صلة الأرحام تزيد في الأعمار وتبارك الأرزاق

 

ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله ، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

قال الله سبحانه وتعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} صدق الله العظيم.

 

يعيش كل منا في هذه الحياة في دوائر متعددة.. فالإنسان هو جزء من دائرة عائلته وجزء من دائرة المكان الذي يسكن فيه، لديه جيران من أبناء الحي أو قريته.. وهو جزء من دائرة الوطن.. والإنسان أيضاً جزء من دائرة الدين والمذهب الذي التزم به وما إلى هنالك..

 

والإنسان معني بكل هذه الدوائر ما دامت تنسجم مع إيمانه وإنسانيته، وعليه أن يقوم بمسؤولياته التي التزم بها تجاهها. ولكن الآيات القرآنية والأحاديث أكدت أهمية الاهتمام برابطة الأرحام وقرابة الدم لكونها أول علاقة ينشأ الإنسان في ظلها، والقيام بها يشكل أساسا لنجاحه في الدوائر الكبرى، فالإنسان يبدأ ببيته الداخلي ثم ينطلق إلى المجتمع.

 

ويكفي للدلالة على أهمية صلة الرحم هو أن الله قرنها بتقواه، فقال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ}.. فالله كما يأمر المؤمنين باتقائه وعدم التقصير بحقه، يأمرهم بتقوى الله في الأرحام فلا يقطعوها.

 

وقد قال سبحانه: {إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ}.. والمقصود بالصلة هنا صلة الرحم.. فقد جعلها طريق أولي الألباب؛ أصحاب العقول النيرة، إلى الجنة.

 

 

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ}.. حيث يشير الله إلى أن الذين آمنوا، قاموا بالهجرة، وجاهدوا، ولا بد أن تكون الصلة بينهم قوية، فـ {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}.. ولكن لا ينبغي أن تنسوا أرحامكم، فهم لهم الأولوية في الصلة والتواصل.

 

وقد اعتبر القرآن الكريم أن قطيعة الرحم وعدم التواصل معها تساوي الفساد في الأرض، فقال: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ}..

 

وقد كثرت الروايات التي تشدد على النتائج التي تترتب على الالتزام بهذه القيمة، حيث ورد في الحديث عن رسول الله "أعجل الخير ثوابا صلة الرحم"..

 

وقال رسول الله(ص): "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ".. "إنّ المرء ليصل رحمه وما بقي من عمره إلا ثلاثة أيام فينسئه اللَّه عزّ وجلّ ثلاثين سنة، وإن الرجل ليقطع الرحم وقد بقي من عمره ثلاثون سنة فيصيّره اللَّه إلى ثلاثة أيام"..

 

إن صلة الرحم والبر يهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، وفي المقابل: "إن الرحمة لا تنزل على قومٍ فيهم قاطع رحم..".. وقد قال أمير المؤمنين(ع): "أعوذ باللَّه من الذنوب التي تعجّل الفناء.. فقيل له: أو يكون ذنوب تعجّل الفناء؟ قال: نعم ويلك قطيعة الرحم..".

 

وقد ورد في الحديث: " "ما من ذنب أجدر أن يعجّل اللَّه تعالى لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدّخر له في الآخرة من قطيعة الرحم والخيانة والكذب..".

 

وهذا التأكيد لم يقف عند الرحم المسلم أو الملتزم بأصول المذهب، فالصلة مطلوبة حتى لو لم يكن على ذلك..

فقد جاء رجل إلى الإمام الصادق قال له: يكون لي القرابة على غير أمري ألهم عليّ حق؟ قال: نعم حق الرحم لا يقطعه شيء، وإذا كانوا على أمرك كان لهم حقّان: حقّ الرحم وحقّ الإسلام.

 

والصلة هذه لا تقف عند حدود المكان الذي تتواجد فيه، فلا بد أن تصل أرحامك حتى لو كانت بعيدة عنك، فمن واجبك أن تسعى للوصول إليها..

 

فقد ورد في الحديث عن رسول الله(ص): "أوصي الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء إلى يوم القيامة، أن يصل الرحم وإن كان منه على مسير سنةٍ ذلك من الدين". فكيف بنا الآن والتواصل على بعد مكالمة هاتفية.

 

وفي هذا رد على الذين لا يقومون بصلة أرحامهم لبعد المسافة أو لكونه لا يجد الوقت الكافي.. لا بد من أن تتواصل لتصل رحمك البعيد، كما تتواصل مع الآخرين لأجل تحصيل أمر يتعلق بحاجاتك وطلباتك التجارية أو غير التجارية وتقطع لذلك المسافات..

