لنكن أمّةً ترفع شعار التَّقوى

بسم الله الرّحمن الرّحيم

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:

الخطبة الأولى

 عن الإمام عليّ(ع)، أنَّ الرَّسول(ص) سُئل مرَّة: كيف نواجه الشَّيطان وحيله ومكائده؟ فقال: "الصَّوم يُسوّد وجهه، والصَّدقة تكسر ظهره، والحبّ في الله والمواظبة على العمل الصَّالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه".

في هذا الحديث، نلاحظ كيف أنَّ الصَّوم جاء في رأس اللائحة، وما كان له أن يتصدَّر أساليب مواجهة الشَّيطان، لولا أنَّه مدرسة فعليَّة لصناعة التَّقوى، إذ من صفة المتّقين أنّهم محصّنون، كما يشير الإمام عليّ(ع): "اِعْلَمُوا عِبَادَ اَللَّهِ أَنَّ اَلتَّقْوَى دَارُ حِصْنٍ عَزِيزٍ، وَاَلْفُجُورَ دَارُ حِصْنٍ ذَلِيلٍ… ألا وبالتّقوى تُقطع حُمّة الخطايا"، أي حدّتها وشدّتها.

ركيزة الصِّيام

فالتَّقوى هي الرَّكيزة الأساسيَّة للصِّيام، ولا يستقيم بدونها أبداً، فالله يقول في محكم كتابه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ}.

والصَّوْم أو الصّيام في اللّغة، هو ترك الشَّيء أو الأمر، والإمساك عنه. أمَّا التَّقوى، فهي القوَّة الدّاخليَّة، والقدرة النفسيَّة الّتي تعينك على الابتعاد عن الذّنب والمعصية، عبر مقاومة أهواء النَّفس، وتجنّب حبائل الشَّيطان وإغراءات الدّنيا؛ {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ناراً وغضباً، وتتّقون طرداً من رحمة الله.. ولعلّكم تطمعون فيما أعدّه الله تعالى للمتّقين، إذ يقول جلّ وعلا: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ}، {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ}[القمر: 54-55].

التَّقوى، أيّها الأحبَّة، طاقة روحيَّة، هي حاجز يحول بين النَّفس والمعاصي، وبسببها يجدنا الله حيث أمرنا أن نكون، ولا يرانا حيث نهانا، كما يقول إمامنا الصَّادق(ع).

والتّقوى هي الّتي تعطي الكائن البشريّ هويّته، وحقيقته كإنسان يؤمن بإنسانيّته ويعيشها، وإلاّ ما الّذي يميّز الإنسان من الحيوان، وما الّذي يجعله يتجاوز حدود أنانيّته عطفاً ورحمةً وشفقةً بأخيه الإنسان.

بالتَّقوى يستطيع الإنسان أن يخرج من الظّلمات إلى النّور، ومن الغواية إلى الهداية، لذلك كانت التَّقوى وصيَّة الله الدّائمة للأوّلين والآخرين: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}(النّساء: 131).

صناعة التَّقوى

ولأنَّ التَّقوى ليست دواءً نشتريه من صيدليَّة أو متجر، كان على الإنسان أن يصنعها، أن يربّيها، تماماً كما نربّي الطّفل، أو النّبتة، ونرعاها بعناية وحرص.

 فالتَّقوى ثمرة من ثمرات جهاد النَّفس للشَّهوات والمطامع والنزعات، فأنت كما تربّي عضلاتك بالتَّمرين والرّياضة الدَّائمة، عليك أن تربّي التَّقوى في نفسك. والصّوم في شهر رمضان تحديداً، هو ورشة مهمّتها وهدفها تربية عضلات التّقوى فيك. ومن نعم الله علينا، أن أفرد لنا مساحة شهر كامل، في السّنة، على مدى العمر، وفيه برنامج كامل لتعزيز قيمة التّقوى في نفوسنا.

