ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار يطلق نداءه من أجل الحوار والسلم الأهلي و العلامة فضل الله يدعو لتشكيل هيئة وطنية للسلم الأهلي .

تحت شعار من أجل حوار الحياة أطلق عصر اليوم في قاعة قصر الاونيسكو في بيروت  أطلق ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار نداءه من أجل الحوار والسلم الاهلي .

حضر اللقاء حشد من الشخصيات الدينية والروحية والاجتماعية والسياسية وممثلون عن الاحزاب والقوى السياسية في لبنان .

 

أفتتح اللقاء بكلمة رئيس الملتقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله جاء فيها:

في البداية، لا بدّ من أن أشكر حضوركم ومشاركتكم، رغم كلّ هذا الجوّ العاصف، وانقطاع بعض الطرق، وهو تعبير صادق وعمليّ عن إيمانكم بالهدف السّامي الّذي نسعى إليه، وهو بناء جسور المحبَّة والتلاقي، وتعميق أواصر التواصل بين كلّ اللبنانيين، بكلّ تنوّعاتهم الطائفيَّة والمذهبيَّة والسّياسيَّة، في بلد عانى طويلاً، ولا يزال يعاني ممن يزرعون في العقول والقلوب الحقد والكراهية والانقسام، تحت عناوين تغلّف في كثير من الحالات بعناوين الوطن والدّين والإنسان.

إنَّنا نجتمع اليوم في رحاب قضيَّة السّلم الأهلي، ولا نرى قضية أخرى توازيها قداسة، وهل هناك ما هو أقدس من احترام حياة الإنسان؛ خليفة الله على هذه الأرض؟ وهل هناك فساد أكبر من سفك الدّماء في غير موقعها الصَّحيح {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً

 

إنَّ إيماننا بالسّلم الأهليّ، لا يحتاج إلى تبرير، فتبريره الوحيد ضرورته والحاجة الماسّة إليه، فضلاً عن أنَّ فقدانه لا يبني وطناً، ولا يطوّر إنساناً ومجتمعاً.. السّلم الأهلي هو عنوان كلّ الرّسالات السّماويّة والقيم الإنسانيّة.. هو دعوة الله لعباده، {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}… وما يدفعنا إلى التحرّك في هذه المسيرة، هو توق اللبنانيين إلى هذا السَّلام، وحرصهم عليه، واستفادتهم من دروس التّاريخ المرير الّذي عاشوه، والذي وجدوا في عبره ودروسه، أنهم محكومون بأن يتلاقوا ويتحاوروا.. هذا هو التلاقي.. تلاقي المجتمع المدني والأهلي، الذي لا يلغي جهود الجهات السياسية والحزبية ومبادراتها، بل يقوّيها ويدعمها ويحميها من نفسها.. إنَّنا نرى دوراً فاعلاً للمجتمع المدنيّ والأهليّ، عليه أن يلعبه.. وإن لعبه بصدق وإخلاص، فإنّه سيترك آثاره الإيجابيَّة الكبيرة في الوضع العام.

 

ويبقى السّؤال: هل نستطيع ذلك وسط كلّ هذا الجو القائم الّذي يحيط بنا، والَّذي لا بدَّ من أن يترك تداعياته علينا. ربما لا تكون لدينا الآن الإمكانات والقدرات والوسائل الذاتيّة لذلك، وربما لا تخدمنا الظّروف الموضوعيّة أيضاً، ولكن من واجبنا أن نقوم بدورنا.

إنّنا نريد لهذا اللقاء أن يكون منطلَقاً لعمل دؤوب وجماعيّ وتشاركيّ، لأجل حماية السّلم الأهليّ من كلّ العواصف الّتي وصلت، أو القادمة، والتي تسعى إلى هزّ كلّ الكيانات وبعثرتها على أساس طائفيّ ومذهبيّ، لتكون مشاريع حرب أهلية مستمرة.

ومن هنا، أحبّ أن أطلق معكم الدَّعوة لتشكيل الهيئة الوطنيّة للسّلم الأهلي، الّتي سوف تضمّ، وعلى قدم المساواة، كلّ المؤسّسات والجمعيّات والشَّخصيّات الحريصة على أن تبذل جهودها، وتقدّم إسهاماتها لخدمة هذه القضيّة.

