قصّة النبيّ يونس (ع) المليئة بالعبر

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: {وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءكَ فِي هَـذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}. صدق الله العظيم..

من القصص التي وردت في أكثر من سورة في القرآن الكريم، والتي تحمل في مضمونها الموعظة والذّكرى للمؤمنين، قصّة النبيّ يونس بن متّى، وقد أشير إلى هذا النبيّ بالاسم في قوله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}، أو بالصّفة التي اتّصف بها وهي “ذو النون”، أي صاحب الحوت، كونه لبث في بطن الحوت فترة زمنيّة.

الأهالي يصدّون يونس (ع)

وقد أرسل الله هذا النبيّ إلى قرية نينوى، وهي قرية من قرى الموصل في العراق، ليدعو أهلها إلى ترك عبادتهم الأصنام وعبادة الله الواحد الأحد، وقد ووجه هذا النبيّ بالصّدّ والإعراض والجفاء والشّدّة والقساوة، ما دعاه إلى أن يهجر أهلها ويفتّش عن مكان آخر يملك التّأثير فيه، بعد أن حذَّرهم بأنّ العذاب من الله سبحانه وتعالى سيحلّ بهم بعد ثلاثة أيّام، وهو لم ينتظر، كما كان ينبغي، انتهاء هذه الفترة الزمنيّة ليرى ردّ فعلهم على هذا التّحذير، وهل سيدفعهم إلى إعادة النّظر بموقفهم من دعوته والاستجابة له.

لما رأى أهل نينوى أنّ النبيّ يونس (ع) قد غادرهم، أيقنوا جديّة ما حذّرهم منه، فخرجوا رجالاً ونساءً وأطفالاً، وأخرجوا معهم ماشيتهم إلى شعاب الجبال وبطون الأودية وإلى الصّحراء، وأعلنوا إيمانهم بما جاء به النبيّ يونس (ع)، وراحوا يتضرّعون إلى الله ويتوسّلون إليه أن يتوب عليهم ويرفع عنهم العذاب، فاستجاب الله دعاءهم، وأوقف عنهم العذاب بذلك.

وقد أشار الله تعالى إلى ذلك بقوله: {فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.

في بطن الحوت

في هذا الوقت، كان النبيّ يونس (ع) في طريقه إلى ساحل البحر، وهو لا يعلم ما حصل من قومه، ولما وصل إليه، وجد سفينةً قد ضاقت بأهلها، فركب فيها مع من ركب، وهو ما أشار إليه الله بقوله: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}، أي فرّ من قومه إلى السّفينة المليئة بالركّاب.

فلمّا توسّطت السفينة البحر، كادت تغرق بأهلها من شدّة اكتظاظها، فتشاور من في السّفينة في كيفيّة إنقاذها، فلم يروا وسيلةً لذلك إلا بأن يلقوا بأحد من ركّابها في البحر، واختاروا بذلك طريقة عادلة تساوي بين جميع مَنْ عليها، وهي القرعة، فاقترعوا فيما بينهم، فخرجت باسم النبيّ يونس (ع)، وفي ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ} أي وقعت عليه القرعة.

لم يتردّد النبيّ يونس (ع) في الأخذ بما أدّت إليه القرعة، وألقى بنفسه في البحر لإنقاذ ركّابها، فكان إن ابتلعه الحوت، والذي ذكر أنّه الحوت الأزرق.

مرّت لحظات عصيبة على هذا النبيّ وهو في بطن الحوت، لكنّه لم ييأس ما دام هناك ربّ رحيم غفور قادر على أن يتوجّه إليه وهو يسمع النّداء، فناداه، وكما أشار القرآن الكريم: }وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}.

وهو بهذا النّداء عبّر لله سبحانه عن عبوديّته له، وتنزيهه عن كلّ نقص وعيب، واعتراف منه بالتّقصير تجاه هذا الربّ الذي لا يمكن له ولا لأيّ أحد أن يبادله بنعمه، فكان أن استجاب الله له: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، فأوحى الله إلى الحوت أن لا تأكل له لحماً، ولا تهشّم له عظماً، وأنّ يونس ليس رزقاً لك. وبقي في بطن الحوت فترةً، واختلف العلماء حولها، فهناك من قال أربعين يوماً، وهناك من قال عشرين، وهناك من قال ثلاثة أيّام؛ ابتلعه ضحى ولفظه عشاءً، وأخرجه بعدها الحوت على ساحل البحر.

