قضية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صلب سيرة الحسين(ع) والعباس(ع)

ألقى العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}..

 

إن من دواعي الشكر والحمد لله بأن منّ علينا فبلغنا شهر شعبان، هذا الشهر الذي نسبه رسول الله(ص) إليه فجعله شهره..

وقد ورد في سيرته(ص) أنه كان إذا دخل شهر شعبان يأمر منادياً أن ينادي في المدينة: "يا أهل يثرب إني رسول الله إليكم، ألا إن شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري"..

 

وإلى ذلك أشار الإمام زين العابدين(ع) في الصلوات المروية عنه: "اللهم وهذا شهر نبيك سيد رسلك شعبان الذي حففته منك بالرحمة والرضوان الذي كان رسول الله (ص) يدأب في صيامه وقيامه، في لياليه وأيامه..اللهم فأعنا على الاستنان بسنته فيه، ونيل الشفاعة لديه.. حتى ألقاك يوم القيامة عني راضيا، وعن ذنوبي غاضياً، قد أوجبت لي منك الرحمة والرضوان، وأنزلتني دار القرار، ومحل الأخيار"..

 

ولذلك نحن مدعوون في هذا الشهر أن نستن بسنة نبيه(ص) ونتقرب إلى الله فيه بالأعمال الواردة من الصيام والصلاة والذكر والاستغفار والدعاء وفي ذلك ادعوكم الى الاستزادة من قراءة المناجاة الشعبانية لأمير المؤمنين والصدقة حيث ورد في الحديث : من تصدق بصدقة في شعبان رباها الله تعالى كما يربي أحدكم فصيله حتى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل احد. واحياء العديد من لياليه وهنا لا بد من الإشارة الى أهمية احياء ليلة النصف من شعبان فقد ورد في الحديث : ان افضل الليالي بعد ليلة القدر فيها يمنح الله العباد فضله ويغفر لهم منّه، فاجتهدوا في القربة الى الله تعالى فيها فانّها ليلة آل الله عزوجل على نفسه أن لا يردّ سائلاً فيها ما لم يسأل الله المعصية وما زاد من شرفها ان ولد فيها الامام المهدي (عج)

وقد تميز هذا الشهر أيضاً بالعديد من المناسبات الكريمة العزيزة التي تذكرنا بمسؤوليتنا وتربطنا ممن جعلهم الله سبحانه وتعالى أسوة لنا وقدوة..

 

ونحن اليوم سنتوقف عند مناسبتين من مناسبات هذا الشهر الفضيل، المناسبة الأولى هي التي مرت علينا في الثالث منه وهي الولادة المباركة لسبط رسول الله (ص) وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين بن علي(ع)، والمناسبة الثانية هي في الرابع من هذا الشهر وهي ذكرى ولادة العباس بن أمير المؤمنين..

 

ونحن عندما نذكرهما اليوم، فلنستحضر كل المعاني والصفات التي اتصفا بها ومن ينظر في سيرتهما يجد الكثير من الصفات التي التقيا عليها وهي حب الله وعبادته وحسن الخلق والبطولة والشجاعة والإيثار والتواضع ونحن في هذا لا نتوقف عند كل الصفات التي التقيا عليها بل عند خاصية جمعتهما.. واستشهدا من أجلها وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح أمة رسول الله(ص) على كافة المستويات..

 

وهذا الهدف الذي عبر عنه بوضوح الإمام الحسين(ع): "إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهي عن المنكر"..فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد عليا اصبر حتى يحكم الله بيني وبين القوم الكافرين"..

 

وعندما قال : الا ترون الى الحق لا يعمل به ولا الباطل لا يتناهى عنه

ثم ليقدم خلاصه لموقفه من الواقع بما عبر عنه (ع)… "ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلّوا حرام الله وحرموا حلاله، وأنا أحق من غير.."..

