ذكرى ولادة عليّ (ع): رجل العدلِ والعلمِ والإنسانيّة

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[البقرة: 207]. صدق الله العظيم.

الولادةُ المباركةُ

في الثَّالث عشر من شهر رجب الحرام، كانت الولادة المباركة لواحد من أولئك الَّذين نزلت فيهم هذه الآية المباركة، ممن تحقَّقت فيهم إرادة الله سبحانه وتعالى، بأن أذهب عنهم الرِّجس وطهَّرهم تطهيراً، وهو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)، هذا الإمام الَّذي شاء الله سبحانه أن تكون ولادته في أقدس بقعة وأشرف أرض، في بيته الحرام، ولادة لم تحصل لأحد قبله ولن تحصل بعده، وأن ينعم باحتضان رسول الله (ص) وتربيته ورعايته، بعدما كفله وهو في السَّادسة من عمره، تخفيفاً للعبء على أبيه أبي طالب الَّذي كان كثير العيال، فأخذ من رسول الله (ص) علمه وحلمه وأدبه وخلقه العظيم. وهو ما أشار إليه في إحدى خطبه في “نهج البلاغة”، حيث قال: “ولَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُه اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّه، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِه عَلَماً، ويَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِه”.

وعندما نزل جبرائيل على رسول الله بالرِّسالة، كان عليّ(ع) أوَّل النَّاس إسلاماً، وقد أشار هو إلى ذلك، عندما قال: “اللَّهمِّ إني أوَّل من أناب وسمع وأجاب”.

وفي ذلك، يقول ابن أبي الحديد شارح “نهج البلاغة”: “ما أَقولُ في رجُلٍ سبقَ النَّاسَ إِلى الهُدى، وآمن بالله وعبدهُ، وكلُّ مَن في الأَرْضِ يعبدُ الحَجر، ويجحدُ الخالِق، لم يسبقهُ أَحدٌ إِلى التَّوحيد إِلّا السَّابق إِلى كلِّ خَيْرٍ، محمَّدٌ رَسُولُ الله (ص)”.

سندُ الرَّسولِ (ص)

وعندما انطلق رسول الله (ص) بدعوته، كان عليّ (ع) له سنداً وعضداً، وهذا ما ظهر عندما أعلن استعداده لمؤازرته والوقوف معه منذ البداية، وذلك عندما دعا رسول الله (ص) عشيرته يوم نزلت الآية: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، بعد أن دعاهم إلى الإسلام، وقال: “أيّكم يؤازرني على هذا الأمر؟”، ولم يقف يومها إلَّا عليّ (ع)، وقال: “أنا يا رسول الله”.

ولم يتردَّد بعد ذلك في أن يستجيب لدعوة رسول الله (ص) إليه، أن يبيت على فراشه يوم أراد الهجرة من مكَّة إلى المدينة، بعدما أخذت قريش قرارها بقتله وهو على فراشه، حتى لا ينكشف أمر هجرته، رغم معرفته بأنَّ هذا الموقف قد يكلِّفه حياته، فقد كان أربعون فارساً ينتظرون بزوغ الفجر حتى ينقضّوا على هذا الفراش، سعياً منهم لقتل رسول الله. يومها، لم يسأل عليٌّ (ع) عن حياته وما قد يجري له، بل اكتفى بالقول: “أوتسلمنَّ بمبيتي يا نبيَّ الله؟”، وعندما قال له: نعم، هذا ما وعدني به ربي، قال (ع): “امض لما أمرت”. وحينها، نزلت الآية على رسول الله (ص) الَّتي عبَّرت عن حقيقة منطلقات عليّ (ع) في كلّ حياته: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}.

فارسُ الحروبِ وبابُ العلمِ

وكان عليٌّ المتصدِّر في كلّ الحروب الَّتي خاضها رسول الله في مواجهة المشركين واليهود، شهدت له بذلك بدر وأحد وخيبر وحنين، فكان في كلِّ الحروب التي خاضها فارسها وبطلها، حتى تحقَّق للمسلمين النَّصر… وهو كان في العلم المعبِّر عن رسول الله (ص)، فقد كان باب مدينة علمه، وهو ما أشار إليه رسول الله (ص) بقوله: “أَنَا مَدِينَةُ الْعِلْمِ وَعَلِيٌّ بَابُهَا، فَمَنْ أَرَادَ الدخولُ إلى المدينة، فَلْيَأْتِهِا مِنْ بَاب عليّ”.

وهو من قال: “عَلَّمَني رسول الله ألفَ بابٍ مِنَ العِلمِ، يَفتَحُ كُلُّ بابٍ ألفَ بابٍ”.