وكان من رحمة الله سبحانه وتعالى به، أن أنبت له شجرةً ليأكل منها، وليتظلّل بورقها، ولتقيه حرّ الشّمس وجفاف الهواء، وإلى ذلك أشار الله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاء وَهُوَ سَقِيمٌ * وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}.

وبقي هناك إلى أن تعافى جسده، ورجع بعدها إلى قومه، بعد أن أخبره الله بإيمانهم، ليعزّز فيهم هذا الإيمان، ويعرّفهم كيف يعبّرون عنه في حياتهم.

هذه هي قصّة النبيّ يونس (ع) التي تجلّت فيها رعاية الله له.

عبرٌ من القصّة

ويبقى لنا أن نشير إلى بعض العبر من هذه القصّة:

أوّلاً: أشارت إلى مدى سعة رحمة الله، وهي التي وعد الله بها عباده، فقد رأينا كيف عفا الله عن قوم النبيّ يونس (ع) ورفع عنهم العذاب، رغم كلّ الإساءات التي كانت حصلت منهم لنبيّهم، ورغم أنّ إعلانهم التّوبة والعودة إلى الله سبحانه لم تكن إلا بعد أن أعلمهم النبيّ يونس (ع) بأنّ العذاب آت إليهم.

ثانياً: بيّنت أهميّة التّسبيح لله، حيث يقول الله تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}. فالتسبيح الذي يعني الاعتراف بعظمة الله وتنزيهه عن كلّ عيب ونقص، كان سبب نجاة يونس (ع) ورفع الهمّ والغمّ عنه، والله سبحانه أشار إلى أنّه ما كان ليخرج من بطن الحوت لولا هذا التّسبيح، وهذا التّسبيح هو ما دعا إليه الله سبحانه وتعالى رسوله (ص) حين قال: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}، وقال في آية أخرى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى}. وفي ذلك إشارة واضحة إلى أنّ على الإنسان أن يتوجّه بالتّسبيح إلى الله عندما يواجه أيّ تحدّ أو كرب أو غمّ.

ثالثاً: لقد أشارت إلى أثر الإيمان، وبيّنت أنّ الإنسان عندما يكون جادّاً بإيمانه، فالله لن يخذله، ولن يدعه يواجه آلامه ومعاناته وكربه وهمومه وحده، فمن يعرف الله في الرّخاء، لا يخذله في الشدّة، كما ورد في الحديث عن رسول الله (ص): “تعرَّف إلى الله في الرّخاء، يعرفْك في الشدّة”.

وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى أنّ الذي حصل للنبيّ يونس (ع) من رفع الغمّ والهمّ عنه، يمكن أن يتكرّر مع كلّ مؤمن، فقال: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}.

رابعاً: أشارت هذه القصّة إلى أثر الدّعاء، فالدّعاء كان وسيلة النبيّ يونس (ع) إلى الله، وهي التي ينبغي أن تكون حاضرة عند المؤمن عندما يواجه أيّ كرب أو غمّ أو همّ أو شدّة تحصل معه، فالله سبحانه لا يعبأ بعبده إن لم يدعوه، حيث قال سبحانه: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ}. وقد أشارت الأحاديث الشّريفة إلى أنّ الدّعاء ترس المؤمن، وهو سلاح الأنبياء، والذي به يرفع البلاء ويردّ القضاء. وقد أشار النبيّ يونس إلى الدعاء الأكثر استجابةً من الله، والذي به دعا ربَّه في بطن الحوت فاستجاب له، عندما قال في دعائه: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وقد دعا إليه رسول الله (ص)، فقال إنّه ما دعا به مكروب إلَّا فرَّج الله عنه كربه وأزال غمّه.

