قصّة صاحب الجنّتين: تجسيد لغرور الإنسان وأطماعه

 

 

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

في القصص القرآني الكثير من المواعظ والعبر والدّروس الّتي نحتاج إليها في حياتنا: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ…}(يوسف: 111)، وسنتوقَّف في هذا اللّقاء عند قصّة صاحب الجنّتين الّتي وردت في سورة الكهف، حيث يضعنا القرآن مباشرة في جوّ هذه القصة، من دون أن يهتمّ بالتّفاصيل: الأسماء والزمان والمكان. لكن، بإمكاننا أن نقرأ الكثير الكثير مما بين السّطور. ومن السِّياق نعرف أنّنا أمام رجليْن؛ أحدهما فقير مُعدم، والآخر مزارع ثريّ مُتْرف، يملك جنّتيْن، أي بستانين فيهما شتّى الأثمار، وبين البستانين زرع وحقول، وحول هذه المزرعة الكاملة قامت أشجار النّخيل، وفي الوسط يتدفّق نهر جارٍ يتفجّر من الأرض. وهذا يعني بلغة أهل الاقتصاد والتّجارة والزّراعة، أنّ الرجل كان من الأثرياء والملاكين، فهو يملك الأرض والمال، ومن الطبيعيّ أن يكون عنده العمال والفلاحون والخدم والحشم والأعوان الّذين يأتمرون بأمره.

صاحب الجنَّتين

وها هي المزرعة {آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا…}(الكهف: 33)، أي أنَّ الثمار والزّرع سَلِم كلُّه من الآفات والعوامل الطبيعيّة، والمواسم أقبلت، ونِعم الله تتدفّق على هذا الثريّ، وكلّ شيء يسير على ما يُرام وحسبما يشتهي.

تخبرنا القصّة أنّ صاحب الجنّتين لم يستوقف الفقير ليسأله عن صحّته، أو عن أحواله الماديّة، ولم يَدْعُه إلى البستان كي يختار ما يشاء من الثّمار، أو ليملأ له سلّة منها لعائلته. لا، لم يحدث شيء من هذا، بل قال لصاحبه بكلّ ثقة: {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا}(الكهف: 34).

تصوّر أنّك تلقي التحيّة على أحدهم ويبادرك هو ليقول: أنا أكثر منك مالاً، أو أنا أعزّ منك! هذه العبارة كافية لتفهم أنّك أمام رجل قد امتلأ غروراً، وعمي قلبه بحبّ الدنيا، وتحكّم به منطق البطر بالنّعمة، أو الجاه: أنا أعزّ منك لأنّني أملك المال والجاه والثّروة، وعندي الأعوان والأنصار، أمّا أنت فماذا تملك؟! هو ليس اغتراراً بنفسه وماله فحسب، إنما محاولة منه لتحقير ذلك الفقير، إذ أراد أن يجرحه في الصّميم.

ويدخل ذلك المغرور جنّته {وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ}، ويقول محاولاً أن يقنع نفسه وهو يفكّر بصوت عال: {مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}. هنا يُورِّطه غروره في الوقوع في مستنقعين اثنين من مستنقعات الشّيطان، الأوّل: الرّكون والاطمئنان إلى أنّ أمواله وأملاكه باقية، ما أظنّ أنّ جنّتي تبيد، وتُصبح هشيماً تذروه الرّياح. وهنا يبني حساباته على قدراته الشخصيّة، وعلى إمكاناته، فقد أمّن كلّ الوسائل لوقاية جنّته، وفكّر بكلّ السّبل لحمايتها.

والمستنقع الثاني: هو إنكاره لقيام السّاعة، فهو لا يُريد لثروته أن تبيد، لذلك أنكر قيام السّاعة، ثم حاول أن يستدرك بكلّ ثقة، ويتمسّك بأمل أكثر غرابةً وصلافة: {وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا}(الكهف: 36).

إنّه ليس طاغية فحسب، بل يحسب نفسه من أحباب الله، ومن المقرّبين والمفضّلين عنده، وإلاّ ما كان ليغدق عليه كلّ هذه النّعم. لهذا، يتمادى في أمانيّه وغروره وتبجّحه: إنْ قامت السّاعة وردّني الله إليه، فإنّ موقعي ووجاهتي ومكانتي وما أملك من مال، سيخوّلني أن أنال عنده مقاماً رفيعاً أفضل ممّا أنا عليه الآن.

