يوم الغدير يوم اكمال الدين واتمام النعمه

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبتيه:

 

الخطبة الأولى

 

قال الله سبحانه وتعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً} صدق الله العظيم.

 

مرت علينا وفي الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام ذكرى عزيزة على قلوب الموالين والمحبين لأهل البيت(ع) والملتزمين بإمامتهم، ذكرى يوم الغدير يوم تنصيب علي(ع) ليكون خليفة لرسول الله من بعده وإماماً…

 

ولذلك كان من الطبيعي أن يشهد هذا اليوم مظاهر الفرح والابتهاج وإقامة الاحتفالات وتبادل التهاني وتعابير الشكر وبقول الحمد لله الذي جعل كمال دينه وتمام نعمته بولاية أمير المؤمنين والأئمة(ع) والقيام بالصلاة والصوم والذكر مما ورد استحبابه في هذا اليوم.. فالإيمان بولاية علي(ع) وبالأئمة من بعده هو ما يميز هؤلاء المحتفلين عن بقية المسلمين الذين لم يأخذوا بهذه الحقيقة ولم يعتقدوا بها.

 

ونحن في هذه المناسبة بحاجة إلى أن نستعيد ما جرى في ذلك اليوم لا كحدث جرى في التاريخ بل لكونه يمثل الأساس والركيزة في إيماننا بأحقية علي(ع) في الخلافة وبكونه المعبر عن رسول الله والمبلغ عنه.

 

وكانت البداية من الآية التي نزلت على رسول الله والتي قال الله فيها: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.. فهذه الآية دعت وبشكل جازم وحاسم رسول الله(ص) أن يبلغ أمراً هو من الأهمية بمكان بحيث إن لم يحصل فستضيع رسالته وتذهب كل جهوده سدى وبالتالي كأنه لم يفعل شيئاً..

 

ثم يأتي قوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ليلفت إلى ردود فعل على هذا التبليغ ستحصل وستكون قاسية على رسول الله بحيث تستدعي أن يحميه الله سبحانه من ألسنة الناس الذين سيقولون أنه عين صهره وابن عمه خليفة…

 

ما أن انتهى رسول الله من تلقي هذه الآية ــ النداء حتى سارع إلى دعوة الناس للاجتماع في مكان سمي بغدير خم لوجود غدير ماء فيه وهو قريب من الحجفة التي يحرم منها الحجاج.. وقد كان هذا المكان هو مفترق طرق الناس من بعده ستتفرق جموع الحجاج القادمين معه من مكة بعد أداءهم فريضة الحج التي سميت بحجة الوداع…

 

وفي هذا المكان كان الجو حاراً إلى درجة لا تطاق، لكن تلبية النداء هي التي كانت تهم رسول الله، لذا لم تمنعه شدة الحر وهو الرحيم بأصحابه من الدعوة إلى المكوث فيه، حتى ورد أنهم اضطروا إلى أن يضعوا الثياب تحت أقدامهم والغطاء على رؤوسهم توقياً لأشعة الشمس الحارقة في تلك الصحراء القاحلة.

 

وما أن اصطفت الجموع ووضع لرسول الله منبر يقف عليه، حتى بدأ خطبته بنعي نفسه، فقال: "إنّي أُوشكُ أن أُدعى فأُجيب"، وهو بذلك أراد أن يمهد لما سيقوله بعد ذلك، ثم قال(ص): "فانظروني كيف تخلفوني في الثقلين. فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله؟ قال: الثقل الأكبر كتاب الله، والآخر الأصغر عترتي، وإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا".

 

بعدها رفع يد علي حتى بان بياض أبطيهما وقال: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم".. فقالوا: بلى.. قال: "مَن كنتُ مَولاه فَعَلِيٌ مولاهُ.. اللّهُمَّ والِ مِن والاهُ، وعادِ من عاداهُ، وأحِبَّ من أحَبَّهُ، وابْغَضْ مَن أبْغَضَهُ، وانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، واخْذُلْ من خَذَلهَ، وأدِرِ الحقَّ معه حيث دارَ، ألا فَلْيُبَلّغِ الشّاهِدُ الغائبَ".. وحتى تترسخ الأهمية الكبيرة لهذا الحدث في النفوس، نزلت الآية: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً}.

