من أهمِّ صفاتِ المؤمنِ: الرِّضا بما يختارُهُ اللهُ له

السيد علي فضل الله

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الخطبة الدينية

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: { إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ }[البيّنة: 7 – 8]. صدق الله العظيم.

إنَّ من أهمّ الصِّفات التي تميِّز الإنسان المؤمن، هو إحساسه بالرِّضا في كلِّ ما يختاره ربُّه له، وما يقضي به عليه، وما يقسمه له، فهو يرى كلَّ ما يأتي به الله جميلاً، حتى لو كان ذلك على حسابه، أو كان مما تشتهيه نفسه أو يرغب به، فقد ورد عن الإمام الصَّادق (ع): “صفة الرِّضا أن يرضى المحبوب والمكروه”.

الرِّضا باختيارِ اللهِ

وقد أشاد القرآن الكريم بالَّذين يعيشون هذه القيمة في نفوسهم، ويعبِّرون عنها في حياتهم، فاعتبر هؤلاء من حزبه، فقال: { رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[المجادلة: 22]. وقد بيّن الموقع الَّذي يصلون إليه ويبلغونه بسبب هذا الرّضا، فقال: { هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه }[المائدة: 119].

وفي ذلك وردت الأحاديث الشَّريفة، ففي الحديث عن الإمام عليّ (ع): ” نعم القرين الرِّضا “.

وقد ورد عن الإمام الحسن (ع): ” مَن اتَّكَلَ على حُسنِ اختيار الله تعالى له، لم يتمنَّ غير ما اختاره الله عزَّ وجلَّ له “.

وهذا ما عبَّر عنه رسول الله (ص) في قوله للمؤمنين: ” اعلموا أنَّه لن يؤمن عبدٌ من عبيده، حتَّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به، على ما أحبّ وكره “.

وقال عليّ (ع): “أجدر الأشياء بصدق الإيمان، الرِّضا والتَّسليم”.

وقد أشارت الأحاديث إلى ما قد يؤدِّي إلى عدم الرِّضا، فقد ورد في الحديث: ” من لم يرضَ بالقضاء، دخل الكفرُ دينه “.

وفي الحديث: ” من رضي القضاء، أتى عليه القضاء وهو مأجور، ومن سخط القضاء، أتى عليه القضاء وأحبط الله أجره “.

والرّضا، أيُّها الأحبّة، هو نتاج المعرفة بالله والثِّقة واليقين به، وأنَّ الله لا يقضي إلَّا بالخير، ولا يريد لعباده إلَّا الخير، حتى وهو يبتليهم بأيّ نوع من البلاء.

وإلى هذا أشار الحديث: ” مَا خَلَقْتُ خَلْقاً أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنِ، فَإِنِّي إِنَّمَا أَبْتَلِيه لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَه، وأُعَافِيه لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَه، وأَزْوِي عَنْه مَا هُوَ شَرٌّ لَه لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَه، وأَنَا أَعْلَمُ بِمَا يَصْلُحُ عَلَيْه عَبْدِي، فَلْيَصْبِرْ عَلَى بَلَائِي، ولْيَشْكُرْ نَعْمَائِي، ولْيَرْضَ بِقَضَائِي، أَكْتُبْه فِي الصِّدِّيقِينَ عِنْدِي إِذَا عَمِلَ بِرِضَائِي وأَطَاعَ أَمْرِي “.

وفي الحديث: “أصل الرّضا حسن الثقة بالله”، “الرّضا ثمرة اليقين”.

بينَ الرِّضا والخنوعِ!

والرِّضا لا يدعو، كما يتحدَّث البعض، إلى الخنوع والاستكانة للظّلم وللواقع الفاسد الّذي قد يتسبذَب به البشر، أو يكون نتاج الأنظمة الاجتماعيَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة، أو نتاج هيمنة الدول الكبرى ونهبها، بل يتحقَّق بعد أن يقوم الإنسان بكلِّ المسؤوليّات الملقاة على عاتقه في تغيير الواقع الَّذي يعانيه، ومواجهة الظلم والفساد، وبعد السَّعي للخروج من الفقر والحاجة والضّعف، وبعد ذلك، يرضى بما قسم الله، ويقول لله سبحانه: “اللّهمّ ورضّني من العيش بما قسمت لي”، اجعلني راضياً، يا ربّ، ما دمت أردت لي ذلك، الأمر الذي يحول بينه وبين أن يعيش الكآبة والتذمّر والشّكوى والإحباط.

