قول الحقّ وإن عزّ

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 
الخطبة الأولى
 

{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ*إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}

كنا نتحدث في الاسبوع الفائت كيف أن أول خطوة في درب الحق هي التعرف إلى الحق وتمييزه وتبيّنه. والمعرفة سابقة للسلوك والا كان السير على غير هدى وبصيرة. ولكن علينا الاجابة على أمر آخر وهو أنه بعد تبين الحق ماذا على الإنسان أن يفعل؟ وهذا ما سيكون محور خطبتنا.

 

أيها الأحبة:

إن الحق مسؤولية من يدركه، مسؤولية أن يطبقه، وأن يدعو له ويوصي به،أن يكون طابع حياته الخاصة والعامة،وهذا ما دعا إليه الإسلام عندما أراد للإنسان أن يكون هذا الصوت الهادر في قول الحق، شجاعاً جريئاً لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يخاف بشراً أو سطوة ومستعداً لتحمل الأعباء.

 

{وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ..} اذاً بعد تبيّن الحق وأخذ القرار لإعلائه على الانسان التسلح بالصبر. لأن اعلاء كلمة الحق وتثبيت دعائمه يحتاج لنوع من المواجهة يندرج في سياق المعارك الطويلة التي يخوضها الناس في حياتهم، على مستوى الكلمة، والموقف والحركة والعلاقات لتعزيز الحق على كل الصعد، في مواجهة الذين لا يريدون للحق أن يتجذر في حياة الناس، لأنه نقيض الفساد والانحراف والظلم والباطل. هي مواجهة تحتاج إلى يقظة وعزم لا يلين واستعداد لا يتوقف، والمواجهة قد تكون شرسة وتصل إلى حد التضليل أو التكفير أو الإتهام…وذلك بما لا يمكن مقارنته بالمعركة العسكرية التي يكفي توفير مرحلة زمنية للإعداد لها تدريباً وتخطيطاً لخوضها بنجاح… المعركة العسكرية محدودة على مدى الزمن كما سبق و تحدثنا، فيما الأمر مختلف في هذه المعركة، هي معركة العمر في مواجهة التحديات.. هي معركة الحياة..فالحياة صراع بين الحق والباطل.. ان تكسب عمرك يعني كم جولة للحق كسبتها في حياتك، في اي موقع كنت: مع نفسك او مع الآخرين.. مع الناس.. وفي العمل ومع أصحاب الشأن والمسؤولية..

 

أيها الأحبة ان معارك الحق كلها تحتاج إلى صبر، وهي لا تتحدد بالاحجام، بل بالقيمة، فعند الله سكوتك عن ظلم ضعيف يظلم أمامك -سواء كان عاملاً أو مستضعفاً أو جاراً أو زميلاً  أو امرأة- يساوي سكوتك عن ظلم أمة بحالها، والامام زين العابدين علمنا في دعائه: اللّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ مَظْلوُمٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ انَصُرْهُ. مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وفي موضوع الحق كان أئمتنا عليهم السلام  وهم الاسلام الناطق، لا يفصلون: الحق عندهم واحد، – القريب يسرق والبعيد يسرق والموقف منهما يجب أن يكون واحداً- لا نسبية أبداً  مع الحق… فالنسبية في تناول الحق أيها الاحبة، هي أحد مداخل الشيطان.. فاحذروه ولا تدعوه يضيع عليكم بوصلة الصواب..

 

نعم لقد ثمن الإسلام كثيراً أهمية الصدع بالحق في كل مجالات الحياة، واعتبر أن من أعظم الجهاد إعلان الحق في مواجهة السلطان الجائر. فقد ورد في الحديث: «أعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»…ولخطورة التخلي عن هذا الواجب اعتبر رسول الله(ص) أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.. وأن السكوت رضا والساكت شريك في حصول الفساد والانحراف والظلم.. حسبما جاء عن رسول الله  وكانت هي المنطلق لثورة الحسين عليه السلام: "مَن رأى منكُم سُلطاناً جائِراً مُستحلاً لحرم الله، ناكثاً بعَهدِه، مُخالِفاً لسنّةِ رسولِ الله، يَعملُ في عبادِه بالإثمِ والعدوانِ، فلم يغِرْ عليهِ بقولٍ ولا بفعلٍ، كان حَقّاً على الله أن يُدخِله مَدخلَه".

