كلمات لعازار وديماس وأبي المنى والصدر والداعوق في احتفال مجالس أصدقاء المبرات…فضل الله: لا نريد أن يصبح لكل طائفة ومذهب وطنه في لبنان

افتتح اتحاد مجالس أصدقاء المبرات نشاطه الثقافي الوطني لموسم 2017-2018، وذلك باحتفال حاشد أقامه في قرية الساحة التراثية، بعنوان "حب الوطن من الإيمان"، بحضور شخصيات فكرية وأكاديمية وتربوية وعسكرية وثقافية ودينية وبلدية.

 

بعد النشيد الوطني اللبناني، ألقى الدكتور وجيه فانوس كلمة ترحيبية أشار فيها إلى نشاطات الاتحاد واهتماماته وتطلعاته، ثمَّ ألقى العلامة السيد علي فضل الله كلمة استهلَّها بالشكر والتقدير لمجلسِ أصدقاءِ المبراتِ على دعوتِه إلى هذا اللقاءِ، ولرئيسِ المجلسِ الدكتور وجيه فانوس ولاختيارِهم هذا الموضوعِ المهمِ؛ موضوعِ حبِّ الوطنِ، الذي يريدُ أنْ يعيدَ الاعتبارَ إلى هذهِ القيمةِ، في وقتٍ نخشى ضياعَ الأوطانِ، وفي زمنٍ نحنُ أحوجُ فيهِ إلى إعادةِ الاعتبار إلى هذهِ القيمةِ الجامعةِ، ونخشى أنْ تُغيّر فيهِ صورةُ أوطانِنا.. ولا نريدُ أنْ يصبحَ لكلِّ طائفةٍ وطنُها، ولكلِّ مذهبٍ وطنُه، ولكلِّ موقعٍ سياسيٍّ موطنُه.. بل أنْ نعودَ إلى المزاوجةِ بينَ إنسانِنا ودينِنا ووطنِنا..

 

وقال سماحته: "لقد حرصَ الدينُ في تربيتِه على تعزيزِ هذا الحبِّ وتعميقِه، وفي ذلكَ وردَ: "حبُ الوطنِ من الإيمانِ".. فلا يمكنُ للإنسانِ الذي يعيشُ عمقَ الإيمانِ باللهِ تعالى، ألا يُحبَّ الأرضَ التي عاشَ وترعرعَ فيها، فكانَتْ جزءاً منْ حياتِه وحركتِه، وأحلامِه وذكرياتِه، وطفولتِه وشبابِه، وكهولتِه وشيخوختِه، و"تأنسنت" فيهِ، فاستوطنَت قلبَه وحياتَه، كما اتخذها هوَ وطناً.. فالإيمانُ لا يمكنُ أنْ ينفصلَ عنْ حبِّ الأوطانِ".

 

وأضاف: "لكنَّ هذا الحبَّ للوطنِ والميلَ إليه والتعلقَ به، لا ينبغي أنْ يكونَ بدونِ حدودٍ وضوابطَ.. فحبُ الوطنِ لا ينبغي أنْ يُخرجَ الإنسانَ عنِ القيمِ والمبادئِ التي أرادَ اللهُ له أن يعيشَها.. أو أنْ يكونَ على حسابِ كرامتِه وإنسانيتِه وعيشِه الكريم، وحبُ الوطنِ لا ينبغي أن يتحولَ إلى عصبيةٍ، بحيثُ يتحولُ إلى مقياسٍ للتفاضلِ، فيرى أنَّ وطنَه دائماً على حقٍ أو لا يرى الخيرَ فيما يصدرُ عنِ الأوطانِ الأخرى، حتى لو كان حقاً وعدلاً".

 

وتابع سماحته: "لا نريدُ لحبِّ الوطنِ أن يكونَ شعاراً نتغنى به، بل قضيةً نلتزمُ بها، لكن لا بمعنى الرضا بالواقعِ، بل بتحملِ المسؤوليةِ ومواجهةِ الآلام والمشكلاتِ، لبناءِ الحياةِ العزيزةِ واستعادةِ الكرامةِ في الوطنِ".