 

وعندما نتحدث عن صلة الرحم فلا نقصد فقط الرحم التي تتواصل معك، على قاعدة أنك لا تتواصل إلا مع من يتواصل معك.. بحيث يكون التواصل عملية تبادلية، عملية أخذ وعطاء.. ولذلك ورد في الحديث: "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".. وفي الحديث عن رسول الله(ص): "صِلْ مَنْ قطعك، وأحْسِنْ إلى من أساء إليك". وعنه(ص): "لا تقطع رحمك وإن قطعتك".

 

وقد ورد عن الإمام زين العابدين(ع): "ما من خطوة أحب إلى اللَّه عزّ وجلّ من خطوتين: خطوة يسدّ بها المؤمن صفاً في اللَّه (أي يقف مع المجاهدين في سبيل الله)، خطوة إلى ذي رحم قاطع"..

 

وفي ذلك رد على المنطق الذي يقوم على أساس التعامل بالمثل، ورد الأذى بالأذى.. منطق يقول: كيف أصلهم وقد فعلوا معي ما فعلوا.. كيف أصلهم وهم لا يستأهلون أن يصلهم أحد..

 

لكن أنت عندما تصل رحمك لا لأجل المواقف الإيجابية أو السلبية التي تصدر منه، أنت تصلهم من موقع إيمانك والتزامك بمسؤوليتك، فهم إن لم يقوموا بواجب الصلة قم أنت بها، وأنت بذلك تحسن إلى نفسك {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ}.. حيث تحصد كل النتائج الحسنة للذين يصلون أرحامهم في الدنيا والآخرة..

 

و صلة الرحم قد تأخذ اشكالا متعددة بالقول وبالفعل, بالسؤال عن أحوالهم وعيادتهم إذا مرضوا ومساعدتهم إذا احتاجوا.. والوقوف معهم عند الشدائد والهموم والأزمات وعدم تركهم يواجهونها وحدهم..

 

وأقل ما يوصل به الرحم قول السلام "صلوا أرحامكم ولو بالسلام".. "صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كفّ الأذى عنها" والوقوف معه في الشدائد..

 

أما آليات التواصل فهي تتعدد من مجتمع لآخر، فهناك من يعتمد التواصل المباشر ويحرص عليه وهناك من يعتمد مواقع التواصل، وهناك الجمعيات العائلية التي تؤدي دوراً كبيراً في القيام بتعزيز التواصل بين مكونات العائلة في كل الميادين وهي ضرورية، شرط أن تبتعد عن التسييس والعصبية.

 

لقد كان الإسلام حريصاً على هذه القيمة، قيمة التواصل بين الأرحام ليعزز من خلال ذلك تماسك المجتمع وتمتين اللحمة التي تشد بعضه إلى بعض.. وهي هنا صلة الأرحام التي تؤسس روابط المحبة وإيجاد مناخات الود، وتعزز التعاون بين أفراده ما يتيح امتصاص التوترات واحتواء المشكلات التي تحدث داخل الأسرة، ونحن نعرف كم تؤثر هذه الأمور في حياة العائلة وتربك حياة كل فرد منها.. تربك دوره وحضوره فيما يريد الإسلام توفير كل أجواء الوئام العائلي التي تساهم في أداء أفضل للإنسان لدوره في المجتمع.

 

ولذلك كانت كلمة الإمام علي(ع): "وأكرم عشيرتك، فإنّهم جناحُك الذي به تطير، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول..".

 

ومن هنا نعرف كيف أن رسول الله(ص) عندما بعث نبياً لم يتوجه بالدعوة العامة إلى الناس بل بدأ بعشيرته ليقوم أولاً بمسؤوليته تجاههم لأنهم أولى بالمعروف وليكونوا له من ثم سنداً في تحمل أعباء الرسالة.. وهذا ما أشار إليه الله سبحانه عندما قال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}.

 

أيها الأحبة,

  فلنؤسس وانطلاقاً من هذا الشهر لهذه العلاقة الرحمية، ولنستفد من بركات هذا الشهر التي لصلة الأرحام نصيب أساسي منها.. لنتفقد في هذا الشهر أرحامنا فرداً فرداً وإذا كان هناك مشاكل ساهمت في حصول قطيعة أو عداء فلنبادر إلى حله ولو كان في بعض الحالات على حسابنا.. ونحن في ذلك لن نخسر بل سنربح في الدنيا عندما نربح هذه العلاقة التي نحن أحوج إليها ونربح الآخرة وهي أهم ما نبلغه فيها.. وعلينا أن ندعو بما دعا به الإمام زين العابدين(ع): "اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا فِيهِ لِأَنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالْإِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ.. وأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا، وَأَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا.. وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ فِيهِ مِنَ الأعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنَا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأْنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ..".

 

يكفينا من ذلك قول رسول الله(ص) "ومن وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه".. رضوان منه وجنة عرضها السماوات والأرض فيما من قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه.