 

 

أما القرآن الكريم فكم ندد بأولئك الذين يصمتون عن الحق أو يكتمون البينات لتعزيز مكاسب شخصية أو للتهرب من مسؤولية مواجهة الانحراف، ولم يقبل ما قدموه من تبريرات وأعذار، حتى استحقوا أن يتوعدهم الله بالطرد من رحمته {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ}.

 

إن قول الحق ــ أيها الأحبة ــ لا يقطع رزقاً ولا يقرب أجلاً..لمن يخاف على رزقه من اعلان الحق او حياته كما يقول رسول الله(ص)، ورجال الحق هم وحدهم الذين يبقون في ذاكرة الحياة، لأن الحياة تحركت بهم.. بهؤلاء يحفظ الله الأرض، وبهم تكبر الحياة وتسمو.. بهؤلاء لا يتوقف صوت الحق عن الصدع بمواجهة الفاسد والمنحرف والظالم، لأن ديدنهم المطالبة بحقوق الناس في أي موقع يتواجدون فيه. ولهذا خلد الله ذكر الأنبياء والأولياء والصالحين والمجاهدين، ولفظ التاريخ وسيلفظ كل الذين صمتوا وداهنوا وتلونوا وعرفوا وكتموا وحرفوا.. صحيح أن هذا الالتزام قد يخسرك بعض الحاضر لكنك ستكون أنت الرابح في المستقبل وعلى مدى الزمن. فللباطل مهما علا صولة وللحق صولات.

 

لقد كان رسول الله أشجع الناس، فقد كان(ص) يعلم أنه سيواجه حين يدعو إلى الله بالسباب والشتائم وحتى بالسيوف، فلم يمنعه ذلك من أن يجهر بالحق وبكل وضوح وبلا مواربة . لقد بلغ رسول الله الحق إلى الناس، لم يهادن أو يتراجع أو يساوم  كما أُمر بالصورة التي أرادها الله، وقد تمثلها علي(ع) حين التزم الحق فكان مع الحق حيثما كان…وتأملوا تعريف الرسول لأحب الناس اليه: "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"… بهذا التوصيف لعلي يريد رسول الله أن يعلمنا: اذا أردنا ان ننتخب أحداً او أن نسلم احداً مسؤولية: على ما ننظر؟ الى علاقته بالحق: حقاوي ام لا؟ هذا هو الاساس وكل الاشياء الاخرى الشكلية والشخصية فيجب ان توضع جانباً. لا ان هذا لحسابي او من جماعتي او من حزبي او ما إلى ذلك.

 

 

 أيها الأحبة بالمقابل فإن تبين الحق والسير في خط اعلائه  والجرأة بإعلانه في مواجهة كل ألوان الباطل، لا يعني أن نتحرك بتهور أو بردود الفعل أو على وقع استفزاز هنا أو حماس هناك والاهم من هذا كله أن لا تكون كلمة حق يُراد بها باطل وما أكثرها هذه الايام.. ومنذ عهد الامام علي والخوارج أطلقوها كلمة عندما رفعوا المصاحف وقالوا  لا حكم الا لله فقالها لهم علي: "كلمة حق يراد بها باطل".. فالامر مرهون بالنية والخلفية وليس بمهارة اطلاق اللسان، لانها قد تكون مجرد ورقة للاستعمال كما يفعل الكثيرون.. يا غيرة الحق والدين.. والدين منهم براء.  لقد صرنا نعيش في عالم ترى الكثيرين يركبون موجة الحق والمبادئ والمثل، يزايدون في الحديث عنه ولكن وكما يقول المثل إن وراء الأكمة ما وراءها.. والحذر دوماً واجب.