 

إذاً ما جرى في غدير خم استوجب يأس الذين كفروا، فهم كانوا يخططون للإجهاز على الرسالة من بعده، بعد أن عجزوا عن مواجهتها في حياة رسول الله(ص).. لذا فاجأهم ما جرى في الغدير وخيب آمالهم عندما عين علي(ع) في هذا الموقع، ما يعني أن علياً الذي كان عقبة كأداء في وجه كل الذين كادوا للإسلام سيبقى تلك العقبة الكأداء حامياً للإسلام ومدافعاً عنه لا يبال في ذلك من لومة لائم أو إن وقع على الموت أو وقع الموت عليه، وحتى لا يشككن أحد بوقوع هذا التبليغ ــ الحدث، أو يوجهه أوجهاً أخرى دعا رسول الله(ص) المسلمين إلى أن يبايعوا علياً فرداً فرداً ويهنئوه، وطلب من شاعره حسان بن ثابت أن يسجل ما حدث شعراً.

 

لقد أكدت كل هذه الوقائع بدءاً بالآية وطبيعة المكان ومضمون خطبة رسول الله على أن ما جرى في الغدير لم يكن كما حاول البعض أن يوحي أمراً عادياً، هو أمر خطير يتعلق بما يضمن بقاء الرسالة واستمرارها، ويتصل بولاية علي على المؤمنين بعد رسول الله، وإن ما كان لرسول الله(ص) من موقع ودور انتقل إلى علي(ع).

 

وهنا يطرح سؤال، ما الذي جرى بعد ذلك حتى اختلف المسلمون في أمر الغدير، هل في ثبوت النص، والذي كان من الطبيعي أن يثبت في ظل وجود عدد كبير حتى قيل أنهم بلغوا مئة ألف في هذا الاجتماع.. وما جرى بعد ذلك من التهنئة والبيعة.. هنا يقال لم يحدث خلاف حول النص فهذا النص نفسه تناقله المسلمون جميعاً وهو موجود في كل مصادرهم.

 

الخلاف الذي حصل هو الفهم لهذا النص وبالخصوص حول مدلول كلمة الولي، حيث هناك من المسلمين لم ير فيها الدلالة على الحاكمية والخلافة والإمامة، هو رآها تحمل معنى آخر، وهو الحب، فرأى أن رسول الله لم يكن بوارد الحديث عن الحاكمية بل بوارد تعزيز حب علي في قلوب الناس بعدما بدت الكراهية له لا سيما ممن دخلوا إلى الإسلام حديثاً لكون علي(ع) قتل الكثير من أقاربهم من مشركي قريش في بدر وأحد والأحزاب وحنين وغيرها، ما قد يدعوهم إلى الثأر منه بعد ذلك، فأراد رسول الله حمايته منهم، من هنا راح يؤكد أن من يحبه فعليه أن يحب علياً…

 

هذا الأمر نوقش، ونحن ندعو إلى الاستمرار في النقاش فيه، علماً أن مجريات الغدير لا توحي بذلك فرغم أهمية حب علي(ع) فهل يستدعي أن يجمع رسول الله لأجل إعلان ذلك كل هذه الجموع وتنزل كل هذه الآيات، فالدعوة إلى حب علي(ع) والتشديد عليه، هو ما دأب عليه رسول الله، وهو الذي قال يومها لعلي وعلى مرأى الناس: "يا علي لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق".. وكثيرة هي الأحاديث التي عززت موقعه في نفوس المسلمين، وإذا كان الخوف من الثأر من علي فهذا مما تحدث عنه رسول الله خلال حجة الوداع عندما قال: "إنّ الدماء التي أريقت في الإسلام ذهبت ولا يجوز لأحد أن يثأر لها".. ومن لم يبال بكلام رسول الله هناك لن يبال هنا.

 

وهنا قد يثار تساؤل آخر كما أشرت: إذا كان المقصود من ذلك الخلافة وأنها حق لعلي(ص) بنص الله ورسوله، فكيف يتنازل علي عن هذا الحق.. والجواب في ذلك واضح إن علياً لم يتنازل علي عن الخلافة؟.. ما حصل هو أنه جمد الدعوة إليها حرصاً على عدم حدوث فتنة داخل المجتمع الإسلامي..

