رايات الحزن تلف المنطقة بفعل الإرهاب التدميري، فضل الله: بالحل السياسي ووحدة اللبنانيين نحمي الوطن

ألقى سماحة السيّد علي فضل الله خطبتي عيد الفطر المبارك من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعدما أمّ حشود المصلين الغفيرة الذين غصت بهم ساحات المسجد الداخلية والخارجية ومما جاء في خطبته:
 
 يأتي إلينا العيد ورايات الحزن تلفّ واقعنا، بفعل ما يجري في أكثر من بلد في العالم العربي والإسلامي، وفي باقي أنحاء العالم، حيث يسود منطق تدميريّ يضرب في كلّ مكان، وتغفل العيون عنه.. فكل الأراضي باتت ساحته، وما عادت تعرف له حدوداً ولا مدى واخر ما شهدنا  من اجرام كان في العراق والقطيف  ووصل إلى المدينة المنورة مدينة رسول الله(ص) والذي بات يسيء إلى البشر والحجر والقيم وإلى الدين بكل رحمانيته…
 
وأصحاب هذا المنطق يغذّون التوترات المذهبيّة والطائفيّة، ويستفيدون منها ومن الأوضاع البائسة للمسلمين، لاستمالتهم من خلال دغدغة المشاعر، وإثارة المخاوف، واللعب على الغرائز، وأنهم سبيل الخلاص.. في الوقت الذي بات واضحاً أنَّ هذا المنطق لن يكون حلاً لأحد، بل هو مشكلة للجميع..
 
إنَّ مواجهة هذا الإرهاب التدميري ومعالجته، لا يمكن أن تتمّ إلا بتضافر كلّ الجهود والطاقات وتعاونها في هذا المجال، ومن خلال التوقّف عن توظيفه واستثماره.. فهناك من يستثمر في هؤلاء الإرهابيين، وإن كان يعلن الحرب عليهم، ما داموا يخدمونه في تنفيذ مشاريعه أو في حربه في مواجهة الآخرين.. علماً أنّ التّجارب السّابقة واللاحقة، أثبتت أنَّ الَّذين دعموا هذا الإرهاب أو يدعمونه، هم الَّذين عانوا وسيعانون منه، لأنَّه لا يقبل إلا منطقه رافضاً أي منطق مختلف.
 
ولذلك، لا يكفي في هذه المرحلة إصدار بيانات استنكار تدين هذا الإجرام، بعد أن طاولت نيرانه الجميع، بقدر ما يحتاج الأمر إلى مشروع موحّد وفاعل، يقوم على وضوح في الرؤية، ويخرج من حالة المزايدة والاستثمار إلى أخذ القرار؛ قرار المواجهة على جميع المستويات الاجتماعية والدينية والثقافية والأمنية والسياسية.
 
ونحن نرى ضرورة أن يواكب هذا القرار بالعمل للإسراع على تبريد الجبهات الإقليميَّة الساخنة، بما يساعد في إطفاء نار الحروب الداخليَّة، بعدما بات التّوتّر الإقليميّ يشكّل الغذاء والحاضن لكلّ ما نعانيه من استنزاف لقدراتنا وإمكاناتنا وطاقاتنا، من دون أن يكون هناك أيّ رابح، وخصوصاً بعد أن أمسك اللاعبون الكبار بخيوط الصراعات الدائرة، وهم ليسوا مستعجلين في اجتراح أية حلول ما داموا ينطلقون من قاعدة: "دعهم ينزفون" حتى تتحقق مصالح الدول الكبرى، ومن ورائهم العدوّ الصّهيونيّ، الَّذي سيخلو له الجو، وستصبح له الكلمة الأساس.
 
ان هذه الصّورة الَّتي نرسمها للمنطقة تطابق الصّورة التي يعيشها لبنان.. فقد بات واضحاً الأبعاد الخطرة لما جرى أخيراً في بلدة القاع على مختلف المستويات، وما كشفت عنه التحقيقات، والَّتي أكَّدت ان الساحة اللبنانية في دائرة الاستهداف.. الأمر الَّذي يعني أنَّ الغطاء الذي حمى لبنان في السابق قابل للخرق والتمزيق في أيّ وقت، ولا سيما أن لا دولة موجودة في لبنان، حيث المؤسّسات بين الفراغ والتعطيل وشبه التعطيل، والمؤسسة العسكرية التي يقع عليها العبء الكبير، ونقدّر جهودها، محكومة بتوازنات هذا البلد، وبمحدودية قدراتها التي تقيّد حرية حركة الجيش، وتمنعه من تحقيق أهدافه، ما يتطلب الإسراع في إيجاد الحلول السياسية التي تضمن استقرار الوضع اللبناني، وتمهّد لتقوية المؤسسات العسكريّة والأمنيّة وتفعيل دورها للخروج من الواقع الذي تعانيه.
 
ومن هنا، فإنَّ القيادات اللبنانيَّة مدعوة إلى الارتقاء إلى مستوى التّحدّيات.. وإن كنا نخشى أن لا تصل إلى ذلك، بعدما بات واضحاً أن السياسة في بلدنا تبقى مشرعة على الرياح العاتية، ومرتهنة لمواقع القرار.. أو أسيرة لحالة الربط القائمة بين ما يحصل في هذا البلد والساحات الأخرى..
 
لكنّ المسؤولية تبقى على عاتق كل القيادات السياسية، فهي الموكلة بحماية إنسان هذا البلد الخائف على وجوده ومصيره ولقمة عيشه ومستقبله ومستقبل أولاده.. 
 
اننا في يوم العيد، نتوجّه إلى الله سبحانه أن يحمي هذا البلد وكلّ بلاد المسلمين، ونتوجه بالتحية الصادقة الخالصة إلى كل المقاومين والمجاهدين الذين يحمون حدود الأمة وكرامتها، وإلى شعبنا الصامد في فلسطين وإلى كل الذين ثبتوا في وجه العدوان الصهيوني المتواصل وخصوصاً أولئك الصائمين المعتكفين الذين رابطوا في المسجد الأقصى دفاعاً عنه.. املين من الله أن يمن على الأمة بالتحرير القريب،  وأن يعيد إلى ربوعنا الأمن والأمان والسّلام والوحدة، إنّه سميع مجيب .. وأن يجعله عيد خير وبركة وطمأنينة، إنّه مجيب الدعاء…
 

Leave A Reply