مقابلةً صحيفة ” كل الأخبار” العراقية

السيّد علي فضل الله في حوارٍ مع "كلّ الأخبار"

 

هناك سعي لتخويف العالم الإسلامي من بعضه البعض

 

 

أثناء تواجدها في العاصمة اللّبنانيّة بيروت، أحبّت جريدة "كلّ الأخبار العراقيّة" أن تستغلّ الفرصة بحوارٍ مع العلامة السيّد علي فضل الله، لتسأله عن التطوّرات الحاصلة في العالم العربيّ والإسلاميّ، وخصوصاً ما يجري في العراق وسوريا ولبنان، في ظلّ الأحداث المتلاحقة الّتي تشهدها هذه البلدان، وتداعيات هذه الأحداث على العلاقة بين المسلمين، وفي ظلّ المساعي المستمرّة من قبل البعض لصبغ هذه الأحداث بصبغة مذهبيّة، وإحداث فتنة سنيّة شيعيّة… وهذا نصّ المقابلة:    

 

لبنان في وجه التحدّيات

 

ـ أرى أن أنطلق في حواري مع سماحتكم من محاور أساسيّة، أوّلها: ما هي التحدّيات الّتي تواجه لبنان؟ وماذا أعدّ اللّبنانيّون في حال حدوث تطوّرات ما بعد الأسد في سوريا؟ وما هي انعكاسات هذه التطوّرات السياسيّة والأمنيّة، ولا سيّما أنّ لبنان يواجه اعتداءات إسرائيليّة مستمرّة؟

 

ـ إنّ لبنان بلد متنوّع من النّاحية الطائفيّة والمذهبيّة، وهذا ليس أمراً سلبيّاً، وإنما هو أمر إيجابي إذا أحسن اللّبنانيون الاستفادة منه، ولذلك فإنّ المطلوب من اللّبنانيّين أن يقدّموا صورة نموذجيّة لقدرة الطّوائف على التّعايش في بلد واحد، وأيضاً على التّواصل فيما بينها، وتأكيد النّقاط المشتركة بين الدّيانات السماويّة، وأن يكون لبنان ساحةً للحوار فيما بينها. وهناك مساع من أجل الاستفادة من هذا التنوّع، كما أنّ هناك من يريدون للبنان أن يكون في حالة دائمة من الاهتزاز وعدم الاستقرار، وهم في سعي دائم لإثارة الجانب الطائفي والمذهبي، وتأكيد الخلاف الداخليّ، وتخويف المسلمين والمسيحيّين من بعضهم البعض، كما حصل في مرحلة سابقة، وهذا الأمر يحصل بحسابات لا تمتّ إلى الواقع اللّبنانيّ بصلة، بل إنّها تسيء إلى هذا الواقع.

ونحن ندعو اللّبنانيّين دائماً إلى أن يكونوا واعين لطبيعة هذه المخطّطات الّتي تريد للبنان أن يكون ساحةً تنطلق منها الفتن للمنطقة بشكل عام، وللدول العربية والإسلامية بشكل خاصّ، ونحن نعتقد أنّ اللّبنانيّين أصبحوا بمستوى من الوعي باتوا يحسبون حساباً لأيّ فتنة تحصل، لأنهم جرّبوا الفتن الطائفيّة والمذهبيّة كثيراً، ورأوا النتائج السلبيّة الّتي تترتّب عليها. ونشدّد على اللّبنانيّين أن يكونوا الواعين لما يحصل، وأن لا يسمحوا للاعبين بإثارة الفتنة للوصول إلى مبتغاهم وإلى هدفهم .