 

وأخيراً ومن زاوية أخرى،  فإننا كما نحتاج إلى بناء وتعزيز الجرأة في الإنسان والمجتمع التي تجعله قادراً أن يقول الحق ولو كان مراً، أن يقول الحق ولو على نفسه أو الأقربين.. فلا يهاب أحداً في قول الحق ولا يداري أحداً على حسابه… فإننا بحاجة، وكل حسب موقعه ومسؤوليته، لامتلاك جرأة الاستماع إلى قول الحق  في قضية او موقف او رأي يطاله او يطال ما يمسه  حتى ولو لم يعجبه، وهذه الجرأة تحتاج إلى تدريب ومراس ومنها ينفذ الشيطان ليوقعك في رد االفعل مباشرة فيصبح همك الدفاع  لا الاستماع.. ان الجرأة على الاستماع لقول الحق يشجع القائل بالحق ولا يوقعه بالإحباط  واليأس.

 

ومع الوقت يصبح لا مباليا ولا يعنيه قول الحق، وهذه ثغرة يدخل منها الشيطان ليمتنع الناس عن قول الحق بحجة – ما حدا بيسمع وما بينفع- . وهنا نستحضر ما قاله الامام علي: "لا تكلّموني بما تكلَّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفَّظ به عند أهل البادرة… ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقٍّ قيل لي، ولا التماس إعظام لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه، فلا تكفّوا عن مشورة بحقّ أو مقالة بعدل، فإنّي لست بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي، إلا أن يكفي اللّه من نفسي ما هو أملك به منّي".

 

إن لعلي مبادئ انسانية وعالمية  في التعاطي مع الحق وترك لمريدي الحق نصائح ذهبية تقول:

"ما ترك لي الحق من صديق"، "ولا تستوحشوا في طريق الهدى لقلة سالكيه". وهو القائل: "بين الحق والباطل أربع أصابع.. فالحق أن تقول رأيت والباطل أن تقول سمعت…" وكفى بعلي ناطقاً بالحق.

 

إلهي كن خير معين لنا في قول الحق والجهر به، كن صديقنا في وحشة الدروب وظلمتها.. وأعنا على أنفسنا لنقول الحق ونعمل به كما تعين به الصالحين على أنفسهم، انك سميع مجيب. والحمدلله رب العالمين

 

الخطبة الثانية

 

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله، الّتي هي الزاد ليوم تأتي فيه كلّ نفس تجادل عن نفسها؛ يوم يقوم الناس لربّ العالمين. وحتى نبلغ التّقوى، لا بدّ من أن نستهدي بإمام من أئمّة التّقوى، الإمام الرّضا(ع)؛ هذا الإمام الذي استعدنا ذكرى ولادته في الحادي عشر من شهر ذي القعدة.

وسنغتنم هذه المناسبة لنذكر ثلاثة أحاديث من درر كلام هذا الإمام.. فقد قال(ع): "إنَّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن: يوم يولد ويخرج من بطن أمه فيرى الدنيا، ويوم يموت فيرى الآخرة وأهلها، ويوم يبعث فيرى أحكاماً لم يرها في دار الدنيا. وقد سلّم الله عزّ وجلّ على يحيى في هذه المواطن الثلاثة، وأمن روعتها، فقال: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}، وقد سلَّم عيسى بن مريم عليه السلام على نفسه في هذه المواطن الثلاثة، فقال: {وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا}".
 
وقال(ع): "صديق كلّ امرئ عقله وعدوه جهله"، وسئل عن حدّ التوكّل، فقال: "أن لا تخاف أحداً إلا الله".
 