وإنَّه لشرف كبير لي أيضاً، أن أوقّع معكم على هذا النّداء؛ نداء السّلم الأهلي، آملاً من الله أن يوفّقنا جميعاً للعمل سوياً في هذا الميدان؛ ميدان التّنافس في عمل الخير وخدمة الإنسان والوطن، {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

ولا يسعني في الختام، إلا أن أتوجَّه باسمي وباسم ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار، بتحيّة الشّكر لكم جميعاً، ولجميع المرجعيّات والمقامات والشّخصيّات الّتي عملت ولا تزال تعمل من أجل السّلم الأهلي، والمستقبل الأفضل للشّعب والوطن. وكلّ التقدير للجنة التَّحضيريَّة الّتي جعلت من هذا اللقاء ممكناً وواعداً على عين الله ومحبّته ورضاه..

 

وتحدث في اللقاء نقيب المحامين اللبنانيين الاستاذ جورج جريج الذي أكد على أهمية هذا النداء داعيا جميع المؤسسات الاجتماعية والسياسية الى الإنخراط في إنجاح هذا العمل .

المطران جورج صليبي نوه بالجهود التي يبذلها ملتقى حوار الاديان والثقافات معتبرا ان هذه الدعوة دعوة مميزة ومتقدمة في سبيل الحوار والسلم الاهلي .

رئيس مؤسسة العرفان التوحيدية الشيخ علي زين الدين بارك هذا النداء واعتبره ضرورة في مواجهة الصورة القاتمة التي نشاهدها في المنطقة مشيرا الى ان إطلاق هذا النداء يأتي في الوقت المناسب .

وكذلك تحدث في اللقاء الاستاذ عبد الهادي محفوظ والسيدة ليندا مطر ورئيس الجبهة المدنية العميد انطوان كرم ورئيس مؤسسة أديان الاب فادي ضو والنائب السابقق عصام نعمان والشيخ خلدون عريمط وممثل عن حركة أمل حيث أكدت الكلمات على أهمية إطلاق النداء في هذا الوقت بالذات وضرورة العمل للوصول إلى نتائج عملية .

وشارك عدد من الشخصيات بمداخلات أكدت على أهمية الحوار في هذه المرحلة واعتبرت ان إطلاق هذا النداء هو مسؤولية كبيرة يجب ان يلتف حولها الجميع .

 

نداء للحوار من اجل السلم الأهلي

ان المبادرين الى اطلاق هذا النداء ، وقد هالهم ما وصلت اليه الامور من فظائع وارتكابات بحق الإنسانية ومن تدنيس وتشويه للقيم السامية التي يزخر بها ارثنا الحضاري، والتي كرستها ورعتها الرسالات السماوية والشرائع السمحة التي خص الله سبحانه وتعالى مجتمعاتنا بها وجعلها لها مهبطا ومنطلقا .

واذ يرون ان الدعوة الى كسر حاجز الصمت والى رفع الصوت عاليا اضحت واجبا دينيا وانسانيا يفرض على كل حر شريف اشهار موقف الانتصار للحق والحوار والحرية والعدالة . بخلاف ما نشهده من اكراه ، ومن تعنيف، ومن ارهاب منفلت العقال، بما لا يرتضيه دين او عقل .

واذ يدركون ان ما بعثت به الديانات السماوية من دعوات الى الارتقاء بعلاقات البشر، لتكون سبيلا الى تمجيد الخالق عبر احترام المخلوق الذي هو خليفته في الارض ، يلتقي مع اتجاهات ومبادئ العهود والمواثيق الدولية في كل ما يتصل بهياكل ونظم التواصل البشري بجميع ميادين انطباقها وتفاعلها  على اوسع نطاق[i]  .

واذ ينظرون بعين التقدير والاحترام الى جميع البيانات والنداءات الصادرة تباعا عن اعلى المرجعيات الروحية المسيحية والاسلامية سواء بنتيجة الخلوات واللقاءات المغلقة، ام في صيغة مخرجات للقاءات حوارية بين الطوائف والمذاهب[ii] .