 

فقد كان علي(ع) واعياً لظروف تلك المرحلة حيث الإسلام لا يزال في ذلك الوقت غضاً طرياً، وأية خطوة غير حكيمة قد تودي بحضور الإسلام، لذا تعامل علي مع الخلافة من موقع الأمين عليها، نعم أكد أن هذا الموقع هو من يستحقه لكنه رأى أن حفظ الإسلام هو الأولى فقال: "لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري، أَمَا وقد انتهى الأمر إلى ما ترون فواللـه لأُسالمنَّ ما سَلِمَت أمور المسلمين ولم يكن جور إلاّ عليَّ خاصة".

 

لقد حرص علي(ع) على الخلافة نظراً لدورها في تجذير حضور الإسلام في الحياة وفي واقع المسلمين، لكنه ما كان يراها عندما تطيح بالإسلام وبمنجزات رسول الله، وهنا كان حرصه على استمرار دوره الطبيعي في الإمامة، حتى وهو خارج الخلافة.. ومن هنا كان قول عمر: "لولا علي لهلك عمر".. وهذا ما عبر عنه الأئمة(ع) الذين لم يكونوا خلفاء في السلطة لكنهم كانوا خلفاء في العقول والقلوب وفي الحياة.

 

إذاً يوم الغدير أيها الأحبة: هو يوم تأكيد إيماننا لخط أهل البيت(ع) الذي جاء يوم الغدير ليشهد أنه لم يكن طارئاً على الإسلام، بل جاء من رحم الإسلام هو نتاج كلام رسول الله(ص) فأهل البيت(ع) عندما يتحدثون ويشرعون هم يعبرون في ذلك عن رسول الله وما جاء به.

 

ونحن في التزامنا بهذا الخط رغم وضوح الصورة لدينا بصحة ما نؤمن به، لكن هذا لا يدعونا أبداً إلى أن نرفض من يختلف معنا فيما يؤمن به أو نعلن العداء له أو نسيء إلى رموزه، أو أن ننفجر غيظاً وحقداً، بل يدفعنا إلى فتح باب الحوار معه في ما جرى في الغدير أو غيره، وفي تأكيد مواقع اللقاء وهي كثيرة كثيرة.. سيبقى منطقنا هو منطق علي(ع) الذي كان يرى الخلافة له.. لكن ذلك لم يجعله يقاطع من أخذوا منه الخلافة، أو أن يتواصل معهم ويسدد، أو يتعاون معهم من أجل الإسلام والمسلمين.. كان دائماً يتطلع إلى نقاط اللقاء وإلى ما يسلم به الإسلام والمسلمون من الفتن التي يراد أن تحدق بهم.

 

قدوتنا ستبقى علي(ع).. لا حساسياتنا ولا عصبياتنا ولا غرائزنا، وسنبقى نردد معه لا: "لا يكن أفضل ما نلت في نفسك من دنياك بلوغ لذّة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل أو إحياء حقّ".. لذا سنعمل بكل جهد على أن نئد الفتنة التي يراد لها أن تعصف بواقعنا ونمنع كل العابثين بساحة المسلمين وسنمد جسور المحبة والتواصل رغم الاختلاف.

 

لن نكتفي في يوم الغدير بأن نقيم أفراحنا ونتبادل التهاني، بل ستكون مناسبة لنتفحص أنفسنا، هل نحن فعلاً موالون لعلي ولأهل البيت(ع).. نرجو أن يوفقنا الله في ذلك، لأن هذا الارتباط، كما تؤكد الوقائع، مكلف ويحتاج إلى تضحيات، والكثيرون تركوه حتى قال علي(ع): "ما ترك لي الحق من صديق".

 

لقد حدد لنا علي(ع) منهج الولاية له عندما قال: "ألا وإنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطِمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنّكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّة وسداد".

فلنعنه حتى يعيننا الله ويكون شفيعاً لنا: الله بلغنا شفاعته يا أرحم الراحمين.

 

الخطبة الثانية

عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بأن نكون من أولئك الَّذين قال الله تعالى عنهم: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا* عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا* يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا* إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا* فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا}.