وإذا أردنا على ذلك مثلاً، شابّ كان يحبّ أن يتخصَّص باختصاص معيَّن، أو يطمح إلى وظيفة في شركة معيَّنة، وسعى وبذل جهداً لذلك، لكنَّه لم يوفَّق، واضطرَّ ليقبل بما هو متوافر. هنا، إذا لم يرضَ بقضاء الله هذا، سيشعر بالغبن والحسرة والقلق، وقد يتمظهر هذا الشّعور في لحظات يضعف فيها إيمانه، بما يدفعه إلى الحسد أو الافتراء على من وصل، أو التَّزوير والخداع حتَّى يصل إلى مبتغاه، فيما التَّسليم بقضاء الله سيجعله راضياً بما وصل إليه، قانعاً به، ولا يوقعه بكلِّ هذه المحاذير.

ظاهرةُ عدمِ الرِّض

أيُّها الأحبَّة: لم يعد خافياً أنَّ عدم الرِّضا أصبح ظاهرةً في هذا العصر، الكلُّ غير راضٍ عن واقعه، الغنيّ والفقير، والصحيح والمريض، والقويّ والضعيف، وهذا يعود إلى أنّ كلًّا من هؤلاء يريد أن يحصل على كلّ شيء من هذه الدنيا، وهو أمر غير واقعيّ، فلكلٍّ نصيبه منها، وقد يعود في الكثير من أوجهه إلى عدم قدرتهم على مجاراة معايير بات يفرضها الإعلام والعولمة والنّجوميّة، وغيرها من المؤثّرات في نمط العيش وأسلوب الحياة في هذا العصر، معايير – للأسف – باتت تلقي بكاهلها على المرأة والرّجل، والطّفل والمراهق، وخصوصاً في الشَّكل، لتشكِّل لهم حالاً من عدم الرِّضا على ما هم فيه إلى حدِّ النّقمة.

لتعزيزِ قيمةِ الرِّض

ولذلك، نحن أحوج ما نكون إلى تعزيز هذه القيمة، والتي تجعل الإنسان راضياً عن الله في حالتي الغنى والفقر، والصحَّة والمرض، والقوَّة والضّعف، والنّصر والهزيمة… لا يتأفَّف ولا يتضجَّر ولا يشكو مما أصابه أو قسم له الله، أو مما أعطى للآخرين ولم يعطهِ له، فيحمده على كلّ حال، ويشكره على باقي النِّعم، وهي كثيرة.

ومتى ترسَّخت هذه القيمة الروحيَّة في النّفس، فإنَّها تحدث فيها سكينةً وأماناً وطمأنينةً وراحة بال، تجعل الإنسان في بهجة دائمة حتى وهو في قلب الألم.. إنَّ الرِّضا والقناعة هما الدَّواء النّفسيّ الاجتماعيّ الَّذي يخفِّف من الشّعور بالقلق والإحباط.

ولذا جاء عن عليّ (ع): “اِرضَ تَستَرِح”.. الرّضا ينفي الحزن. نعم، الطّارد للهمّ هو الرّضا بالقضاء، كذلك قال (ع): إنَّ أهنأ النَّاس عيشاً، مَن كان بما قسم اللهُ له راضياً .

وهنا نختم بقصَّة وردت في سيرة النبيّ موسى (ع)، حيث ورد أنَّه ناجى ربَّه قائلاً: “يا ربّ، أرني أحـبَّ خلقك إليك وأكثرهم لك عبادةً”، فأمره الله سبحانه أن ينتهي إلى قريةٍ على ساحل بحرٍ في مكانٍ قد سماه له، فوصل (ع) إلى ذلك المكان، فوجد رجلاً مصاباً بمرض الجذام ومقعداً وكفيفاً، وهو يسبِّح الله ويحمده ويشكره ويثني عليه، فقال موسى (ع) لجبريل: “أين الرَّجل الّذي سألت ربّي أن يُرِيني إيَّاه؟”، فقال جبريل: “هو يا كليم الله هذا”. فقال موسى (ع): ” إني كنت أحبّ أن أراه صوّاماً قوّاماً عابداً لله “. فقال له جبريل: ” هذا أحبّ إلى الله تعالى وأعبد له من الصوَّام القوَّام “، وإن كان يقوم ويصوم، هذا الرَّجل الآن ذهبت عيناه وأصبح كفيف البصر، أصغ إليه حتى تسمع منه بما يدعو الله بعدما بلغ هذه الحال.. فسمعه يقول: “متَّعتني بهما حيث شئت، وسلبتني إيَّاهما حيث شئت، وأبقيت لي فيك طول الأمل، يا بارّ يا وصول.