ففي هذا الشَّهر، إذا كنت صادقاً ومخلصاً في صيامك، فأنت مُقبل على معركة، ميدانها النَّفس، لتنظّفها مما علق بها طول العام، لأنّ النّفس والقلب والرّوح كالزّجاج، يتراكم عليه الغبار والأوساخ بمرور الوقت، وإن لم تسارع لإزالته، تصبح الرّؤية صعبة، وقد تنعدم.

لهذا، مطلوب من الصَّائم بمجرَّد أن ينوي الصِّيام، أن يفهم أنَّ هذا يتطلَّب إعداد لائحة طويلة من المهمَّات، عليه أن يؤدِّيها وينجزها، ولائحة طويلة من المحظورات الّتي عليه أن يتجنَّبها ويتخلَّص منها…

هناك فرق كبير عند الله بين من يُسجَّل له على كتاب أعماله أنّه صام امتناعاً عن طعام وشراب، وبين من يُسجَّل له إلى جانب أنَّه صام، أعمال لها مفاعيل تظلّ تتفاعل وتتضاعف إلى يوم القيامة… الفرق كبير، والقياس في ساحة العمل.

فعندما يدعوك صيامك إلى أن تتخلّى طائعاً ولو عن شقّ تمرة لفقير، أن تحرم نفسك لأجل يتيم، فاعلم أنّ صيامك بدأ يفعل فعله، وأنّ تقواك بدأت تنمو، وتمدّ جذورها في شغاف القلب والرّوح. وعندما يدعوك صيامك إلى أن تترك جلسة يحدث فيها غيبة ونميمة أو كذب أو ظلم، فهذا يعني أنَّ صيامك بدأ يأخذك نحو التّقوى، وهكذا نقيس في ساحات الحياة.

مسؤوليّة التقرّب من الله

بعض النَّاس، أيّها الأحبَّة، يظنّ أنَّ الصَّوم هو غاية وهدف، وبه يسقط التَّكليف وكفى، لكنَّ الأمر ليس كذلك، لأنَّ الصِّيام وسيلة وليس غاية، والهدف منه أن تشعر بأنّك بتَّ أقرب إلى الله عزَّ وجلّ ممّا كنت عليه في الأشهر السَّابقة.

والله يضع مسؤوليَّة التقرّب منه في يد عباده، فيسلّمهم مفاتيح هذا القرب، ويقول لهم: اِعملوا، اتّقوا، وادنوا منّي…

والأمر بسيط، ولا يحتاج من العباد إلى التفرّغ  في المكان أو في الزّمان.. أنت كما أنت، بما تعمل وأينما كنت، يمكنك أن تصبح أقرب إلى الله.. هو هذا القرب الّذي لا تحقّقه إلا بالتّقوى.. الوصفة من الله واضحة، وقالها رسوله(ص): «إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم».

– يخرج العامل أو الصَّانع أو التَّاجر إلى ورشته، يتَّقي الله في نوعيَّة عمله، فلا يغشّ أو يستخفّ، أو يحتكر، فيصبح إلى الله أقرب.

– ويخرج ربّ العمل إلى مؤسّسته، يتّقي الله في  العمّال، فلا يحمّلهم أكثر من طاقتهم، يخفّف عنهم، يكافئهم، يساوي بينهم، فيصبح إلى الله أقرب.

– يخرج الموظّف إلى عمله، فيتّقي الله في أمانة الوقت، لا يهدره أو يبدّده، يؤدّي مسؤوليّاته  بإخلاص، فيصبح إلى الله أقرب..

– يعود الأب إلى بيته، فيتّقي الله في زوجته وأولاده، ويعطيهم حقَّهم في الرّعاية والمحبّة والعاطفة، فيصبح إلى الله أقرب.

– وربَّة البيت الّتي تزداد أعباؤها في هذا الشّهر، تتّقي الله مع العاملة الّتي تساعدها، فلا ترهقها أو تسيء إليها، فتصبح إلى الله أقرب.