فليصاحبنا هذا الدّعاء عند كلّ بلاء وشدّة، ولا سيّما في الظّروف الصّعبة التي نعانيها على الصعيد الصحي، فلا ننس أن نقول عندها: {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}، وعندها ستتكرّر الاستجابة، وسننجو بعون الله سبحانه.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما قاله أمير المؤمنين (ع): “أيها الناس، أَلا وَإِنَّ هَذِهِ اَلدُّنْيَا اَلَّتِي أَصْبَحْتُمْ تَتَمَنَّوْنَهَا وَتَرْغَبُونَ فِيهَا، وَأَصْبَحَتْ تُغْضِبُكُمْ وَتُرْضِيكُمْ، لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ وَلاَ مَنْزِلِكُمُ اَلَّذِي خُلِقْتُمْ لَهُ، وَلاَ اَلَّذِي دُعِيتُمْ إِلَيْهِ. أَلا وَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِبَاقِيَةٍ لَكُمْ وَلاَ تَبْقَوْنَ عَلَيْهَا، وَهِيَ إِنْ غَرَّتْكُمْ مِنْهَا فَقَدْ حَذَّرَتْكُمْ شَرَّهَا، فَدَعُوا غُرُورَهَا لِتَحْذِيرِهَا، وَسَابِقُوا فِيهَا إِلَى اَلدَّارِ اَلَّتِي دُعِيتُمْ إِلَيْهَا، وَاِنْصَرِفُوا بِقُلُوبِكُمْ عَنْهَا مِنْهَا، وَاِسْتَتِمُّوا نِعْمَةَ اَللهِ عَلَيْكُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى طَاعَةِ اَللهِ، وَاَلْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا اِسْتَحْفَظَكُمْ مِنْ كِتَابِهِ. أَلا وَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّكُمْ تَضْيِيعُ شيء مِنْ دُنْيَاكُمْ بَعْدَ حِفْظِكُمْ قَائِمَةَ دِينِكُمْ. أَلا وَإِنَّهُ لاَ يَنْفَعُكُمْ بَعْدَ تَضْيِيعِ دِينِكُمْ شيء حَافَظْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ. أَخَذَ اَللهُ بِقُلُوبِنَا إِلَى اَلْحَقِّ، وَأَلْهَمَنَا وَإِيَّاكُمُ اَلصَّبْرَ”.

فلنستوص بوصيّة أمير المؤمنين (ع)، لنعرف الدنيا على حقيقتها، ونحدّد مسارنا فيها، والذي لأجله وجدنا، وبذلك نصبح أكثر وعياً وقدرةً على مواجهة التحدّيات.

النّزف المستمرّ

والبداية من لبنان، الذي يستمرّ النزف فيه على كلّ الصّعد؛ على الصّعيد الاقتصاديّ والماليّ والاجتماعيّ، وعلى الصعيد الصحّيّ، والذي يترك آثاراً كارثيّة على حياة النّاس وأمنهم واستقرارهم.

في هذا الوقت، لا تزال الحكومةُ المعنيّةُ بإيقافِ هذا النّزفِ ومنعِ تداعياتِه، أسيرةَ التصلّبِ في مواقف القوى السياسيّة المعنيّة بتأليفها، لا يريد أيّ منهم أن يتقدّم أيّ خطوة باتجاه الآخر، أو أن يتنازل من حسابه لحساب وطنٍ ينهار ويتداعى، أو يكاد.

ونحن في هذا المجال، نعيد دعوتنا لكلّ المعنيّين بالتأليف، أن كفى هدراً للوقت وإضاعةً للفرص، فالبلد لا يبنى بالتشنّج أو بالنّكايات، بل يبنى بالمشاركة وبالتّنازلات المتبادلة.

إنَّ الواقع الصّعب الذي يعانيه إنسان هذا البلد، يتطلّب من الجميع تضافر الجهود، والعمل لإزالة كلّ ما أعاق، ولا يزال يعيق، عجلة التأليف.

ونحن هنا نقدّر أيّ جهود بذلت على هذا الصّعيد، في الوقت الذي ندعو إلى التجاوب معها، وهو ما يحتاج إلى شجاعة الموقف وشجاعة التّنازل، وإلى الأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن وجعلها فوق كلّ اعتبار.

لقد أصبح واضحاً للجميع، أنّ حلّ أزمات البلد يقع على عاتق اللّبنانيّين، فالخارج الّذي يراهن عليه البعض أو ينتظرونه، إمّا أنّه يئس من الطبقة السياسيّة، ولا يرى بالإمكان الحلّ معها، أو أنّه ينتظر أن يبادر اللّبنانيون بخطوات يريدها ليساعد بلدهم، أو أنّه مهتمّ بمشاكله وترتيب بيته الدّاخليّ. لذا، ما على اللّبنانيّين إلا أن يقلّعوا أشواكهم بأظافرهم، وأن يهتمّوا بترتيب بيتهم الدّاخليّ، وأن يغيّروا بأنفسهم حتى يغيّروا واقعهم.

كارثة صحيّة!

وإلى الكارثة الصحيّة بسبب جائحة كورونا، والّتي أصبحت هاجس اللّبنانيّين ومصدر قلقهم، بعد تزايد أعداد الإصابات والوفيّات واكتظاظ المستشفيات.