موعظة الفقير

وتكمل القصّة، لتخبرنا أنّ الرّجل الفقير، ظلّ مصغياً إلى تبجُّحات صاحب الجنّتين، لم تستفزّه لهجة الاستصغار، ولا قوله: {أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا}، وعندما أراد أن يردَّ، ردّ بالكلمة الطيّبة، فسأله مستنكراً: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا}؟(الكهف: 37)، كيف تنسى نفسك؟ أنت لم تكن سوى حفنة من تراب؟ وأضاف مصوّباً للرّجل سلوكه: {وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ}(الكهف: 39).

فصاحب الجنّتين لم يقف حامداً شاكراً مسبّحاً أمام جنّته الممتلئة خيراً وجمالاً، بل فاض وجدانه بالكبر والخيلاء والزَّهو. كان وجدانه وجداناً مريضاً، لهذا قال: {مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}.

ويكمل الفقير جملته: {إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا * فَعَسَى? رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}(الكهف: 39).

الفقير لم يحاول أن يتبجّح ويتباهى بإيمانه. قال له: إن كنت تراني أقلّ منك ثروةً وأولاداً، فرجائي في عطاء الله أكثر، عسى أن يكون خيراً من جنّتك الفانية هذه، الّتي إن أصابها صاعقة من السّماء لدمّرتها وسوّتها بالأرض، وكان الله عند ظنّ عبده الفقير.

يقظة متأخّرة

والقصّة لم تنته عند هذا الحوار، فقد شاء الله أن يحدث المفاجأة الّتي لم تكن واردة في حسابات صاحب الجنّتين. في الصّباح، عاد ليتفقّد أملاكه، فإذا هي {خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}، فالدّعائم مكسّرة، والأغصان محطّمة، والجنّتان ينعب في جنباتهما بوم الموت والدّمار. ويروح الرّجل {يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ} يضرب كفّاً بكفّ، ويتحسّر على الأموال الّتي أنفقها {وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا}، لقد وقع ما كان يحذّره منه صاحبه الفقير: أن لا يطمئنّ إلى نعيم قابل للزّوال في أيّ لحظة، فيستفيق من الغفلة ويندم.

 لكنّ هذه اليقظة جاءت متأخّرة كثيراً، ولا فائدة منها، فهو ندم يأتي بعد سقوطه في الامتحان، ونزول البلاء، وصرخته هذه هي الصّرخة نفسها الّتي أطلقها فرعون وهو يصارع الأمواج كي لا يغرق، وهو النّدم نفسه والتّوبة نفسها الّتي تراود الكثيرين وهم على أبواب الموت، لكنّها توبة متأخّرة، وندم لا طعم له.

ويختم الله قصّة هذا المغرور الطّاغية بالقول: {وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا}(الكهف: 43).

وانتهت قصّته، وصارت مثلاً مجسّداً لغرور الإنسان وأطماعه، وهي تختصر الصّراع في هذه الدّنيا بين من ينسى نفسه وربّه، ومن يظلّ صاحياً، واعياً ومدركاً.

دروس القصّة

أيّها الأحبّة…

هذه القصّة تعلّمنا الكثير، تعلّمنا أن لا نعيش الفقر حالة ذلّ، ولا أن نعيش الغنى حالة عزّ، والحديث يقول: "ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يكثر علمك، ويعظم حلمك، وأن تباهي النّاس بعبادة ربّك".

تعلّمنا أن لا نغبط أحداً على ما يملك من نعم في الدّنيا، فالكلّ أمام الموت سواسية، ورأسمالنا هو كفن ومتران من الأرض والعبرة للزّاد، وخير الزّاد التقوى.

تنبّهنا إلى أنّ مع كلّ نعمة تفد إلينا، ومهما كانت صغيرة، علينا أن ندعو: اللّهمّ اجعلها نعمة موفورة لا نعصيك فيها أبداً.

وأن ننتبه مع كلّ بلاء أو نعمة تسلب منّا، لنقول: الحمد لله، عسى الله أن يبدلني خيراً منها في الدّنيا والآخرة.

تُعلّمنا أن نزهد زهداً حقيقيّاً كما عرّفه الإمام عليّ(ع)؛ فلا نفرح بما أتانا ولا نأسى على ما فاتنا.

تُعلّمنا أنّ الله يمهل ولا يهمل، وأنّ الله يعطي من سأله ومهما كان: {وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ}(آل عمران: 145).

وتعلّمنا أيضاً أن نحذر الله إذا تجاوزنا الحدود {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، فالله له الحقّ في أن يعفو، وله الحقّ في أن يعاقب، فلا ننسى أنّ الله عزيز ذو انتقام، يعفو لحكمة، ويجازي لحكمة، والحدود هي حدوده سبحانه.

وتعلّمنا أنّ {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً}(الكهف: 46).