 

لم يكن الإمام الحسين(ع) ليترك كل هذا الواقع الفاسد من حوله ويجلس جانباً على التل لينتظر ما يجري أو ليقلب كفاً على كف على ما يجري أو ليرضخ للأمر الواقع ويقبل به، بل كان يرى أن من مسؤوليته الشرعية والأخلاقية اتجاه الناس أن يواجه هذا الواقع المستبد والظالم.. وقد عبر عن هذه المسؤولية عندما قال: "أيها الناس إني سمعت رسول اللَّه يقول من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم اللَّه ناكثا لعهده يعمل في عباده بالظلم ولم يغير عليه بقول ولا فعل حق على اللَّه أن يدخله مدخله أي معه في النار". و ليس من العجب أن الحسين(ع) الذي كان من رسول اللَّه(ص) ورسول اللَّه(ص) كان منه أن يبذل دمه ودم اصحابه ويضحي بكل شيء حفظا للاسلام من الزيغ والتحريف وحفظا لعهده من النكث ولخلقه من الظلم….

 

لقد كان الحسين(ع) قادراً لو سكت وتراجع أن يبلغ الخزائن وتفتح له الأبواب، كان يكفيه أن يوافق على يزيد الحاكم الفاسد القاتل للنفس المحترمة وأن يضع في الصندوق ورقة تأييد له واعترافا به لكنه لم يفعل، وقال بكل وضوح: "ومثلي لا يبايع مثله". وعندما خير بين الموت والتوقيع عل اختيار الفاسد والظالم والقاتل.. لم يتردد في أن يختار الموت على أن يسجل في حياته أنه ساهم في إيصال من لم يستحق ان يصل وقال:"إِنِّي لا أرَى المَوتَ إلا سَعادةً، وَالحَياةَ مَع الظالمين إِلاَّ بَرَماً"..

وهذا الموقف العزيز هو الذي استهداه العباس(ع)، فقد كان في الموقع نفسه بعدما شربا معاً من نبع الإسلام الصافي… من نبع علي(ع) ، فوقف مع أخيه الحسين(ع) حتى استشهاده، فكان كما نقرأ في زيارته: "السلام عليك أيها العبد الصالح المطيع لله ولرسوله وللحسن والحسين فنعم الأخ المواسي".. وهو في ذلك لم يتراجع عن هذا الموقف حتى في أقسى اللحظات.

 

وقد جاءت له فرصة النجاة في يوم عاشوراء.. حيث تذكر السيرة أن الشمر بن ذي الجوشن نادى في هذا اليوم: أين بنو أختنا… أين العباس – فقد كانت له قرابة العباس لجهة أمه (أم البنين) – إلا أن العباس رفض آنذاك أن يجيبه.. لكن الحسين(ع) قال له أحبه وإن كان فاسقاً فإنه بعض أخوالك.. و عندما عرض عليه الشمر الأمان من عبيد الله بن زياد, كان العباس حازما و صلبا فقال: يا عدو الله: أتعطني الأمان ولا أمان لابن بنت رسول الله..

 

والأمر نفسه كان حصل في ليلة عاشوراء عندما أحل الحسين(ع) البيعة لأهل بيته وأصحابه وقال لهم "هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا" وأنجوا بأنفسكم "فان القوم لا يريدون غيري"، وقف العباس يومها وقال أأبقى بعدك يا بن بنت رسول الله لا والله حتى أجاهد بين يديك.

 

لقد شارك العباس أخاه الحسين (ع) في مشروعه التغييري فهو كان مؤمنا بالهدف الذي لاجله انطلق الحسين(ع)، فكان قائد لوائه و عضده وسنده. وهو في ذلك لم ينطلق من باب الأخوة بالمعنى العائلي بل لكون الحسين كان بالنسبة له إماماً ومعبراً أصدق تعبير عن تطلعات رسالته التي تدعو إلى أمة خالية من الظلم  والاستبداد ونقوم على العدل والحرية…

وقد أشار الإمام الصادق(ع) إلى روحية العباس(ع) ومنطلقاته عندما قال: "لقد كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان جاهد مع أبي عبد الله وأبلى بلاء حسناً ومضى شهيداً"..