وقال له: “أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلَّا أنَّه لا نبيَّ بعدي”.

وقبل أن يغادر رسول الله (ص) الحياة، أودعه أمانة الإسلام من بعده، فليس غير عليّ (ع) من هو قادر على حفظ هذه الأمانة، ومن هو جدير بقيادة السَّفينة، وقد جاءت الأيَّام والأحداث لتؤكِّد هذه الحقيقة، ولتظهر ما قاله الخليل بن أحمد الفراهيدي، عندما سئل: لمَ فضَّلت علياً على غيره؟ قال: “احتياج الكلّ إليه، واستغناؤه عن الكلّ، دليل على أنّه إمام الكلّ”.

وقال: “ماذا أقول في رجلٍ أخفى أعداؤه فضائله حسداً، وأخفاها محبّوه خوفاً، وظهر من بين ذين وذين ما ملأ الخافقين”.

مِنْ فضائلِهِ (ع)

ونحن اليوم، وفي ذكرى ولادته، سنغتنم الفرصة لنشير إلى هذه الفضائل، لا لنكتفي بأن نمجِّد عليَّاً، بل لنقيس أنفسنا من خلالها، حتى نتأكَّد هل نحن فعلاً من شيعته ومحبِّيه ومواليه:

الموقف الأوَّل: حين جاء إليه مالك الأشتر وقال له: يا أمير المؤمنين… قلَّ العدد، وأنت تأخذهم بالعدل، فإن تبذل المال يا أمير المؤمنين، تمل إليك أعناق الرّجال، وتصفو نصيحتهم لك، وتستخلص ودًّهم. فقال (ع) له: “أمَّا ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل، فإنَّ الله يقول: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ}، فأنا من أن أكون مقصِّراً فيما ذكرت أخوف، وأمَّا ما ذكرت من أنَّ الحقَّ ثقيل عليهم، ففارقونا لذلك، فقد علم الله أنَّهم لم يُفارقونا من جَوْر، ولا لجأوا إذ فارقونا إلى عَدْل، ولم يلتمسوا إلّا دنيا زائلة عنهم كأن قد فارقوها؛ وَلَيُسْأَلُنَّ يوم القيامة: أللدّنيا أرادوا، أم لله عملوا؟…”، فقال له الأشتر: “والله صدقت يا أمير المؤمنين”.

لقد كان عليّ (ع) قادراً على أن يجتذب قلوب رؤساء العشائر والمتنفّذين والنّاس من حوله، ولكنه ما كان يريد أن يكسب أحباء أو أصدقاء ومن يهلّلون له على حساب مبادئ الإسلام الَّذي أفنى حياته من أجله، ومصالح النَّاس ومستقبلهم الذي كان يرى نفسه معنيّاً بهم.

الموقف الثاني: أنَّه في معركة صفّين، أحاط جيش معاوية بن أبي سفيان حين قدومه إلى أرض المعركة بالماء، فلما سألهم عليّ (ع) الماء، رفضوا وقالوا: لا والله، حتى تموت عطشاً أنت وأصحابك، عندها تقدَّم الإمام (ع) بأصحابه، وحملوا على جيش معاوية، وبعد قتال عنيف، أبعدوهم عن الماء، والَّذي صار بحوزة جيش الإمام، فيما تفرَّق جيش معاوية في الصَّحراء، وعانوا العطش عندها.

وعندما جاء معاوية وجيشه يطلبون الماء من عليّ (ع)، قال له قادة جيشه: امنعهم الماء يا أمير المؤمنين كما منعوك، ولا تسقهم منه قطرة، واقتلهم بسيوف العطش، وخذهم قبضاً بالأيدي، فلا حاجه لك بعد ذلك إلى الحرب، فقال: لا والله، لا أكافئهم بمثل فعلهم، افسحوا لهم عن بعض الشَّريعة.

الموقف الثَّالث: قوله: “وقَد كَرِهتُ أن يَكونَ جالَ في ظَنِّكُم أنّي أُحِبُّ الإِطراءَ، وَاستِماعَ الثَّناءِ، ولَستُ – بِحَمدِ اللهِ – كَذلِكَ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ، لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً لله سُبْحَانَهُ… فَلا تُكَلِّمُونِي بِمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ، وَلا تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ، وَلا تُخَالِطُونِي بِالْمُصَانَعَةِ، وَلا تَظُنُّوا بِىَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ لِي، وَلا الْتمَاسَ إِعْظَام لِنَفْسِي، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ، أَوِ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ. فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَة بِحَقٍّ، أَوْ مَشْوَرَة بِعَدْل، فإنِّي لستُ في نَفسي بفوقِ ما أن أُخطِئَ، ولا آمَنُ ذلك مِن فِعلي”.