نحن نعرف أنّ الفتنة في لبنان كانت في السّابق ذات طابع طائفيّ، وكان هدفها في مرحلة من المراحل الموضوع الفلسطينيّ وتهيئة الجوّ لتسويةٍ يراد لها أن تحصل في المنطقة، وفعلاً تهيّأت ظروف هذه التّسوية، كما حصل في اتّفاقيّة أوسلو… إلى جانب أنّ الفتنة الطائفيّة في لبنان يراد لها إضعاف المقاومة، بحجّة أنّ أفرادها ينتمون إلى طائفة معيّنة، ولتهيئة المناخات والأجواء لتسويةٍ يراد لها أن تحصل، ولإضعاف كلّ موقع من مواقع القوّة ضدّ العدوّ الصّهيونيّ. كذلك فإنّ إثارة الجانب الطائفي في لبنان، تهدف إلى تقديم صورة إلى العالم عن عدم قدرة الطّوائف على التّعايش فيما بينها، وهذا يخدم أيضاً العدوّ الصّهيونيّ الّذي يريد لكيانه أن يكون يهوديّاً، ولا يمكن له ذلك، إلا إذا كان هناك كيانات دينيّة أخرى في المنطقة…

 

المطلوب من اللّبنانيّين أن يقدّموا صورة نموذجيّة لقدرة الطّوائف على التّعايش في بلد واحد…

استهداف الأمّة الإسلاميّة

ـ هناك تحدّيات تواجه الأمّة الإسلاميّة، وتضع صورة الإسلام في خطر، والتّشيّع في دائرة الاستهداف. كيف تقرأ سماحتكم هذه المخاطر؟ وما هي الوسائل والسّبل للتغلّب عليها، وخصوصاً أنّ خطرها قد يهدّد لبنان؟

 

ـ إلى جانب ما أشرنا إليه، يراد تسويق الفتنة في الدّاخل اللّبنانيّ، وفي الدّاخل المصريّ، وفي أكثر من موقع، وهو ما يسعى إليه كلّ الّذين لا يريدون خيراً للأمّة العربيّة والإسلاميّة. ولذلك نحن نسعى دائماً إلى تأكيد الوحدة الوطنيّة والوحدة الإسلاميّة، منعاً لهذه الأفكار الفتنويّة الّتي يراد لها أن تحصل في لبنان، وأن تنعكس على واقعه أو على واقع المنطقة. إنَّ لبنان يواجه تحدّياً مستمرّاً من العدوّ الصّهيونيّ، ومن مسؤوليّة اللّبنانيّين أن يتوحّدوا في مواجهة هذا العدوّ الّذي لا يريد خيراً لهم ولبلدهم، وهو يسعى دائماً لأن يثأر من هذا البلد الّذي استطاع أن يهزمه، بعد أن صوَّر هذا الكيان نفسه بأنّه لا يقهر.. وبالتَّالي، سيسعى هذا العدوّ في كلّ مرحلة إلى تنمية قدراته العسكريّة للثّأر لهزيمته، ونحن نلحظ تهديداته المستمرّة للبنان، الّذي سيبقى يعاني طالما هذا الكيان موجود.

ونحن نؤكّد دائماً، أنّ على اللّبنانيّين أن لا يختلفوا على موضوع المقاومة، وأن يؤكّدوا قوّتهم الّتي استطاعوا من خلالها أن يهزموا هذا الكيان، لأنّهم هزموه بالجهاد العسكريّ، وأيضاً بوحدتهم ووقوفهم صفّاً واحداً في مواجهته، وأن يتابعوا هذه المسيرة…

إنّ لبنان يتأثّر كثيراً بواقع المنطقة، لأنّه كما يقال، يمثّل الرّئة الّتي تتنفّس منها مشاكل المنطقة، لكن ـ وللأسف ـ فإنّ ما يزيد الأمور تعقيداً، أنّ اللّبنانيّين غالباً ما يحسبون كلّ طائفة على دولة معيّنة أو على محور معيّن، وبالتّالي، ما دامت المحاور تتصارع في الخارج، فإنّ ذلك ينعكس على الدّاخل، ما يجعل الأمر يأخذ طابعاً مذهبيّاً وطائفيّاً. كما أنّ لبنان يتأثّر بما يجري في المنطقة، ولا سيّما ما يحدث الآن في سوريا من أحداثٍ تنعكس بشكل مباشر على الواقع اللّبنانيّ، وتحدث انقسامات بين اللّبنانيّين نتيجة الحسابات السياسيّة لكلّ طائفة ولكلّ مذهب…