وتبقى العبرة الأساس، أنّ الله يذلّ كلّ جبّار عنيد، فرداً كان أو جماعة أو دولاً، ويعزّ من تواضع له، فمن تواضع لله رفعه الله.

والحمد لله ربّ العالمين.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله الّتي هي زادنا في الدنيا وزادنا للآخرة، ومن التّقوى أن نعتبر بما ورد في هذه القصّة، حيث ذكر أنّه كان في زمن داوود رجل عابد زاهد اسمه حزقيل، قال له داوود(ع) يوماً: "يا حزقيل، هل هممت بخطيئة قطّ؟ قال: لا، قال: فهل دخلك العجب مما فيه من عبادة الله عزّ وجلّ؟ قال: لا، قال: فهل ركنت إلى الدّنيا فأحببت أن تأخذ من شهواتها ولذّاتها؟ قال: بلى.. ربما عرض ذلك بقلبي، قال: فما تصنع؟ قال: أدخل هذا الشّعب فاعتبر بما فيه، قال: فدخل داود(ع) الشّعب، فإذا بسرير من حديد عليه جمجمة بالية وعظام نخرة، وإذا لوح من حديد وفيه مكتوب، فقرأه داود، فإذا فيه: أنا أروى بن سلمة، ملكت ألف سنة، وبنيت ألف مدينة، وتزوَّجت ألف امرأة، وكان آخر أمري أن صار التّراب فراشي، والحجار وسادي، والكفن ثيابي، فمن رآني فلا يغترّ بالدّنيا".

أيّها الأحبَّة: الاغترار بالدّنيا والانخداع بزخارفها وبهارجها هو سبب معاناتنا.

تغرينا الدّنيا، فنتحاسد ونتباغض ونتحاقد ونتقاتل.. تغرينا الدّنيا، فلا نقوم بمسؤوليَّاتنا خوفاً من فقدانها، ولهذا لا نواجه ظلماً وطغياناً وانحرافاً، في الوقت الّذي يدعونا الواجب إلى القيام بمسؤوليّاتنا وتحمّل الأعباء وهي كثيرة…

ذكرى النّكبة

والبداية من فلسطين، حيث نستعيد ذكرى النَّكبة، الّتي لم تكن فقط نكبة للشَّعب الفلسطيني، رغم وقعها الكبير عليه، بقدر ما كانت نكبة للضَّمير الإنساني، حين قبل بأن يُشرعن وجود الكيان الصّهيونيّ على حساب صاحب الأرض، بحيث أصبح هذا الكيان حقيقة واقعيّة، وهو الّذي يقوم على الإرهاب، ويعاكس قرارات الأمم المتّحدة والشرعيّة الدّوليّة، وأيّ ظلم هو أكبر من هذا الظّلم!.

لقد استطاع العدوّ الصهيونيّ، بمساعدة الإدارات الغربيّة، وفي ظلّ التّواطؤ العربيّ والصّمت الإسلامي والمسيحي، أن يركّز قواعده في فلسطين المحتلّة، تحت عنوان: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، ليطرد الشعب الفلسطيني من قلب فلسطين، ويشرّده في أصقاع العالم.

لقد راهن هذا العدوّ على أن يموت الكبار وينسى الصّغار، ولكنّ الشعب الفلسطيني، ومعه كلّ الّذين يصرّون على مواجهة هذا العدوّ وعدم الاستسلام له، استطاع إسقاط هذه المقولة، وعمل طوال سنوات النّضال والجهاد الّتي تربو على 65 سنة، على إنعاش ذاكرة الفلسطينيّين والعرب، في أنّ أرض فلسطين ليست مجالاً للبيع والمساومة، وسقط كثير من الشّهداء في هذا الطّريق، ولا يزالون يسقطون.

إنَّنا نحيّي إصرار هذا الشَّعب على إحياء هذا اليوم، يوم النكبة، وتمسّكه بمفاتيح البيوت الّتي تركها معه أجداده، لنرى في ذلك أملاً كبيراً في أنّ فلسطين ستعود، حيث ما ضاع حقّ وراءه مطالب. ونحن هنا نطالب الشّعوب العربيّة والإسلاميّة، وكلّ من يفكّر بإنسانيّة الإنسان، بالبقاء مع هذا الشّعب، فلا يترك وحيداً يواجه غطرسة هذا الكيان الّذي يتمادى في استيطانه وفي العبث بحياته ومقدّساته.

إنّنا نخشى أن تستفيد الدّول الكبرى، ولا سيَّما أمريكا، من هذا الواقع العربيّ والإسلاميّ لفرض المزيد من التّنازلات الّتي يراد منها إسقاط القضيّة الفلسطينيّة وتهويد فلسطين…

ونريد لكلِّ السّلاح الّذي يرفع في الدّاخل، أن تكون وجهته العدوّ الصّهيونيّ، ونحن نعتقد أنّ الحمية والاندفاع الّذي نراه الآن بمواجهة المسلمين والعرب لبعضهم البعض، لو تمّ توجيههما في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ، لما بقيت له أيّ قائمة.