 

إذاً قضية الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتغيير الواقع الفاسد والظالم كانت في صلب ثورة كربلاء و سيرة الإمام الحسين(ع) و اخاه العباس(ع)… ومن هذا المنطلق فاننا نرى انفسنا معنيين بهذه القضية فهي تمثل ركنا أساسيا في التعبير عن صدق إيماننا وحبنا لاهل البيت… ان نكون حسينيين وعباسيين ان نكون من الساعين الى اصلاح واقعنا… ان ننتفض على كل فاسد وظالم ومنحرف… ان لا نقبل به مهما كان شأنه ومهما كانت طائفته ومذهبه فهناك قطيعة بين الحسين(ع) والعباس(ع) وبين الفاسدين والمفسدين والظالمين واللاعبين بمصالح الناس وهذه هي دعوة الله عندما قال : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ"  {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}..

 

فالله سبحانه لا يريد الإنسان الضعيف حيث الحديث: "إن الله ليبغض المؤمن الضعيف الذي لا دين له الذي لا ينهي عن المنكر ويترك المعروف".

 

إن كثيراً مما نعاني منه من فساد وطغيان وظلم وانعدام للبركات والخيرات يعود إلى تركنا هذه المسؤولية وتغاضينا عنها حتى أنَّنا بتنا نمرّ على المنكر وكأنّنا لم نر شيئاً، وحتّى دون الاستنكار القلبيّ.

 

لم نعد نبالي ولا نريد ان نوجع رؤوسنا بردود الفعل ممن نأمرهم وننهاهم أو نخسر بعض الفرص فيه.

 

أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح الواقع ليس خياراً، بل هو واجب تماماً كما هي الصّلاة والصّوم والحجّ بل هو من اوجب الواجبات لان به تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الامر كما ورد في الحديث : "من رأى منكم منكراً فلينكره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان".

 

أن علينا أن نبقى حاضرين في الساحة أية ساحة لممارسة هذه الفريضة… نعم بالحكمة المطلوبة، فلا بد من أن يشعر الظالم والمنحرف والفاسد بعاقبة ما أرتكبه، ولا يطمئن الفاسدون والظالمون الى ارتكاباتهم التي إن لم تحاصر فسوف تمتد الى كل واقعنا و على كافة المستويات.

 

لقد صدق الإمام الحسين والعباس(ع) عهدهما مع الله،  ولنصدق عهدنا مع الله لنكون المصداق للأية الكريمة {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}..

 

ولنحذر ان نكون ممن ورد فيهم الحديث : "لا تتركوا الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فيولّى عليكم شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم "

 

في ذكرى الولادة المباركة للحسين(ع) والعباس(ع) نتوجه الى حيث مرقدهما لنوجه اليهم تحياتنا ونقول السلام عليكما يوم ولدتما ويوم خضبت دماؤكما ارض كربلاء ويوم تبعثان حيا حيث تنعمان بعطاء الله .

 

ونسأل الله أن يوفقنا لزيارتكما في الدنيا ونيل شفاعتكما في الآخرة أنه أرحم الراحمين

 

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نستهدي بهدى الإمام زين العابدين (ع)؛ هذا الإمام الذي نستعيد ذكرى ولادته في الخامس من شهر شعبان، فقد ورد عن أحد أصحابه أنه قال: "رَأَيْتُهُ يَطُوفُ مِنَ الْعِشَاءِ إِلَى سَحَرٍ وَيَتَعَبَّدُ، فَلَمَّا لَمْ يَرَ أَحَداً رَمَقَ السَّمَاءَ بِطَرْفِهِ وَقَالَ: "إِلَهِي غَارَتْ نُجُومُ سَمَاوَاتِكَ، وهَجَعَتْ عُيُونُ أَنَامِكَ، وأَبْوَابُكَ مُفَتَّحَاتٌ لِلسَّائِلِينَ، جِئْتُكَ لِتَغْفِرَ لِي وتَرْحَمَنِي، فَوَاسَوْأَتَاهْ غَداً مِنَ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْكَ، إِذَا قِيلَ لِلْمُخِفِّينَ جُوزُوا، وَلِلْمُثْقِلِينَ حُطُّوا، أمَعَ الْمُخِفِّينَ أَجُوزُ، أَمْ مَعَ الْمُثْقِلِينَ أَحُطُّ، وَيْلِي كُلَّمَا طَالَ عُمُرِي كَثُرَتْ خَطَايَايَ وَلَمْ أَتُبْ، أَمَا آنَ لِي أَنْ أَسْتَحِيَ مِنْ رَبِّي".