 وهنا نذكِّر بحادثة من سيرة الرّسول(ص)، لما رأى امرأةً صائمةً تسبّ جاريةً لها، فقال لها: كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك، إنّ الصّوم ليس من الطّعام والشّراب، إنما جعل ذلك حجاباً عن سواهما من الفواحش… ثم قال: "ما أقلّ الصوّام وما أكثر الجوّاع!".

رفع شعار التّقوى

التّجارة مع الله، أيّها الأحبّة، أمر سهل ويسير، والأبواب مشرّعة، هذا إذا فهمنا منطق الله،  فالله لا يقبل إلا أن نخاطبه بلغة الصّدق، ولا يهمّه الظَّاهر بل الباطن، ولا يهمّه القول بل الفعل، ولا المعرفة بل التَّطبيق. 

والله سبحانه وتعالى، كما يريدنا كأفراد أن نرفع شعار التّقوى في شهره هذا وأن نطبّقه، يريد أيضاً لمجتمعنا في هذا الشّهر أن يرفع شعار التّقوى ويطبّقه، وهناك الكثير الكثير من الظّواهر السلبيّة الّتي ينبغي أن نفكّر فيها بشكل جمعيّ، والبدء يكون من ظاهرة تزايد حجم الأكل الّذي يُرمى بعد الإفطارات ويذهب إلى حاويات النفايات، هذه ظاهرة ينبغي أن تستثير المهتمّين، ليتصدّوا لتقديم أفكار مدروسة حولها، في الإعلام وبين النّاس، ولا سيّما ربّات البيوت، لتصبح نسبة النّفايات من طعام الإفطارات والسّحور صفراً.  

وتقوى المجتمعات تُعرف أيضاً من مشهد فقرائها ومساكينها وأيتامها، فإن لم يُروا يبذلون ماء الوجه ويمدّون الأيدي، فهذا يعني أنَّ المجتمع أيضاً يسير باتجاه التّقوى. والحمد لله أنَّ مجتمعنا  بات يعي هذه المسألة أكثر من ذي قبل، والمبادرات الفرديّة الّتي تقبل بكلّ شوق على تفطير الأيتام والفقراء، هي سند للعمل المؤسَّساتي  في هذا الشَّهر الفضيل.

 وتقوى المجتمعات تُعرف أيضاً من صلة رحم أفرادها بعضهم لبعض، ومن تواصلهم وتآزرهم.

وأخيراً، يريد الله لأمَّته أن ترفع شعار التّقوى وتطبّقه، أن تتَّقي الله فيما بينها, أن ترحم بعضها بعضاً، لتكون الأمَّة المرحومة, والأمّة المغفور لها، الأمَّة الّتي تعتصم بحبل الله ولا تتفرّق، وألا تكون الأمّة المتقاتلة، الأمّة المشتّتة، والأمّة المشرذمة.

وأختم أخيراً بدعاء الإمام زين العابدين(ع) إذا دخل شهر رمضان:

 "وَأَعِنَّـا عَلَى صِيَـامِـهِ بِكَفِّ الْجَـوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيْكَ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيْكَ، حَتَّى لاَ نُصْغِي بِأَسْمَاعِنَا إلَى لَغْو، وَلا نُسْرِعُ بِأَبْصَارِنَا إلَى لَهْو، وَحَتَّى لاَ نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلَى مَحْظُور، وَلاَ نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلَى مَحْجُور، وَحَتَّى لاَ تَعِيَ بُطُونُنَا إلاَّ مَا أَحْلَلْتَ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إلاَّ بِمَا مَثَّلْتَ، وَلا نَتَكَلَّفَ إلاَّ ما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَلاَ نَتَعَاطَى إلاّ الَّذِي يَقِيْ مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئآءِ الْمُرَائِينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لاَ نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَلا نَبْتَغِيْ فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ".

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم

الخطبة الثّانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله؛ التقوى الّتي هي الهدف المرتجى من هذا الشّهر، وقد ورد عن الإمام الصّادق(ع) لأحد أصحابه: "أمّا العلّة في الصيام، ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك لأنّ الغنيّ كلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله عزّ وجلّ أن يسوي بين خلقه، وأن يذيق الغني مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضّعيف ويرحم الجائع".