وهنا، نأمل أن يكون الإقفال الّذي جرى، ساهم في البدء بمحاصرته والتّخفيف عن كاهل القطاع الصحيّ، والّذي بات يعاني جرّاء هذا الانتشار، ويقدّم التضحيات الجسام من جهده ومن حياة العاملين فيه.

وهنا، ندعو الدّولة إلى القيام بواجبها تجاه هذا القطاع، ومدّ يد المساعدة إليه، وإزالة كلّ العوائق التي تمنعه من قيام دوره بدل تسجيل النقاط عليه، حتى يستطيع أن يقوم بواجبه، ويصمد أمام هذا الوباء.

ومن جهتنا، نحيّي هذا القطاع، ونشدّ على يديه، ونقدِّر جهوده، وندعو الجميع إلى هذا التّقدير.

وفي موازاة ذلك، نجدّد دعوتنا المواطنين إلى متابعة تحمّل المسؤوليّة تجاه أنفسهم وعائلاتهم ومحيطهم، وتجاه القطاع الصحّيّ، وعدم التهاون بإجراءات الوقاية التي تبقى هي الضّمان الأساس لمواجهة هذا الوباء، والسدّ الأوّل في التصدّي له.

من يساعدُ المحتاجين؟!

ولا بدّ لنا في هذا المجال وفي ظلّ الإقفال والحديث عن استمراره لأسابيع أخرى، أن تقوم الدّولة بواجبها تجاه من تضرّروا ويتضرّرون من هذا الإقفال، فالدّولة معنيّة بمواطنيها، ولتساعدهم على التقيّد بالإجراءات التي تضعها وتضمن عدم تجاوزها، كما ندعو الميسورين والجمعيّات الأهليّة وغيرها، إلى التعاون فيما بينهم، واستنفار إمكاناتهم وقدراتهم، لمدّ يد العون إلى من يحتاج إليه، وأكثر من 60% من الشعب اللّبناني يحتاج إليه.

وهنا، نقدِّر عالياً كلّ الجهود التي بذلت وتبذَل في هذا المجال من أهل الخير، وهنيئاً للباذلين لما يجازون من أجر كبير.

تفجيرات العراق

أمّا بالنّسبة إلى التفجيرات الوحشيّة التي هزَّت العراق بالأمس، وأدَّت إلى سقوط عددٍ كبيرٍ من الأبرياء السّاعين إلى كسب عيشهم الكريم، فهي إشارة واضحة إلى أنَّ هناك من يسعى لضرب استقرار العراق ووحدته، ويعمل على زرع الفتنة المذهبيَّة بين أبنائه. ومن هنا، فإنّنا ندعو العراقيّين الى المزيد من الوعي والوحدة والتَّكاتف لإفشال المخطَّطات الإرهابيَّة، وكسر حلقة الفتنة الساعية للعبث بأمن البلد واستقراره.

هل تنجح مبادرة قطر؟!

وفي مجالٍ آخر، نرحِّب بالمبادرة التي انطلقت من قطر للعمل على رأب الصَّدع بين الدّول الخليجيَّة وإيران، ونراها الطَّريق الأسلم لتحقيق أمن هذه الدّول واستقرارها ومنع ابتزازها تحت حجّة حمايتها وتطوّرها، فأمن هذه الدول واستقرارها وتطوّرها لا يتمّ إلّا بتعاونها.

إنّنا نأمل أن يتمّ التجاوب مع هذه المبادرة، وأن لا تضيع كما ضاعت كلّ فرص مدّ اليد للحوار، والتي كلَّفت هذه المنطقة هدر قدراتها، وكثيرا ً من المآسي والآلام.

صفحة أمريكا السّوداء!

وأخيراً، نتوقّف عند الحدث الذي كان ينتظره العالم وما يحدث فيه، وهو تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، والذي نأمل أن تطوى معه صفحة سوداء من تاريخ أمريكا على مستوى الدّاخل، تعزّزت معها الكراهية بين أبناء شعبها وأديانها وتنوّعاتها، وفي الخارج، من خلال جرائم ارتكبت بحقّ الشّعوب، ولسنا بعيدين من هذه الشّعوب.

فقد آن الأوان لأمريكا أن تعيد النّظر في سياستها الداخليّة مع مواطنيها، وأن تعيد الاعتبار إلى صورتها التي تشوَّهت، عندما استغلّت قوّتها لتستولي على ثروات الشّعوب ومقدّراتهم، وجعلت أمن إسرائيل فوق كلّ اعتبار، وعلى حساب أمن هذه المنطقة، وحتّى أمن العالم.