حسنُ الظّنِّ باللهِ

أيُّها الأحبَّة: بهذا الرِّضا المطلق بقضاء الله، بالتَّسليم له، بحسن الظّنّ به، بالاتّكال عليه، لن تظلم الحياة في أعيننا، سنراها دوماً مشرقةً، وسوف لن نحبط ولن نيأس مهما اشتدَّت الظّروف وتعقَّدت.. ودعاؤنا: ” اللَّهمَّ طَيِّبْ بِقَضَائِـكَ نَفْسِي، وَوَسِّعْ بِمَـواقِعِ حُكْمِكَ صَدْرِي، وَهَبْ لِي الثِّقَةَ لأُقِرَّ مَعَهَا بِأَنَّ قَضَاءَكَ لَمْ يَجْرِ إلَّا بِالْخِيَرَةِ، وَاجْعَلْ شُكْرِي لَكَ عَلَى مَا زَوَيْتَ عَنّي أَوْفَرَ مِنْ شُكْرِي إيَّاكَ عَلَى مَا خَوَّلْتَنِي، والرِّضا بقدرك، والتَّسليم لأمرك، حتَّى لا أحبَّ تعجيل ما أخَّرت، ولا تأخير ما عجَّلت، يا أرحم الرَّاحمين “.

الخطبة السياسية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به أمير المؤمنين (ع)، ” احْذَرُوا عِبَادَ اللهِ الْمَوْتَ وَقُرْبَهُ، وَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، فَإِنَّهُ يَأْتِي بِأَمْرٍ عَظِيم، وَخَطْبٍ جَلِيل، بِخَيْرٍ لاَ يَكُونُ مَعَهُ شَرٌّ أَبَداً، أَوْ شَرٍّ لاَ يَكُونُ مَعَهُ خَيْرٌ أَبَداً، فَمَنْ أَقْرَبُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ عَامِلِهَا، وَمَنْ أَقْرَبُ إِلى النَّارِ مِنْ عَامِلِهَا وَأَنْتُمْ طُرَدَاءُ الْمَوْتِ، (الموت يلاحقكم، يسعى إليكم كما يسعى الصيَّاد إلى طريدته)، إِنْ أَقَمْتُمْ لَهُ أَخْذَكُمْ، وَإِنْ فَرَرْتُمْ مِنْهُ أَدْرَككُمْ، وَهُوَ أَلْزَمُ لَكُمْ مِنْ ظِلِّكُمْ، الْمَوْتُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِيكُمْ (ملازم لكم)، وَالدُّنْيَا تُطْوَى مِنْ خَلْفِكُمْ ” (تشبّهاً بالبساط الَّذي يلفّكم).

أيُّها الأحبَّة: هي دعوةٌ لنا أن نستعدَّ للموت لا أن نعيش هاجس الموت، بل أن نكون جاهزين، حتى إذا دعينا له، فلا نقول عندما ندعى له: {رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ}[المؤمنون: 99 – 100]، بل نقول كما قال عليّ (ع): “فزت وربِّ الكعبة”. وبذلك نكون أكثر وعياً وقدرةً على مواجهة التحدّيات.

مَنْ يتلاعبُ بالدّولارِ؟!

والبداية من هذا التَّلاعب المخيف والسَّريع بسعر الدّولار الأمريكي، والَّذي يواكبه ارتفاعاً في أسعار الموادّ الغذائيّة والخدمات والدَّواء والمحروقات، ما يزيد من معاناة اللّبنانيّين، ويفاقم الفقر لديهم.. يحصل ذلك من دون أن تبدو لدى اللّبنانيّين أيّ بارقة أمل تخرجهم من الواقع المزري والمأساويّ الذي وصلوا إليه، بل هم يخشون أن تحمل لهم الأيَّام القادمة المزيد من الانهيار والمعاناة، بفعل ازدياد منسوب التوتر الحاصل على الصعيد السياسي، والذي يأتي انعكاساً للصراع الجاري فيما بين القوى السياسية، والذي يتفاقم يوماً بعد يوم على مواقع ومصالح ونفوذ، والانتخابات المزمع القيام بها، والّتي – مع الأسف – بات السلاح الأفعل والأمضى فيها لكسب ودّ الجمهور بنظر القوى السياسية، استخدام الشارع لتصعيد الصراع مع الخصوم، أو حتى مع الحلفاء، إن احتاج الأمر ذلك، فضلاً عن الخارج.

ومن الواضح مدى انعكاس هذا التوتّر على تعطيل عمل المؤسَّسات، أو عدم قدرتها على القيام بالدَّور المطلوب منها في معالجة أزمات البلد، أو في ارتفاع سعر صرف الدّولار، والذي يتغذَّى من التصعيد السياسي، وقد يكون واحداً من أدوات الصِّراع الجاري، أو التَّداعيات التي قد تحصل على الصَّعيد الأمني.