إنّ على اللّبنانيّين أن يكونوا بمنأى عن الأزمة السّوريّة وتداعياتها، لما لهذا الأمر من انعكاسٍ على مستقبل الاستقرار في لبنان… ولا مانع من أن يعبّر الإنسان عن عاطفته تجاه هذا الفريق أو ذاك، وأن يكون له رأي وإعلام، ولكنَّنا نخشى من تداعيات هذا الأمر على السَّاحة اللّبنانيَّة الّتي هي بطبيعتها ساحة هشَّة، وتتأثَّر بالواقع الّذي يحصل على مقربة منها..

نحن نعمل بكلّ جهدٍ لتلافي السلبيّات الّتي قد تحصل، ونسعى من خلال تواصلنا وعلاقاتنا لمنع أيّ توتّر ممكن في المستقبل. وفي المرحلة الحاضرة، يبدو أنَّ القرار عند الجميع، حتّى دوليّاً وإقليميّاً، وكلّ الّذين يملكون التّأثير في الجهات اللّبنانيّة، أن لا تكون هناك مشكلة في هذه المرحلة في الدّاخل اللّبنانيّ،  لكنّنا نخشى أن يحصل هذا الأمر في مرحلةٍ من المراحل.

 

على اللّبنانيّين أن يكونوا بمنأى عن الأزمة السّوريّة وتداعياتها، لما لهذا الأمر من انعكاسٍ على مستقبل الاستقرار في لبنان…

إنَّ المنطقة الآن تواجه أجواء فتنةٍ يحضَّر لها، كما تحدَّث بعض السياسيّين المخضرمين، مثل هنري كيسنجر، عندما قال: "إنَّ المنطقة مقبلة على حرب الـ(100) عام المذهبيّة بين السنّة والشّيعة". وهذا الأمر يسعى له، وهناك وقائع سياسيّة يراد لها أن تأخذ بعداً مذهبيّاً وطائفيّاً، وإن لم يكن لها مثل هذا البعد. فمثلاً، ما يحصل في سوريا، يسوّق له على أنّه صراع مذهبيّ، بينما هو صراع سياسيّ بين محاور دوليّة أو محاور إقليميّة، كذلك الوقائع الّتي تحصل في العراق، حيث يصوّر أنّ ما يجري فيه له بعد مذهبيّ وطائفيّ، ولكنّه عكس ذلك، والدّليل على ذلك، أنّنا نجد أنّ من يقف مع المعارضة ضدّ الحكومة هم من السنّة والشّيعة، وقد تكون لهم أفكار أخرى لا تنتمي إلى الجانب الدّينيّ.

 

سعي مستمرّ للتجزئة

 

ـ  كيف تنظرون إلى المواقف العربيّة تجاه محاولات التّجزئة المستمرّة؟

ـ يجب أن نفهم أنّ هناك سعياً لتخويف العالم الإسلاميّ من بعضه البعض، كتخويف السعوديّة من إيران، أو تخويف إيران من السعوديّة، أو التّخويف من موضوع الخليج تجاه العراق أو العكس… إذاً هناك سعي دائم لإثارة هذا النّوع من الخوف، والهدف أن لا يتوحّد العالم العربيّ والإسلاميّ على قضاياه الكبرى في مواجهة الاحتلال الصّهيونيّ لفلسطين، والتّهديد الصّهيونيّ المستمرّ لعالمنا، كما أنّ هناك هدفاً لاستنزاف قدرات هذا العالم، فبدلاً من أن يعمل العالم العربيّ والإسلاميّ على مشاريع التّنمية، يتوجّه إلى شراء الأسلحة، الّتي غالباً ما تعطى له بشرط أن لا تستخدم في مواجهة العدوّ الصّهيونيّ. وباختصار، إنهم لا يريدون خيراً للعالم العربيّ والإسلاميّ، بل إغراقه في المشاكل.