ثم توجَّه إلى عشيرته من بني عبد المطَّلب: “يا بني عبد المطّلب، لا ألفينّكم تخوضون في دماء المسلمين خوضاً، تقولون: قُتِل أميرُ المؤمنين، ألا لا تقتلنّ بي إلّا قاتلي؛ انظروا إذا أنا مِتّ من ضربته هذه، فاضربوه ضربةً بضربة، ولا تمثّلوا بالرّجل، فإنّي سمعتُ رسول الله (ص) يقول: إيّاكم والمثلة ولو بالكلب العقور”.

لقد أراد الإمام (ع) من خلال ذلك أن يعلِّمنا الجرأة في انتقاد الحاكم والمسؤول في أيّ موقع كان، دينيّاً أو اجتماعيّاً أو سياسيّاً، أن لا نجامله ونسكت على أخطائه رغبةً بالتقرّب منه أو رهبة، وأراد من ذلك للحاكم والمسؤول، لو بلغ في الموقع مهما بلغ من الشَّأن، أن لا يرى نفسه فوق النقد.

معنى الولاءِ لعليّ (ع)

أيّها الأحبّة: هذا هو عليّ في أخلاقه وعدله وعلمه وإنسانيَّته، والانتماء إلى عليّ لا يكفي فيه أن نبدي له مشاعرنا وعواطفنا، أو أن نعلن الولاء له، بل هو الأخذ بكلِّ هذه المعاني الَّتي عاشها، ولما دعانا إليه، عندما قال: “ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنَّكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفَّة وسداد”.

وبذلك نستحقّ أن نكون من أتباعه وشيعته، ومن المنضوين تحت لوائه، ونكون زيناً له لا شيناً عليه.

السَّلام عليك يا أمير المؤمنين، السَّلام عليك يا سيِّد الوصيِّين، السَّلام عليك يا إمام المتَّقين، أشهد أنَّك قد أقمت الصَّلاة، وأتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر حتى أتاك اليقين.

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) أصحابه، عندما قال لهم: “ألا وإنَّ هذه الدّنيا التي أصبحتم تتمنّونها وترغبون فيها، وأصبحت تغضبكم وترضيكم، ليست بداركم، ولا منزلكم الَّذي خلقتم له، ولا الذي دعيتم إليه. ألا وإنها ليست بباقية لكم ولا تبقون عليها، وسابقوا فيها إلى الدار الَّتي دعيتم إليها، وانصرفوا بقلوبكم عنها، واستتمّوا نعمة الله عليكم بالصَّبر على طاعة الله، والمحافظة على ما استحفظكم من كتابه، ألا وإنَّه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم، ألا وإنَّه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ، وألهمنا وإيَّاكم الصَّبر”.

هذه هي وصيَّة أمير المؤمنين (ع)، والَّتي إن أخذنا بها، سنعرف إلى أين نسير وكيف نسير، وبذلك نكون على خير في دنيانا، ونجاة في آخرتنا، وسنكون أقدر على مواجهة التحديات…

استمرار العدوان على غزّة

والبداية من غزَّة، حيث يستمرّ العدوّ الصهيوني في سياسته بالتَّدمير المنهجي لكلِّ مظاهر العمران فيها، وجعلها غير قابلة للحياة، من دون أن تبدو في الأفق أيّ بوادر لدى هذا الكيان للإصغاء إلى كلّ الأصوات التي ترتفع في العالم، وتدعوه إلى إيقاف نزيف الدَّم والدمار فيها، بل نجد إمعاناً منه في الاستمرار بهذه الحرب، وهو حتى عندما يريد التفاوض، فهو يريده أن يجري تحت نارها. ولعلَّ ما يشجِّع هذا الكيان على هذا التصلّب، الدّعم الدولي المتواصل الَّذي يلقاه، والتغطية التي يحصل عليها، والتي تجعله بمنأى عن المحاسبة والعقاب، وإن كنَّا بدأنا نشهد تبدّلاً في مواقف العديد من الدول الراعية له والدّاعمة له، بعد الإحراج الَّذي باتت تشعر به أمام العالم، أو الخوف على مصالحها وأمنها من توسّع الحرب، وإن كان ذلك لم يتمظهر إلى الآن بموقف حاسم ورادع لهذا العدوّ، بل اكتفت بالتمنيات.