دعوةٌ إلى التَّكافلِ

إنَّنا أمام كلِّ هذا التردّي الَّذي يعيشه اللّبنانيّون، والذي بات يهدِّد لقمة عيشهم ودواءهم ومتطلّبات النقل والاستشفاء، نجدِّد دعوتنا للمواطنين إلى مزيدٍ من التَّكافل والتعاون لمواجهة هذه الأعباء المتزايدة عليهم، بأن يسند بعضهم بعضاً، ويشدّ بعضهم أزر بعض، وأن يكون كلّ منهم يداً ممدودة للآخرين، لا أن يكون سبباً في زيادة الأعباء، نقولها لأصحاب الأموال وللشرَّكات وللتجّار والصناعيّين وأصحاب المهن والحرفيّين وكلّ من يحتاج إليه.

وهنا نقدّر كلّ المبادرات التي تتمّ على هذا الصعيد، وكل الأيادي البيضاء التي تمتد للعون والمساعدة، أو للتخفيف من عبء هذه المعاناة من الداخل أو من المغتربين.

إن المرحلة تدعو إلى الصمود والثبات في مواجهة من يتلاعب بمصير هذا البلد، إن من الداخل أو الخارج، والكلّ معنيّ بالتصدي له، لا الهروب من ساحة التحدي هذه.

نصيحةٌ للمسؤولينَ

ونحن في الوقت نفسه، نجدِّد دعوتنا لمن هم في مواقع المسؤوليَّة، ونقول لهم: إنَّ أمامكم بقية من وقت حتى تعوِّضوا عن تقصيركم، وتصحّحوا أخطاءكم، وتستعيدوا ثقة اللّبنانيين بكم، لتثبتوا لهم أنَّكم أهل لقيادهم وحمل مسؤوليّتهم، لا تراهنوا على كسب ودّ الناس بالكلمات والوعود المعسولة أو الخدمات أو الأعطيات أو استثارة الغرائز الطائفيّة والمذهبيّة، فالناس الذين اكتووا بنار الفساد والهدر وسوء الإدارة والتخطيط، لن يكرّروا التجارب الفاشلة، وسيصبّون غضبهم في صناديق الاقتراع، لا في الشارع الَّذي ليس هو الطّريق الأسلم لتحقيق مصالحهم.

إنّ اللبنانيّين باتوا يتطلعون إلى مسؤولين يشاركونهم همومهم وآلامهم ومعاناتهم، ويعملون بكلّ جدّ ومسؤوليّة على إخراجهم من واقعهم المزري والمأساوي، فلا تضيِّعوا أوقات اللبنانيين بصراعاتكم وتسجيل النقاط في الخطاب أو الشارع، التي ملّوها وتعبوا منها، وعرفوا أنها ليست لأجلهم، ولا بحوارٍ هو لإبراء الذمّة والتقاط الصّور، أو بحوارٍ لا ينتج، بل بحوارٍ نريده لإخراج البلد من معاناته، وينبغي العمل له لإزالة كلّ العقبات التي لا تزال تقف عائقاً أمامه.

إنَّ الشّهور والأسابيع الباقية قبل الانتخابات هي فرصة مصيريّة لكم، لتثبتوا من خلالها أنّ التّغيير قد بدأتم به أفعالاً لا أقوالاً، وحقيقة ساطعة لا وعوداً.

رفضُ الخطابِ الإقصائيِّ

ونبقى في إطار الخطاب الَّذي – مع الأسف – يتصاعد يوماً بعد يوم، لنؤكِّد أنَّ الناس أحوج ما يكونون في هذه المرحلة إلى خطاب عقلانيّ موضوعيّ هادئ، يبلسم جراحهم، ويخفِّف من وقع معاناتهم، ويبرّد توتّراتهم.

فالبلد لا يبنى بهذا الخطاب الإقصائيّ والإلغائيّ والاستعلائيّ أو الاتهامات والاتهامات المضادّة.

إنَّنا نريد لهذا البلد أن يبقى واجهةً للحريَّة وللتَّعبير، وهو ميزة لهذه الحريّة، لكنَّنا دائماً نريد لهذه الحريَّة أن تكون واعية ومسؤولة وحكيمة، وتنطلق من مبدأ أوصى به رسول الله (ص): ” إذا هممت بأمر فتدبَّر عاقبته، فإن كان خيراً فأسرع إليه، وإن كان شراً فانته عنه “.