الأغلال والقيود التي قيدهم بها العدو، صور التلاقي بين كل اللبنانيين على فرح الانتصار، هؤلاء الَّذين فوّتوا على العدو الصهيوني، بوعيهم ووعي المجاهدين، مخطّطه في إيقاع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين، وبين المسلمين مع بعضهم البعض.

إنّنا في يوم التّحرير، نؤكّد أنَّ الوفاء لكلّ الَّذين شاركوا في تحقيق هذا الانتصار، هو بالمحافظة على كل المكتسبات التي تحققت، وببقاء العين ساهرة في مواجهة هذا العدو الغادر، الذي لا يضمر للبنان وشعبه إلا الشر، وبتعزيز التلاحم بين كل صانعي النصر، المقاومة والجيش والشعب، وتعزيز الوحدة الداخلية والإسلامية والوطنية التي كان لها دور في النصر، ولن يُستكمل إلا بها، وببقاء الوعي لمدى خطر العدو الصهيوني، الذي لا ينبغي أن نستبدله بأي خطر، لا في الداخل ولا في الخارج، فهو سبب كل ما نعانيه، وهو الذي تُصنع كل الفتن ليبقى قوياً على حسابنا وحساب قضايانا.

 وفي ذكرى التحرير، ندعو للشهداء بالرحمة، وللمجاهدين بالثبات، وللوطن بالقوة والعزة والعنفوان ومزيد من الوحدة.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ : 24 رجب 1435هـ  الموافق : 23ايار 2014م

 

Leave A Reply