 

وأشار إلى أنَّنا منْ هذا المنطلقِ، ومن موقعِ إيمانِنا، نعبرُ عنْ حبِّنا للوطنِ، ونعبرُ عنه عندما نحفظُه ممن يتعرضونَ له بتهديدٍ.. بأنْ ندافعَ عنهُ في وجهِ كلِّ معتدٍ وطامعٍ، ونبذلَ جهودَنا من أجلِ أنْ نبقيَه موحداً حراً عزيزاً كريماً، ونمنعَ عنه عبثَ العابثينَ، فالذينَ يحبونَ الوطنَ همْ حراسُه، والذين يدافعونَ عنْهُ، لا الذينَ لا يبالونَ بذلكَ أو الذينَ قد يساعدونَ العدوَّ عليه لحساباتِهم الخاصةِ، واللهُ في كتابِه الكريمِ عززَ موقعَ الذينَ يبذلونَ دماءَهُم من أجلِ أوطانِهم، واعتبرَهم شهداءَ، عندما قال: "من ماتَ دونَ أرضِه فهوَ شهيدٌ".. فيما وردَ عنْ رسولِ اللهِ (ص): "إنّ اللهَ عزَّ وجلَّ يبغضُ رجلاً يدخلُ عليه في بيتِه ولا يقاتلُ"...

 

وأكَّد أن لا يقتصر الأمرُ في التعبيرِ عنِ الحبِ للوطنِ على الدفاعِ عنه أو حفظِه، رغمَ أهميةِ ذلكَ، فهناك تعبيرٌ آخرُ عن هذا الحبِّ، يتمثلُ باحترامِ قوانينِه وأنظمتِه، والمحافظةِ على منشآتِه، والاهتمامِ ببيئتِه ومقدراتِه، واستثمارِ طاقاتِه وإعمارِ أرضِه.. وبأنْ يعملَ كلُّ مواطنٍ على تطويرِه، ليكونَ أفضلَ الأوطانِ، أنْ لا يبخلَ بإمكاناتِه عليه…. فحمايةُ الوطنِ ليسَتْ على الحدودِ فحسْب، ولكن أيضاً في اقتصادِه وسياستِه ووحدتِه وتماسكِه وتكاتفِ أهلِه، وبأنْ يكونَ وطنَ عدلٍ ومحبةٍ وخيرٍ وتعاونٍ وبذلٍ وعطاءٍ، وطناً يشعرُ فيه الإنسانُ بإنسانيتِه وكرامتِه وعزتِه، وطناً بعيداً عنِ الاستئثارِ والفسادِ والظلمِ.. وحبُ الوطنِ يكونُ بحبِّ كلِّ أبنائِه، بمدِّ جسورِ التواصلِ، مهما كانَ الاختلافُ في الدينِ أو المذهبِ أو الموقعِ السياسيِّ، فالوطنُ ينبغي أنْ يكونَ جامعاً..

 

وأردف قائلاً: "إنَّنا أحوجُ ما نكونُ في مرحلةِ اهتزازِ الأوطانِ إلى تعزيزِ هذا الحبِّ وإلى التربيةِ عليه، وأنْ نعتبرَ ذلكَ جزءاً منْ إيمانِنا، بلْ جزءاً أساسياً منه. وبذلك، نحفظُ استقلالَ أوطانِنا، ونواجهُ كيدَ الأعداءِ الذينَ يريدونَ النيلَ منْ وحدتِها وحريتِها واستقرارِها، أو يريدونَ إضعافَ حضورِها في ميادينِ الحضارةِ والتقدمِ، وإبقاءَها في دائرةِ الجهلِ والتخلّفِ والحاجةِ، ليسهلَ استلابُها".

