قصَّة النّبيّ أيّوب(ع): دروس في الصَّبر عند البلاء

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}(الأنبياء/83- 84).

بلاء أيّوب

من منّا لم يسمع بأيّوب، هذا النبيّ الّذي قدّم أروع القصص في الصّبر على البلاء، حيث صار اسمه والصّبر والبلاء صنوين، فيقال: "بلاء أيّوب" و"صبر أيّوب".

اليوم أحببت أن أعرض لبعض الجوانب من  قصّته، حيث تذكر سيرته أنّ الله رزقه أموالاً وأولاداً وقوّة في الجسم، لكن هذه الحال لم تدم، إذ ابتُلي ببلاء شديد نزل به دفعةً واحدة؛ فَقَدَ أمواله وكلّ ثروته، ومات أولاده، ثم أُصيب بعلّة شديدة في جسده، جعلته عاجزاً عن القيام والحركة، وكان في حالة دفعت النّاس وأقرب المقرّبين منه إلى الابتعاد عنه، ولا سيّما أنهم خافوا من انتقال مرضه إليهم بسبب العدوى. مأساة وبؤس بكلّ ما للكلمة من معنى.

أتت إليه زوجته يوماً، تحدّثه عن بؤس حالها، وعجزها عن تحمّل المزيد من المعاناة معه، ثم تطلب منه أن يدعو الله ليكشف عنه البلاء، فأجابها النبيّ أيّوب(ع) بلسانه النبويّ: "كم لبثت في الرّخاء؟ قالت: ثمانين سنة، قال(ع): كم لبثت في البلاء؟ قالت: سبع سنين، قال: أما أستحي أن أطلب من الله رفع بلائي وما قضيت فيه مدّة رخائي؟!". لكنّ زوجته تقرّر تركه، وكأنَّ الأمر كان فوق قدرتها، أضف إلى ذلك وساوس النَّاس والشّيطان.. ضغط اجتماعيّ وصحّيّ ونفسيّ جعلها تسقط في الامتحان وتتركه، لتكتمل بذلك صور البلاء عند أيّوب(ع).

وعندما وصلت الأمور إلى هذا الحدّ، حيث العزلة والوحدة والفقر والمرض والهجران والنّكران، عندها فقط توجّه النبيّ أيّوب(ع) بدعائه إلى الله، عند هذا المستوى من البلاء فقط، تجرّأ على الطّلب إليه، ولكن بأيّ أسلوب توجّه إلى الله؟ هل دعاه بأسلوب الترجّي، أو بأسلوب العاتب، أو بأسلوب النّاقم والغاضب؟…

ماذا تتخيّلون دعا أيوب(ع)؟ نادى أيّوب ربَّه بكلّ حياء، وبكلّ خجل: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}، لقد اكتفى بتوصيف حاله: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ} وتوصيف حال ربِّه {وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.

ما أعمق هذا التَّعبير! فهو لأدبه مع ربّه وثقته به لم يحدّد له ما يريد، لم يطلب منه شفاءً، أو تغيير حاله، لم يصرّح له، بل لمّح تلميحاً، ليس من باب الكبر، بل من باب الأدب والحياء.. تاركاً الأمر لله، فإن كان يرى المصلحة في شفائه فليشفه، وإن كان يراها في بقائه في المعاناة فليبق عليها.. وهذا معنى الثّقة بالله، أيّها الأحبّة، والرّضا بقضائه، فما عند الله خير، وهو أعلم بمصلحة عبده وخلقه، فلنترك الأمر له.. وفي هذا يقول الحديث القدسيّ: "ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، وإنّي إنما ابتليته لما هو خير له، وأعافيه لما هو خير له، وأزوي عنه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليشكر نعمائي، وليرض بقضائي، أكتبه في الصدّيقين عندي، إذا عمل برضاي وأطاع أمري".

