فضل الله: تعديل الطائف بالتدرّج والحوار

للعام الاربعين على التوالي يجهد المجتمع المدني بحركة جماهيرية وشعبية لمواكبة آلام ومآسي الحرب الاهلية البغيضة التي عاناها اللبنانيون طوال عقدين ونصف من الزمن كانت كافية لتترك ندوباً بارزة في جسد كل ابنائه وجروحاً لمّا تندمل بعد ولن تتماثل الى الشفاء في وقت قريب. قد يؤخذ على بعض هذا الحراك انه موسمي او يلبس لبوس المجتمع الاهلي ليمرر اجندات سياسية ما داخلية او خارجية او انعكاس للطبقة السياسية نفسها التي تمعن في استمرار هذه الحرب بوجوهها المتعددة وتبقي على ممارساتها التي تكرس وتعزز رواسب هذه الحرب.
ويرى الناشطون في المجال السياسي والاجتماعي والمدني ان الاحتفالية وإحياء مسيرات الشموع والندوات الفكرية والتذكير باهوال الحروب وفاتورتها الباهظة جميل وبراق ومفيد ومطلوب، لكنه يذهب هباءً منثوراً ما لم تواكبه اراداة سياسية وإجراءات وخطوات فعلية وعملية تبدأ من تعديل اتفاق الطائف والثغرات التي تكرس الحرب ولا تلغيها من وضع الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية والتمهيد لالغائها من النفوس بالتزامن مع النصوص بالاضافة الى جرح المفقودين والمخفيين قسراً والاسرى والمعتقلين في كل السجون وكشف مصير الامام المغيب موسى الصدر والدبلوماسيين الايرانيين الاربعة الى شخصيات ومواطنين سوريين وعراقيين وجزائريين فقدوا خلال الحرب الاهلية ومعرفة اماكن دفن ورفات حواجز القتل على الهوية.
في المقابل تجهد بعض القوى صادقة الى إنجاز ما او الى التأسيس لمسار قد يتطور لازالة متدرجة لرواسب المرحلة القاتمة والسوداء من عمر لبنان.
وهذا الحراك الديني والمدني والاجتماعي اسس له المرجع الراحل العلامة السيد محمد حسين فضل الله الذي اتخذ من الحوار الاسلامي- الاسلامي من جهة ومن الحوار الاسلامي- المسيحي من جهة ثانية عنواناً لحراك مستمر يقوده اليوم نجله العلامة السيد علي فضل الله الذي يقود حركة جديدة اسماها "ملتقى الاديان والثقافات للتنمية والحوار"، واذا يعترف فضل الله بالارث الثقيل وبالامانة التي يحملها بجدارة من والده الراحل، يقول لـ"صدى البلد" "اننا نعرف حجم التحديات التي تواجه الحوار الاسلامي- الاسلامي والاسلامي- المسيحي والاسلامي- الوطني وحوار الحضارات. ومعروف ان الخطاب السائد هو الخطاب المذهبي والطائفي وصوته اعلى. لن نستكين او نستسلم لهذا الواقع وعلينا ان نعمل على تحريك روح التواصل والوحدة ولغة الحوار في المجتمعات التي يمكن الوصول اليها لإزالة هذه اللغة المغروسة في الاذهان من التصفية والقتل في حال اختلفت معه".
ويقول ان "المطلوب ان نعمل ونتحرك في هذه الاطار وفي المستقبل، وعاجلاً ام آجلاً ستسود هذه اللغة ولا يمكن لعاقل ان ينتظر نتائج سريعة لذا نحن نعمل على مستويات متعددة: على مستوى العلماء والمثقفين ونزلنا الى الارض ونعمل مع المجتمع الاهلي للوصول الى اماكن بعيدة من التواصل مع الجهات الفاعلة في داخل لبنان وخارجه من مصر التي زرناها الى السعودية وايران وتركيا. ونحن سنستفيد من ارث السيد واحترامه وحضوره العربي والاسلامي ومن لغتنا المنفتحة". وفي حين يؤكد ان "العامل في مجال الوحدة يشعر بالإحباط فبعد ان يمضي سنوات في تهدئة النفوس وتقريبها من بعضها البعض يأتيك احدهم ليفجر نفسه او يقوم بعملية انتحارية يخرب كل جهودك. هناك صراع اليوم بين العاملين للوحدة والعاملين للفتنة فهم يستفيدون من اثارة الفتنة والتوتر المذهبي سياسياً وتأجيج الصراعات بين الناس".
وعلى ابواب الذكرى الاربعين لاندلاع الحرب الاهلية اطلق السيد فضل الله مبادرة 13 نيسان مكملة لعمل الملتقى الذي ينظم مساء اليوم ندوة حزبية ومدنية لنبذ الحرب واخذ العبر، كما ارسل رسائل الى المراجع الروحية ووسائل الاعلام يطلب فيها من المراجع الدينية والروحية ان تركز خطب الجمعة وعظات الاحد على السلم الاهلي وتعزيزه وتعطي الحوار والسلم البعد الديني. فالاساس هو السلم وليس الحرب او القتال، فالحرب موجودة والعنف موجود ولا يمكن الغاؤهما ويفترض العمل مثل الجراح والعمليات الجراحية لاستئصاله.
وعن الغاء الطائفية السياسية يعتقد فضل الله انه يتطلب تهيئة المناخ وإزالة الهواجس من النفوس وتفهم الحساسيات الطائفية وغيرها وتهيئة الاجواء وتحضير الارضية بطريقة متدرجة فالعلاقات بين الاديان في لبنان هي علاقات عشائرية وطوائفية.
وعن تعديل اتفاق الطائف يؤكد تأييده لاي طرح من شأنه ان يساهم بتطوير الواقع السياسي ولكن يجب ازالة الالغام قبل طرح اي تعديل، نحن مع التعديل نعم ولكن كيف ومتى؟ ليس قبل ازالة الالغام والهواجس.
القمم الروحية ولا سيما الاخيرة التي دعا اليها البطريرك الراعي لرفع الصوت من استمرار الشغور الرئاسي، يشير فضل الله الى ان القمم الروحية تحدد مواقف معينة وتوجه بالعموميات من دون الدخول في التفاصيل وهي في كثير من الاحيان تبرد الاجواء ولا يراد منها ان تكون فاعلة فمن يتحكمون بالواقع السياسي ويملكون القرار يستفيدون منها او يدفعون اليها لتبريد الاجواء وتمضية وقت معين او تغطية عمل ما يراد تمريره بغطاء ديني.
ملفات المنطقة يراها متشابكة ومعقدة والحوار النووي يهيئ الجو بما لاميركا وايران من حضور في المنطقة. ولكن الامور ليست سريعة كما يبسطها البعض. لبنان من اسهل الازمات مقابل تعقيدات الملفات السورية والعراقية واليمنية.
وعلى المستوى المذهبي لا يعتقد ان الامور ستزيد سوءًا اكثر مما نشهده اليوم ونحن ننتظر ان يشعر الجميع بالمأزق وسيجلسون في النهاية الى طاولة الحوار فاللعب على الوتر المذهبي والطائفي خطير سيتأذى منه الجميع.
 

 

Leave A Reply