 

أيها الأحبة، لقد كان الله واضحاً عندما ربط بين إنسانيتنا وعطائنا وحبنا للآخرين، وبلوغ الجنة، فلا يدخل الجنة إلا أصحاب النفوس الخيِّرة المعطاءة التي تعطي لله وحده، ولن تكون الجنة للأنانيين الّذين يختصرون الدنيا بأنفسهم وعائلاتهم، والذين يعطون ليأخذوا في المقابل، والذين يمنّون إن أعطوا… بالروح المعطاءة، نستطيع أن نبني مجتمعاً متماسكاً، وبها نكون أكثر قدرةً على مواجهة التحديات.

 

لبنان

والبداية من لبنان، حيث يبدو أنّ الأيام القادمة لا تحمل جديداً للبنانيين فيما كانوا يتمنونه من انتخاب رئيس للجمهوريّة يُخرج هذا البلد من النفق المظلم، ويعيد تحريك العجلة السّياسة المتوقفة أو شبه المتوقفة، وذلك بعد أن تبدَّدت كل أجواء التفاؤل التي عاشوها في الأيام الماضية، حين ظهرت صعوبة التوافق بين القوى السّياسيّة على هذا الأمر.

 

وفي هذا الوقت، يعيش لبنان على وقع أزماته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، والفساد المستشري الذي بات ينخر كل مفاصل الدولة، والإرهاب الذي ينتظر أي ثغرة للانقضاض على أمن البلد واستقراره، والخشية المستمرة من تدهورٍ يحصل في الداخل، وخطوات غير محسوبة تحصل في الشارع، وترفع من منسوب الاحتقان الطائفيّ والمذهبيّ والسّياسيّ الموجود أصلاً، إضافةً إلى انعكاس تطورات ما يجري في الدّاخل السّوريّ، حيث يحتدم الصّراع الإقليميّ والدّوليّ بكلّ أبعاده الطائفيّة والمذهبيّة والقوميّة، والذي نخشى دائماً أن ينعكس على لبنان.

 

وأمام كلّ ما يجري، نعيد دعوة كلّ القوى السياسية إلى أن ترتفع إلى مستوى المخاطر التي تهدّد الوطن في وجوده وبقائه، وأن تخرج من حساباتها الخاصّة لحساب سلامه واستقراره.

 

إنّنا نتفهّم جيداً الهواجس الّتي تعيشها هذه الطائفة أو تلك، أو هذا الموقع السّياسيّ أو ذاك، أو التّهميش الذي قد يعانيه، أو عدم أخذ حجمه وموقعه بعين الاعتبار، ولكن ما ينبغي الالتفات إليه، هو أن المرحلة الحالية في لبنان ليست مرحلة عادية حتى يمتلك فيها كل فريق القدرة على التحرك بما يريد، أو يأخذ منها ما يريد، بل هي مرحلة استثنائية ينبغي التعامل معها بهذه الصورة، والخروج منها بأقل قدر من الخسائر، فالظروف الداخلية التي نعيشها في الداخل ليست طبيعية، وكذلك ما يجري في محيطه.

 

ومن هنا، ندعو مجدداً، وانطلاقاً من الحرص على هذا البلد، إلى العودة إلى الحوار الداخليّ، وخلق مناخ لتوافقات تعمل على حمايته، فلا بديل من ذلك، لأنّ الخطاب العالي لن ينتج إلا خطاباً عالياً، والتّوتّر لا ينتج إلا توتراً في مواجهته، والشارع سيقابله شارعٌ آخر.

 

لقد بات واضحاً أنّ التوافق في لبنان هو السّبيل الوحيد لحلّ مشاكله وهواجس طوائفه ومذاهبه ومواقعه السياسية، فلا يوجد خيار سوى الإسراع في ذلك والعمل تحت مظلته.. ورغم كلّ هذا الجو القاتم الذي نعيشه في هذا البلد، فهناك نقاط ضوء ماثلة، نراها في القوى الأمنيّة التي باتت تمثل المظهر الأساسيّ لوجود دولة أو وطن، وتقوم بكل واجباتها على كل الصعد، في مواجهة الذين يستعدّون للنيل من استقرار البلد أو العابثين بالأمن الاجتماعيّ.