الفرج بعد الشّدّة

ولم يطل أمد البلاء مع أيّوب، فقد استجاب الله نداءه، وهيّأ له أسباب الشّفاء، فقال له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ }، أي اخبط برجلك الأرض، لأنّه كان عاجزاً، فطلب الله منه أن يقوم بما يقدر عليه، وعندما ضرب برجله، أخرج له الماء بقدرته، عندها توجّه إليه النّداء عبر الوحي: {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}. ويتلقّف النبيّ أيّوب النّداء، ويكون هذا الماء سبيلاً لإنهاء عذاباته وبلائه، فيبرأ من مرضه، وتعود إليه صحَّته، ويشفى من كلّ ما أصابه، وتعود أموره كما كانت، ويتابع مع زوجته بعد ذلك حياتهما معاً، فيرزقان الأولاد والأحفاد، ويعبّر الله تعالى عن ذلك بقوله: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ }…

ونِعَم الله لم تتوقّف عند كشف الغمّ وذهاب البلاء، كما يظنّ البعض، فالقصّة لا تنتهي هنا في حسابات الدّنيا، بل تكمل إلى حسابات الآخرة، فالأهم هو نتيجة الامتحان الصّعب؛ إنّه الوسام الّذي أعطاه له: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}…

البلاء للمؤمنين والعاصين

أيّها الأحبّة: بالنّسبة إلى موضوع الابتلاء، فالله سبحانه وتعالى أجرى سننه في الحياة، فجعل فيها الحلو والمرّ، وفيها اليسر وفيها العسر، الفقر والغنى، الصحّة والمرض، الأمان والخوف، والشدّة والرّخاء… وهكذا، وهذه نظريّة علميّة، وقانون يتحقّق من خلاله التّوازن في الكون، فالله خلق الكون، وهو أعلم بما يحقّق فيه الاستمرار والتّوازن، فهناك ليل وهناك نهار، وهناك نور وهناك ظلام، ولا يمكن للحالة الواحدة أن تسود.

والله كان واضحاً عندما دعانا إلى أن نعيش حياتنا على هذا الأساس: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}(البقرة/155).

ولأنَّ سنن الله هي للكون أجمع، كما الرّزق للنّاس أجمع، فالقوانين بأسبابها تجري أيضاً على النّاس أجمع. فالبلاء لا يقف عند حدود العاصين لله، بل يشمل أيضاً المطيعين، فحتَّى الأنبياء والأوصياء والعلماء يُبتلون ويعانون الشَّدائد. ومن هنا، لا بدَّ من أن تزول الفكرة الّتي يعيشها البعض، وهي أنَّ البلاء عقاب إلهيّ نتيجة المعاصي الّتي يرتكبها الإنسان. نعم، قد يعاني الإنسان نتائج معاصيه من ابتلاءات في حياته، لأنَّ للمعاصي آثاراً سلبيَّة في صحّة الإنسان وعقله وقلبه، لكن ما نعنيه هو البلاء الخارجيّ، الخارج عن إرادة الإنسان، مثل الأمراض والكوارث والحوادث.

الخلق جميعاً، وحسب سنن الله، معرَّضون بشكل أو بآخر للبلاء، ولا إرادة لهم في ذلك، ولكنّ الفرق بين إنسان وإنسان، هو في كيفيّة تعامله مع الابتلاء. هنا يظهر المعدن الحقيقيّ للإنسان، فالبعض عند البلاء، كالمرض أو المصائب، يتقبّل ولا يعترض… نعم  يتألّم، لكنّه يحاول أن يتابع حياته بالصّبر والعمل والأمل، فيما يسقط البعض الآخر وينهزم ويستنكر ويعترض…

تذكر لنا قصّة النبيّ أيّوب، أنّه ظلّ طيلة فترة ابتلائه، ذاكراً، شاكراً، راضياً، قانعاً… فالمعادلة واضحة عنده، وهذا درس كبير لنا، في أن نرى الصّورة الإيجابيّة للبلاء، هذه الصّورة الّتي حرصت الكثير من الأحاديث على تأكيدها..

ففي الحديث: "لن تكونوا مؤمنين حتّى تعدّوا البلاء نعمةً والرّخاء مصيبة، وذلك أنّ الصّبر عند البلاء، أعظم من الغفلة عند الرّخاء".