واذ يحرصون على التذكير بان المبادئ الإنسانية السامية المكرسة في الاتفاقات الاقليمية والدولية وفي البيانات المذكورة اعلاه ، كالمساواة وعدم التمييز والعدالة والانصاف والنزاهة وحكم القانون وغيرها،  قد جرى تبنيها في الدستور اللبناني ودساتير الدول العربية وفي قوانينها الوضعية الوطنية من جهة ، وأن الاجماع العالمي ، من جهة ثانية، يميل الى توسيع نطاق اختصاص القانون الدولي ليشمل الجرائم الخطيرة والتي منها من دون ادنى شك ما يرتكب على مدار الساعة من فظائع بحق الإنسانية.

واذ يؤكد المبادرون الى اطلاق هذا النداء، بانه ، بمنطلقاته الإنسانية الملتزمة اطر ومعايير المجتمعات الديمقراطية ، انما يعبر عن صحوة ضمير لا تحيُز او تطييف لها، فانهم يؤكدون في الوقت نفسه، ان نداءهم  يهدف الى تحفيز الانضمام الى حراك مجتمعي متوجب الاداء، من دون ابطاء ، في سبيل توفير شبكة امان للسلم الأهلي وقوة مناهضة للعنف، وذلك من خلال برامج وخطط واليات تنفيذية ذات اطر منهجية علمية، تستند الى مقاربات مفاهيمية واضحة وشفافة، قوامها تعزيز مفهوم الإعتدال في الأراء وفي المواقف وفي السلوكيات ، معتبرين ان  في الإعتدال وحده يكمن سر تحويل عناصر الاختلاف بين مكونات المجتمع الى مصادر تنوع وغنى بدلا من ان تكون بمثابة  بذور شقاق وتطرف حصادها الموت والقلق على المصير .

 

في ضوء كل ذلك ومساهمة في ترسيم وتسهيل اطلاق المراحل العملية لهذا النداء ضمن انشطة مختلفة  ومتلاحقه ومتكاملة ، فان المبادرين الى هذا النداء يقترحون ما ياتي :

1-    نحو دور ديني فاعل اخلاقيا واجتماعيا:

أ‌- الانطلاق من القيم المشتركة في الاديان ، والتأكيد على احترام التنوع الديني ، والدعوة الى سلام الاديان .

ب‌-  رفض التطرف الديني والنظر الى اي اعتداء على مقدس ديني لأية ديانة ، كاعتداء على مقدسات جميع الاديان.

ت‌-  رفض نزعة الاحتواء السياسي للمذاهب الدينية، ورفض استغلال الدين وطوائفه ومذاهبه في النزاعات السياسية، والعمل على قيام دولة المواطنة الجامعة، دولة القانون  والمؤسسات الموحدة والقيم الإنسانية  .

ث‌-  الدعوة الى تعميم مساحات الحوار المجتمعي بين الاديان ، بعيدا من القطيعة والحواجز الوهمية بين الديانات المختلفة، وتشجيع الممارسات التي تساهم في تعزيز القيم الإنسانية والاخلاق المشتركة بين ابناء جميع الاديان والثقافات، خدمة لبناء السلم الأهلي والوطني والإنساني.

ج‌-    اعتبار ان من شأن ممارسات الاساءة والكراهية، التي تفرضها  السياسات الظالمة، وخصوصا الدول الكبرى تجاه الشعوب، والمتحيزة للعدو الصهيوني الغاصب لارض فلسطين وحقوق ناسها ، ان تعزز منطق التطرف الديني بما يهدد بنشر مزيد من عواقب التطرف والتطرف المضاد بين الشعوب والجماعات كما الافراد .

 

2-    الحرص على وحدة الامة وتحصينها في مواجهة الارهاب

أ‌-التاكيد بان ما يحدث حاليا من صراعات مشبوهة وصدامات مفتعلة، خصوصا في العالمين العربي والاسلامي لا علاقة له البتة بالاسلام ومذاهبه، بل فيها ما يساهم في تشويه صورة الاسلام والمسلمين .

ب‌-  ادانة ما يحصل من فوضى الفتاوى المحرضة على تأجيج فتنة بين المذاهب الاسلامية، وخصوصا بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة ، والعمل على فضح ما في هذه الفتاوى من خطر على وحدة الامة واستقرارها ، ووقف الاتهامات المتبادلة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم الاجتهادية والفقهية، بل تحريم هذه الاتهامات وتجريمها، مع كل ما قد ينتج منها من تكفير اقصائي متبادل.