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع) ولده الإمام الحسن (ع) عندما قال له: "واعلم يا بني، أنَّك إنَّما خلقت للآخرة لا للدنيا، وللفناء لا للبقاء، وللموت لا للحياة، وأنَّك في منزل قُلْعة (الذي لا يدري متى يغادر)، ودار بلغة (دار تؤخذ منها الكفاية للآخرة)، وطريق إلى الآخرة، وأنك طريدُ الموت الذي لا ينجو منه هاربه ولا يفوته طالبه، ولا بدَّ أنه مدركه، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، قد كنت تحدِّث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذا أنت قد أهلكت نفسك.. يا بني، أكثر من ذكر الموت، وذكر ما تهجم عليه، وتفضي بعد الموت إليه، حتى يأتيك وقد أخذت منه حذرك، وشددت له أزرك، ولا يأتيك بغتة فيبهرك".

 

لقد أراد الإمام (ع) أن يوضح في وصيَّته الحقيقة التي قد يغفل عنها كثيرون أو يتغافلون عنها، وهي أنَّ الدنيا ليست لنا بدار قرار.. فالقرار هناك، حيث أشار الله {وَإِنَّ الدَّارَ الْآَخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

 

لقد وُجدنا في الدنيا لا لنستوطن فيها، بل لنبني من خلالها آخرتنا.. فبأعمالنا فيها نبني بيتنا الآخر بدل أن نكون وقوداً لنيران جنّهم. ولذلك، علينا ألا نضيّع هذه الفرصة، لأنَّها ستحدّد مصيرنا كله..

 

ونحن في شهر جعله الله فرصةً لنفكّ فيه رقابنا من النار، ونبني به جنّتنا، من خلال استغلال أوقاته الثمينة بصلواتنا ودعواتنا وصدقاتنا وزيارة أرحامنا وقراءتنا للقرآن.. وبذلك، نحسن لأنفسنا، ونواجه التحديات..

 

لبنان

والبداية من لبنان الَّذي سرعان ما انقلبت فيه الصّورة، وغدت الأجواء إيجابية بشأن القانون الانتخابي، بعدما بدت قاتمة في الأيام الماضية، وبعد طول انتظار، ولأكثر من ثماني سنوات.. حيث الحديث الآن عن اقتراب التوافق بين القوى السياسية على المبادئ الأساسية لقانون انتخابي جديد، يقوم على أساس النسبية، على أن تقسم الدوائر إلى خمسة عشر دائرة، وإن بقيت بعض التفاصيل الخلافيَّة الَّتي تجعلنا لا نستغرق في التفاؤل بعدما عشناه في أكثر من تجربة.. والمؤمن لا ينبغي أن يلدغ من جحر مرتين.

 

طبعاً، لم يبصر القانون النّور إلا بعد أن اطمأنَّت كلّ القوى السياسية التي كانت خائفة من القوانين التي طرحت سابقاً، إلى أنَّ هذا القانون يلبّي رغبتها في إبقاء حجمها في المجلس النيابي القادم ضمن الطّوائف التي تمثلها، وعلى المستوى الوطني العام.. إن لم نقل زيادة حجمها بعد أن فصلت الدّوائر، بما يلبي احتياجات مصالح القوى السياسية، لا مصالح الشّعب اللبناني، الذي يريد القانون الانتخابي الذي يعزز المواطنية وقوة الدولة، على حساب التنازع الطائفي وضعف الدولة، وهما مصدرا الفساد في هذا البلد. وهذا ما ينبغي أن يختزنه اللبنانيون عند تقييمهم لنوعية هذه المواقع عندما يأتي وقت الحساب..

 

ونحن رغم كلّ ذلك، لا بدَّ من أن نلفت إلى أهمية إقرار قانون انتخابي جديد يقوم على قدر من النسبية، والذي ربما يسمح بتمثيل أفضل لفئات كانت مهمّشة بناء على القانون الأكثري، ويؤسّس لبناء القانون المنشود، فضلاً عن تأثيره الإيجابي في الاستقرار السياسيّ النسبيّ الَّذي بدأ في هذا البلد منذ انتخاب رئيس للجمهورية.. وهو ما يحتاج لبنان إليه لمواجهة الاستحقاقات الداخليّة، وما أكثرها على الصعيد الاقتصادي والإنمائي ومتطلبات المواطن! بعد أن وصل هذا الواقع إلى الدرك الأسفل في مواجهة أزمات الخارج، حيث التحدي الكبير الذي يفرضه العدو الصهيوني، الَّذي تتحدث التقارير عن إقامته لقرى شبيهة بالقرى اللبنانية، ليتدرب جنوده على كيفية اقتحامها، إضافةً إلى التحدي القائم على الحدود الشرقية، وأزمة النزوح السوري، وما قد تحمله التطورات التي تجري في المنطقة، حيث بدأ الصراع في سوريا أو في العراق يأخذ أبعاداً جديدة لا بدَّ من التنبّه إلى مخاطرها، وبعد أن بات صراع المحاور الدولية والإقليمية أكثر وضوحاً.