قيمة الصّبر

أيّها الأحبّة: إنّ الصّبر عند البلاء، ينضّج الانسان، ويصقل له تجربته في الحياة، فلا سبيل إلا بالصبر لتستمرّ الحياة وتنهض، وليس أمام المؤمنين إلا الصّبر مقروناً بالعمل لرفع الشدّة…

اليوم، كم  نحن بحاجة إلى دروس الصّبر ودروس أيّوب، أن نكون أوّابين ونعود إلى الله، ونلوذ به في كلّ حال، نستمدّ القوّة والعزيمة منه، نرضى بحكمه وقضائه، حتَّى نتماسك كأفراد وجماعات، فبالصّبر نحافظ على مخزون طاقاتنا حتّى نظلّ أقوياء، وبالصّبر نحقّق ما نصبو إليه من أهداف.

الحياة, أيّها الأحبّة، لا يمكن أن تخلو من الألم، وهذا لا يعني أن نعشق الهمّ والغمّ، أو أن نسعى للبؤس. لا، بل إذا أتتك الظّروف وتبدّلت الأحوال، كما هو حاصل اليوم من ابتلاء في وحدة المسلمين ومن خطر فتنة قد تصيبهم، فليس أمامنا إلا الصّبر والنّظر بعين الله، وليس الهلع والجزع، وبالتّالي فقدان الاتّزان وتبديل البوصلة والاتجاهات، فهذا ليس ديدن المؤمنين أبداً، إنما ديدنهم الصّبر والتحمّل والثّبات مع العمل. اليوم نحن بحاجة إلى الصبر، فبه نواجه التحدّيات، وبه نحقّق الطّموحات، وبه ننال الدّرجات عند الله: {وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}(الإنسان/12). {سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}(الرّعد/24).

هو ما وعدنا به الله وجعله من سننه الثّابتة {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}(الشّرح /5-6).

{وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}(العصر/1-3).

والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. ولبلوغ التّقوى، علينا أن نهتدي بسيرة أئمّة أهل البيت(ع)، الّذين أمرنا الله بالاقتداء بهم كي لا نضلّ أبداً.

ومن هذا البيت الطّاهر، الإمام موسى بن جعفر الكاظم(ع)، الّذي تمرّ علينا ذكرى وفاته في الخامس والعشرين من شهر رجب، بعد معاناة شديدة قضاها في سجون هارون الرَّشيد. ومن سيرة هذا الإمام الصَّابر، أنَّ رجلاً تحدَّث عنه بالسّوء أمام جمع من النَّاس، وكان ممن لا يؤمنون بإمامته، فأبلغه بعض أصحابه بالأمر، وطلبوا منه الإذن لقتله، فلم يجبهم الإمام(ع)، ولكنَّه سألهم عن مكان تواجده، فقيل له إنَّه في مزرعته، فقال لهم الإمام(ع): لنذهب إليه.

طبعاً، اعتقد أصحاب الإمام أنّه استجاب لرغبتهم بقتله، لذا جهّزوا أنفسهم للقتال، ولما وصلوا إلى مزرعة الرّجل، دخل الإمام إليه، ووقف أمامه قائلاً: لقد بلغني أنّك قلت فيَّ ما قلت، فإن كان ما قلته ليس فيَّ، فإنّي أدعو الله أن يغفر لك، ثم دخل الإمام معه في حوارٍ حول كلِّ الأخبار الّتي كان يسمعها عن الإمام(ع) وأهل بيته(ع)، فلم يخرج الإمام من عنده إلا وهذا الرّجل يقول: "الله أعلم حيث يجعل رسالته". وبعدما خرج الإمام من مزرعة الرّجل، التفت إلى أصحابه قائلاً لهم: "أيّما كان خيراً: ما أردتم أو ما أردت؟".

أيّها الأحبّة، هذا هو الخطّ الّذي رسمه أهل البيت(ع)؛ الخطّ الَّذي يسعى إلى الانفتاح على الآخر ومدّ جسور الحوار معه.