ت‌-  العمل على تطوير الخطاب الديني في ضوء المقاصد الاخلاقية السامية، وترتيب اولوياتها، ومنابذة اي مشروع او تحرك يقومان على استخدام الارهاب والعنف لحسم الخلافات الداخلية، او تسويغ الخلاف فيه او التحريض عليه او التسويق له .

ث‌-  التاكيد على الفارق الجذري بين الارهاب والمقاومة، وتجريم جميع اشكال الارهاب، وادانة مصادر تمويلها وتسليحها، واعتبار كل ما يتعلق بذلك ظاهرة  من ظواهر الفساد وجرائمه ، وذلك انطلاقا من كون  الارهاب استخداما غير مشروع للعنف يعرض الابرياء للخطر، من اجل تحقيق مصالح تنافي حقوق الإنسان، فيما المقاومة هي استخدام مشروع للقوة المسلحة لدرء العدوان وازالة الاحتلال ، ما يتوافق مع ارادة الشعب وحفظ استقلال الوطن وحريته وهي تتوافق مع القانون الدولي والشرائع السماوية .

ج‌-    دعوة وسائل الاعلام بمختلف انواعها الى ممارسة دور مسؤول يساهم في تعزيز مناخات الوحدة الوطنية والاسلامية واشاعة قيم الحوار والتواصل والتسامح والقبول بالاخر ، والى فتح المجال واسعا لخطاب الاعتدال والتقريب والوحدة، ونبذ حالات التطرف والتعصب والطائفية والمذهبية، واظهار مخاطرها على مصالح الوطن والامة.

 

3-    مسؤوليات دينية وثقافية واجتماعية

أ‌- احترام الاديان ورموزها ومقدساتها وتحمل المسؤولية في الدفاع عن الوئام الديني، والاهتمام ببرامج التثقيف والاعلام التي تحض على بث افكار التسامح والحوار في المجتمع المدني، ومجانبة اي تحريض على الصراعات العرقية والدينية .

ب‌-  التأكيد على مسؤولية المرجعيات الدينية كافة في تقديم الحلول الممكنة ، عبر الحوار المباشر، والمشاركة في انشطة هذا الحوار وبرامجه ومؤسساته ، للتقريب بين المختلفين دينيا ومذهبيا، ودعوة كل رجال وعلماء الدين الى تحرير الفهم الديني من الغلو والتطرف .

ت‌-  دعوة جمعيات المجتمع المدني وهيئاته ومنظماته، ومؤسسات الحوار المسيحي الاسلامي، والاسلامي الاسلامي، الى اعداد خطة طوارئ، ذات توجهين ديني ومدني، تعمل على اطفاء الفتن الدينية والأهلية ، كما تسعى الى توحيد الموقف من ما يسمى "تحليل العنف باسم الدين" ، ومعالجة هذه الظاهرة ببرامج متخصصة، من خلال دراسة اسبابها، والاشارة الواضحة الى تداعياتها الخطيرة على كل من المجتمع والوطن والامة.

ث‌-  االتأكيد بأن إنهاء حال الاحتقان المذهبي والطائفي في الامة هو مسؤولية جميع المواطنين من دون استثناء .

 

4-لبنان دولة المواطنة والحريات

أ‌- الالتزام بميثاق الصيغة اللبنانية في العيش الوطني الواحد، وتكريس مبدأ المواطنة، والحرص على احترام الحريات الدينية في اطار القانون والقيم الاخلاقية، وبذل جميع الجهود الهادفة الى تحقيق سلام الاديان، والسلم الاجتماعي  في لبنان، كما في العالمين العربي والاسلامي .

ب‌-  التاكيد بان الحفاظ على الخصوصيات الدينية العقائدية والشرعية بين اللبنانيين ، لا يتنافى واحترام حرية المعتقد الديني لجميع المواطنين، ولا يتعارض وحق المواطنة والمساواة بين اللبنانيين كافة .

ت‌-  الترحيب بجميع المبادرات المتصلة بالحوار والعيش الواحد في لبنان ، ومساندة الجهود التي تبذل من قبل جميع رؤساء الطوائف اللبنانية والاحزاب والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني للحفاظ على الصيغة اللبنانية  وميثاقها.

Leave A Reply