 

ثُمَّ بَكَى وَأَنْشَأَ يَقُولُ:

"أَتُحْرِقُنِي بِالنَّارِ يَا غَايَةَ الْمُنَى            فَأَيْنَ رَجَائِي ثُمَّ أَيْنَ مَحَبَّتِي‏"

ثُمَّ بَكَى وَقَالَ: "سُبْحَانَكَ تُعْصَى كَأَنَّكَ لَا تَرَى، وَتَحْلُمُ كَأَنَّكَ لَمْ تُعْصَ، تَتَوَدَّدُ إِلَى خَلْقِكَ بِحُسْنِ الصَّنِيعِ، كَأَنَّ بِكَ الْحَاجَةَ إِلَيْهِمْ وَأَنْتَ يَا سَيِّدِي الْغَنِيُّ عَنْهُمْ".

ثُمَّ خَرَّ إِلَى الْأَرْضِ سَاجِداً، فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقُلْتُ له: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ، مَا هَذَا الْجَزَعُ وَالْفَزَعُ؟! وَنَحْنُ يَلْزَمُنَا أَنْ نَفْعَلَ مِثْلَ هَذَا وَنَحْنُ عَاصُونَ جَانُونَ. أَبُوكَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَأُمُّكَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ، وَجَدُّكَ رَسُولُ اللَّهِ (ص)، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ، وَقَالَ: "دَعْ عَنِّي حَدِيثَ أَبِي وَأُمِّي وَجَدِّي، خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ لِمَنْ أَطَاعَهُ وَأَحْسَنَ وَلَوْ كَانَ عَبْداً حَبَشِيّاً، وَخَلَقَ النَّارَ لِمَنْ عَصَاهُ وَلَوْ كَانَ وَلَداً قُرَشِيّاً، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾. واللَّهِ، لَا يَنْفَعُكَ غَداً إِلَّا تَقْدِمَةٌ تُقَدِّمُهَا مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ".

 

فلنتّكل، إذاً، على أعمالنا وعلى علاقتنا بربّنا، لننجو ونصبح أكثر وعياً وقدرةً على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، الَّذي بات على مقربة من موعد الاستحقاق الانتخابي. ومع الأسف، كلَّما اقترب موعد هذا الاستحقاق ارتفعت وتيرة الحدة في الخطاب السياسي، وتصاعد التحريض الطائفي والمذهبي والعشائري والعائلي، وتواصلت سياسة تخويف اللبنانيين من بعضهم البعض والتحريض على هذا الفريق أو ذاك، بادعاء حماية المنطقة أو الطائفة أو المذهب أو الوطن أو العروبة، وهي ادعاءات يُسقط من مصداقيتها أنّها تنطلق من مواقع فئوية لا وطنية.

 

ومن الطَّبيعي أن يساهم ذلك بتوترات رأينا بعض مشاهدها على الشّاشات أو في مواقع التواصل الاجتماعي، ولمسنا ونلمس آثارها على الأرض، ونخشى أن نرى أكثر من ذلك. من هنا، فإنّنا نعيد دعوة القوى السياسية المتنافسة إلى أن ترأف بهذا البلد، وتتدبَّر عواقب هذا الخطاب ونتائجه، فلا ينبغي، ومن أجل الوصول إلى موقع هنا أو هناك، أن يُحرق البلد أو يُهدد استقراره.

 

إننا نريد لهذه القوى التي تمثل أدياناً ومذاهب بحسب التقسيم الطائفي، والتي تعدّ القيم الروحية والأخلاقية عمادها، أن ترتقي بخطابها إلى ما تمثل، وأن لا تُحول الانتخابات إلى لعنة، في الوقت الذي نريدها حلاً.