 

مشاريع رساليّة

 

ـ ما هي المشاريع الإنسانيّة الّتي تعتمدونها لدعم الرّسالة الإسلاميّة؟ وهل إنّ الإسلام كمشروع، قادر على مجابهة المخاطر، طالما أنّ الدّعاية الغربيّة تدّعي أنّ لبنان قاعدة تابعة لإيران، وخصوصاً أنَّ هناك مؤامرة تشمل العراق وسوريا ولبنان؟

ـ ندعو العرب إلى أن يستعيدوا قيم العروبة الأصيلة الّتي بني عليها التأريخ العربيّ، إلى جانب القيم الإسلاميّة الّتي تدعوهم إلى أن يكونوا لبعضهم البعض كالبنيان المرصوص، عملاً بالحديث النبويّ الشّريف: "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشدّ بعضه بعضاً"، و"مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الأعضاء بالسّهر والحمّى"، و"المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يغشّه". وعليه، فإنَّ العالم العربيّ مطالب باستعادة هذه القيم. ومع الأسف، نجد في هذا العالم أنّ سلاح المسلمين يشهر ضدَّ بعضهم البعض.

ولقد استطاع سماحة السيِّد الوالد(ره)، أن يؤكِّد دوره الوحدويّ والحواريّ والانفتاحيّ، كما استطاع عبر صوته أن يتجاوز حدود الطّوائف والمذاهب، وهذا ما شهد به الواقع، حيث كتب عنه المسلمون الشّيعة والمسيحيّون، وحتّى العلمانيّون، وكان سماحته حريصاً على الجانب الإنسانيّ، كما كان حريصاً على أن يساهم في مشاريع تربويّة وصحيّة وتنمويّة وسياحيّة، إضافةً إلى مشاريع للأيتام. وكان ينفتح على حاجات النّاس ومتطلّباتهم، سواء في لبنان أو في دول أخرى، حيث بدأ سماحته مشاريعه في العراق، وفي دولٍ أخرى، كما في باكستان والهند وأفغانستان وطاجكستان وغيرها. أمَّا سوريا، فكان سماحته حريصاً على أن يترك فيها أثراً، حيث كان يعمل على سدِّ أيِّ حاجةٍ هناك مما يحتاج إليه النّاس ضمن الإمكانات المتوافرة. ونحن حرصنا باستمرار ونحرص على هذه المؤسَّسات، لأنَّها مؤسَّسات المجتمع، وكذلك سنحرص على أن نتابع هذه المؤسَّسات، حيث إنَّ إغلاق أيّ مؤسَّسة من هذه المؤسَّسات، هو غلق حاجةٍ من حاجات الإنسان، وسنتابع هذه المسيرة، إن شاء الله، الّتي نريد لها أن تتطوّر وتتقدّم أكثر. ونحن أيضاً نتابع ما يجري في العراق، سواء كان في الخدمات الاجتماعيّة، أو في تعاطي مؤسّسة التّعاون الإسلامي الّتي تقوم بهذا الدّور، وهذه المؤسّسة أسّسها سماحة السيّد(رض)، وهي تتولّى العمل في العراق، كذلك في مناطق أخرى، وسوف نستمرّ معتمدين على النّاس وما يقدّمونه، ونحن نؤكّد التّواصل معهم.

لقد استطاع سماحة المرجع السيِّد(ره)، أن يؤكِّد دوره الوحدويّ والحواريّ والانفتاحيّ، وأن يتجاوز بصوته حدود الطّوائف والمذاهب…

إنّ ثقتنا الدّائمة هي أنّ الله لن يتركنا في هذه المسيرة، وكذلك ثقتنا بالنّاس الّذين سوف يكونون داعمين ومساندين، حتى تنهض هذه المؤسّسات وتتطوّر، وحتّى تكون أنموذجاً وقدوةً للمؤسّسات الأخرى.

 

المصدر: جريدة كلّ الأخبار العراقيّة

Leave A Reply