إنجازاتُ المقاومة

في هذا الوقت، يستمرّ الشعب الفلسطيني بمقاومته الباسلة، والتصدّي لهذا العدوّ، رغم عدم تكافؤ القدرات والإمكانات، لمنعه من تحقيق أهدافه، أو جعل الوصول إليها مكلفاً وباهظ الثَّمن، والتي تشهد به العمليات البطولية التي تحصل كلَّ يوم، ولن يكون آخرها العمليَّة الجريئة في “المغازي” الَّتي أقضت مضاجع هذا العدوّ، وهزت كيانه، واعتبرها يوماً أسود وفظيعاً.

ونحن نبارك للمقاومة في فلسطين إنجازاتها وبطولاتها التي عززت في النفوس الأمل بأن هذا الشَّعب عصي على الكسر، وقادر على أن يُلحق بالعدوّ الهزيمة، وأن يُجهض خططه ومشاريعه.

لقد أصبح الشعب الفلسطيني أكثر وعياً، بأن لا خيار له إلا بأن يتابع مسيرته هذه في مقاومة هذا العدوّ، وأن يصبر على هذا الخيار ويتحمَّل أعباءه، وأنَّ أيّ خيار آخر يُعمل له أو يدعى إليه، لن يؤمِّن له أبسط حقوقه، ولن يحصل من ورائه على الحياة الكريمة، أو أن ينعم بالحرية والأمن الَّذي هو من حقّه أسوةً ببقيّة الشعوب الأخرى، وهو على ثقة بأنَّ النصر لن يأتي إلَّا بعد معاناة وصبر، وأن الفرج لا يحصل إلا بعد الشدّة، وأنّ مع العسر يسراً، إنَّ مع العسر يسراً.

وبالطبع، هو لن يقف وحده في هذا المسار، بل هناك من بات يرى من مسؤوليَّته أن يكون سنداً لهذا الشعب وناصراً له في قضيَّته العادلة.

الاستحقاق الرئاسيّ.. والموازنة

ونعود إلى هذا البلد الذي يشهد حراكاً على الصَّعيد السياسي من الداخل والخارج، بهدف إخراجه من حال المراوحة على صعيد الاستحقاق الرئاسي وتعبيد طريقه، وصولاً إلى الاستحقاقات الأخرى التي تترتب عليه، ليكون قادراً على النهوض على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، ومواجهة تحديات هذه المرحلة التي ترسم فيها صورة المنطقة.

إننا هنا نأمل أن تفلح هذه الجهود وتتابع، وأن تزال العقبات التي لا تزال ماثلة أمام هذا الاستحقاق، ونخشى أن لا يكون من السَّهل حلها وإبقاء البلد في دائرة الانتظار إلى حين جلاء الصّورة في المنطقة وعلى صعيد غزَّة…

في هذا الوقت، تابع اللبنانيون مشهد إقرار الموازنة، وأيديهم على قلوبهم من أن تحمل إليهم أعباء إضافيَّة تزيد معاناتهم. ومع الأسف، هذا ما قد يحصل، فقد جاءت هذه الموازنة لترفع الأعباء عن الأغنياء وتزيدها على الفقراء، وهي خالية، كالمرات السَّابقة، من أيّ خطّة للنهوض الاقتصادي أو التعافي المالي، أو إعادة تصويبٍ لاستثمار أموال الدولة ومقدّراتها، أو السعي لاستعادة الأموال المنهوبة أو المهدورة، أو ما يعيد للمودعين أموالهم.

إنّ من المؤسف أن العقلية التي تدير هذا البلد، لم تغيرها التجارب ولا التحديات التي تواجهه، ولا الظروف الصَّعبة التي عاناها ويعانيها.

الوحدة في مواجهة الاعتداء

ونعود إلى الجرح النَّازف في الجنوب اللّبناني، بفعل استمرار العدوّ الصهيوني في ممارساته العدوانيَّة على قراه، والّتي وصلت إلى أماكن بعيدة من الحدود اللبنانيّة، والتي تواكب بتهديدات لقادة العدوّ الأمنيين والسياسيين.

إننا أمام ما يجري، نعيد التأكيد على اللبنانيّين بضرورة الوحدة لمواجهة هذه المرحلة، والنّأي عن إثارة أي خلاف يؤدّي إلى إضعاف السّاحة الداخلية، ويشكل خدمة مجانية للعدوّ، وبالاستعداد لمواجهة أي مغامرة قد يقدم عليها، والتي وإن كنا نستبعدها، لوعي هذا العدو لما ينتظره إن هو أقدم على ذلك، ولكنَّنا لا نستطيع أن ننفيها أمام غدر هذا العدوّ الَّذي يسعى جاهداً للثّأر من هذا البلد الَّذي هزمه وأخرجه من هذه الأرض صاغراً ذليلاً.

***