 

إنَّنا نقول لكلِّ هؤلاء، إنَّ هذا الخطاب لن يفيد مطلقيه، وهو يضرّهم ويقدّم صورة سلبيّة عن أدائهم السياسي، فلا يمكن أن نبني وطناً يُؤتمن عليه من يحمل هذا الخطاب، ويتعامل مع منافسيه بهذه الحدة والعنف، ويرفض الآخر الذي يتشارك معه في الوطن.

 

إنَّ لبنان الذي نطمح له ويطمح له اللبنانيون، لا يُبنى بمثل هذا الخطاب السياسي أو بالوعود البرّاقة والكلام المعسول، بل من خلال التاريخ النظيف والخطاب العقلاني والمشاريع الواقعية لأزمات البلد المستعصية.

 

وفي هذا الوقت، نريد من الدَّولة والمسؤولين فيها أن يسارعوا إلى معالجة الأزمات التي تعصف بالبلد، وأن لا يكونوا في إجازة خلال الانتخابات، فمطالب الناس لا يمكن أن تنتظر إلى ما بعد الانتخابات، ومن واجب السلطة تسيير أمور الناس وتيسيرها، سواء منها مطالب أساتذة الجامعة، أو أزمة القروض السكنية لحل مشكلة ذوي الدخل المحدود، أو الأزمات الأخرى من الكهرباء والماء، والكثير من الأمور التي تنتظر حلاً.

 

سوريا

ونصل إلى سوريا، التي تعرَّضت لهجمة دولية في الأسبوع الفائت، بحجَّة استخدام السلاح الكيماوي. هذه الهجمة استبقت التحقيق الدولي المطلوب، وأعطت دليلاً إضافياً على مدى استهانة هذه الدول بسيادة هذا البلد واستقراره وأمنه وقدراته. ومن المؤسف أن يكون هناك قوى سياسية معارضة أو دول عربية صفقت لهذا العدوان، وتمنّت لو أنه كان أقسى وأقوى، وكأن الدول الكبرى جمعية خيرية تقدم خدمات مجانية لصالحهم أو لطموحاتهم!

 

إنَّ على الشَّعب السوريّ بكلّ أطيافه أن يدرك أن خياره الوحيد هو رصّ صفوفه في مواجهة المشاريع التي تريد الإطباق عليه وتجعله موقعاً لتقاسم النفوذ فيما بينه.

 

وسنبقى نرى أنَّ الحلّ في سوريا بيد السوريين، رغم تعقيداته، فهم قادرون بوحدتهم على أن ينتزعوه من اللاعبين بمصيرهم، وبأن لا يسمحوا لأحد بأن يجعلهم ممراً لمصالحه وطموحاته في هذه المنطقة من العالم أو لتصفية الحسابات أو للتنفيس عن الأحقاد.

 

فلسطين

وإلى فلسطين التي نستعيد ذكرى يوم أسراها؛ هذه الذكرى التي مرت علينا قبل أيام في 17 نيسان، وهي واحدة من أكبر المآسي في عصرنا الحاضر، ولم نجد لها حلاً حتى الآن في قاموس من يتحدثون عن حقوق الإنسان، وحتى على الصعيد العربي والإسلامي.

 

ونحن في ذلك، نهيب بالشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم أن يرفعوا الصوت بوجه السّجان الصهيوني، وألا يتخلوا عن دعم قضية الأسرى، كما عن دعم الشعب الفلسطيني، الذي قدم ويقدم أغلى التضحيات، ولم يوفّر جهداً في مواجهة العدو الصهيوني.

 

ونحن هنا، نشدّ على أيدي الفلسطينيين في غزة والضفّة الغربيّة وفي الأراضي المحتلّة قبل العام 1948، وندعوهم إلى أن يتابعوا مسيراتهم الشعبية السلمية التي أربكت العدو الصهيوني، وسوف تضطره عاجلاً وآجلاً إلى التراجع وتقديم التنازلات لحساب الشعب الفلسطيني.

 

 

 

Leave A Reply