كان الإمام في هذه القصّة قادراً على أن يأمر أصحابه بقتل من أساء إليه أو سبّه أو شتمه، ولكنَّه كان يرى أنّ هذا الأسلوب ليس أسلوب الرّساليّين، بل هو أسلوب الانفعاليّين، فأسلوب الرّساليّين هو أن يقتل انحراف الآخر وحقده والسّوء الّذي في قلبه.

أيّها الأحبّة، نحن بحاجة إلى أن نعمّق هذه الرّوح في واقعنا، حتّى نستطيع أن نمنع الفتن الّتي يراد لها أن تكون عنوان المرحلة وكلّ المراحل، والّتي يراد منها أن تصادر كلّ إنجازاتنا والمستقبل الّذي نتطلّع إليه، ليقهقه الاستكبار العالميّ والعدوّ الصّهيونيّ، على حساب وحدتنا وقوّتنا، حيث لا يزال المشهد العربي والإسلامي على حاله من الانقسام الحادّ ونزيف الدّم، في ظلّ تصاعد الخطاب المذهبي والطّائفي والتوتيري، وبروز المنطق الإقصائي والإلغائي.

العراق: صلاة في سبيل الوحدة

وهذا ما نراه ماثلاً في العراق، حيث يستمرّ مسلسل التّفجيرات الوحشيّة الّتي حصدت خلال هذا الشّهر مئات الضّحايا والجرحى، والّذي يستفيد من الانقسام السياسيّ الحادّ، ما بات يستدعي عملاً جادّاً للقاء كلّ القوى السياسيّة، من أجل معالجة كلّ القضايا المطروحة بروح مسؤولة، حتّى لا يجد المصطادون في الماء العكر أرضاً خصبة لهم.

وفي هذا المجال، نقدّر أهميّة خطوة إقامة صلاة جمعة موحّدة في بغداد بين السنّة والشّيعة، وهي على رمزيّتها، تساهم في التّخفيف من الاحتقان المذهبيّ الّذي يراد للعراق أن يغرق فيه.

ونحن هنا ندعو إلى استمرار هذه الخطوة وتعميمها، لتشمل كلّ محافظات العراق الّذي لم نعهده إلا وحدويّاً حريصاً على التخلّص من كلّ العابثين به من الدّاخل والخارج.

سوريا رهينة المحاور

أمّا سوريا، فقد دخلت قضيَّتها في صراع المحاور الدّوليَّة والإقليميَّة، وبدأت تبتعد عن كونها مطالب شعب يريد تحقيق حقّه في الحريّة والعيش الكريم ـ وهي مطالب دعونا وما زلنا ندعو إلى تحقيقها ـ لتدخل في دائرة الاستنزاف الّذي يبعدها عن دورها الرّياديّ الّذي رسمته لنفسها في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ، وتحقيق التّوازن الاستراتيجيّ.

ومن هنا، فإنّنا نقف مع كلّ دعوات الحوار الّتي تحقّق لسوريا الاستقرار، ولا تجعلها رهينة المحاور الدّوليّة الّتي لم تعمل ولن تعمل لخدمة السوريّين، بل تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة، وعلى رأسها مصالح الكيان الصّهيونيّ.

ولذلك، فإنّنا نعيد دعوة كلّ مكوّنات الشّعب السوري مجدّداً، للاستفادة من أيّ فرصة حواريّة، حقناً للدّماء النّازفة، وإخراجاً لسوريا من آلامها ومعاناتها، فلا يبقى الرّهان كما هو حاصل لدى البعض، على دعم من هنا وآخر من هناك، حيث لم يصل الدّعم إلا ضمن حسابات، وبالطّبع لن يكون الشّعب السوريّ وطموحاته على رأس أولويّاتها.

