شارك في مؤتمر ثقافة الحوار ووسائل التّواصل الاجتماعيّ، فضل الله: التّواطؤ بين الدّينيّ والسّياسيّ يعزّز عناصر الانقسام الطّائفيّ

ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة خلال الجلسة الاختتامية لمؤتمر "ثقافة الحوار ووسائل التواصل الاجتماعي"، الّذي نظّمته مديريّة الدراسات والمنشورات اللبنانية في وزارة الإعلام، وذلك في قاعة المحاضرات في الجامعة الأميركيّة في بيروت.

 

وقال فيها: "إنَّ الأديان جاءت بالحوار، فالله الذي هو مرجع الأديان، تعامل مع خلقه بلغة الحوار، والحوار عنده ليس حوار الضعيف مع القوي، بل على العكس، هو حوار القوي مع الضعيف.. فالكتب السماوية تنقل إلينا أنه سبحانه حاور ملائكته، وحاور حتى إبليس، رغم أنه تحداه".

 

وأضاف مساحته: "إنّ الحوار  الجادّ والحقيقيّ ليس خياراً، بل هو واجب أساسي، ومن دونه ينتفي الدين، حيث لا إكراه في الدين.. وهو ضروري لمنع التوترات، فمن خلاله يعرف كلّ طرف حقيقة ما هو موجود عند الآخر، من دون أية حمولات سلبية غالباً ما تحصل نتيجة التباعد، وهو يظهر مدى القواسم المشتركة في الأديان والمذاهب، ويزيل أية هواجس ومخاوف، وحين تشارك فيه المرجعيات الدينية، يحقق نجاحات مهمة، ويحول دون أن يستطيع المستغلّون للخلاف الديني أو المذهبي أن يجدوا أرضاً خصبة لهم، كما يحصل، لحساب مشاريعهم السّياسيّة".

 

وأثنى سماحته على الجهود الكبيرة الَّتي بُذلت على صعيد الحوار الإسلاميّ ــ المسيحيّ، وعلى صعيد الحوار الإسلاميّ ــ الإسلاميّ، وما نتج منها، مما قد يشكل رصيداً مهماً يمكن استثماره في نزع فتيل التوتر، لافتاً أن المشكلة في هذه الجهود، أنّها بقيت حبيسة الجدران المغلقة؛ حبيسة المؤتمرات واللقاءات.

 

وأوضح سماحته أنّ المرجعيات الدينية، لم تتمكّن من إحداث أيّ تعديل في بنية المنظومة الدينية التقليديّة، التي عجزت عن إظهار المعاني الإنسانية الجوهرية التي تتلاقى عليها الأديان، عبر صياغة هذه المنظومة وتفكيكها عما هو اجتهادات وتأويلات خضعت لأفهام البشر ولظروف تاريخية فرضت وما زالت تفرض ألواناً من القطيعة والعداء والحروب، لا تمت بصلة إلى الدين، الذي هو وحده المقدس..

 

وتحدث سماحته عن التواطؤ الضّمنيّ الذي نشهده بين الدين والسياسة، فبدلاً من أن نعمل من مواقعنا الدينية على تديين السياسة، وتخليقها بأخلاق الدين، ليكون هادياً وموجهاً للسياسة ومصححاً لمسارها، يحكمها بقيمه، ويحدد لها أهدافها السامية، فإذا بنا، نتواطأ، أو ربما نشارك في التبرير للسياسة، أو في تسييس الدين، أو نلوذ بالصَّمت، ليتحول الدين إلى عصيبة طائفية في مواجهة العصبيات الأخرى، وإلى جسر يصل من خلاله السّاسة إلى تحقيق مطامعهم السّياسيّة، وبغطاء الدّين..

 

ولفت إلى عدم قيام المرجعيّات الدّينيّة ورجال الدين، بما لديهم من مواقع التأثير في المساجد والكنائس، في بناء صورة إيجابية عن الآخر وتبيان العناصر المشتركة، التي تشيد الشراكة الإنسانيّة والوطنيّة…

 

وأعرب سماحته عن ألمه حين نرى صورة الآخر مغيّبة في كتبنا الدينية وفي كتب التربية المدنية.. "فأجيالنا في المدارس الإسلامية لا تعرف شيئاً عن المسيحيّ، لأنّ المسيحيّة مغيّبة.. وأجيالنا في المدارس المسيحية لا تعرف شيئاً عن المسلم، لأن الإسلام مغيب فيها.. وكذلك هو حال أجيالنا في المذاهب، سواء الإسلامية أو المسيحية.. اسألوا الطلاب الجامعيين في مؤسَّساتنا الجامعيّة ماذا يعرفون عن الدّين أو المذهب الآخر.. أظنّ أن قلة نادرة منهم يمكن أن يقدموا لك معرفة حقيقيّة.. لذا، تسود في كلّ من طوائفنا ومذاهبنا صورة نمطية سلبية عن الآخر.. وإذا كان الأمر كذلك في وسطنا الدّينيّ ــ الإيمانيّ، فكيف سيكون الحال في الوسط السّياسيّ!؟".

 

وشدَّد على أنَّ عمق الدين هو القيم الأخلاقية، التي إن تعززت، فستكون صمام أمان عند كلّ اختلاف، وعندها سيحسّ كلّ منا بالآخر، ولن يبادر إلى توجيه الاتهام جزافاً، وسوف يتحسّن الخطاب، وستكون المجتمعات الدينيّة مجتمعات قيم.

 

وختم بالقول: "ستبقى مشكلتنا أنّنا نحوّل الدّين؛ هذا المكوّن الأساسيّ في وجداننا الشّرقيّ، من قيمة إنسانية ومن مثل أعلى، إلى طائفية عشائرية تلبس الحقد ثوب الدين، وإلى عصبية تحمل اسم الدين لا عمقه ومضمونه.. ولن يجدي عندها الحوار، لأنه لا بد من أن يبدأ من الحبّ للآخر حتى يكون منتجاً، فليس هناك حوار من دون دين، وليس هناك دين من دون حبّ…".

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ: 5 جمادى الآخرة 1438هـ الموافق: 4 آذار 2017م

Leave A Reply