سوريا: الحلّ لا يزال بعيداً

ومن جهة أخرى، لا يزال الجرح الكبير نازفاً في سوريا، وسط كلّ حالات القتل والدّمار والعنف الوحشيّ بأبشع صوره الّتي باتت تنذر بخطر شديد، ليس على سوريا فحسب، بل على المنطقة كلّها، وقد وصلت تداعيات ذلك أخيراً إلى تركيا، كما يعاني العراق ولبنان والأردن من آثارها ومن تبعات النّازحين السوريّين إليها.

إنّنا في هذا الوقت، لا نزال نراهن على أن تدبّ الغيرة لدى الدّول العربيّة والإسلاميّة لإغلاق هذا الملفّ، وطيّ هذه الصّفحة المؤلمة في سوريا، ونحن على ثقة بأنّهم لو أرادوا لاستطاعوا، ولكن يبدو أنّ مفتاح الحلول بات بيد الدّول الكبرى.

وفي الوقت الّذي نؤكّد الحرص على إيقاف نزف الدّم، نخشى أن يكون حلّ هذه الأزمة على حساب موقع هذا البلد في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ والسياسات الاستكباريّة الّتي تُرسم للمنطقة، وعلى حساب تطلّعات الشعب السّوريّ في توقه إلى عيشٍ كريم وعزيز.. ونحن في هذا المجال، لا نزال نخشى أن يكون الحلّ لم يحن أوانه، وإنما ما يجري هو تبريد مرحليّ، بعد أن كادت الأزمة في سوريا تتجاوز الخطوط وتهدّد بانفجار إقليميّ ودوليّ.

معاناة العراق والبحرين

وفي هذا الوقت، لا تزال مشاهد التَّفجيرات الوحشيَّة تتوالى في المنطقة، ولا سيَّما في العراق، مستفيدةً من الانقسام الحادّ داخل السّاحة العراقيّة، ومن تعقيداتها وتشابكها، ما بات يستدعي من كلّ الواعين داخل هذه السّاحة، التحرّك من أجل توحيد الصّفوف لمواجهة فتنة مذهبيّة يُراد لنيرانها أن تستعر في العراق لحسابات إقليميّة ودوليّة لا تريد للعراق الاستقرار والأمان.

أمّا البحرين، فلا تزال معاناة أهلها مستمرَّة، حيث وصل الأمر إلى الاعتداء على منزل أحد كبار علماء البحرين الشَّيخ عيسى قاسم، ونحن في الوقت الّذي ندين هذا العمل، نعيد تأكيد ضرورة احترام المواقع والرّموز الدّينيّة، والنّظر بكلّ جدّية إلى مطالب الشعب البحريني وحقوقه.. وهنا ندعو مجدَّداً إلى العودة للحوار الجادّ والموضوعيّ، بعيداً عن لغة العنف والإثارة.

لبنان: الحماية من مشاريع الخارج

أمّا لبنان، الّذي تكاد أصوات الطّائرات الصّهيونيّة تطغى فيه، حيث لا تفارق سماءه، إلى جانب الاستفزازات شبه اليوميّة من العدوّ، فإنَّه لا يزال يعاني من الطَّاقم السياسيّ الّذي لا تحرِّكه مصالح النَّاس ومعاناتهم ومستقبلهم، بقدر ما تحرّكه ارتباطات الخارج ومصالحه الطائفيّة والمذهبيّة، وتحالفاته السياسيّة في الدّاخل. لذلك، بتنا نجد أنّه من الصّعوبة بمكان إيجاد حلول في ظلّ صراعات الخارج وتضارب المصالح في الداخل.

إنّنا نعتقد أنّه من غير المسموح دوليّاً وإقليميّاً أن يصل العبث السياسيّ اللّبنانيّ إلى المستويات الأمنيّة الخطيرة، كما أنّنا نخشى أن يؤدّي التشنّج السياسيّ والطّائفيّ والمذهبيّ إلى انفلات الأمور، ولكنّنا نبقى نراهن على الحكماء الّذين يتدخّلون في الوقت المناسب، من أجل إيجاد حلّ وسط يقي لبنان مشاريع الخارج وتداعياته، بعيداً عن كلّ حسابات المحاصصة الطائفيّة والمذهبيّة…

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله
التاريخ: 7 رجب 1434 هـ  الموافق: 17/05/2013 م

 

 

Leave A Reply