ولذلك توجه رسول الله إلى أصحابه في خطبته في آخر جمعة من شهر شعبان قائلاً: "أيها الناس، اذكروا بجوعكم وعطشكم فيه، جوع يوم القيامة وعطشه"، ثم قال: "وتصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم، وتحنّنوا على أيتام النّاس، يتحنّن على أيتامكم..".

أيّها الأحبّة، لقد أراد الله لهذا الشّهر أن يكون شهراً للخير والعطاء، شهراً للتفاعل مع الفقراء والمساكين والأيتام وكلّ ذوي الحاجة، شهراً تمتدّ فيه الأيدي المعطاء لتقدّم ما يمكنها من دون منّة، ولوجه الله، لا يريدون من وراء ذلك جزاءً ولا شكوراً، فهو شهر تكثر فيه الموائد على اسم الله وفي سبيله، فهنيئاً لكلّ هذه النّفوس الخيّرة المعطاء، لما سينالونه من دعوات النّاس لهم ومن خالقهم، فوسامهم أنّهم أحبّ خلق الله، فخلق الله كلّهم عياله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله، ومن أدخل على أهل بيته السّرور.

أيها الأحبة، بهذا العطاء نقي واقعنا ومجتمعنا ونحميه، فالجوع كافر، وقد يودي بصاحبه إلى متاهات الانحراف. ولذلك، إنّ الّذين يعطون ويبذلون هم مجاهدون، ولهم هذا الموقع لأنهم يحمون أمّتهم من داخلها، كما يحمي المجاهدون ثغور الأمّة وحدودها، فبوركت أيادي مجاهدي الداخل والخارج في هذه المرحلة وفي هذا الشّهر.

تفجير الإجرام في الضّاحية

وفي بداية هذا الشّهر، الذي أراده الله أن يكون شهر أمن وسلام ومحبّة، امتدّت يد الإجرام إلى عمق الضّاحية الجنوبيّة، وإلى قلب منطقة بئر العبد، مستهدفةً الأبرياء في أسواقهم وشوارعهم ومنازلهم، وهي المنطقة الرّمز الّذي احتضن ولا يزال يحتضن المجاهدين والمقاومين، رغم حجم التّضحيات التي واجهتها في الماضي، ولا سيّما إبان العدوان الصهيوني في العام 2006، حيث تهدّم الكثير من أبنيتها ومتاجرها ومرافقها الحيويّة، وهي لم تستكمل بعد رفع هذا العدوان عن كاهلها.

إنّنا ننظر بكثير من الخطورة إلى هذا الاستهداف المباشر، الّذي نخشى أن يكون مقدّمة لعمليّات اعتداء أخرى، قد يسعى من خلالها العدوّ الصّهيونيّ، مباشرةً أو بواسطة من ينفّذون خططه، إلى صبّ الزّيت على نار الفتنة، لتعميق جراح الاستنزاف الّتي تعيشها المنطقة، ورفع منسوب الشّحن الطائفيّ والمذهبيّ الّذي يراد للمنطقة أن تغرق فيه، وهو ما أظهرته التّصريحات الّتي أدلى بها المسؤولون الصَّهاينة، حيث وضعوا هذه العمليّة في إطار ما سموه صراعاً سنيّاً ـ شيعيّاً، كما قال وزير حرب العدوّ.

ونحن في الوقت الّذي نثمِّن الإجماع الوطنيّ الّذي حصل في استنكار عمليَّة التَّفجير، فإنَّنا نرى ذلك غير كافٍ إن لم يُدعم بالعمل على إخراج البلد من حال الانقسام الحادّ الّذي يعانيه، وبالمزيد من مبادرات التّواصل والحوار، والخروج من الخطاب والكلام المتشنّج والمتوتّر الّذي باتت تضجّ به ساحاتنا ومواقع التّواصل الاجتماعيّ، وتعزيز الوحدة الإسلاميّة والوطنيّة، فلا يبقى البلد يعيش الفراغ والانقسام الّذي يسهل على العابثين بأمن البلد حريّة التحرّك.