 

وهنا، ندعو إلى عدم تعريض هذه الأجهزة لأيّ فراغ أو خلل، كما يخشى الآن، بفعل عدم التوافق على التعيينات في المواقع الأساسية في الجيش والقوى الأمنية.

 

وهناك نقطة ضوء أخرى، تتمثّل بالمبادرات الّتي يقوم بها الذين يراهنون على بقاء الدولة، وعدم تحويلها إلى مزرعة للفاسدين والمفسدين. وهنا، على الرغم من أهميّة الدّور الّذي تقوم به لجنة الاتصالات النيابيّة، وسعيها الجاد لكشف المتورطين في مجال التخابر الدولي، نؤكد مجدداً على المسؤوليّة الواقعة على عاتقها للانتهاء من هذا الملفّ، بادّعاء النيابة المالية على المتهمين وإحالتهم إلى القضاء. والأمور مرهونة في هذا البلد بخواتيمها.

 

ويبقى أخيراً في الملف اللبنانيّ، أن نؤيّد المطالب المشروعة للسائقين العموميين والنقل البرّي، وأن نشدّد على ضرورة إعادة النظر في تلزيمات الميكانيك، نظراً إلى الأعباء الّتي تتركها على كاهل المواطنين، وإن كنا ندعو كلّ الَّذين يقومون بتحركات مطلبيّة إلى أن يأخذوا بعين الاعتبار مصالح المواطنين، التي لا نريد لها أن تتضرر، ولا نرى مصلحة لأحد في ذلك.

 

سوريا

وإلى سوريا، التي تحولت إلى ساحة نزاع دولي وإقليمي، لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وحسم الصراع بين الأجنحة المتصارعة في الدول المؤثرة.

 

إنّنا نعيد دعوة كلّ فئات الشعب السوري إلى التنبّه إلى مخاطر ما يجري، وتلقّف أي مبادرة توقف هذه الحرب الدامية، والتمهيد لتسوية داخلية تحفظ هذا البلد من التقسيم والانهيار، في الوقت الذي ندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة إلى أن تأخذ بزمام المبادرة، فتطوي صفحة صراعاتها غير المجدية، وتحفظ هذا البلد الذي لن يشكّل سقوطه إلا بداية لانهيارات لن توفّر أحداً من الدول المجاورة.

 

البحرين

ونصل إلى البحرين، الذي ندعو السلطات فيه إلى الكفّ عن سياسة التصعيد الجارية، والتي تتمثّل بتثبيت الحظر على جمعية الوفاق، واستمرار سياسة الاعتقال والتضييق، التي لن تكون أبداً مدخلاً لاستقرار هذا البلد، بل ستزيد الأمور تعقيداً.

 

إنّ الحلّ في البحرين لن يكون إلا بالوصول إلى تفاهم داخليّ يضمن لكل مكوّناته ما تصبو إليه من حقوق وحرية.

 

فلسطين

أما فلسطين، فإنّ شعبها يثبت حيويته، ويؤكد إصراره على المضي للدفاع عن حريّته واستقلاله والدفاع عن القدس والمسجد الأقصى، بعيداً عن حسابات الفصائل الفلسطينية وصراعاتها، من خلال العمليات البطولية التي يقوم بها، أو معركة الأمعاء الخاوية التي يخوضها. إن من حقّ هذا الشعب على الشعوب العربية والإسلامية، أن تقف معه، وتساعده على المضيّ في هذا الطريق لنيل حقوقه، ولحماية العالم العربي والإسلامي.

 

الحجّ

 

وأخيراً، لا بدّ لنا، وبعد انتهاء موسم الحج، من أن نهنئ الحجاج العائدين إلى وطنهم، ونسأل الله أن يتقبل أعمالهم، وأن تساهم هذه الفريضة، كما أرادها الله، في تعزيز روح الوحدة والتواصل بين المسلمين، وأن يكون الحج القادم جامعاً وشاملاً.

 

المكتب الإعلامي لسماحة العلامة السيد علي فضل الله

التاريخ : 22 ذو الحجة 1437هـ الموافق : 23 أيلول 2016م

 

 

Leave A Reply