العدوّ الجاهز

وفي هذا الجوّ، ووسط كلّ نزيف الدّم المتنقّل من منطقة إلى أخرى في سوريا، يتابع العدوّ الصّهيوني تدريباته وتحضيراته ومناوراته، ليكون في قمّة الجهوزيّة، انتظاراً لمرحلةٍ يعدّ لها بعد أن يُثخن الجميع بالجراح، ليتابع مشاريعه الاستيطانيّة واستهدافه المستمرّ للمسجد الأقصى وتدنيسه له من خلال مستوطنيه ومجنّداته، وسط صمت عربي وإسلاميّ، حيث لم يعد أحد يستجيب لكلّ استغاثات المضطهدين والمقهورين في فلسطين المحتلّة، أو يهبّ للدّفاع عن مقدّسات، بينما تُستحضر الهمم في الصّراعات المذهبيّة والفتن السياسيّة، حتّى بتنا نسمع نعياً لهذه القضيّة، لا من حكّام العرب والمسلمين فحسب، بل حتّى ممن ينتسبون إلى الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، ويرفعون رايات الدّفاع عنها.

لبنان: العجز والتّمديد

ونصل إلى لبنان، هذا البلد الّذي ينعم نوّابه بجائزة ترضية من خلال التّمديد للمجلس لمدّة كافية لإبقائهم في مواقعهم، بعدما كان بعضهم يخشى من أن يطاله التّغيير أو التّبديل، وذلك بعد العجز عن إيجاد قانون انتخابيّ عصريّ، مما قد ينظر إليه البعض نظرة إيجابيّة، لكون الظّروف غير مهيّأة لحصول الانتخابات، ولكنّ الإشكال هو حصول هذا التّمديد بعد العجز عن إيجاد قانون انتخابيّ جديد، والعودة إلى قانون الستّين، وهو الأمر الّذي يوضع في خانة الفشل بالنّسبة إلى النوّاب.

ونحن نرى أنّ الّذي لم يستطع إنجاز قانون عصريّ انطلاقاً من حسابات خارجيّة أو حسابات طائفيّة ومذهبيّة وذاتيّة، قد لا يكون بمقدوره أن يقوم بالأعباء الكبرى الّتي تنتظر هذا البلد، والّتي تحتاج إلى تجاوز مصالح الخارج والحسابات الخاصّة في الدّاخل، ولا سيَّما في هذه المرحلة الصّعبة، حيث بدأت الفتن تطلّ برأسها نتيجة تداعيات ما يحصل في المحيط، وهو ما برز فيما حصل في طرابلس والهرمل وعكّار، وما حصل في الضَّاحية، والتَّهديدات الّتي توجَّه إليها، والّتي وصلت شظاياها إلى استهداف الجيش اللّبنانيّ، بكلّ ما يمثّله من دور أساس لحماية أمن هذا البلد.

ومن هنا، فنحن في الوقت الّذي ندعو اللّبنانيّين إلى الوعي وتلمّس المخاطر المحدقة بهم، نشدّد على القيادات اللّبنانيّة أن تعمل للتّلاقي وتدارس كلّ القضايا المطروحة والملحّة الّتي تقي هذا البلد المزيد من الجراحات، حيث تكفيه مشاكله الاقتصاديّة والاجتماعيّة الّتي وصلت إلى حدّ لا يطاق.

وإنّنا مع الطّرح الأخير الّذي قدّمه رئيس المجلس النيابيّ، والمتمثّل بالدّعوة إلى لقاء إسلاميّ ـ إسلاميّ، كمقدّمة للقاء وطنيّ جامع، لتدارس كلّ القضايا الّتي باتت تمثّل مشكلة كبرى في ظلّ التطوّرات الحاصلة الّتي نخشى من تداعياتها.

إنّنا ندعو اللّبنانيّين إلى وعي خطورة المرحلة وتداعياتها، حتّى نحافظ على بلد هو أمانة بين أيدينا، وعلينا أن نؤدّي الأمانة إلى أهلها.

وأخيراً، لا بدَّ من أن نعيد التّذكير بقضيّة المخطوفين في أعزاز، كما المطرانين، ونقدّر كلّ الجهود الّتي تبذل لإعادتهم إلى أهلهم ومواقعهم، سائلين المولى أن يحقّق ذلك في أسرع وقت.

 

Leave A Reply