ومن هنا، ندعو أهلنا إلى التنبّه والحذر والوعي، بأن يكون كلّ مواطن خفيراً، أن يكون الجميع خفراء في شوارعهم وأماكن تواجدهم، فيساعدوا القوى الأمنيّة على القيام بدورها.

ارتياح العدوّ للتصدّع العربيّ

وعوداً إلى فلسطين الّتي نريد لها أن تبقى حاضرة في الوجدان، فإنّ عيوننا ينبغي أن تكون شاخصة تراقب العدوّ الصّهيوني الّذي يواصل تعزيز قدرته العسكريّة عدداً وعتاداً وتقنية، ويتابع سياسته الاستيطانيَّة بوتيرة متسارعة، واستباحته القدس والمسجد الأقصى، والإساءة إلى الإنسان الفلسطينيّ، وحتَّى الأطفال، ويكفي في ذلك مشهد العدوّ وهو يعتقل ابن الخمس سنوات ويأخذه من أحضان أبويه، ولا سيَّما في ظلّ حديث متواصل منه عن ارتياحٍ لما أصاب السّاحة العربيّة الداخليّة من خلخلةٍ وتصدّع، وخصوصاً لجهة الضّعف الّذي أصاب الجيوش العربيّة التقليديّة، بعد غزو العراق وأزمة سوريا، وصولاً إلى الأزمة المصريَّة الأخيرة.

الدّول العربيّة: نزف وانقسام

ويبقى الجرح النَّازف المفتوح في العراق، حيث تضجّ ساحته بالمتفجّرات المتنقّلة، والّتي حصدت في الشَّهر الماضي أكثر من 2500 ضحيَّة، فضلاً عن الجرحى والمعوَّقين.

أمّا سوريا، فيستمرّ نزيف الدَّم فيها، حيث الحلول تؤجَّل، ويزداد تدفّق السّلاح من الخارج،  ليُقتل هذا الشّعب أكثر وتدمّر قواه الحيّة.

ووسط كلّ ذلك، لا نزال نعيش الألم حيال الانقسام الحادّ الّذي طاول الشّارع المصريّ، والعنف الّذي بات يمثّل تهديداً لموقع مصر ودورها ووحدتها، ما يستدعي من كلّ القيادات فيها ضرورة التّلاقي والحوار، لإخراج مصر من أزمتها، وإعادة الثّقة بين مكوّنات شعبها، فالمرحلة ينبغي أن تكون مرحلة حفظ إنسان هذا البلد لا زيادة معاناته.

ومن هنا، فإنّنا نثمِّن كلّ المواقف المصريّة الّتي دعت إلى حلّ الأزمة المستجدّة من خلال لجنة من الحكماء، أو من خلال صيغ حواريّة أخرى.

دعوة إلى الخير

وأخيراً، في أجواء هذا الشّهر، ومن خلال متابعتنا للواقع الاجتماعيّ العام، فإنّنا نلفت إلى معاناة النّازحين السوريّين في لبنان، ونعيد الدّعوة إلى ضرورة إيلاء الأهميّة لهذه الأزمة الإنسانيّة الحادّة، والّتي تهمّ كلّ إنسان يعيش إنسانيّته، وخصوصاً المسلمين الّذين لا يكونون مسلمين ما لم يهتمّوا بأمور المسلمين الآخرين.

وكذلك، نلفت إلى معاناة الفقراء في كثير من مناطقنا، والّذين لا يجدون ما يسدّ رمقهم وحاجاتهم، ما يتطلّب منّا جميعاً العمل على مساعدتهم، تحقيقاً لرسالة شهر رمضان الّذي هو شهر إعانة الفقراء وكلّ ذوي حاجة.

Leave A Reply