لبنان
أيّها الأحبَّة، إنَّ التزامنا بكلام الإمام الرّضا(ع) لا ينبغي أن يقف عند حدود العاطفة، بقدر ما هو التزام بالسّلوك والعمل والمواقف الّتي نواجه بها التّحدّيات، ولا سيما في لبنان، الَّذي شهد خلال الأسبوع الماضي حراكاً شعبياً واسعاً هو بعيد هذه المرة عما عهده من تحركات شعبيَّة سابقة، كانت تعبيراً عن الانقسام السياسيّ أو الطائفيّ أو المذهبي. لقد جاء هذا الحراك على وقع أزمة النفايات المتفاقمة، والتي شكَّلت عبئاً ثقيلاً على كاهل المواطنين، ولكنّه توسّع ليعبّر عن وجع الناس وآلامهم وما يختزنونه من قهرٍ ومعاناة على مستوى الخدمات الأساسيّة، من ماء وكهرباء وطبابة وتعليم، فضلاً عن الوضع الاقتصاديّ المتفاقم، وصولاً إلى ترهّل النّظام السّياسيّ، وانعدام التّخطيط، واعتماد أسلوب المحاصصة والصّفقات وتقاسم الحصص.
 
وهذا ما عبَّرت عنه كلمات المشاركين المعبّرة، وصرخاتهم العالية، ومشاعرهم ودموعهم الصّادقة، والّتي لا يمكن لمنصف أن يضعها في خانة التّسييس ويدير الظّهر لها.
ونحن أمام هذا المشهد، وعلى الرّغم من التّحفّظات على خلفيات بعض المنظّمين لهذه التّظاهرات، أو على بعض الشّعارات الّتي طُرحت، أو الارتجال الّذي شهدته، والّذي أتاح دخول المندسّين، وأدى إلى تحويل هذا المشهد الحضاريّ في أساسه إلى حالة من الفوضى والاشتباك مع القوى الأمنيَّة، ما أدّى إلى سقوط ضحايا، وقد كنا نأمل ألا تنتهي الأمور إلى ما وصلت إليه، فإنّنا ورغم كلّ ذلك، لا نستطيع إلا أن نقدّر هذا الحراك من ناحية المبدأ، لكونه تعبيراً عملياً عن عودة الإنسان في هذا البلد للعب دوره، والخروج من سياسة الوكالة المطلقة الَّتي كان قد أعطاها لممثّليه أو لرموزه، حيث لم يعد يكتفي بالتذمّر في مجالسه الخاصّة أو في المنابر أو من خلال كتاباته، بل نزل إلى الأرض ليشكّل قوَّةً ضاغطةً وعيناً تبصر ما يجري في أروقة الدَّولة.
 
 
 
لقد أثبت هذا الحراك فعاليته، وهو يستطيع أن يحقّق النتائج إن تابع سيره بتخطيط مدروس، وبنية صافية، وأهداف واضحة، وخرج من الارتهان والتسييس، ونحن نأمل على كلّ من هم في مواقع المسؤولية، أن تكون هذه الرسالة قد وصلت إليهم، وأن يفكروا جيداً في استعجال الخطوات للخروج من كل هذا الواقع الفاسد، بدلاً من التفكير في كيفية إجهاض هذه التحركات أو العبث بمسارها، كما أجهضت مطالب سابقة أو تحركات مماثلة..
 
ونحن أمام ما جرى، كنا نأمل من القوى الأمنية، مع وعينا للوضع الضّاغط عليها، أن تكون أكثر رفقاً بالناس الطيبين، وأكثر حزماً في مواجهة المندسّين والعابثين بالأمن وبممتلكات الناس ومقدراتهم، بحيث لا يصنّفون النّاس ويضعونهم في صفٍ واحد، حتى لا يسقط ضحايا أبرياء، ولا سيما أنّ هناك من وضعه الصحيّ في حالةٍ حرجة، ونسأل الله له الشّفاء العاجل.
ونحن أمام التحركات القادمة، وحتى لا تتكرّر المشاهد المؤلمة التي لا تريدها القوى الأمنية ولا الناس الذين نزلوا إلى ساحات الاعتصامات، ندعو منظّمي هذه التحركات إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار دقّة هذه المرحلة وخطورتها، ووجود مندسين قد يدخلون في صفوفها من أجل حرفها عن أهدافها..
 