 

تفجيرات العالم الإسلامي

وبعيداً عن لبنان، نتوقَّف عند التفجيرات الدامية التي حدثت مؤخراً، وفي رحاب شهر رمضان؛ شهر الرحمة والبركة، والتي أصابت المدنيين في أسواقهم وشوارعهم في العراق، وكذلك في رفح وسيناء في مصر، وآخرها التفجير الهائل الذي حصل في كابول عاصمة أفغانستان، حيث تمّ شحن صهريج مياه بأكثر من طن ونصف الطنّ من المتفجرات، ما يوحي بالطبيعة الإجرامية لهذه المجموعات، التي لا تراعي حرمة الدم، ولا حرمة شهر الله، ويؤكّد مدى خطر المنطق التدميري الَّذي لا هدف له سوى القتل بهدف القتل.. ما يدعو إلى مواجهة مثل هذه الظاهرة المتمادية في إجرامها بكل الوسائل، والأهم هو مواجهة قواعدها الفكرية التي تنطلق منها.

 

اليمن

 

ونتوقّف عند البعد الإنساني في اليمن، وهو نتيجة الحرب التي أعلنت على هذا البلد منذ حوالى سنتين، حيث تتحدَّث التقارير عن مئات الوفيات، وتهديد حياة مئات ملايين المدنيين، بفعل الإصابة بالكوليرا. ومع الأسف، كلّ هذا لا يهزّ المشاعر الإسلاميّة الإنسانيّة، للإسراع بحلِّ هذه الأزمة في هذا البلد، ونتائجها المدمّرة على كلّ المستويات.

 

إنّنا في ظلّ هذا الواقع، لا نزال ندعو القوى السياسيّة وكلّ القوى الإقليميّة والدوليّة، إلى أن تلعب دورها الإيجابيّ لتسوية هذه الأزمة.. وإخراج البلد من أزمات الحرب والجوع والأمراض.. فهل من مجيب!

 

ذكرى هزيمة 67

 

وأخيراً، نتوقّف عند مناسبتين تمرّان علينا في الأيام القادمة؛ أولها ذكرى الهزيمة الّتي شهدناها في الخامس من حزيران من العام 1967، واحتلّ خلالها العدو الصهيوني مساحات واسعة من الأراضي العربية، والّتي يتعارف عليها بـ"أراضي الـ 67"، ونحن من مسؤوليتنا أن نستذكر هزائمنا، كما نستذكر انتصاراتنا، لنستفيد من نقاط ضعفنا، التي أدت إلى هزيمتنا، ولنستبدل بها نقاط القوة.

ولعلَّ أهمّ عبرة نأخذها من هذه النكسة، هو التنبّه إلى غدر هذا العدوّ، فلا نخلد إلى سلامه، فهو عدوّ غادر ينتظر الفرصة السانحة لبلوغ مشاريعه في المنطقة، وهو الَّذي لم يعلن بعد عن حدود له..

ومن هنا، تأتي أهميّة المقاومة في لبنان وفي فلسطين، في سعيها الدؤوب لمتابعة هذا العدوّ، ولدراسة خططه، وهي لا تغفل عن الاستعداد له، لأنها واعية لهذه الحقيقة، فشكراً للواعين.

 

ذكرى وفاة الإمام الخميني

 

أما المناسبة الثانية، فهي مناسبة التحاق الإمام الخميني (رض) بالرفيق الأعلى.. هذه المناسبة التي تذكّرنا بتميّز هذه الشَّخصيّة، في صفائها، ونقاء فكرها، والأثر الذي تركته، والذي لا يقف عند حدود إيران، بل يتعداها إلى الخارج، حيث رعى قضية فلسطين, واعتبرها منذ البداية قضيَّته التي لا يحيد عنها، وحمل لواء الوحدة الإسلامية ولقاء الأديان.. ودعا إلى إسلام منفتح على العصر وعلى الحياة والمستضعفين في العالم، وأكد على المسلمين ضرورة أن يتحدوا.. وقد كانت له بصمته الكبرى في كل هذه الميادين.

 

إننا في هذه المناسبة، نعيد التأكيد أنَّ الوفاء للإمام يكون بالوفاء لكلِّ القضايا التي عاش من أجلها.. وأنّ الإخلاص له يكون بالإخلاص لها..

 

 

  • المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
  • التاريخ : 7 رمضان 1438هـ الموافق :  2حزيران2017م

Leave A Reply