 

وختم بالقول: "تعالوا لنجسّدَ في لبنانَ الجمالَ والرسالةَ، ليكونَ أنموذجاً في المنطقةِ والعالمِ، لا في تنوعِ طوائفِه ومكوِناته وتعدّدِها فقط، بل في وحدةِ أبنائِه أيضاً، لنكونَ على الصورةِ التي يحبُّها اللهُ.. ولنعمَلْ على تأصيلِ إنسانيتِنا، لنحصلَ على راحةِ العقلِ والقلبِ والضميرِ والحياةِ.. وبذلك، نعمرُ وطنَنا ونجعلُه حقاً أجملَ الأوطانِ..".

 

ثم ألقى أمين عام المدارس الكاثوليكية في لبنان، الأب بطرس عازار، كلمة أشار فيها إلى أنَّ لبنان يفقد كلّ مكوناته إذ لم نقف معه مناضلين من أجل العيش المشترك، فعلينا أن نؤمن بالحرية المسؤولة لنبني الوطن، ليكون هذا الوطن وطناً يليق بالإنسان، ولنربي أجيالنا على حبه، ونحن مصرون على التنشئة على العدل في أدياننا، فالله هو العدل، ونحن مدعوون إلى أن نناضل من أجل العدالة، لنكون دائماً مواطنين صالحين نؤمن بمواطنيتنا الصّالحة…

 

ثم كانت كلمة لأمين عام المدارس الأورثوذكسية في لبنان، الأب جورج ديماس، الذي أكد أنَّ من واجبنا أن ننمّي الإيمان الذي زرعه الله في نفوسنا وفي نفوس أبنائنا، لكي يستطيعوا أن يبنوا عليه أحلامهم ويشيدوا بواسطته بيوت الغد وبلداته ومدنه، عبر تعليمهم على المثابرة والاجتهاد وقبول الآخر، وأنَّ محبة الله لا تقوم على تقاسم المغانم الطائفية، وأن طلب المسامحة ومنح المغفرة على أخطاء الماضي ليس خنوعاً، وأن احترام القانون ليس نقيضاً للحرية.

 

وألقى الشيخ الدكتور سامي أبي المنى، أمين عام مؤسَّسة العرفان التوحيدية، كلمة أشار فيها إلى أن حبّ الوطن ينبغي أن يرتقيَ من المستوى العاطفي إلى المستوى الإيماني، وأن نؤكِّدَ أن حب الوطن لا يجب أن ينشأَ عن عصبية، فما بين العصبية وحبِّ الأوطان فرقٌ كبير. فالعصبية نهى عنها الدين ووصفها بالجاهلية المُنتنة، بينما حبّ الأوطان وصفه بالإيمان، فلا يجوز أن نُحوّلَ محبةَ الأوطان إلى حالة انغلاق على الذات واستعداءٍ للغير.

 

ثم كانت كلمة للسيدة الدكتورة رباب الصدر، رئيسة مؤسسات الإمام الصدر، أشارت فيها إلى المواطنة الإيجابية القائمة على التفاعل والترحيب، وذلك بالتوافق على بطاقة التعريف بلبنان وبوظائفه وبغاية وجوده، وأن نتوافق على قيمه الأساسية ( تعددية، تسامح، مشاركة)، وعلى المعايير التي تجسد قيمنا إجرائياً، ونعمل على صياغتها قوانين وتشريعات، ونحرص على تطبيقها بدقة.

 

كما كانت كلمة لرئيس جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، المهندس الأستاذ أمين الداعوق، تحدث فيها "عن التعارف الإيماني الذي يتجسَّد بقبول الآخر واحترامه والعيش معه، وهذه هي المواطنة الحقة"، داعياً إلى الإيمان بالوطن البعيد عن الطوائف والمذهبيات؛ الإيمان المقتبس من التربية الدينية في مراحل التنمية للإنسان، ليبقى أساساً قوياً للمواطنة الصالحة.

وفي ختام الحفل، تمّ توزيع دروع تقديرية على المتحدثين.

 

 

Leave A Reply