إننا ندعوهم إلى تحمّل مسؤوليّاتهم، فلا يمكن لمن يدعو إلى تجمّع أو تظاهرة أن يدع الناس لشأنهم، فهو مسؤول عن التحرك وتداعياته، وبالقدر الذي يستطيع. وفي هذا المجال، ندعو إلى تعاون جاد بين المنظّمين والقوى الأمنية، فنحن مع كلّ صوت يطالب بإزالة الفساد والمفسدين، ولكنّنا لسنا مع خراب البلد، ولا مع من يسيء إلى السلم الأهلي، ولا نريد للبنان أن يلتحق بمسيرة الفوضى التي تعم العالم العربي، والتي نعاني تداعياتها، أو أن يكون أي تحرك أداةً في أجندة دولية وإقليمية، وحتى لا نُفهم خطأ، لسنا مع الذين يقولون: إما القبول بالواقع كما هو بكل سيئاته، أو الفوضى، ولسنا مع الذين يقولون: لا فائدة من هذه التحركات..
 
إنّ من الواجب أن ينطلق صوت الحق والعدل دائماً، وخصوصاً في مثل هذه القضايا التي نعرف أنها تحتاج إلى نفس طويل لإحداث التغيير، وحكمة، وحسن إدارة، ولا سيما في ظل نظام تجذّر طويلاً، وهناك الكثيرون ممن يعيشون على مكتسباته.
 
احداث عين الحلوة
ونبقى في لبنان، لننبّه إلى خطورة ما يجري في مخيم عين الحلوة، نظراً إلى موقع هذا المخيم ومحيطه، وإلى طبيعة الصّراع الّذي يجري داخله، والأثر الّذي يتركه ذلك في الشعب الفلسطيني، ولكونه يساهم في زيادة تيئيس هذا الشّعب، ودفعه إلى الهجرة أو التهجير، ما يراكم معاناته، ويسيء إلى قضيَّته.
إنّنا أمام كلّ ما يجري، ندعو الفصائل الفلسطينيّة إلى تحمّل مسؤولياتها تجاه هذا الشعب، والإسراع في العمل لإيجاد حلّ فيما بينها، وكفّ يد كلّ الجهات التي تريد العبث بأمن المخيم وجواره، ولا سيّما في ظلّ الحديث عن التحضير لنهر بارد جديد..
 
ذكرى الإمام الصدر
وأخيراً، لا بدَّ من أن نتوقَّف عند الذكرى السابعة والثلاثين لتغييب الإمام الصدر ورفيقيه؛ هذا التغييب الذي لا يزال في دائرة الغموض.. ونخشى استمراره على الرغم من سقوط النظام الليبي.. ولكن مع كلّ الغموض الذي يلفّ هذه القضية، فقد بات من الواضح استهداف هذه الشخصية، حيث كان لا يُراد لهذا الإمام أن يلعب دوره الريادي الذي بدأه منذ مجيئه إلى لبنان في تعزيز روح المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني، وسعيه لتعزيز الوحدة الوطنية والإسلامية، لا سيما عندما بدأت أيادي الفتنة تعبث بهذا البلد، أو في الجهد الذي بدأه في العالم العربي لتعزيز مواقع قوته، أو في دعمه للثّورة الإسلامية في إيران، أو في عقله الإسلامي المتنوّر والمنفتح على قضايا العصر، والذي كان يمثّل تهديداً لكلّ عقل انغلاقيّ، ولمن لا يريد للإسلام أن يكون له دوره في ساحة الحياة العامة..
 
إنَّنا أمام هذه المناسبة، لا نملك إلا أن نتوجَّه إلى الله ليكشف كلّ الغموض الّذي يحيط بهذه القضية ومجرياتها، في الوقت الّذي ندعو إلى متابعتها، ونتقدّم بالشكر إلى الّذين يتابعونها، حتى لا تُنسى ولا تتكرّر.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله 

التاريخ: 13 ذو القعدة 1436هـ الموافق : 28 اب 2015م
 

 

 

Leave A Reply